أخيرا ردت إسرائيل على هجمات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، لتفتح جبهة جديدة بعيدا عن دائرة نيرانها التقليدية التي كانت تتخذ من أكناف بيت المقدس ومن الشام الكبير مسرحا للهبها المستعر منذ أكثر من 70 سنة.

ومن اليمن السعيد أخذت النار الإسرائيلية طريقها إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون رأس الحربة في الإسناد العسكري للمقاومة، خارج فلسطين ولبنان.

ويأخذ اللهب الإسرائيلي هذه المرة، دفقا كبيرا في تعدد هجماته التي زادت على عشر ضربات متلاحقة وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية، زيادة على حجم الإصرار الإسرائيلي على التدمير، ومستوى الانتشاء العالي بما لحق بمنشآت ميناء الحديدة من أضرار.

وقد تحدث الحوثيون عن سقوط قتلى ومصابين، بالإضافة إلى اشتعال النيران في منشآت مدنية هي مباني شركة الكهرباء ومستودعات الوقود إضافة إلى محطات توليد الكهرباء بالميناء الذي يعود إنشاؤه إلى العام 1961، ضمن تعاون يمني روسي.

ولليمن قصة طويلة مع اللهب، وتاريخ لا ينقطع مع الحروب، وبدون النار واللهب لا يأخذ اليمن سمته، فمنها عجمت الأيام عوده، وعرفت جبالها قصة الدم والثأر الذي لا سقف له، وبين اليمنيين وإسرائيل الآن قصة ثأر وعناد صراع لا سقف لنهايته، على خلفية دعم الحوثيين للمقاومة في قطاع غزة.

وبتناقض الإرادات بين الطرفين تتعدد رسائل الهجومات المتبادلة، ولا سيما الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي يعتبر الأول بعد 200 هجوم حوثي (وفقا لوزير الدفاع الإسرائيلي) كاد أن يعيد تشكيل المنطقة، وأن يجمد أمواج البحر الأحمر أمام الفلك الجارية من إسرائيل وإليها، وبعض حلفائها الغربيين.

ولعل من أبرز الرسائل الإسرائيلية:

التخويف وإرهاب المحيط: ركز القصف الإسرائيلي على مخازن الوقود والنفط في ميناء الحديدة، ليأخذ دهان اللهب مداه، بما يمكن أن يحقق من رعب في الشرق الأوسط، لا سيما أن "النيران يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط" وفق عبارة وزير الدفاع الإسرائيلي.

ولكن الحوثيين وأنصارهم يؤكدون أن ما لا يدركه الإسرائيليون أن تاريخ اليمن مرتبط باللهب، وأن حجم ما احترق على الأرض اليمنية من قاذفات النار، أضاء مستويات غير مسبوقة من الإصرار اللامتناهي.

وبشكل خاص، فإن سعي إسرائيل إلى إلحاق ما أمكن من ضرر بالمصالح الاقتصادية لليمن، وبالأدوات القتالية للحوثيين يعتبر هدفا أساسيا "لليد الطويلة" التي اتخذتها إسرائيل اسما لحملتها الجديدة.

استعراض القوة: وقد كان ذلك لافتا من حيث ضخامة الطائرات المستخدمة في القصف، ومن حيث عددها وتنوعها أيضا، حيث سخرت إسرائيل أسطولا جويا كاملا لتنفيذ العملية، وشاركت في القصف 20 طائرة من بينها قاذفات من طراز إف-15، وطائرات شبح إف-35، وطائرات حراسة من طراز إف-16، بالإضافة إلى 4 طائرات للتزويد بالوقود جوا، كما رافقتها لمسافة معينة بعض المروحيات.

كما أن هذه الأسراب العاتية من حاملات النار قطعت 1800 كيلومتر، لتصب حممها ولهبها على منشآت لتخزين الوقود في ميناء الحديدة، ثم لتترك بعد ذلك ألسنة اللهب التي تطاول عنان السماء، والنيران المتأججة تتحدث عن نفسها وتوصل ما تريد حكومة نتنياهو أن تبعثه من رسائل إلى الداخل وإلى الأطراف الأخرى في المنطقة، بعد أن تهاوت حالة الردع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومع أن الهجوم الإسرائيلي الجديد جاء يوما واحدا بعد القصف غير المسبوق الذي نفذه الحوثيون على تل أبيب بطائرة مسيرة، فقد تسابق المسؤولون الإسرائيليون للتأكيد -ضمنا- على أن الضربة الجديدة وإن نفذت على أراض يمينة، إلا إنها تحمل رسائل إلى خارج اليمن، كما اتضح ذلك من تصريحات نتنياهو ووزير الدفاع، بينما شارك رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا صورة الحرائق في الحديدة، قائلا "هذه رسالة لكل الشرق الأوسط". إظهار قوة إسرائيل: حيث حرص مسؤولون إسرائيليون على التأكيد لوسائل إعلام إسرائيلية وأميركية أن قصف اليمن كان تنفيذا إسرائيليا خالصا، ودون مشاركة أميركية أو غربية، لتظهر بذلك لحلفائها وللداخل الإسرائيلي أنها ما زالت قوية وقادرة على حماية نفسها، بل والحرب خارج حدود "لهبها التقليدي". تمثل العملية الجديدة أول رد على واقع عسكري فرض الحوثيون تفاصيله، فقد أرغمت الهجمات الحوثية المستمرة منذ شهور، إسرائيل على أن تكون في موضع دفاع عن "النفس" وهي التي طالما مارست عدوانها على بلدان عربية متعددة ما زالت بدورها تحتفظ لنفسها بحق الرد. رسائل للنظام الإيراني الجديد الذي سيستلم مهامه بعد فترة قليلة، تؤكد أن تل أبيب ما زالت خصما عنيدا وقادرا على إثارة مزيد من اللهب في شط العرب وفارس على حد السواء، سيما أن الهوى والسلاح الحوثي إيرانيان وبجدارة كما تزعم إسرائيل باستمرار وحرصت على التأكيد عليه اليوم في تصريحات مسؤوليها عقب العملية.

وبين رسائل اللهب المتعددة، تحاول إسرائيل ترميم ما أمكن من صورتها المحترقة داخليا، وإعادة شيء من التوازن إلى حرب فرض الحوثيون في أغلب ما مضى محطاتها، وأطرافها، وزمانها، واختاروا لها من الأمكنة دائما ما يحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر والقبة الحديدية التي لا تخترق، والعاصمة التي كانت في الفترة التي سبقت طوفان الأقصى إحدى أكثر عواصم الشرق الأوسط أمنا وإن كانت أيضا الأكثر تصديرا للرعب واللهب، وربما أصبحت الأكثر استيرادا له منذ عدة أشهر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات میناء الحدیدة الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

من المؤرخ الإسرائيلي الذي قُتل في معارك لبنان وماذا كان يفعل؟

عندما دخل المؤرخ الإسرائيلي زئيف إيرلتش إلى جنوبي لبنان لفحص واحدة من القلاع التاريخية القريبة من مدينة صور، لم يكن يعرف أن نيران حزب الله ستكون بانتظاره هناك لترديه قتيلا.

وكان إيرلتش (71 عاما) موجودا في منطقة عمليات تبعد عن الحدود بنحو 6 كيلومترات، لمسح قلعة قديمة بالقرب من قرية "شمع" عندما باغتته صواريخ حزب الله.

ورغم أنه كان يرتدي زيا عسكريا ويحمل سلاحا شخصيا، فإن بيانا صادرا عن الجيش الإسرائيلي اعتبره "مدنيا"، وقال إن وجوده في تلك المنطقة يمثل انتهاكا للأوامر العملياتية.

وكان المؤرخ، الذي تقول الصحف الإسرائيلية إنه منشعل بالبحث عن "تاريخ إسرائيل الكبرى"، يرتدي معدات واقية، وكان يتحرك إلى جانب رئيس أركان لواء غولاني العقيد يوآف ياروم.

وبينما كان الرجلان يجريان مسحا لقلعة تقع على سلسلة من التلال المرتفعة حيث قتل جندي إسرائيلي في وقت سابق، أطلق عنصران من حزب الله عليهما صواريخ من مسافة قريبة، فقتلا إيرلتش وأصابا ياروم بجروح خطيرة.

ووصف جيش الاحتلال الحادث بالخطير، وقال إنه فتح تحقيقا بشأن الطريقة التي وصل بها إيرلتش إلى هذه المنطقة. لكن صحيفة يديعوت أحرونوت أكدت أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يرافق فيها إيرلتش العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان.

كان يعمل مع الجيش

ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن يجال -شقيق القتيل- أن إيرلتش كان يعامل بوصفه جنديا في الميدان، وأنه كان يرافق القوات الإسرائيلية بغرض البحث الأثري بموافقة الجيش وبرفقته.

واتهم يجال المتحدث باسم جيش الاحتلال بمحاولة حماية كبار الضباط وإلقاء مسؤولية ما جرى على القيادات الوسطى. وقد أكد الجيش أنه سيعامل القتيل بوصفه جنديا وسيقوم بدفنه.

وقُتل إيرلتش بسبب انهيار المبنى الذي كان يقف فيه عندما تم قصفه بالصواريخ. وتقول صحف إسرائيلية إن العملية وقعت فيما يعرف بـ"قبر النبي شمعون".

ووفقا للصحفية نجوان سمري، فإن إيرلتش كان مستوطنا، ولطالما رافق الجيش في عمليات بالضفة الغربية بحثا عن "تاريخ إسرائيل"، وقد قُتل الجندي الذي كان مكلفا بحراسته في العملية.

وأشارت يديعوت أحرونوت إلى أن القتيل كان معروفا في إسرائيل بوصفه باحثا في التاريخ والجغرافيا، وقالت إنه حرّر سلسلة كتب "السامرة وبنيامين" و"دراسات يهودا والسامرة". وهو أيضا أحد مؤسسي مستوطنة "عوفرا" بالضفة الغربية.

وتشير المعلومات المتوفرة عن إيرلتش إلى أنه درس في مؤسسات صهيونية دينية، منها "مدرسة الحائط الغربي" بالقدس المحتلة، وحصل على بكالوريوس من الجامعة العبرية فيها، وأخرى في "التلمود وتاريخ شعب إسرائيل" من الولايات المتحدة.

كما خدم القتيل ضابط مشاة ومخابرات خلال الانتفاضة الأولى، وكان رائد احتياط بالجيش.

مقالات مشابهة

  • الحوثيون يستهدفون قاعدة جوية إسرائيلية بمنطقة النقب
  • القوات المسلحة اليمنية تستهدف قاعدة جوية إسرائيلية .. عاجل
  • اتصالات إسرائيلية ورسائل تهديد تطالب اللبنانيين بالنزوح عن منازلهم
  • العمليات اليمنية تُمرّغ هيبة أمريكا والكيان الإسرائيلي في الوحل (2-2)
  • من المؤرخ الإسرائيلي الذي قُتل في معارك لبنان وماذا كان يفعل؟
  • العمليات اليمنية تمرّغ هيبة أمريكا والكيان الإسرائيلي في الوحل (1-2)
  • حدث أمنيّ صعب... ما الذي يحصل مع الجيش الإسرائيليّ في جنوب لبنان؟
  • معلومات السفينة التي هاجمها الحوثيون في البحر الأحمر
  • العزي: مغادرة الحاملة “إبراهام” خطوة جيدة وتوقف العمليات اليمنية بوقف العدوان الإسرائيلي
  • معهد روسي: الحوثيون يبنون شبكة تحالفات خاصة بهم خارج محور المقاومة الذي تقوده طهران (ترجمة خاصة)