تعاني إيناس وهي أم لخمسة أطفال في ظل استمرار الحرب لشهرها العاشر، تستيقظ الساعة السادسة صباحًا على بكاء ابنها عبدالكريم ذي الأشهر الخمسة، يئن ويبكي بسبب ارتفاع درجة حرارة الخيمة، وانتشار الذباب الكثيف بمجرد بزوغ ضوء النهار. تحاول تهدئة صغيرها الذي أنجبته داخل مدرسة الإيواء بمدينة رفح جنوب قطاع غزة قبل أن تنزح إلى مواصي خان يونس مع بدء العملية البرية في مدينة رفح.

تقول إيناس لجريدة «عمان»: «أتنقل بطفلي الصغير إلى مكان أكثر برودة، أستخدم قطعة من الكرتون، أقوم بتحريكها ذات اليمين وذات الشمال لتبريد جسده من جراء ارتفاع درجة حرارة الخيمة، استخدم كافة الوسائل البسيطة في ظل انعدام كافة الإمكانيات، تمر الأيام بشكل صعب، أحاول بكل طاقتي أن أوفر إمكانيات العيش لأطفالي الذين يحتاجون للأكل والشرب والنظافة والعناية اليومية، لا يمر أسبوع دون أن أذهب إلى النقطة الطبية برفقة أحدهم.. لك أن تتخيلي الوضع القاسي الذي نعيشه، انعدام المياه النظيفة وقلة الغذاء والدواء والمستلزمات المتعلقة بالنظافة الشخصية ما يجعل الكبار والصغار في حالة إعياء مستمرة».

بدا الشحوب ظاهرا على وجه ابنها الثاني فريد بمجرد استيقاظه من نومه. «خوف شديد اعتراني عندما نظرت إلى جسده الذي امتلأ بالحبوب الحمراء المنتفخة والمنتشرة في كافة أنحاء جسمه، نهضت مسرعة إلى النقطة الطبية الموجودة داخل المخيم وأخذت انتظر حضور الطبيب برفقة مجموعة من نساء المخيم بفارغ الصبر، جاء الطبيب الذي جلس ليستقبل حالات الأطفال الصغار فأخبرني بأن ابني يعاني من مرض جلدي يعرف بـ«جدري الماء» ثم قام بكتابة روشته مليئة ببعض الأدوية والمراهم وأعطائي بعض النصائح والإرشادات للتعامل مع هذا المرض المعدي الذي أصاب معظم أطفال الخيام في ظل ارتفاع درجة الحرارة واستخدام المياه الملوثة. عدت من العيادة الطبية دون أن أستطيع الحصول على العلاج، فقمت بالتنقل من صيدلية إلى أخرى من أجل شراء بعض ما كُتب في الوصفة الطبية».

وأشار الدكتور محمد أحمد إلى أن مرض الجرب «طفح جلدي ينتشر بكافة أنحاء الجسم، يسبب حكة تنتج عن سوس ناقب صغير يسمى «القارمة الجَرَبية»، ويحتاج إلى علاج سريع لأنه سريع الانتقال بين الأطفال تحديدًا ويؤدي لتفشي عدوى جلدية مؤلمة واحمرار بالجسم».

وأضاف إن الالتهابات الجلدية آخذة في الارتفاع، خاصة بين الأطفال، بسبب الازدحام الشديد وارتفاع درجات الحرارة داخل الخيام ونقص المياه النظيفة الصالحة للشرب».

بالعودة إلى إيناس التي أكملت حديثها وقد اغرورقت عيناها «لقد سافر زوجي قبل بدء الحرب بشهر تقريبًا بحثًا عن عمل بسبب البطالة المتفشية، قام ببيع مصاغي والسفر عبر معبر رفح البري إلى تركيا ومن هناك توجه من خلال البحر إلى معسكرات اللجوء في إحدى جزر اليونان وبعد أشهر قليلة حصل على الإقامة واستقر به المطاف لاجئا في ألمانيا، يأكله القلق على أبنائه منذ اليوم الأول للحرب يحاول بكافة الطرق الاتصال بنا للاطمئنان علينا فتأتي توسلات وبكاء أبنائي له من أجل تجهيز أوراقنا لنتمكن من السفر إليه ليلتم شمل العائلة لكنْ إغلاق معبر رفح البري للشهر الثاني على التوالى وقف حائلًا دون تحقيق ذلك».

مع بداية الحرب في السابع من أكتوبر تركت إيناس وأطفالها الخمسة بيتها الذي هُدم بشكل كلي في منطقة بيت لاهيا، ونزحت برفقة أهلها إلى أن استقر بها الحال في مواصي خان يونس بعد نزوح أكثر من خمس مرات تقول: «أشعر بأن مسؤولياتي أصبحت مضاعفة، فليس سهلًا عليّ أن أعيش ظروف الحرب القاسية لوحدي برفقة خمسة أطفال يحتاجون للرعاية والاهتمام والدعم النفسي، ونحن ندخل الشهر العاشر لحرب معظم ضحاياها من الأطفال والنساء».

في مخيمات النزوح المزدحمة يشكو اللاجئون من تكاثر الذباب والبعوض والقوارض والعقارب والأفاعي بين خيام النازحين، فيما تتكدس النفايات في كل مكان، ما تسبب في تسرّب مياه آبار الصرف الصحي العشوائية إلى المياه الجوفية، بالتزامن مع العجز التام في توفير العلاجات والأدوية في ظل منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي مع استمرار إغلاق المعابر البرية في قطاع غزة.

وفي هذا السياق حذرت مؤسسات صحية محلية ودولية من انتشار الأمراض والأوبئة في صفوف النازحين نتيجة التكدس في مراكز الإيواء وانعدام سبل النظافة الشخصية والعلاجات اللازمة.

فيما صدر تصريح من منظمة الصحة العالمية حذرت فيه من خطر موت عدد أكبر من سكان قطاع غزة بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة والاكتظاظ السكاني في خيام النزوح وتراكم مياه الصرف الصحي، تنتشر الحشرات التي تنقل الأمراض والعدوى وتؤدي للوفاة بين الأطفال أو مشكلات صحية لكبار السن تتطلب عمليات بتر للأطراف أحياناً، بحسب تقرير لوكالة وفا الفلسطينية.

فيما صدر تقرير إحصائي عن وزارة الصحة الفلسطينية بغزة يوم الجمعة 12 يوليو 2024م لعدد الشهداء والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي المستمر لليوم الـ 280 على قطاع غزة يشير إلى ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى ارتكاب الاحتلال (3.388) مجزرة فيما هناك (48.345) شهيداً ومفقوداً، منهم (16.054) شهيداً من الأطفال،و (10.700) شهيدة من النساء.

أمّا مجلة «ذا لانست» البريطانية العلمية الطبية فقد نشرت تقريرا وردت فيه معلومات صادمة، حيث ذكرت المجلة أن عدد الشهداء في غزة قد تجاوز 186 ألفًا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة نتيجة لحرب الإبادة الصهيونية، إن ما نشرته صحيفة «ذا لانست» يؤكد أن العدو الصهيوني ارتكب جريمة العصر في غزة فيما زال الصمت العالمي يمنح الاحتلال الصهيوني حصانةً للقتل الجماعي في غزة.

إن هذه الأرقام الكارثية تأتي في سياق انهيار الخدمات الصحية والطبية، ما يجعل هذه الجريمة من أكبر الجرائم الإنسانية المعاصرة التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة.

حيث إنه - وفقًا لتقديرات المجلة، العدد الحقيقي للشهداء يُمثّل 7.9% من سكان غزة، ما يجعل هذه الحرب «جريمة العصر».

ورغم فظاعة هذه الأرقام المروعة اكتفت المؤسسات الدولية بالبيانات والإحصاءات دون اتخاذ خطوات فعالة لوقف هذه الفظائع الإنسانية. هذا الصمت العالمي المطبق يُشكّل حصانةً للاحتلال الصهيوني، ويسمح له بالإفلات دائمًا من العقاب، والاستمرار في القتل الجماعي وتدمير كافة البنى التحتية الحيوية في غزة، بما في ذلك المشافي والمنازل السكنية.

إن ما يحدث في قطاع غزة من جرائم متعمدة يدعو أحرار العالم والمؤسسات الدولية الحقوقية والإنسانية إلى تَحّمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية والإنسانية، واتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذه المجازر الجماعية التي تُمثل جرائم حرب مكتملة الأركان ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

العميد طارق الهادي: لم أتوقع غدر “حميدتي” الذي تبدل بعد زيارة فولكر بالجنينة

(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
العميد الركن طبيب طارق الهادي لـ(الكرامة):
استهدفني القناصة ونجوت من الموت مرتين بفى هذا المكان (….)
أرسل المتمردون طبيبًا عميلًا يبحث عن موقع إقامتي ومنامي
أخرجت أُسرتي بعدما جاء من يسأل عنهم بالحي
المستعمر القديم اشعل الحرب ب( دمى) قوى الحرية والتغيير..
المآسي كثيرة لكن أمرّها علي أهلي في توتي
متوسط القصف على المهندسين والسلاح الطبي من 100 لـ150 دانة فى اليوم
لم أتوقع غدر “حميدتي” الذي تبدل بعد زيارة فولكر بالجنينة
ماهية الجيش “الشوينة” كانت عائل إخوتي وأصهاري..
يجب فضح العملاء والجواسيس والخونة وإعدامهم
العدو دمر كل شيءٍ وستنتهي الحرب بـ (….)
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو العميد الركن طبيب طارق الهادي، الذي قصّ لنا عن تجربته ومعاناة أُسرته مع الحرب ضد الميليشيا المتمردة:
كيف علمت بنبأ اندلاع الحرب؟
صادف اليوم عطلة السبت الأسبوعية، وتناولت شاي الصباح مع أُسرتي الصغيرة في “شمبات” عندما رنّ الهاتف حوالي الساعة التاسعة ليظهر على الشاشة الصديق الموسوعي “عم وداعة” الذي تناولت معه وجبة الغداء عصر الجمعة في ضيافة أُسرة الخليفة عبد المجيد جوار مستشفى الأطباء حيث يسكن جوارهم، وهو خزانة خبرات عملية وإدارية وسياسية ووطنية تتعلم منه في كل جلسة الكثير من الدروس اولها بُعد النظر وتناول هموم البلد والناس، وتلمس المخارج للوطن من المأزق السياسي الذي دخل فيه ويديره الغرب بالكامل، وافترقنا بعد صلاة العشاء فصبحت عليه بالخير وبادرني بالسؤال “الحاصل شنو”؟ “قلت ليه في شنو”؟ قال سامعين أصوات “ذخيرة كتيرة” على طول شارع المطار من المدينة الرياضية إلى المركز الطبي الحديث، وحركة عربات مسلحة كثيرة للدعم السريع.. قلت له: (نحنا ما على جهتنا شي، لكن بكون شي عارض خليني أسأل وأرجع ليك).
اتصلت ببعض الزملاء وأكدوا لي حدوث اشتباك بين قوات الدعم السريع وقوة من الجيش في القيادة العامة وحول المدينة الرياضية، ولكن كانت لدي قناعة داخلية أنّ الأمر لن يطول وسيحسم سلمًا، ولكنّ الحقيقة كانت أنّ الحرب قد بدأت فعلًا.
أين كنت حينها؟
نعم كانت هناك إشارة رفع الاستعداد تحوطًا لأحداث شغب قد تحدث منذ أكثر من شهر من الحرب وعلى ضوئها وزعت جداول الاستعداد والمناوبات ولم تكن عليّ مناوبة حينها وكنت في البيت.
ماذا كان شعورك في تلك اللحظة؟
لم أكن أتصور مطلقًا أنّ “حميدتي” قد يتمرد فعلًا وتوقعت أنّ ينتهي الامر سريعًا ربما في نفس اليوم بأمر “حميدتي” لقواته بالتوقف، بل ومحاسبة أفراده الذين أطلقوا النار، فهو أكثر من يعرف الجيش وإمكانياته وأنّه لا قبل له به، ولكن ظهر جليًا أنّ المستعمر الغربي غرّر به، وأنّ في إمكانه استلام العاصمة في ساعات، وبالتالي كل البلد في يومين، وهذا ما قاله في قناة “الحدث” حتى بدا لهم من الله ومن جند الله ما لم يكونوا يحتسبون.
الحرب طالت؟
نعم طالت بسبب أن “حميدتي” والمتمردين وداعميهم لم يتحركوا أصالةً عن أنفسهم ولا عن قناعة ووطنية حقيقية للإصلاح وإلّا لتوقفوا فورًا ولم ينقلوا الحرب ضد المواطن، ولكن هم كانوا ينفذون مشروع استعماري غربي وكان “حميدتي” قد صرّح قائلًا : (مدورانا السفارات وكراعنا في رقبتنا)، وجعفر حسن (سفارة سفارة)، ولذلك قرار إيقاف الحرب ليس في يدهم بل بيد المستعمر الغربي.
كيف مضى اليوم الأول من الحرب؟
كان بالأساس في التواصل مع قيادتي لتلقي التعليمات الأخيرة ومع الزملاء ومتابعة القنوات الفضائية والوسائط لمعرفة أيّ تفاصيل إضافية.
وبقية الأيام؟
في العمل الفني بالسلاح الطبي ومتابعة سير العمليات في بقية المواقع العسكرية داخل وخارج الخرطوم.. زال كل أثرٍ لصدمة الحرب بعد مرور الأسبوع الأول تقريبًا.
وبعد عام من الحرب؟
تطوير وابتكار، خطط ووسائل جديدة للتعامل مع العدو، ونتائج الحرب ناتجة عن اكتساب معرفة وخبرات جديدة غير مسبوقة.
يوميات الحرب في السلاح الطبي؟
كان القصف المدفعي بمختلف أشكاله (هاونات، مسيرات، هاوزرات وراجمات) بمتوسط 100 إلى 150 دانة قى اليوم على منطقة المهندسين والسلاح الطبي، بل لا يكاد مبنى في السلاح الطبي إلّا وأُصيب عدة مراتٍ ومثلها على أحياء أم درمان القديمة والفتيحاب، وكان مطلوبًا أن تستمر عمليات إسعاف الجرحى، وأصابات الطوارئ، وغرف العمليات، والعناية المكثفة، والغسيل الكلوي، والمكاتب و”الميزات”، وزادت المشقة بعد خروج محطة المقرن للمياه والكهرباء بعد مرور شهرين تقريبًا، وطوال الأشهر التالية حتى بعد شهرين من فتح الطريق للوادي.
لك أن تتخيل كيفية التعامل مع عشرات الجرحى والإخلاء من أم درمان والشجرة والمدرعات في غياب المياه والكهرباء والظلام الدامس وعدم التهوية في مكاتب وغرف و”برندات” تكتظُ بالجرحى والمرافقين وأطقم العمل وروائح الدماء والصديد والحمامات التي يصعب غسلها لقلة الماء وأعداد المستخدمين التي تضاعفت عشرات المرات، وشح الطعام بعد مضي ستة أشهر ونفاد المخزون الاحتياطي كان تحديًا آخرًا تطلّب تهريب الطعام خلال خطوط العدو والإسقاط وغيرها.. سأُفصل في تسجيل فالكتابة لن تستوعب التفاصيل.
مأساة عايشتها أيام الحرب؟
المآسي كثيرة لكن أمرّها علي كانت مأساة أهلي في توتي، حيث هي المنطقة الوحيدة التي كانت ومازالت محاصرة تمامًا بلا كهرباء ولا ماء ولا اتصال وهم على مرمى حجرٍ مني ويتصلون عليّ لإنقاذهم وأنا على علم بتفاصيل استحالة ذلك ميدانيًا ولا أستطيع أن أخبر منها بشيء، ولك أن تتخيل خيبة أملهم في ابنهم، ومثلهم أهلنا في شمبات وبري والجزيرة وغيرها، فالجيش مسؤول ويحارب في كل أصقاع السودان، ونحن نقاتل في الجيش في موقع حيث يُقدر الجيش المكان والزمان، هذا هو القسم، نحن في خدمة الشعب السوداني كله مع شح مهول في الأفراد والمعدات والأسلحة.
الموت.. هل اقترب منك في لحظة ما؟
نعم.. استهدفني القناص من ناحية المقرن وعمارة “زين” ومن ناحية أم درمان داخلية علي عبد الفتاح جوار الدايات عدة مراتٍ، بل وأرسل المتمردون طبيبًا عميلًا متعاونا بحثًا عن موقع إقامتي ومنامي حتى وصلني، ولذلك كنت لا أبقى في موقع واحد أكثر من ساعة متجولًا بين الأقسام، ولا أنامُ في مكانٍ واحدٍ لخمسة أيامٍ متتالية.
وصادفني القصف وأنا متحرك في حوش السلاح الطبي مرتين، مرةً جنوب مستشفى الطوارئ ومرةً شمالها، وسلمنا الله وأُصيب زملاء منهم من استُشهد.
ما هي التدابير الاحترازية التي أقدمت عليها؟ وأين كانت أُسرتك؟
بقيت أُسرتي في البيت الشهر الأول، ولما أتى من يسأل عنهم في الحي أخرجتهم لبيت ابن عمتي في “أبو حليمة” لحوالي شهر، ولما كثر القصف عليهم انتقلوا لبيت صديق كريم لأخي الأصغر في “الحاج يوسف” وبقوا هناك (الوالدين، وأولادي، وإخوتي بأولادهم) لستة أشهر حتى أُصيبت الوالدة بجلطةٍ دماغية وشللٍ نصفي، وذهبوا بها لمستشفيات شرق النيل و”أم ضوًابان” و”ود حسونة” ولم يجدوا أي نوع من الخدمة، فتحركوا لشندي فلم يجدوا عنايةً مكثفة، فتحركوا بها لعطبرة وبقوا هناك حتى لحقت بهم بعد فتح الطريق بين المهندسين ووادي سيدنا. وسبحان الله، كان كلّ إخوتي وأصهاري عاطلين عن العمل ولم يحملوا معهم عندما خرجوا من بيتنا في شمبات عصرًا إلّا ما خفّ، فكانت العائل الوحيد لكل هذه الأُسر في كفالة ماهية الجيش “الشوينة” ربنا طرح فيها البركة.
أسوأ اللحظات في أيام الحرب؟
ظلت الخدمات الطبية تعمل بكفاءة وتتعامل مع جميع حالات الإصابات حتى شهر يناير 2024، حيث شكّل شُح الأدوية ومعينات الجراحة والطعام في انخفاض مستوى الخدمة الطبية من الدرجة القياسية لدرجات معقولة تحافظ على الحياة قدر المستطاع.
فوائد الحرب؟
الحرب التي فرضت علينا علمتنا الكثير على المستوى المهني، والاجتماعي، والأخلاقي، والسياسي، والعسكري والثقافي، ما يحتاج وقتًا لتنقيحه وصياغة خطط منه، ولكن على سبيل المثال لا الحصر:
– توحد الشعب خلف قواته المسلحة والمعرفة الحقيقية بأنها الحارس الأمين المؤتمن على بقاء الدولة والأمة.
– عدم رهن خياراتنا السياسية لأي قوّى خارجية.
– القيمة الحقيقية لوجود وطن تنتسب إليه وقيمة بلدنا في نظر الجميع ككنوز يجب الاستحواذ عليها بالقوة أو التحايل، وعلينا أن ندافع عنها وعن بقائنا في الكون بالنفس وبكل غالي ونفيس.
– ظهور معدننا الأصيل والمليء بالقيم والأخلاق المستمدة من ديننا وتاريخنا.
– العودة الكاملة والصادقة لله تعالى بكلياتنا والتوبة من ذنوبنا وأحقادنا وحسدنا لبعضنا.
– فضح العملاء والخونة والجواسيس والذي يجب أن يعاقبوا بالإعدام.
– التعامل مع أي تحذير بجدية كاملة.
– عمل خطط لأسوأ الاحتمالات ووضع الاحتياطات لعام كامل على الأقل في الأطعمة، والوقود، والأدوية، والمستهلكات الضرورية، وعمل تمارين لكل السيناريوهات المحتملة لأي كارثة طبيعية أو مفتعلة.
– تحسين سبل ووسائل الربط بكل أنواعه “البري، والبحري والجوي” ووضع طرق بديلة.
– تطوير فكرة قوات “العمل الخاص” وإعادة تموضعها في مواقع استراتيجية.
– تطوير وإعادة انفتاح القوات بحيث يضمن استمرار التواصل فيما بينها بسهولة.
– خطة أمنية مركزية وولائية من الوزارات ذات الصلة جاهزة للتطبيق فورًا، وعمل تمارين عملية عليها.
– تطوير واستدامة قيمة النفير في الأمة.
– الاعتماد على الذات وعدم انتظار الآخرين، فما يجمعنا أكثر بكثير جدًا مما يفرقنا.
هل تتوقع الحسم العسكري أم التفاوض، بعد أن تجاوزت الحرب عامًا وأربعة أشهر؟
معلوم لأي عسكري محترف أنّ الجيش سحق الدعم السريع كقوة عسكرية متماسكة ولم يعد لها وجودًا ولا قيادةً حتى المستوى العاشر، وبالتالي ستنتهي الحرب بالحسم العسكري فلم يبق هناك ما يتفاوض عليه، كما أن العدو دمر كل شيءٍ حتى خانة العفو فينا.
من أشعل الحرب هل هي “قحت” أم قوى خارجية من شحن التمرد وأوهمه بإمكانية استلام السلطة؟
نفس المستعمر القديم 1899م هو من أشعل الحرب ولكن بدُمىً سودانية عميلة (قحت المركزي)، ومخالب قط خارجية من دول الجوار والإقليم، وغدا ذلك بينًا كالشمس في رابعة النهار بعد “جنيف”.
هل كنت تتوقع اندلاع الحرب؟
البتة.. ولم أتخيل أن يغدُر “حميدتي” أبدًا، ولكنه تبدل بعد زيارة فولكر له في الجنينة ولا أدري لماذا؟ فحتمًا لم يكن في حاجة لمال أو منصب، ولكنها فتنة الله يصيب بها من يشاء.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يرفض دخول الفرق الطبية لـ”التطعيم” في مناطق شرق “صلاح الدين”
  • النَّكف: سلاح القبيلة العُرفي الذي تتنازعه أطراف الحرب باليمن
  • إغلاق مصانع وإلغاء وظائف.. ما الذي ينتظر قطاع السيارات الأوروبية
  • العميد طارق الهادي: لم أتوقع غدر “حميدتي” الذي تبدل بعد زيارة فولكر بالجنينة
  • جنرال إسرائيلي متقاعد: الذي ينهار ليس حماس وإنما إسرائيل
  • يديعوت أحرونوت: العبوات الناسفة في مخيمات الضفة تكبد الجيش خسائر
  • رئيس الرابطة الطبية الأوروبية: قطاع غزة يشهد أكبر كارثة إنسانية وصحية
  • ما الذي تفعله أوكرانيا في حرب السودان؟
  • الرابطة الطبية الأوروبية: غزة تشهد أكبر كارثة إنسانية منذ بدء العدوان
  • طبيب السنوار ينتقد إدارة الحرب في غزة.. هذا هو الرجل الذي عرفته