رغم مرور 82 عامًا على رحيله: تجربة طلعت حرب فى الإصلاح مازالت ملهمة
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
واجه الاقتصاد المصرى فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر كثيرا من الأزمات والتحديات وللخروج الآمن مـن وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، نجد أننا فى حاجة لإعادة القراءة فيما قام به طلعت حرب، فى فترة ربما كانت من أخصب فترات تاريخنا الحديث سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.. إلى أن وصلت إلى ما هى عليه الآن حيث رأى طلعت حرب أن استقلال مصر فى استقلال الاقتصاد، فعمد إلى ترجمة هذه القناعة على أرض الواقع وخاض تحديا كبيرا فى هذا الاتجاه دعمه فيه وطنيون مثله غيورون على استقلال بلدهم وحلموا بتحقق نهضة نوعية وجديدة لها، فكان انتصار طلعت حرب ليس مجرد انتصار اقتصادى وسياسى، وإنما كان انتصارا للإرادة المصرية.
أخبار متعلقة
فانتازيا حول اختفاء تمثال طلعت حرب .. «اللى بنى مصر» عرض مسرحى يُنمى روح الوطنية
عودة طلعت حرب فى عرض «اللى بنى مصر»
وقف بيع شهادة طلعت حرب بفائدة 25% في بنك مصر بهذا الموعد
ومن خلال السطور القادمة نقف على تفاصيل هذه التجربة التى تجلت فيها العزيمة والإرادة المصرية على غرار نهضة مماثلة آنذاك فى السياسة والثقافة والفنون، وتمثل دور طلعت حرب الريادى فى تأسيس أول شركة مصرية وعربية عابرة للقارات وهى بنك مصر. إلا أنه عمد إلى التأكيد على أن هذا الدور إنما جاء كجزء من منظومة متكاملة تم تفعيلها تركت بصماتها، استمرت حتى بعد أن رحل عنها مؤسسوها الأوائل. فقد ارتبط اسم محمد طلعت حرب ببنك مصر ارتباطا شديداً لا يمكن معه الفصل بينهما، مما شكل إحدى الظواهر الاقتصادية فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر. ومثل بنك مصر انطلاقة اقتصادية مهمة تعددت ثمارها وتمثلت فى ميلاد شركات ومؤسسات أخرى فى غير مجال، منها السينما والتصنيع
لقد كان طلعت حرب (25 نوفمبر 1867- 13 أغسطس 1941) هو الاسم الأكثر شهرة فى المجال الاقتصادى فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين، وهو مولود بالقاهرة وتخرج فى مدرسة الحقوق عام 1889 والتحق للعمل كمترجم بالقسم القضائى «بالدائرة السنية» ثم أصبح رئيسا لإدارة المحاسبات ثم مديراً لمكتب المنازعات حتى أصبح مديراً لقلم القضايا.
غلاف الكتاب
وفى عام 1905 انتقل ليعمل مديراً لشركة كوم إمبو بمركزها الرئيسى بالقاهرة، ثم مديراً للشركة العقارية المصرية والتى عمل على تمصيرها حتى أصبحت غالبية أسهمها للمصريين، بدأت أفكار طلعت حرب الاقتصادية فى الظهور حين قاوم مشروع مد امتياز قناة السويس فى كتابه عن قناة السويس عام 1910 وارتفع صوته معارضا لمشروع وزارة بطرس غالى بمد امتياز قناة السويس خمسين عاماً وهو المشروع الذى رفضته الجمعية التشريعية بفضل حالة التنوير التى أشاعها مفكرون كان طلعت حرب أبرزهم.
وهناك الكثير من الكتب عن طلعت حرب كمسيرة وسيرة ومشروع وطنى غير أنه من الجميل أن نجد كتابا بقلم مفكر أمريكى عن أبوالاقتصاد المصرى، وهو ما نعرض له هنا، أما الكاتب الأمريكى «إيريك ديفيز»، أستاذ العلوم السياسية البارز بجامعة «روتجرز»، هو أيضا الرئيس السابق لمركز دراسات الشرق الأوسط بنفس الجامعة، ويشغل مناصب أخرى بحثية، وعلمية فى جامعات أمريكا، وألمانيا، وكان رسالته للدكتوراة بجامعة شيكاغو، وتمت ترجمة الرسالة فى بيروت 1986 وفى مصر 2008. والكتاب يلقى الضوء على طلعت حرب الذى يعد علامة مميزة فى تاريخ الاستقلال الاقتصادى.. وهو مؤلف هذا الكتاب الذى يعد من أهم الكتب عن طلعت حرب وعنوان الكتاب هو «طلعت حرب وتحدى الاستعمار.. دور بنك مصر فى التصنيع 1920- 1941» والكتاب ترجمة هشام سليمان عبد الغفار وتقديم العالم الجليل الدكتور إبراهيم فوزى، الأستاذ بهندسة القاهرة ووزير الصناعة الأسبق.
وفى مقدمة الكتاب يؤكد الدكتور إبراهيم فوزى أن الجدليات الداخلية والضغوط الخارجية فيما يتعلق بمسيرة التنمية المصرية لاتزال تقريباً كما هى، حتى ليبدو لمن يتأمل فى أوضاعنا قليلاً أننا لم نستوعب دروس الماضى كما يجب، ولم نستخلص منها ما نواجه به متطلبات الحاضر، فضلاً عن ضمانات المستقبل.. يؤمن إيماناً راسخاً بأن مستقبل هذه الأمة مرتبط بالصناعة القومية الوطنية، توفير اللازم لإنشاء صناعة وطنية لايزال من كبرى العقبات التى تواجهها الصناعة فى مصر، ولايزال يخضع لاعتبارات ونقاشات شتى، فإن الارتباط بين الصناعة الإنتاجية والبنوك أو الصناعة المصرية، لايزال هو التحدى الأكبر فى عملية التنمية والتقدم.. من هنا تأتى أهمية طلعت حرب وجهوده فى فترة شديدة الخصوبة من التزاوج بين الصناعة والبنوك، ممثلة فى إنشاء مصر لتمويل الشركات الصناعية والإنتاجية أساساً.
ناقش إيريك ديفيز فى كتابه كيف برزت فكرة الاستقلال الاقتصادى: فخلال فترة الركود الاقتصادى العالمى فى عام 1907، ازداد قلق ملاك الأراضى فى مصر من استمرار انخفاض أسعار القطن العالمية. رأى السياسى المتمرد محمد طلعت حرب أن دعم دور كبار ملاك الأراضى يمكن أن يكون له دور مهم فى إنهاء الاعتماد على السوق البريطانية التى كانت تقوم باستيراد القطن المصرى، ومن ثم تصنيعه فى معامل الغزل والنسيج فى بريطانيا وبيعه على شكل ملابس فى مصر والأسواق العالمية. سعى طلعت حرب لإعادة بناء السوق المصرية لتصبح مصدراً رئيسياً لإنتاج وتصنيع القطن فى معامل غزل ونسيج مصرية ومن ثم تصديره على شكل ملابس من مصر لبقية دول العالم، ومنها بريطانيا نفسها، كما واجه طلعت حرب السيطرة الاقتصادية الأجنبية على ثروات مصر الطبيعية، لا سيما إنتاج القطن وتصنيعه فى معامل غزل ونسيج فى بريطانيا.. رأى طلعت حرب أنه لا يمكن لأى دولة أن تكون قوية إذا كان اقتصادها ضعيفاً ومسيطراً عليه من قبل الاستعمار والقوى الخارجية.. رأى أن تأسيس بنك مصر هو الخطوة الأولى فى تحدى الاستعمار وإنهاء الهيمنة الغربية على الاقتصاد المصرى. ومن وجهة نظره فان تأسيس هذا البنك الوطنى سيساهم فى توفير رأس المال اللازم لإقامة مشاريع اقتصادية جديدة تكون مهمتها تحدى الاحتكارات الاقتصادية الخارجية، وقام بتأسيس بنك مصر فى عام 1920 فى أعقاب الثورة المصرية عام 1919.
تكمن قوة مصر فى عائلاتها البارزة والعريقة والتى منها انحدر أغلب التجار وكبار ملاك الأراضى والاقتصاديين، لذلك فإن خطر الاستعمار البريطانى حسب وجهة نظر طلعت حرب، يتمثل فى سعيه لتقويض بنية الأسرة المصرية أحد أهم السياسات التى اتبعها طلعت حرب لمواجهة هذا التحدى، بعد إنشائه بنك مصر فى عام 1920، هى توظيف الشباب من العائلات البارزة فى مصر فى بنك مصر وشركاته.
لم يكن طلعت حرب اقتصاديا فحسب لكن كان أيضا متمسكا بهوية مصر الإسلامية ولغتها العربية وأصالة ثقافتها الشرقية. فقد استخدم اللغة العربية والهندسة المعمارية المستوحاة من التراث الإسلامى فى البنك وشركاته يعد من آليات مواجهة الاستعمار لتعزيز ثقة المصريين بأنفسهم فى وقت كانت فيه اللغات الفرنسية والإنجليزية سائدة فى المعاملات الاقتصادية والمالية.. قام طلعت حرب بنشر العديد من الكتب، كان أولها كتب تتعلق بالدفاع عن الهوية الإسلامية فى العقد الأخير للقرن التاسع عشر وهى: «كلمة حق على الإسلام والدولة العليا»، «تاريخ دول العرب والإسلام». وفى خضم معركته الأدبية والفكرية مع قاسم أمين أصدر كتابى: تعليم «المرأة والحجاب» (1898) وفصل الخطاب فى المرأة والحجاب (1900) «رداً على قاسم أمين الذى دعا لتحرير المرأة وإزالة الحجاب. وفى عام 1911 أصدر كتاب «علاج مصر الاقتصادى».
قدم نموذجاً ممتازاً للتسامح بين الأديان الإبراهيمية، طلعت حرب كان مسلماً متديناً جداً، إلا أنه فى الوقت نفسه كان متسامحا جداً مع بقية أتباع الديانات الأخرى.. قدم نموذجاً ممتازاً للتسامح وكيف يمكن لأتباع هذه الديانات أن يتعايشوا بسلام ومحبة.. ويتضح هذا فى تجربة تأسيس بنك مصر، فكان أول رئيس مجلس إدارة فى بنك مصر هو يوسف أصلان القطاوى باشا، وهو رئيس الطائفة اليهودية فى مصر، أفضل أصدقاء طلعت حرب كانوا من أبناء الديانات المسيحية واليهودية فى مصر مثل عضو البرلمان أمين إسكندر وشقيقه راغب، وهم من المسيحيين.. وكان له مجلس ثقافى (صالون) فى داره فى حى العباسية فى القاهرة يجتمع فيه المسيحيون واليهود بشكل دائم أسبوعياً.
ولم تكف المؤامرات ضد طلعت حرب وبنك مصر كما يتضح من أوراق كتاب «طلعت حرب: بحث فى العظمة» للصحفى والمفكر المصرى، ووزير للإرشاد القومى (الإعلام) فتحى رضوان: وبدأت الأزمة عندما اضطر بنك مصر لطلب قرض من البنك الأهلى المصرى.. ولم تكن لدى البنك السيولة النقدية الكافية لتلبية طلب زبائن البنك الذين سارعوا لسحب ودائعهم فى بنك مصر. مع بداية الحرب العالمية الثانية فى سبتمبر 1939.. تصاعدت الأزمة بمطالبة المودعين بأموالهم مرة أخرى من بنك مصر كحل لأزمة مطالبة المودعين بأموالهم، قدم البنك الأهلى المسيطر عليه من قبل البريطانيين عرضاً بإقراض بنك مصر بشرط أن يقدم طلعت حرب ورفاقه استقالتهم من مجلس إدارة بنك مصر وشركاته. بالنسبة لطلعت حرب تحولت قضية الاقتراض من البنك الأهلى المصرى إلى نوع جديد من أساليب تحدى الاستعمار.. ورأى المصريون أن إزالة طلعت حرب ومجلس إدارة بنك مصر وشركاته مؤامرة بريطانية لتدمير مجموعة مصر التى بدأت تهدد مصالح بريطانيا فى مصر والمنطقة.. ومن أهم هذه الأساليب قرار تعيين حافظ العفيفى باشا رئيسا لبنك مصر والذى كانت له علاقة وثيقة مع البريطانيين.. ولمواجهة الأزمة اضطر بنك مصر لتطبيق أساليب عمل جديدة تجمع ما بين البنك الصناعى والبنك التجارى فى الوقت نفسه، ومع ذلك فإن الحقيقة كانت أكثر تعقيداً.. وحاول طلعت حرب كسب تأييد البرلمان المصرى لإنشاء بنك صناعى من خلال إقناع البرلمان بأهمية البنك الصناعى فى توسيع وتشجيع الاستثمارات الصناعية والزراعية.. وواجهت الفكرة منافسة شديدة فى البرلمان المصرى من قبل منافسيه الرئيسيين إسماعيل صدقى وأحمد عبود.
كان طلعت حرب من قلة من رجالات الاقتصاد العرب الذين آمنوا بأن العمل الاقتصادى الحقيقى لا يمكن أن يكون مكتملاً إن لم يتضافر مع نهضة اجتماعية وثقافية تلازمه. فساهم فى دعم الأدباء والمثقفين المصريين مما ترك أثرا حاسماً فى الحياة الفكرية فى مصر. أدرك أن السينما يمكنها أن تكون مشروعاً اقتصادياً وثقافياً وحضارياً فى الوقت نفسه، ومنذ بداية عام 1934 بدأ إنشاء استوديو مصر فى منطقة الجيزة. وكان استوديو مصر نقطة تأسيس حقيقية لصناعة سينمائية فى مصر، وأوضح طلعت حرب فى حفل افتتاح الاستوديو 12 أكتوبر عام 1935 أنه أحد المشروعات الاقتصادية الصناعية لبنك مصر. أنتج استوديو مصر فيلما قصيرا لمدة عشر دقائق للإعلان عن المنتجات المصرية، كما أنتج نشرة أخبار أسبوعية عن الأحداث فى مصر يتم عرضها فى دور العرض قبل بداية أى فيلم، بالإضافة إلى إرسال بعثات مصرية لتعلم فن السينما فى الخارج حتى إنشاء الاستوديو، فجاءت أول بعثة مصرية سينمائية للخارج عام 1933 ضمت أحمد بدرخان وموريس كساب لدراسة الإخراج فى فرنسا، وكذلك محمد عبدالعظيم وحسن مراد لدراسة التصوير فى ألمانيا. إضافة إلى هؤلاء اتصل خلال وجوده فى فرنسا وألمانيا بعدد من المصريين الذين كانوا يدرسون السينما هناك، مثل ولى الدين سامح ومصطفى والى ونيازى مصطفى وراح يدعمهم، ناهيك عن إعلانه التعاقد معهم أن يعودوا إلى مصر بعد انتهاء دراساتهم وتدريباتهم أسوة بآخرين، وهكذا ما إن حلت نهاية 1934 حتى كانت الأسس العلمية والبشرية ترسخت. وكان ذلك إيذاناً بولادة السينما المصرية حقا.
ثقافة طلعت حرب الأزمة الاقتصادية العالميةالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين ثقافة طلعت حرب الأزمة الاقتصادية العالمية زي النهاردة بنک مصر فى عام مصر فى فى مصر
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيله.. كيف فسر مصطفى محمود العلاقة بين إسرائيل وأميركا؟
القاهرة- محطات عدة مرت بها رحلة المفكر المصري الراحل مصطفى محمود، ولعل أكثرها رواجا بين جمهور منتجه المكتوب والمرئي تلك المتعلقة بأطروحاته الفلسفية للإيمان واستعمال العلم في التغذية الروحية.
غير أن صاحب البرنامج الشهير "العلم والإيمان" كرس جل جهوده الكتابية في نهايات عهده بالإنتاج الفكري لتناول ما رأه خطرا يحدق بالعالم أجمع وهو الفكر الصهيوني، وذلك ما نتج عنه 9 كتب أصدرها خلال حقبة التسعينيات فضلا عن عدة مقالات صحفية في نفس الاختصاص.
وفي كل كتاباته عن الاستيطان الإسرائيلي لم يغب ذكر دور الولايات المتحدة عن قلم المفكر الراحل، كما لو أن إسرائيل هي الطفل المدلل لواشنطن، حسب وصفه في كتاب "ألعاب السيرك السياسي".
وفي ذكرى وفاته رقم 15 (توفي يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2009) يظل المنتج الفكري لمصطفى محمود أحد المقاصد لتفنيد المسألة الصهيونية وشرح الدور الأميركي في دعم الاستيطان.
"تنازل الفلسطينيون عن الكثير وساوموا بالكثير وقبلوا أنصاف الحلول وأرباع الحلول ثم لم يبق لهم شيء.. لم يبق إلا الطوفان، ويقولون متى هذا الطوفان؟"
مصطفى محمود
من مقال "نكون أو لا نكون"
لصان يستعملان بعضهمارغم ما تبدو عليه ظاهر الأمور بكون إسرائيل تستعمل الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها، فإن مصطفى محمود يفسر العلاقة على نحو معاكس إذ يصف الكيان الصهيوني بمشروع استثماري تنفق عليه واشنطن وتوظفه بهدف الهيمنة على المنطقة العربية.
وتسعى الولايات المتحدة للانفراد بالقرار في شؤون العالم كله وإطلاق يدها في التركة الاستعمارية التي خلفتها بريطانيا بالشرق الأوسط، وعلى ذلك تبرز الحاجة لاستعمال إسرائيل، وفق ما ذكره المفكر المصري الراحل في مقاله بعنوان "دستور اللصوص".
وينتهي إلى كون العلاقة بين الطرفين تتمحور حول السرقة، ويقول بشكل أكثر وضوحا "إنهما لصان كل منهما يستعمل الآخر لتحقيق أطماعه، ولا مانع من أن تستخدم أميركا لغة العواطف وحقوق الإنسان والشرعية الدولية لتمرر مصالحها، ولا مانع أن تستخدم إسرائيل أسطورة الهولوكوست وتحاول أن تثير إشفاق العالم، وكلاهما كذاب ومنافق".
وفي كتابه "على خط النار" يقول المفكر المصري إن أميركا تستعمل إسرائيل لتكون يدها الباطشة في الشرق الأوسط والتي تتحول إلى يد عابثة ومخربة أحيانا، "فالشرق الأوسط يعني البترول وكنوز الطاقة والمستقبل".
"إننا أمام دولة غادرة لا ذمة لها ولا ميثاق وهي تمارس البلطجة في حماية الراعي الأميركي رئيس الكون"
مصطفى محمود
من كتاب "إسرائيل.. البداية والنهاية"
طبيعة المساندة
في كتابه الشهير "إسرائيل.. البداية والنهاية" يعدد المفكر الراحل الدور الأميركي في مساندة الكيان الصهيوني قائلا "لم تبخل أميركا بالمال ولا بالسلاح ولا بالأسرار الذرية ولا بما تصوره أقمارها التجسسية ولا بجيوش مخابراتها".
ويضرب مثالا لتلك المساندة في كتابه "على خط النار" قائلا "افتضحت العلاقة العضوية المتينة بين كل من أميركا وإسرائيل عقب الهجوم الإرهابي الذي قامت به إسرائيل على لبنان عام 1982، وضربت البنية التحتية وأضرمت النيران في بيروت ردا على ما فعلته المقاومة اللبنانية لتحرير الجنوب، وجاءت المكافأة الأميركية الفورية حينها بإعلان البنتاغون الموافقة على تقديم معونات عسكرية عاجلة لإسرائيل وبناء قاعدتين للتدريب العسكري".
في كتابه "ألعاب السيرك السياسي" يصف مصطفى محمود إسرائيل بطفل أميركا المدلل (الجزيرة)وخلال صالون ثقافي تم بثه عبر التلفزيون المصري، يقول مصطفى محمود إن أميركا أعلنت وصايتها على العالم واتخذت من إسرائيل رأس حربة، مشيرا إلى المساندة الأميركية للكيان الاستيطاني عبر تسليحه "من الإبرة للصاروخ" حسب المفكر المصري، واستخدام حق الفيتو بمجلس الأمن لوقف أي قرار ضد إسرائيل.
إلى ذلك يبدي صاحب "العمل والإيمان" اندهاشه من الدعوات الأميركية للعرب من أجل تمرير السلام مع الصهاينة في ظل مساندة واشنطن لإسرائيل، فيذكر في كتابه "الطريق إلى جهنم" ما يمسيها "القوة الضاربة" الأميركية التي تساند إسرائيل "بينما الإسلام والمسلمون في قفص الاتهام، وكل العالم قد تحالف عليهم، أي سلام سيكون بين طرفين هذا حظهما من المساندة.. ثم لا تكافؤ في أي شيء؟".
كتب مصطفى محمود لا تزال تحظى بإقبال من القراء رغم مرور 15 عاما على وفاته (الجزيرة) روسيا غير بعيدةالمخططات الإسرائيلية لا تغفل الدب الروسي، فثمة جهود إسرائيلية للوصول إلى صناع القرار في روسيا باعتبارها إحدى الدول الكبرى، بحسب رؤية المفكر المصري الراحل.
وتتشابك العلاقة بين موسكو وواشنطن وتل أبيب، من وجهة نظر المفكر المصري، فيبيّن في كتابه "قراءة للمستقبل" أن أميركا أشرفت على هجرة 4 ملايين يهودي من الاتحاد السوفياتي إلى إسرائيل خلال العقود الماضية.
"تفرض أميركا إسرائيل على العالم، وتفرض فسادها وإفسادها، حاملة وحدها إثم هذه الجريمة التاريخية"
مصطفى محمود
من كتاب "قراءة للمستقبل"
مصطفى محمود خصص 9 كتب للمسألة اليهودية وإسرائيل (الجزيرة) النبوءة.. وماذا نفعل؟لم يتطرق مصطفى محمود فقط إلى تفنيد المسألة الصهيونية ومخاطرها وعلاقتها بأميركا بل امتد إسهامه الفكري إلى البحث عن التحرك العربي الواجب من أجل مجابهة المخططات الاستيطانية.
في مقاله بعنوان "تحذير إلهي" تنبأ بالمزيد من الدموية الإسرائيلية قائلا "المسرح السياسي يُعد لمصادمات كبرى فأميركا في السماء وأبناء صهيون في حجرها والعرب في الحضيض وفلسطين في حضيض الحضيض.. ومسلمو العالم تحت القهر".
وعما يجب أن يفعله العرب، ارتأى المفكر المصري ضرورة "العمل" بما يتضمنه من معان عدة، شارحا "اعملوا.. اعملوا.. اعملوا.. كلمة وحيدة لكن فيها مفتاح كل الأبواب. والعمل هنا يعني معاني عديدة، فهو العمل السياسي بإقامة جبهة عربية واحدة يتوحد فيها الكيان العربي الممزق في وحدة عضوية تقتضيها المصلحة العاجلة والأخطار المحدقة بالكل".
كذلك يشمل العمل على المستوى الاقتصادي بالتنمية الشاملة والتصنيع المتطور، وعلى الصعيد العسكري بكسر احتكار السلاح وتنويع مصادره "وبالذات سلاح الصواريخ وكافة أنواع أسلحة الرمي من بعد، باعتباره سلاح المستقبل رقم واحد" حسب توقعه وهو ما ثبت فعلا بالنظر للحال الراهن.
والعمل على مستوى السياسة والاقتصاد والتسليح، يجب أن يتم بالتوازي مع عودة الروح المتفائلة المتحمسة المتيقنة في النصر، وتلك الروح يمكن استعادتها عبر "إعلام مختلف وخطاب شبابي مختلف ودعوة دينية مختلفة تخلو من الاستسلام والتواكل وتبث الهمة" حسب قول المفكر المصري.
وكل ذلك يٌشترط له، وفق ما جاء بمقال "تحذير إلهي" أن تتغلب الحكومات العربية على أزمة الثقة بينها والإسلاميين "ليصبح الكل جبهة واحدة تناضل فى خندق واحد وترمي عدوا واحدا.. أما حالة التوجس المتبادلة فلن تؤدي إلا إلى مزيد من الفاقد في الزمن وفي الهدف وفي النتيجة التي لن تكون إلا عدة أصفار، هذا إن لم تحدث النتيجة بالسالب تراجعا وانهزاما وضياعا للمال والأرواح والأرض والمستقبل".
ولكن ماذا لو انحاز العالم إلى العدوان الإسرائيلي؟ ويجيب المفكر المصري في كتابه "قراءة للمستقبل" بأنه لو حدث، وهو أمر محتمل "فإن الله لا يطلب من القلة إلا الثبات وبذل أقصى المستطاع ثم هو ناصرهم بوسائله".
"أجمعوا أمركم يا عرب.. افتحوا عيونكم.. وافتحوا عقولكم.. وهبوا من هذا السبات الغليظ الذى أشرف بكم على التهلكة.. وثقوا أنه لا مهرب.. وأنه ليس من الله بد"
مصطفى محمود
مقال "اقتربت الساعة"