يرى خبراء عسكريون وإستراتيجيون أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة على اليمن استهدفت أهدافا اقتصادية "رخوة" في محاولة لترميم إستراتيجية الردع الإسرائيلية وإرسال رسائل إقليمية، مع توقعات بردود فعل يمنية.

وبحسب الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري، فإن الضربات الأميركية السابقة ضد اليمن كانت تستهدف البنى التحتية لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، ولكن إسرائيل استهدفت 3 أهداف "رخوة" في هذه العملية تتمثل في مباني شركة الكهرباء ومستودعات الوقود، إضافة إلى محطات توليد الكهرباء.

وأوضح الدويري -خلال حلقة 20-7-2024 من برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"- أن هذه الأهداف يسهل الوصول إليها، لأنها ليست محمية بأنظمة دفاع جوي، مشيرا إلى أنها أهداف "مؤلمة" في بعدها الاقتصادي، نسبة إلى أن المنطقة تعاني أصلا من ارتفاع درجات الحرارة في هذا الفصل من السنة.

أوراق القوة اليمنية

وأشار إلى أن ضرب الأهداف الاقتصادية التي تقدم الخدمة للمواطنين هو عمل يجب أن تخجل منه إسرائيل، محذرا تل أبيب من أنها لن تقدر على احتمال الرد الإيراني في حال قيامها بضرب طهران مباشرة.

وتوقع الدويري أن يتمثل رد أنصار الله في التصعيد باستهداف السفن، وزيادة أعداد الطائرات المسيرة التي يمكن أن تنجح في الوصول إلى العمق الإسرائيلي.

وبحسب الدويري، فإن أوراق القوة المتاحة لجماعة أنصار الله تتمثل في استخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي يمكن أن تضرب أهدافا داخل إسرائيل، إضافة إلى استهداف السفن في البحر الأحمر أو خليج عمان أو بحر العرب.

تصعيد محسوب

من جهته، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أشرف بدر إن إسرائيل لديها عدة أهداف وراء تنفيذ هذه العملية، منها ترسيخ فكرة أن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها، كما أن اختيار الهدف هو رسالة موجهة إلى طهران مفادها أن إسرائيل قادرة على مهاجمة المنشآت النفطية الإيرانية، إضافة إلى أن إسرائيل تهدف من وراء العملية إلى تنفيذ تصعيد "محسوب".

وبشأن تأثير العملية على الساحة السياسية، أشار بدر إلى تسابق وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للظهور على وسائل الإعلام وتبني العملية التي يعتقدون أنها يمكن أن "ترمم" إستراتيجية الردع التي تآكلت بفعل ضربات المقاومة الموجعة خلال الفترة الماضية.

كما يرى بدر أن غالانت يحاول استغلال العملية لإسكات الأصوات المنادية بعزله داخل الحزب، في حين يحاول نتنياهو إظهار أنه المسؤول الأول عن العملية وتفاصيلها.

وحول جاهزية إسرائيل لمواجهة الرد اليمني، قال بدر إن وسائل الاحتلال حذرت من هذا الأمر، موضحا أن إسرائيل حريصة على عدم الدخول في حرب شاملة، لأنها غير قادرة على ذلك.

صمود الشعب اليمني

واتهم الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية العميد محمد عباس الاحتلال بسوء التقدير إذا ظن أنه سيضعف دعم وإسناد الشعب اليمني لقيادته باستهداف هذا الهدف الاقتصادي الإستراتيجي.

وقال عباس إن جبهات إسناد المقاومة المتمثلة في جماعة أنصار الله وحزب الله وإيران تنسق فيما بينها، ولكن لكل جبهة ظروفها الميدانية، مشيرا إلى أن توسيع العمليات ضد الاحتلال مرتبط بتوسيعه للعمليات في قطاع غزة.

وأوضح عباس أن وصول المسيرات إلى تل أبيب أظهر تراجع مقدرات الردع لدى جيش الاحتلال، مؤكدا أن إسرائيل أعجز من أن تخوض مواجهة شاملة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أنصار الله أن إسرائیل إلى أن

إقرأ أيضاً:

‏تسريب الهجوم البري الأمريكي في اليمن: قراءة استراتيجية في تكتيكات الحرب غير المعلنة

مصطفى الخطيب

من خلال تتبع الأسلوب الأمريكي في إدارة الصراعات “عن بُعد”، خصوصاً في بيئات غير مستقرة كاليمن، يمكن القول إن ما يُنشر إعلامياً حول نية واشنطن تنفيذ هجوم بري ليس سوى انعكاس لحالة التخبّط المعلوماتي الذي تعيشه الإدارة العسكرية الأمريكية، لا سيما في ساحة معقدة ومتشعبة كهذه. في الحروب المعاصرة، لا تُخاض المعارك بالضرورة عبر الاشتباك المباشر، بل كثيراً ما تدار من وراء ستار المعلومات والتسريبات والضغوط النفسية.

الفجوة الاستخباراتية الأمريكية في اليمن

أثبتت الأسابيع الماضية، إن الولايات المتحدة تفتقر إلى بنية استخباراتية على الأرض تُعتمد عليها في تنفيذ عمليات دقيقة. فرغم الضربات الجوية المستمرة، إلا أن واشنطن لم تستطع تحييد القدرات العملياتية لأنصار الله، الذين واصلوا استهداف السفن العسكرية الأمريكية ومنع السفن الإسرائيلية من العبور وقدرة استهداف عمق الكيان الإسرائيلي بوسائل متطورة وغير متوقعة. هذا العجز الاستخباراتي جعل من الحرب الجوية ذات تأثير محدود، الأمر الذي دفع صانع القرار الأمريكي إلى التفكير بأساليب بديلة للحصول على المعلومات، ومنها تسريب نوايا زائفة.

التسريب كأداة استخبارية

التسريب المتعمد عن عملية برية محتملة يمكن اعتباره أداة لجمع المعلومات بطريقة غير مباشرة. فالهدف منه تحريك الجماعة المستهدفة، ودفعها إلى اتخاذ إجراءات دفاعية استباقية، كإعادة الانتشار أو تأمين مراكز القيادة، ما يسهل عملية الرصد من الجو أو عبر إشارات الاتصالات. هذا النوع من “الهندسة النفسية” يُستخدم غالباً عندما تكون المعلومة الميدانية غائبة، ويُراد استدراج الخصم إلى كشف أوراقه دون اشتباك فعلي.

محاولات لجرّ أنصار الله إلى “خطأ تكتيكي”

ما تسعى إليه واشنطن من خلال هذا التسريب هو دفع أنصار الله إلى ارتكاب خطأ تكتيكي، سواء بتحريك وحداتهم النوعية، أو تفعيل أنظمة دفاع كانت في وضع التخفي. في كلتا الحالتين، ستحصل واشنطن على فرصة لرصد نشاط جديد، ربما يعطيها “نافذة استخباراتية” كانت مفقودة منذ بداية التصعيد الأخير. إنه استدراج غير مباشر: إشعال فتيل خوف محسوب، ليفصح الخصم عن بعض أوراقه، أو يُعيد ترتيب مواقعه بشكل أقل سرية.

استخدام الحرب النفسية لتقويض الداخل لأنصار الله

من الجانب النفسي، فإن الحديث عن اجتياح بري يُستخدم لتوتير الجبهة الداخلية لأنصار الله، وإظهارهم كعامل تهديد وجودي قد يجر البلاد إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. هذا النوع من الضغط يُستهدف به أيضاً البيئة الحاضنة للجماعة، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي، أو على الأقل اختبار مرونة الجماعة في حشد أنصارها عند الشعور بالخطر.

اختبار ردود الفعل الإقليمية والدولية

ضمن حسابات واشنطن، لا يمكن تجاهل أهمية اختبار ردود فعل الشركاء الإقليميين خصوصاً دول الخليج تجاه احتمال انخراط بري في اليمن. كما أن هذا النوع من التسريبات يوفّر فرصة لقياس موقف القوى الدولية مثل روسيا والصين، ومدى استعدادها للدخول في مواجهات سياسية أو حتى دعم غير مباشر لطرفي الصراع. ومتى ما شعرت واشنطن بأن هناك اعتراضاً واسعاً أو بيئة دولية غير مواتية، يمكنها ببساطة التراجع عن الخطوة، مستفيدة من عدم إصدار إعلان رسمي.

محاولة التأثير على الحاضنة الدولية للحركة

لا يقتصر التأثير المتوقع على أنصار الله فقط، بل يمتد إلى الجهات التي تتحالف أو تتعاطف معهم في الإقليم أو خارجه. تسريب نوايا التدخل البري قد يكون بمثابة “جرس إنذار” لحلفائهم، في محاولة لفصل الدعم السياسي أو الإعلامي عنهم، أو دفع هؤلاء الحلفاء لإعادة تقييم جدوى استمرار العلاقة في حال تصاعد الحرب إلى هجوم بري واسع ضد أنصار الله من قبل الآلة العسكرية الأمريكية وحلفائها.

إدارة الظهر الإعلامي للعملية

من اللافت أن الحديث عن الهجوم البري جاء عبر تسريبات إعلامية لا بيانات رسمية. هذه النقطة تحديداً تعكس تكتيكاً معروفاً في العمليات النفسية: استخدام الإعلام كقناة غير رسمية لإرسال رسائل مشفرة. فإذا تحقق الهدف المطلوب من التلويح، سيكون ذلك انتصاراً “نظيفاً” دون تكلفة عسكرية. وإن جاءت النتائج سلبية أو غير محسوبة، يمكن ببساطة التنصل من التسريبات، وتحميل الإعلام مسؤولية “التهويل”.

بناء رواية تمهيدية لأي تصعيد لاحق

في حالة اتخاذ قرار فعلي بتوسيع العمليات العسكرية، فإن هذه التسريبات تعمل كرواية تمهيدية للرأي العام الأمريكي والدولي. التدرج في التصعيد الإعلامي يعطي غطاءً سياسياً لاحقاً لأي تدخل محدود أو موسع. في هذا السياق، يُمكن اعتبار التسريب جزءاً من حملة إدارة التصعيد، وليس مجرد تكتيك آنٍ.

خاتمة تحليلية:

التعامل مع هذه التسريبات على أنها مجرد نية هجومية، دون ربطها بالبُعد الاستخباراتي والنفسي، يُعد قراءة قاصرة للواقع. واشنطن، في ظل غياب سيطرة ميدانية واستخبارات بشرية فاعلة داخل اليمن، تتجه إلى “تحريك المسرح” عبر الحرب النفسية والمعلوماتية. هي لا تُخطط للاجتياح العسكري بقدر ما تُراهن على ردود الفعل. في مثل هذه البيئات، قد يكون الصدى أقوى من الصوت، والإشاعة أقوى من الطلقة.

فالخطر الحقيقي لا يكمن في قدوم قوات أمريكية إلى صنعاء، بل في نجاح واشنطن بجعل خصمها يتحرك باتجاه الكمين… طواعية.

مقالات مشابهة

  • جيروزاليم بوست: إسرائيل فكرت جديًا في مهاجمة إيران عدة مرات منذ أكتوبر
  • صنعاء تتوعد بـ"ساعة التحرير": استعدادات كبرى للسيطرة على محافظتين
  • ‏تسريب الهجوم البري الأمريكي في اليمن: قراءة استراتيجية في تكتيكات الحرب غير المعلنة
  • دور أنصار الله في تآكل مركزية القوة في النظام الدولي الأحادي
  • صحيفة روسية: “القدرات العسكرية اليمنية باتت لغزًا استخباراتيًا محيرًا”
  • صحيفة روسية: الغموض المعلوماتي لليمن يُخيف واشنطن
  • الدويري: الاحتلال يستخدم بصمة الصوت والعين لتعقّب مقاتلي المقاومة بغزة
  • بين النور والظلام: قراءةٌ في التأييد الإلهي لأنصار الله
  • سياسي أنصار الله: اقتحام الأقصى وجرائم جنين تكشف وحشية الاحتلال وتزيد تمسك الفلسطينيين بالمقاومة
  • سفير الاتحاد الأوروبي: ناقشت مع المنفي العملية السياسية التي تُيسّرها الأمم المتحدة