لجريدة عمان:
2025-01-11@04:04:08 GMT

الأزمة الوجودية والوقوع في فكر التطرف

تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT

Your browser does not support the audio element.

حظيت ظاهرة التطرف/ الإرهاب بالكثير من الدراسات التي تحاول اكتشاف الأسباب الحقيقية التي تدفع المتطرف إلى تطرفه والإرهابي إلى أعماله المنافية للفطرة الإنسانية السوية. وتجاوزت تلك الدراسات الجوانب الخارجية وغاصت في أعماق النفس الإنسانية علّها تصل إلى فهم يمكن من خلاله حماية المجتمع من أخطار التطرف.

ومن الظواهر التي تم بحثها في هذا السياق ظاهرة الأزمة الوجودية التي يعيشها الفرد وعلاقتها بتطرفه، خاصة أن الكثير من المتطرفين انتفت من حولهم الكثير من الأسباب الخارجية التي تقودهم إلى الفكر المتطرف، ولم يبق إلا البحث في أعماقهم النفسية التي غالبا تموج بالأسئلة والصراعات.

والأزمة الوجودية هي حالة نفسية وفكرية يشعر فيها الفرد بعدم اليقين بشأن معاني الحياة وأهدافها. وهذه الحالة عند مستوى من المستويات جزء من التجربة الإنسانية حيث تطرح الأسئلة العميقة حول الذات والوجود والمستقبل.. ولكنها قد تضع الإنسان في حالة من الشعور بالضياع والقلق العميق الذي يمكن أن يؤثر على تفكيره وسلوكه بشكل كبير جدا، ويجعله عرضة لتأثيرات قادمة من جماعات/ أفراد يشتغلون على هذا النوع من الصراعات النفسية الداخلية.

ولاحظ الباحثون، ممن درسوا التطرف، بشكل متزايد وجود صلة بين الأزمات الوجودية والتعرض للأيديولوجيات المتطرفة؛ فالأفراد الذين يعيشون حالة من اللايقين والشكوك العميقة يبحثون عن إجابات سريعة ونهائية وحاسمة، ومع الأسف، فإن الجماعات المتطرفة تقدم مثل هذه الإجابات بسهولة وبنفس اليقين الذي توزع به صكوك الغفران.

تنشأ الأزمة الوجودية عادة من اضطراب في إحساس الفرد بالهُوية أو المعنى أو الهدف، والبحث عن المعنى هو دافع أساسي وملازم للإنسان، ولكن عندما يتم إحباط هذا المسعى بسبب التحديات الشخصية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تمر على الإنسان بشكل فردي أو تمر على محيطه؛ فمن المرجح أن يعاني من شعور عميق بالارتباك واليأس.

وتقدم الأيديولوجيات المتطرفة إجابات واضحة ومطلقة على أسئلة الحياة المعقدة، والأفراد الذين يواجهون تهديدات وجودية غالبا ما ينجذبون نحو هذا النوع من الأيديولوجيات التي تعد باليقين وتوفر إطارا يمكن للأفراد من خلاله تفسير معاناتهم وشكوكهم وإيجاد مبررات لمظلومياتهم.

وتسلط العديد من الدراسات الضوء على الآليات النفسية التي تربط الأزمات الوجودية بالفكر المتطرف، وتظهر أن التهديدات الوجودية تزيد من جاذبية الأيديولوجيات التي تقدم وجهات نظر ثابتة لا لبس فيها. ويتجلى هذا بشكل خاص في الأفراد الذين يعانون من مستويات عالية من عدم اليقين الشخصي وتدني احترام الذات.

وتكشف دراسات أن الكثير من الأفراد الذين انضموا إلى جماعات متطرفة أبلغوا عن شعورهم بالعزلة، وغياب شعورهم بالهدف من الحياة، والقلق الوجودي قبل تحولهم إلى التطرف.

وتعيد المجموعات المتطرفة تفسير المظالم الشخصية والشكوك الوجودية باعتبارها جزءا بسيطا من مشكلة أكبر مقدمة حلولا مبسطة ومطلقة لمشكلات الأفراد. وتمنح السرديات التي تقدمها الأيديولوجيات المتطرفة الأفرادَ شعوراً بالانتماء والهدف من الحياة ما يعزز إحساسهم بالمعنى في حياتهم الأمر الذي يسهل تجنيدهم في القضايا والأفعال المتطرفة.

ويمكن أن تخفف معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الوجودية خطر التطرف الذي ينتشر في الكثير من بقاع العالم، وهذا الأمر يتم في المقام الأول عبر تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع ووجود هدف حقيقي من وجود الإنسان في هذه الحياة، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود تبدأ من الأسرة التي يعتبر دورها أكثر أهمية في علاج التطرف وبذوره، ناهيك عن الأزمات التي تقود إليه وللأسرة في هذا السياق دور مهم جدا في البناء الديني للفرد جنبا إلى جنب مع المسجد. ورغم أهمية التدخلات التعليمية والأسرية، فإن التدخلات النفسية التي تعزز التفكير النقدي والقدرة على الصمود في مواجهة وجهات النظر التبسيطية لا تقل أهمية عما سبقها.

ولا شك أن الارتباط بين الأزمات الوجودية والفكر المتطرف يؤكد أهمية معالجة الاحتياجات النفسية والاجتماعية الأساسية للأفراد؛ ولذلك لا يمكن التقليل من أهمية بناء أفراد المجتمع ليكونوا أكثر صلابة وقوة في مواجهة الأزمات، سواء كانت أزمات خارجية مما تفرزه الحياة وتحولاتها في السياق اليومي، أو الأزمات النفسية الناتجة عن الأسئلة الوجودية قبل أن تتحول تلك الأسئلة إلى أزمة حقيقية. ويمكن للمجتمع أن يقلل من جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة ويعزز مسارات أكثر صحة لإيجاد الهدف والمعنى في الحياة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأفراد الذین الکثیر من

إقرأ أيضاً:

شريف الشوباشي: ضرورة استعادة دور المثقفين في المجتمع

أكد الكاتب والمفكر السياسي شريف الشوباشي وجود أزمة في مصر تتعلق بالثقافة والمثقفين، إضافة إلى التحديات التي تواجه السينما. 

وأشار إلى أن المشهد الثقافي يعاني تراجع دور المثقفين والمفكرين.

غياب المثقفين عن القيادة

وأوضح الشوباشي، خلال لقائه مع الإعلامية فاتن عبد المعبود في برنامج "صالة التحرير" على قناة صدى البلد، أن قادة الرأي في العصر الحالي يجب أن يكونوا من المثقفين والمفكرين والسياسيين، لأنهم الأقدر على توجيه المجتمع نحو التقدم.

وأضاف: "خلال الخمسين عاماً الماضية، تصدّر رجال الدين المشهد الإعلامي والتعليمي، ما أدى إلى تغوّلهم في قضايا عديدة تمس حياة الإنسان بشكل مباشر، بدلاً من أن يقتصر دورهم على النواحي الروحية."

التطرف وأثره على المجتمعات

واشار الى  أن التطرف، بمختلف أشكاله، يمكن أن يؤدي إلى قلب أنظمة الدول وإحداث كوارث إنسانية، كما حدث في الحرب العالمية الثانية.

وقال: "العالم كان قائماً على أنظمة متطرفة حتى بداية الحرب العالمية الثانية، التي تسببت في مقتل 50 مليون شخص، إضافة إلى عدد مماثل من الجرحى والمشوهين، نتيجة سياسات التعصب والتفرقة بين البشر."

دعوة للتغيير

وختم الشوباشي حديثه بدعوة إلى ضرورة استعادة دور الثقافة والمثقفين في المجتمع، مشدداً على أهمية مواجهة الفكر المتطرف بكل أشكاله، من أجل بناء مجتمع قائم على التسامح والعقلانية.

مقالات مشابهة

  • برج الدلو حظك اليوم السبت11 يناير 2025.. اهتم بصحتك النفسية
  • الأوقاف: الكتاتيب رمز للقوة الناعمة ومنبر للقيم المصرية
  • جزاؤها خصومة الله.. إمام الحرم يحذر من الغيبة والوقوع في الأعراض
  • بريطانيا تجمد أصول جماعة "الدم والشرف" اليمينية المتطرفة بتهمة الإرهاب المزعوم.. ما نعرف عنها؟
  • وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم يشهد اختبارات المتقدمين لفتح كتاب.. صور
  • ارتفاع غير مسبوق في لجوء الشباب الفرنسي إلى خدمات الصحة النفسية
  • الصحة النفسية بعد الجائحة: كيف نعالج آثار العزلة والإجهاد المستمر؟
  • شريف الشوباشي: ضرورة استعادة دور المثقفين في المجتمع
  • جامعة الدول العربية تدين خريطة إسرائيل: منشورات تحريضية لتأجيج التطرف
  • سوريا: من الدكتاتورية إلى التطرف