الأزمة الوجودية والوقوع في فكر التطرف
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
Your browser does not support the audio element.
حظيت ظاهرة التطرف/ الإرهاب بالكثير من الدراسات التي تحاول اكتشاف الأسباب الحقيقية التي تدفع المتطرف إلى تطرفه والإرهابي إلى أعماله المنافية للفطرة الإنسانية السوية. وتجاوزت تلك الدراسات الجوانب الخارجية وغاصت في أعماق النفس الإنسانية علّها تصل إلى فهم يمكن من خلاله حماية المجتمع من أخطار التطرف.
ومن الظواهر التي تم بحثها في هذا السياق ظاهرة الأزمة الوجودية التي يعيشها الفرد وعلاقتها بتطرفه، خاصة أن الكثير من المتطرفين انتفت من حولهم الكثير من الأسباب الخارجية التي تقودهم إلى الفكر المتطرف، ولم يبق إلا البحث في أعماقهم النفسية التي غالبا تموج بالأسئلة والصراعات.
والأزمة الوجودية هي حالة نفسية وفكرية يشعر فيها الفرد بعدم اليقين بشأن معاني الحياة وأهدافها. وهذه الحالة عند مستوى من المستويات جزء من التجربة الإنسانية حيث تطرح الأسئلة العميقة حول الذات والوجود والمستقبل.. ولكنها قد تضع الإنسان في حالة من الشعور بالضياع والقلق العميق الذي يمكن أن يؤثر على تفكيره وسلوكه بشكل كبير جدا، ويجعله عرضة لتأثيرات قادمة من جماعات/ أفراد يشتغلون على هذا النوع من الصراعات النفسية الداخلية.
ولاحظ الباحثون، ممن درسوا التطرف، بشكل متزايد وجود صلة بين الأزمات الوجودية والتعرض للأيديولوجيات المتطرفة؛ فالأفراد الذين يعيشون حالة من اللايقين والشكوك العميقة يبحثون عن إجابات سريعة ونهائية وحاسمة، ومع الأسف، فإن الجماعات المتطرفة تقدم مثل هذه الإجابات بسهولة وبنفس اليقين الذي توزع به صكوك الغفران.
تنشأ الأزمة الوجودية عادة من اضطراب في إحساس الفرد بالهُوية أو المعنى أو الهدف، والبحث عن المعنى هو دافع أساسي وملازم للإنسان، ولكن عندما يتم إحباط هذا المسعى بسبب التحديات الشخصية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تمر على الإنسان بشكل فردي أو تمر على محيطه؛ فمن المرجح أن يعاني من شعور عميق بالارتباك واليأس.
وتقدم الأيديولوجيات المتطرفة إجابات واضحة ومطلقة على أسئلة الحياة المعقدة، والأفراد الذين يواجهون تهديدات وجودية غالبا ما ينجذبون نحو هذا النوع من الأيديولوجيات التي تعد باليقين وتوفر إطارا يمكن للأفراد من خلاله تفسير معاناتهم وشكوكهم وإيجاد مبررات لمظلومياتهم.
وتسلط العديد من الدراسات الضوء على الآليات النفسية التي تربط الأزمات الوجودية بالفكر المتطرف، وتظهر أن التهديدات الوجودية تزيد من جاذبية الأيديولوجيات التي تقدم وجهات نظر ثابتة لا لبس فيها. ويتجلى هذا بشكل خاص في الأفراد الذين يعانون من مستويات عالية من عدم اليقين الشخصي وتدني احترام الذات.
وتكشف دراسات أن الكثير من الأفراد الذين انضموا إلى جماعات متطرفة أبلغوا عن شعورهم بالعزلة، وغياب شعورهم بالهدف من الحياة، والقلق الوجودي قبل تحولهم إلى التطرف.
وتعيد المجموعات المتطرفة تفسير المظالم الشخصية والشكوك الوجودية باعتبارها جزءا بسيطا من مشكلة أكبر مقدمة حلولا مبسطة ومطلقة لمشكلات الأفراد. وتمنح السرديات التي تقدمها الأيديولوجيات المتطرفة الأفرادَ شعوراً بالانتماء والهدف من الحياة ما يعزز إحساسهم بالمعنى في حياتهم الأمر الذي يسهل تجنيدهم في القضايا والأفعال المتطرفة.
ويمكن أن تخفف معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الوجودية خطر التطرف الذي ينتشر في الكثير من بقاع العالم، وهذا الأمر يتم في المقام الأول عبر تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع ووجود هدف حقيقي من وجود الإنسان في هذه الحياة، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود تبدأ من الأسرة التي يعتبر دورها أكثر أهمية في علاج التطرف وبذوره، ناهيك عن الأزمات التي تقود إليه وللأسرة في هذا السياق دور مهم جدا في البناء الديني للفرد جنبا إلى جنب مع المسجد. ورغم أهمية التدخلات التعليمية والأسرية، فإن التدخلات النفسية التي تعزز التفكير النقدي والقدرة على الصمود في مواجهة وجهات النظر التبسيطية لا تقل أهمية عما سبقها.
ولا شك أن الارتباط بين الأزمات الوجودية والفكر المتطرف يؤكد أهمية معالجة الاحتياجات النفسية والاجتماعية الأساسية للأفراد؛ ولذلك لا يمكن التقليل من أهمية بناء أفراد المجتمع ليكونوا أكثر صلابة وقوة في مواجهة الأزمات، سواء كانت أزمات خارجية مما تفرزه الحياة وتحولاتها في السياق اليومي، أو الأزمات النفسية الناتجة عن الأسئلة الوجودية قبل أن تتحول تلك الأسئلة إلى أزمة حقيقية. ويمكن للمجتمع أن يقلل من جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة ويعزز مسارات أكثر صحة لإيجاد الهدف والمعنى في الحياة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأفراد الذین الکثیر من
إقرأ أيضاً:
ورشة عمل لتعزيز التهيئة النفسية للقطاع النسائي استعدادًا لشهر رمضان
الثورة نت/ يحيى كرد
نظّمت الإدارة العامة لتنمية المرأة بديوان عام المحافظة ورشة عمل حول التهيئة النفسية للقيادات النسائية في المكاتب التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني، في إطار الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان المبارك، وتعزيز جهود التحشيد للأنشطة الرمضانية.
هدفت الورشة إلى تهيئة القيادات النسائية نفسيًا وروحيًا لاستقبال الشهر الفضيل، وتعزيز الثقافة الإيمانية، ورفع مستوى الوعي الديني والاجتماعي، مع التأكيد على إحياء قيم التكافل والإحسان في المجتمع، امتثالًا لتعاليم الله ورسوله.
وفي افتتاح الورشة أكد وكيل المحافظة لشؤون الخدمات، محمد حليصي، على أهمية تنظيم هذه الورشة في تعزيز التواصل بين القيادات النسائية بالمحافظة.. مشددًا على ضرورة استغلال شهر رمضان في نشر التوعية الدينية والأخلاقية والاجتماعية، وتعزيز مبادئ التراحم والإحسان.
و أشار إلى أن الوعي الديني والتربوي يمثل أحد الركائز الأساسية في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتماسكًا.. مشددا على ضرورة رفع مستوى الوعي باهمية الأهتمام بالنظافة خلال شهر رمضان ابتداء من المنزل والحارة والشارع. بما يسهم في الحد من انتشار الأمراض.
من جانبها، أكدت مديرة إدارة تنمية المرأة بالمحافظة، مريم العطاس، أن الورشة استهدفت القيادات النسائية في المكاتب التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني، مركّزة على أهمية التهيئة النفسية والروحية للمشاركات استعدادًا لشهر رمضان، مع ضرورة تكريس قيم التعاون والتراحم داخل المجتمع.
وأضافت العطاس أن هذه الورشة ستسهم في رفع مستوى الوعي بالأعمال الخيرية وتعزيز الروح المجتمعية، مما يرسّخ مبادئ التكافل الاجتماعي بين الأفراد.
ودعت إلى مواصلة الجهود في نشر الوعي الديني والاجتماعي، مؤكدةً أن التمسك بالقيم والمبادئ الدينية يُعد السبيل الأمثل لمواجهة التحديات وبناء مستقبل مشرق.
تخلل الورشة استعراض عدة أوراق عمل تناولت محاور التهيئة النفسية للقيادات النسائية، وأهمية الحفاظ على النظافة العامة في المؤسسات والمكاتب التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني والمنازل ، لما لها من دور في تعزيز الصحة العامة والحد من انتشار الأوبئة.
حضر الورشة أمين عام محلي مديرية الحالي، حسن هادي رسمي، إلى جانب عدد من القيادات النسائية بالمحافظة.