الأزمة الوجودية والوقوع في فكر التطرف
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
Your browser does not support the audio element.
حظيت ظاهرة التطرف/ الإرهاب بالكثير من الدراسات التي تحاول اكتشاف الأسباب الحقيقية التي تدفع المتطرف إلى تطرفه والإرهابي إلى أعماله المنافية للفطرة الإنسانية السوية. وتجاوزت تلك الدراسات الجوانب الخارجية وغاصت في أعماق النفس الإنسانية علّها تصل إلى فهم يمكن من خلاله حماية المجتمع من أخطار التطرف.
ومن الظواهر التي تم بحثها في هذا السياق ظاهرة الأزمة الوجودية التي يعيشها الفرد وعلاقتها بتطرفه، خاصة أن الكثير من المتطرفين انتفت من حولهم الكثير من الأسباب الخارجية التي تقودهم إلى الفكر المتطرف، ولم يبق إلا البحث في أعماقهم النفسية التي غالبا تموج بالأسئلة والصراعات.
والأزمة الوجودية هي حالة نفسية وفكرية يشعر فيها الفرد بعدم اليقين بشأن معاني الحياة وأهدافها. وهذه الحالة عند مستوى من المستويات جزء من التجربة الإنسانية حيث تطرح الأسئلة العميقة حول الذات والوجود والمستقبل.. ولكنها قد تضع الإنسان في حالة من الشعور بالضياع والقلق العميق الذي يمكن أن يؤثر على تفكيره وسلوكه بشكل كبير جدا، ويجعله عرضة لتأثيرات قادمة من جماعات/ أفراد يشتغلون على هذا النوع من الصراعات النفسية الداخلية.
ولاحظ الباحثون، ممن درسوا التطرف، بشكل متزايد وجود صلة بين الأزمات الوجودية والتعرض للأيديولوجيات المتطرفة؛ فالأفراد الذين يعيشون حالة من اللايقين والشكوك العميقة يبحثون عن إجابات سريعة ونهائية وحاسمة، ومع الأسف، فإن الجماعات المتطرفة تقدم مثل هذه الإجابات بسهولة وبنفس اليقين الذي توزع به صكوك الغفران.
تنشأ الأزمة الوجودية عادة من اضطراب في إحساس الفرد بالهُوية أو المعنى أو الهدف، والبحث عن المعنى هو دافع أساسي وملازم للإنسان، ولكن عندما يتم إحباط هذا المسعى بسبب التحديات الشخصية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تمر على الإنسان بشكل فردي أو تمر على محيطه؛ فمن المرجح أن يعاني من شعور عميق بالارتباك واليأس.
وتقدم الأيديولوجيات المتطرفة إجابات واضحة ومطلقة على أسئلة الحياة المعقدة، والأفراد الذين يواجهون تهديدات وجودية غالبا ما ينجذبون نحو هذا النوع من الأيديولوجيات التي تعد باليقين وتوفر إطارا يمكن للأفراد من خلاله تفسير معاناتهم وشكوكهم وإيجاد مبررات لمظلومياتهم.
وتسلط العديد من الدراسات الضوء على الآليات النفسية التي تربط الأزمات الوجودية بالفكر المتطرف، وتظهر أن التهديدات الوجودية تزيد من جاذبية الأيديولوجيات التي تقدم وجهات نظر ثابتة لا لبس فيها. ويتجلى هذا بشكل خاص في الأفراد الذين يعانون من مستويات عالية من عدم اليقين الشخصي وتدني احترام الذات.
وتكشف دراسات أن الكثير من الأفراد الذين انضموا إلى جماعات متطرفة أبلغوا عن شعورهم بالعزلة، وغياب شعورهم بالهدف من الحياة، والقلق الوجودي قبل تحولهم إلى التطرف.
وتعيد المجموعات المتطرفة تفسير المظالم الشخصية والشكوك الوجودية باعتبارها جزءا بسيطا من مشكلة أكبر مقدمة حلولا مبسطة ومطلقة لمشكلات الأفراد. وتمنح السرديات التي تقدمها الأيديولوجيات المتطرفة الأفرادَ شعوراً بالانتماء والهدف من الحياة ما يعزز إحساسهم بالمعنى في حياتهم الأمر الذي يسهل تجنيدهم في القضايا والأفعال المتطرفة.
ويمكن أن تخفف معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الوجودية خطر التطرف الذي ينتشر في الكثير من بقاع العالم، وهذا الأمر يتم في المقام الأول عبر تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع ووجود هدف حقيقي من وجود الإنسان في هذه الحياة، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود تبدأ من الأسرة التي يعتبر دورها أكثر أهمية في علاج التطرف وبذوره، ناهيك عن الأزمات التي تقود إليه وللأسرة في هذا السياق دور مهم جدا في البناء الديني للفرد جنبا إلى جنب مع المسجد. ورغم أهمية التدخلات التعليمية والأسرية، فإن التدخلات النفسية التي تعزز التفكير النقدي والقدرة على الصمود في مواجهة وجهات النظر التبسيطية لا تقل أهمية عما سبقها.
ولا شك أن الارتباط بين الأزمات الوجودية والفكر المتطرف يؤكد أهمية معالجة الاحتياجات النفسية والاجتماعية الأساسية للأفراد؛ ولذلك لا يمكن التقليل من أهمية بناء أفراد المجتمع ليكونوا أكثر صلابة وقوة في مواجهة الأزمات، سواء كانت أزمات خارجية مما تفرزه الحياة وتحولاتها في السياق اليومي، أو الأزمات النفسية الناتجة عن الأسئلة الوجودية قبل أن تتحول تلك الأسئلة إلى أزمة حقيقية. ويمكن للمجتمع أن يقلل من جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة ويعزز مسارات أكثر صحة لإيجاد الهدف والمعنى في الحياة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأفراد الذین الکثیر من
إقرأ أيضاً:
«التنمر وأسبابه و أشكاله والآثار النفسية والمجتمعية له».. ندوة توعوية بآداب طنطا
في إطار الدور التوعوي والتثقيفي الذي تقوم به كلية الآداب جامعة طنطا بالتعاون مع قطاع شئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، أقيمت اليوم الأربعاء ندوة توعوية بكلية الآداب بعنوان "التنمر: الأسباب - الأشكال - الآثار النفسية والمجتمعية".
أقيمت الندوة تحت رعاية الدكتور محمد حسين، القائم بأعمال رئيس الجامعة، و الدكتور ممدوح المصري، القائم بأعمال عميد الكلية، وبإشراف الدكتور رأفت عبد الرازق، وكيل كلية الآداب لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، الذين أكدوا على أهمية تناول هذه القضية التي تؤثر على الأفراد والمجتمع ككل.
وتحدثت الدكتورة شيماء خاطر، رئيس قسم علم النفس بكلية الآداب، عن أسباب انتشار ظاهرة التنمر، موضحة أن العوامل الأسرية، والتنشئة الاجتماعية، والاضطرابات النفسية تلعب دورًا رئيسيًا في ظهور السلوك العدواني لدى بعض الأفراد.كما أشارت إلى تأثير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تفاقم هذه الظاهرة.
من جانبه، تناول الدكتور محمد السيد منصور، المدرس بقسم علم النفس، أشكال التنمر المختلفة، موضحًا أنه لا يقتصر على التنمر الجسدي فقط، بل يشمل أيضًا التنمر اللفظي، والتنمر الاجتماعي، والتنمر الإلكتروني الذي أصبح أكثر شيوعًا مع تطور التكنولوجيا.
كما استعرض الدكتور منصور الآثار النفسية والمجتمعية للتنمر، مشيرًا إلى أن الضحايا يعانون من مشكلات نفسية خطيرة، مثل القلق، والاكتئاب، والعزلة الاجتماعية، وضعف الثقة بالنفس، مما قد يؤثر على مستقبلهم الأكاديمي والمهني. بالإضافة إلى ذلك، تحدث عن تأثير التنمر على المجتمع، حيث يؤدي إلى تفكك العلاقات الاجتماعية وزيادة معدلات العنف.
شهدت الندوة حضورًا مكثفًا من طلاب الجامعة والأساتذة المهتمين بالقضية، حيث تفاعلوا مع الموضوع من خلال مناقشات وطرح أسئلة تنويرية حول كيفية مواجهة التنمر والحد من تأثيراته السلبية على المجتمع.
وفي ختام الندوة التوعوية، أوصى المتحدثون بضرورة تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة التنمر، وتكثيف الجهود التربوية في المدارس والجامعات.