عودة إلى عهد التصافي : اتصال الشيخ محمد بن زايد والبرهان يمهد لدور إماراتي في وقف الحرب
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
أبوظبي/ الخرطوم – وضع الاتصال الهاتفي الذي تلقاه رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، مساء الخميس الماضي، حدا لتكهنات وتخمينات سودانية راجت بشأن انحياز أبوظبي إلى طرف على حساب آخر، وعزز التكهنات بخصوص تدخل إماراتي وشيك لإنهاء الحرب، وفقا للعرب اللندنية.
وتحدثت تسريبات تداولتها وسائل إعلام الجمعة عن مناقشة الشيخ محمد بن زايد والبرهان لمبادرة من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
وأكد رئيس دولة الإمارات حرص بلاده على “دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان الشقيق بما يسهم في تعزيز استقراره وأمنه ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء”.
وتلقت دوائر سياسية ومدنية في السودان الاتصال على أنه مقدمة لقيام الإمارات بدور حيوي جديد في وقف الحرب وتطويق تداعياتها بين الجيش وقوات الدعم السريع، عقب ترشيحها سابقا للانضمام مع مصر إلى كل من السعودية والولايات المتحدة لتسهيل استئناف عمل منبر جدة، وبعد تحركات قامت بها القاهرة التي تربطها علاقات وطيدة مع أبوظبي والجيش السوداني لتقريب المسافات بين القوى السياسية.
وربط متابعون بين الاتصال، وهو الأول بين الشيخ محمد بن زايد والبرهان منذ اندلاع الحرب في السودان، وزيارة قام بها رئيس وزراء إثيوبيا إلى بورتسودان هي الأولى له منذ اندلاع الحرب، إذ أوحى الاتصال ومن قبله الزيارة بوجود تحرك لوساطة يمكنها تفكيك بعض التعقيدات في مسار التفاوض بين الجيش والدعم السريع.
وكشفت مصادر دبلوماسية معلومات نشرتها رويترز تفيد بأن الاتصال بين رئيس دولة الإمارات وقائد الجيش السوداني ناقش مقترحا من رئيس وزراء إثيوبيا للتوسط من أجل إنهاء الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل من العام الماضي.
ولم تظهر مؤشرات حول ماهية الوساطة، لكن بما تملكه الإمارات من علاقات واسعة وثقل إقليمي، وما تملكه إثيوبيا من معرفة بشؤون الأزمة في السودان، يمكنهما المساهمة في إخراج الأزمة من جمودها، بالتعاون والتنسيق مع جهات إقليمية ودولية.
وقال عضو التيار الوطني السوداني نورالدين صلاح الدين إن الاتصال الهاتفي ستكون له نتائج سياسية واقتصادية مهمة، ويمثل إشارة مهمة إلى حدوث تطور بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث لدى الإمارات تأثيرات قوية في المشهد السوداني، وتربطها علاقات مع أطراف عديدة، سوف تساعدها على ممارسة دورها في ملفات التفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “السودان شهد خلال الأسبوعين الماضيين تحولات تشي بحدوث تطور سياسي، بدءا من اجتماع القوى السياسية في القاهرة، ثم زيارة مساعد وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي إلى بورتسودان ولقاء البرهان، وزيارة آبي أحمد المفاجئة إلى بورتسودان أيضا، ناهيك عن اجتماعات الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، وعقد مفاوضات غير مباشرة في جنيف بين وفدي الجيش والدعم السريع”.
ولفت صلاح الدين إلى أن الجميع ينتظرون ما سيحدث في الأيام المقبلة بشأن وضع حد للمعاناة التي يتعرض لها السودانيون، على أن يكون البدء بالقضايا الإنسانية التي يجب أن يعقبها توافق سياسي يمهد الأرضية لسلام مستدام بعد وقف إطلاق النار.
وكسر الاتصال بين الشيخ محمد بن زايد والبرهان جمودا سيطر على العلاقة بين الجيش والإمارات، وفي خضم اتهام قيادات في الجيش وانتقادات وجهت من جانب مبعوث السودان لدى الأمم المتحدة إلى دولة الإمارات التزم الجنرال البرهان الصمت ولم يسر على طريق هؤلاء مباشرة في تصريحاتهم، وهو ما فُهِمت منه إمكانية تغيير هذه الأوضاع، وأن التوتر مع الإمارات قابل للاحتواء.
واتهم مساعد قائد الجيش السوداني الفريق أول ياسر العطا دولة الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بأسلحة ومعدات لوجستية، وردد الاتهام نفسه مندوب الخرطوم في مجلس الأمن الدولي الحارث إدريس في يونيو الماضي، وهو ما نفته تماما الإمارات مرارا على لسان مسؤولين فيها.
وقال أنور قرقاش مستشار الرئيس الإماراتي إن بلاده مهتمة بوقف الحرب والعودة إلى المسار السياسي في السودان، رافضًا اتهامات مندوب الخرطوم.
قيادات الحركة الإسلامية أسهمت بدور كبير في تغذية اتهامات ضد دولة الإمارات، التي من المعروف أن لها مواقف واضحة من القوى المتطرفة في السودان والمنطقة
وكتب في تدوينة عبر حسابه في منصة إكس “في الوقت الذي تسعى فيه الإمارات إلى تخفيف معاناة الأشقاء السودانيين يصر أحد أطراف الصراع على خلق خلافات جانبية وتفادي المفاوضات وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية”.
ويشير مراقبون إلى أن قيادات الحركة الإسلامية التي تملك نفوذا واسعا داخل الجيش السوداني أسهمت بدور كبير في تغذية اتهامات ضد دولة الإمارات، التي من المعروف أن لها مواقف واضحة من القوى المتطرفة في السودان والمنطقة.
ويضيف المراقبون أن الفريق الإسلامي في الجيش وجد في الحديث عن علاقة عسكرية تربط الإمارات بقوات الدعم السريع فرصة لتبرير هزائم الجيش في معارك متعددة، وفرصة لإبعاد الدول التي لها مواقف صارمة حيال التنظيمات المتشددة لإبعادها عن مسارات التفاوض، والتي لا تريد الحركة الإسلامية التجاوب معها، حيث تسعى للقبض على زمام السلطة من دون مراعاة للخسائر التي تنجم عن ذلك.
وشدد الشيخ محمد بن زايد خلال الاتصال الهاتفي مع البرهان على “أهمية تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي ووضع مصالح السودان العليا في الأولوية”، معربا عن التزام بلاده “بمواصلة دعم الجهود الإنسانية لتخفيف المعاناة عن الشعب السوداني”.
وخصصت الإمارات 50 مليون دولار لدعم الجهود الإنسانية من أجل مساعدة المتضررين من النزاع في السودان والفارين داخليّا، وكذلك اللاجئين السودانيين في تشاد، وأرسلت 1572 طنا من الإمدادات الغذائية والطبية عبر تسيير 18 طائرة إغاثية وسفينة لهذا الغرض.
Your browser does not support the video tag.المصدر: شبكة الأمة برس
كلمات دلالية: الجیش السودانی دولة الإمارات الدعم السریع فی السودان بین الجیش
إقرأ أيضاً:
حرب الوكالة: السودان والإمارات.. هل تغير «دولة ممزقة» تاريخ الحروب؟
لعقود طويلة، كانت حروب الوكالة ـ ولا تزال ـ حيزاً غامضاً تتحرك فيه الدول لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من دون الانخراط المباشر في أعمال عسكرية واسعة النطاق.
التغيير ــ وكالات
لكن هذا الحيز الرمادي ـ ثمة احتمالات ولو ضعيفة ـ قد يتقلّص، إذ تعيد دعوى قضائية جديدة النقاش حول إمكانية تجريم المشاركة ـ ولو عن بُعد ـ في جرائم الحرب.
السودان ضد الإماراتيقاضي السودان دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تأجيج نزاع داخلي، من دون أن تنشر الدولة الخليجية قواتها على الأراضي السودانية.
يزعم السودان أن الإمارات متواطئة ـ بتقديم دعم مالي وسياسي وعسكري ـ في “إبادة جماعية” ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع بحق قبيلة المساليت في غرب دارفور، نوفمبر 2023.
القضية “غير مسبوقة في نطاق القانون الدولي”، يقول لموقع “الحرة” عبدالخالق الشايب، وهو مستشار قانوني وباحث في جامعة هارفارد.
وإذا قضت المحكمة لصالح السودان، فيسكون الحكم ـ بدوره ـ “سابقة قانونية” تُحمّل فيها دولة المسؤولية القانونية عن حرب بالوكالة، خاضتها عن بُعد.
وسيوفر الحكم أساسا لمساءلة الدول عن حروب الوكالة، وإعادة تقييم مبدأ عدم التدخل في سياق الحروب غير المباشرة.
يقول خبراء قانون لموقع “الحرة”، إن قضية السودان ـ إذا نجحت ـ ستؤدي إلى إعادة النظر في أدق التحفظات المتعلقة بالمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، خصوصا عندما تكون هناك ادعاءات بارتكاب إبادة جماعية.
وقد تفقد الدول ـ نتيجة لذلك ـ القدرة على حماية نفسها من اختصاص المحكمة في مثل هذه القضايا.
ومن تداعيات القضية ـ إذا قررت محكمة العدل الدولية البت فيها ـ إعادة تفسير اتفاقية الإبادة الجماعية لتشمل حالات التورط غير المباشر أو التواطؤ في جرائم الحرب.
حروب الوكالةفي حديث مع موقع “الحرة”، تقول ريبيكا هاملتون، أستاذة القانون الدولي في الجامعة الأميركية في واشنطن، إن مفهوم الحرب بالوكالة يتبدى عندما تتصرف دولة كراع وتدعم طرفا آخر في ارتكاب أفعال خاطئة.
ورغم أن حروب الوكالة تبدو ظاهرة حديثة، فلها تاريخ طويل ومعقّد.
تُعرّف بأنها صراعات تقوم فيها قوة كبرى ـ عالمية أو إقليمية ـ بتحريض طرف معين أو دعمه أو توجيهه، بينما تظل هي بعيدة، أو منخرطة بشكل محدود في القتال على الأرض.
تختلف حروب الوكالة عن الحروب التقليدية في أن الأخيرة تتحمل فيها الدول العبء الأكبر في القتال الفعلي، وعن التحالفات التي تساهم فيها القوى الكبرى والصغرى حسب قدراتها.
وتُعرف حروب الوكالة أيضا بأنها تدخّل طرف ثالث في حرب قائمة. وتشير الموسوعة البريطانية إلى أن الأطراف الثالثة لا تشارك في القتال المباشر بشكل كبير، ما يتيح لها المنافسة على النفوذ والموارد باستخدام المساعدات العسكرية والتدريب والدعم الاقتصادي والعمليات العسكرية المحدودة من خلال وكلاء.
من الإمبراطورية البيزنطية إلى سوريايعود تاريخ الحروب بالوكالة إلى عصور قديمة، فقد استخدمت الإمبراطورية البيزنطية استراتيجيات لإشعال النزاعات بين الجماعات المتنافسة في الدول المجاورة، ودعمت الأقوى بينها.
وخلال الحرب العالمية الأولى، دعمت بريطانيا وفرنسا الثورة العربية ضد الدولة العثمانية بطريقة مشابهة. وكانت الحرب الأهلية الإسبانية ساحة صراع بالوكالة بين الجمهوريين المدعومين من الاتحاد السوفيتي والقوميين المدعومين من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية.
وخلال الحرب الباردة، أصبحت الحروب بالوكالة وسيلة مقبولة للتنافس على النفوذ العالمي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تجنبا لاحتمال نشوب حرب نووية كارثية.
ومن أبرز الأمثلة: الحرب الكورية، حرب فيتنام، الغزو السوفيتي لأفغانستان، والحرب الأهلية في أنغولا. استمرت هذه الحروب حتى القرن الحادي والعشرين. وتُعد الحرب في اليمن مثالا واضحا لحروب الوكالة، حيث تدعم إيران الحوثيين بينما تدعم السعودية وحلفاؤها الحكومة اليمنية.
وأظهر الصراع في سورية قبل سقوط نظام بشار الأسد مثالا صارخا لحروب الوكالة في عصرنا، من خلال تدخل روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا دعما لفصائل مختلفة.
قضية السودان ضد الإمارات قد تدفع دولا أخرى إلى التفكير باللجوء إلى محكمة العدل الدولية في دعاوى مماثلة، ولكن!
الإبادة الجماعية؟لا تتعلق دعوى السودان بحروب الوكالة تحديدا، يؤكد الخبراء، بل تستند إلى اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة المتورطين فيها”.
تدّعي الخرطوم أن ميليشيات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بينها القتل الجماعي، والاغتصاب، والتهجير القسري للسكان غير العرب، وتزعم أن تلك الجرائم ما كانت لتحدث لولا الدعم الإماراتي، بما في ذلك شحنات الأسلحة عبر مطار أمجاراس في تشاد.
“يحاول السودان أن يثبت دور دولة أخرى غير المباشر في ارتكاب قوات عسكرية أو ميلشيا تحارب في السودان إبادة جماعية”، يقول الخبيرة عبدالخالق الشايب.
“أساس القضية،” يضيف، “المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.
رغم أن كلّا من الخرطوم وأبوظبي من الموقعين على الاتفاقية، تعتقد هاملتون أن من غير المحتمل أن يتم البت في هذه القضية، إذ إن “محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها”.
“عند توقيعها على اتفاقية الإبادة الجماعية،” تتابع هاميلتون، “أكدت الإمارات أنها لم تمنح محكمة العدل الدولية السلطة للفصل في النزاعات التي قد تنشأ بينها وبين دول أخرى بشأن هذه الاتفاقية”.
ويلفت ناصر أمين، وهو محام مختص بالقضايا الدولية، إلى أن النزاع القائم في السودان يُعتبر وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني نزاعا مسلحا داخليا، إلى أن تثبت الخرطوم بأن هناك تدخلا من إحدى الدول لصالح أحد أطراف النزاع داخليا”.
“وهذا يحكمه بروتوكول ملحق باتفاقيات جنيف أو بالقانون الدولي الإنساني المذكور في المادة 3 من البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف المنعقدة عام 1929،” يضيف.
تنص المادة الثالثة على أن أحكام هذه الاتفاقية لا تسمح لأي دولة أن تتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى أو أن تمارس أي أعمال داعمة لأي فصيل متنازع أو متصارع.
“على السودان أن يثبت أمام محكمة العدل الدولية أن هناك خرقا حدث للمادة 3 من البروتوكول”، يوضح.
لم يرد المركز الإعلامي، لسفارة الإمارات في واشنطن، على طلب للتعليق بعثه موقع “الحرة” عبر البريد الإلكتروني.
نقاط القوة والضعفوتقول ربيكا هاملتون “من المؤسف” أنه من غير المحتمل أن تُرفع هذه القضية، حيث إن محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها.
ويشير الباحث القانوني، عبدالخالق الشايب، إلى أن قضية السودان ضد الإمارات “يبقى التعامل معها متعلقا بوكالات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن تحديدا”.
لكن هاملتون تقول إن هناك مجموعة من القوانين الدولية التي تحظر حروب الوكالة، لكن “التحدي الحقيقي يكمن في كيفية إنفاذ هذه القوانين”.
“سابقة”.. حتى لو تعثرت؟أن تتعثر قضية السودان ضد الإمارات ـ بسبب الاختصاص القضائي ـ أمر وارد، لكنها تبقى، وفق خبراء في القانون، “ذات دلالة رمزية كبيرة”.
“بغض النظر عن نتيجتها،” تقول أستاذة القانون الدولي ربيكا هاملتون، لموقع “الحرة”، “تمثل القضية محاولة جريئة من دولة ممزقة بالصراعات لتوسيع مفهوم المساءلة عن ممارسات الحرب الحديثة”.
وحتى إن رفضت محكمة العدل الدولية النظر في الدعوى، فإن القضية تضيّق الحيز الرمادي الفاصل بين المسؤولية المباشرة والمسؤولية غير المباشرة عن جرائم الحرب.
في تصريحات لموقع “JUST SECURITY”، يشير خبراء قانون إلى أن صدور حكم لصالح السودان ـ حتى وإن كان ذلك غير مرجح ـ قد يؤدي إلى إعادة تقييم شاملة للمعايير القانونية الدولية المتعلقة بتواطؤ الدول وتدخلها.
قبول الدعوى قد يدفع القانون الدولي إلى مواجهة التكلفة الحقيقية لحروب الوكالة الحديثة — سواء خيضت بجنود على الأرض، أو من خلال دعم مالي وعسكري عن بُعد.
الحرة – واشنطن
الوسومالإمارات الجيش السودان حرب الوكالة قوات الدعم السريع