أثارت أغنية يمنية قبل أكثر من عام جدلا بسبب لحنها المأخوذ عن أغنية تركية قديمة. مسألة تدعو لإعادة النظر في الرواية السائدة حول طبيعة التأثير التركي على الموسيقى اليمنية.

وكان الفنان علي الآنسي (1933-1981) سجل الأغنية في القرن الماضي، وظلت تُنسب له لحنا وكلمات. لكن فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، كشف أن لحنها مأخوذ من أغنية "iki Keklik" وتعني "حجلان يغنيان".

وهي من أغاني الرثاء الشعبية، وتروي قصة أم بعد معرفتها بسقوط ابنها في بئر وموته. وكما هو شائع هناك، تنتسب الأغنية لقرية غور الواقعة في محافظة بالق آسير المطلة على بحر مرمرة.

لكن من أي مصدر محلي التقط الآنسي هذا اللحن؟ على الأرجح لم ينسبه لنفسه، فليس هناك ما يؤكد قيامه بذلك. وكما يبدو ظلت الأغنية مُستعملة في اليمن، كواحدة من الأغاني الشعبية، التي تعرض بعضها للاندثار. ذلك ما يؤكده التحوير الشعبي لأداء اللحن، بعد ان انتُزع عنه التنغيم الترنيمي الحافل به اللحن الأصلي.

هل كانت تُردد بين الجنود الأتراك لرثاء أصدقائهم المقربين، الذين سقطوا أثناء قتالهم مع اليمنيين؟ أم أنها أخذت طريقها بين الجنود اليمنيين، بتأثير من تبقى من الأتراك، الذين جندهم الإمام بعد خروج العثمانيين؟ فما كان شائعا ومُتاحا من الموسيقى التركية يعود بدرجة أساسية للمارشات وما تعزفه الفرق الموسيقية العسكرية.

غناء الموشح

ظل اليمنيين يتقبلون جوانب تأثير تركي، تتعلق ببعض الأكلات الشعبية والحلويات وبعض المفردات الدارجة. عدا أنهم رفضوا تناول هذا الجانب ضمن موروثهم الغنائي، الذي يعتبرونه مصدر فخر وطني. لكن تلك المرويات السائدة تتعرض للتقويض، خصوصا أن انتقال مؤثرات خارجية سمة لا تخلو منها أي ثقافة موسيقية.

والعلاقة بين الثقافتين الموسيقيتين، بمضمونها الواسع، لا تقتصر على وجود تأثير ذي مسار واحد، إنما تأثير متبادل. فعندما أصبح اليمن جزءا من الإمبراطورية العثمانية، كان لا يزال على اتصال بأزهى فتراته الموسيقية التي تعود إلى عهد الدولة الرسولية (1229-1453).

وهو العهد المُرتبط بظهور الموشح "الحُميني" في اليمن، الذي أصبح مقترنا بتراث الغناء الصنعاني، فأول موشح "حُميني" ما زال مستعملا في الغناء الصنعاني يعود إلى الشاعر أحمد بن فليتة (ت 1331)، وذاع صيته خلال حكم الملك الرسولي المجاهد.

وقالب الموشح جاء إلى اليمن، بحسب الدكتور محمد عبده غانم، عن طريق الأيوبيين الذين حكموا اليمن ما بين (1173-1229). لكنه اتخذ خصوصية محلية، بكونه مزيجا بين الدارج والفصيح. وأصبح شعر الغناء في البلاط الرسولي، وفي غناء التكيات الصوفية.

وهذا الغناء الذي انتشر على نطاق واسع في تهامة وتعز وعدن، وانحسر مع اندثار دولة بني رسول في اليمن. حاز شكلا من رعاية العثمانيين، سواء من خلال الحفلات الموسيقية التي كان الحاكم التركي يقيمها في صنعاء. أو رعايتهم الجماعات الصوفية التي حافظت على ممارسة الإنشاد الديني إلى اليوم.

من ناحية أخرى، تمتاز الموسيقى التركية التقليدية بثراء ناتج عن تنوع مصادرها، واتصالها بثقافات متعددة على نطاق انتشار الإمبراطورية العثمانية. بحيث أثرت في مناطق سيطرتها، بما في ذلك اليمن، ونقلت من ثقافاتها الموسيقية.

وهناك قصة أوردها الفنان محمد مرشد ناجي في كتابه "الغناء اليمني القديم ومشاهيره" نقلها عن شاهد عاصر الوجود العثماني في اليمن. وتحديدا العهد العثماني الثاني في اليمن، الذي انتهى بعد توقيع صُلح دعان مع الإمام يحيى، وخروجهم عام 1919.

تقول الرواية إن أحد الضباط الأتراك الذين يعملون ضمن الفرقة العسكرية التركية جذب اهتمامه غناء امرأة، وأنه أخذها إلى جبل نقم، أحد الجبال المحيطة بصنعاء، وتركها تغني ليدون نغماتها على النوتة. ثم لاحقا سمعوا اللحن ضمن المعزوفات العسكرية. وبخلاف ما إن كانت القصة حدثت بالفعل أو لم تحدث، لا يُستبعد أن الأتراك نقلوا بعض الألحان اليمنية.

الإشارة الأولى حول التأثير التركي

تعود أول وثيقة تتحدث عن وجود تأثير تركي في الغناء الصنعاني إلى كتاب "شعر الغناء الصنعاني" للدكتور محمد عبده غانم. وهي دراسة نال عنها الدكتوراه عام 1968 من جامعة لندن، ثم صدرت عام 1970 في كتاب يحمل هذا العنوان.

استنتج غانم في دراسته أن الأتراك ساهموا في تطوير الموسيقى اليمنية، مستدلا بما رواه عيسى بن لطف الله، حفيد المطهر بن شرف الدين، على إقامة حفلات موسيقية في بيت الحاكم التركي بصنعاء. وأن مساهمتهم لم تكن قاصرة على تلك الحفلات، إنما "كانت كما يبدو تشمل التجديد والتنويع الناشئين عن إدخال العنصر التركي في التأليف الموسيقي اليمني".1

يستند غانم في ذلك إلى ملاحظات دونها عيسى لطف الله، ضمن ديوان "مبيتات وموشحات"، الذي جمع فيه موشحات قريبه الشاعر "محمد بن شرف الدين". ومن بين ما أشار إليه عن المخطوطة، أن حفلات الحاكم التركي استضافت مغنين يمنيين، وشهدت عزفا على العود. مضيفا أن ما يماثل تلك الحفلات "كان يقيمها أفراد البيت الزيدي الحاكم".2

لا شك أن المخطوطة تضمنت إشارة إلى جلسة إنشاد ديني شهدت أجواء عائلية. ولا نعرف ما إن كانت تلك الجلسات ممرا لنفاذ مؤثرات صوفية غنائية عبر تلك الأسرة. وهو ما يمكن ملاحظته في الألحان الدينية المشتركة بين أناشيد صنعاء، وما ينشده المتصوفة اليمنيين من تهامة وحتى حضرموت.

وكان الإمام المنصور القاسم العياني، الذي صعد بعد انحسار حكم أسرة شرف الدين في اليمن، انتقد ما اعتبره نزوعا صوفيا لدى محمد بن شرف الدين. ومعروف أن التصوف منبوذ دينيا في العقيدة الزيدية التي يمثلها الإمام. بخلاف ما يحمل ذلك من اتهام لتلك الأسرة بميولها للأتراك، المعروفين برعاية التصوف.

نقل المركز السياسي والغنائي

ويبدو أن التأثير التركي كان وراء ما تضمنته إشارات عيسى لطف الله عن الموسيقى، إذ إنها من الأشياء النادرة في كتابات التراث اليمني، خصوصا في التراث الزيدي.

وهذا يكشف لنا عن طبيعة تأثير يرتبط بسياق عام محلي، وربما حفز هذا التأثير ظهور أول شاعر يمني يستعمل اللهجة الصنعانية في الموشح "الحُميني". ثم أصبح هذا الفن المتصل بالغناء في اليمن منسوبا لمركز إنتاجه شعرا وغناء.

ولعل الأتراك لعبوا دورا في نقل المركز السياسي والثقافي إلى صنعاء، بعد أن نافستها مراكز أخرى مثل تعز وزبيد. كما أن الحفلات الموسيقية التي حظيت برعاية الأتراك في صنعاء لعبت دورا في تشكل هذا المركز.

قبل ظهور الأتراك، ظهر شاعر حُميني ينتسب إلى صنعاء من حيث الولادة والنشأة، لكنه أصبح أحد مشايخ الصوفية في محل إقامته بتعز، التي توفي فيها عام 1525، وصاغ شعره الحُميني بلهجتها، كونها كانت حتى ذلك الوقت لهجة مُستعملة في هذا الفن.

ينتسب محمد بن شرف الدين إلى أسرة حكم زيدية، فجده الإمام شرف الدين وعمه الإمام المُطهر، اللذان خاضت جيوشهما حروبا ضد الأتراك. لكن ظهرت موشحات ابن شرف الدين بعد ابن فليتة والمزاح، أبرز شعراء الموشح في العهد الرسولي، وكما يتضح، بحسب غانم، "قلد أسلوبهما في النظم".

ويبدو أن تلك الأسرة التي خاضت صراعا مع الأتراك، تأثرت ببعض ممارساتهم مثل حفلات الغناء والإنشاد. خصوصا أن بعض رموزها أصبحت تربطهم صلة جيدة مع الحُكام الأتراك على غرار عيسى لطف الله.

وهذا الأخير كانت تربطه علاقة جيدة بالوالي العثماني الوزير محمد باشا الذي حكم ما بين 1616 و1621. وتمخض عن تلك العلاقة أن ألف عيسى لطف الله كتاب "روح الروح" بطلب من هذا الوالي، أرخ فيه ما جرى في اليمن خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين.

الأسلوب الكوكباني واتصاله بالغناء التركي

لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته كوكبان (تبعد حوالي 45 كيلومترا عن صنعاء) في ترسيخ إرث الغناء الصنعاني. وهي مركز حكم أسرة شرف الدين. ويعود ذلك إلى ما عرفته من إنشاد ديني وغناء، استضافها بعض أفراد الأسرة، خلال العهد التركي الأول في اليمن.

ومن المُحتمل أن ذلك أفضى إلى كثير من السمات التي يُعرف بها اليوم اللون الكوكباني، نسبة إلى تلك المنطقة. وهذا اللون، رغم اشتراكه بالكثير من الألحان والسمات مع غناء صنعاء، ظل يتمتع بخصوصية. ولا يعني أن المنطقة لم تعرف طابعا غنائيا قبل ذلك، على غرار الألوان التي تمتاز بها بعض المراكز الريفية اليمنية.

وعليه نتساءل عما إذا كان اللون الكوكباني حافظ على تقاليد غنائية يُحتمل أنها تأثرت بممارسات غنائية حظيت باهتمام الأتراك في صنعاء. وفي فترة نفترض أنها شهدت تلاقحا موسيقيا يمنيا تركيا.

ويمكن الذهاب إلى ذلك لسببين، الأول اجتماعي على صلة بطبيعة المكان، بحيث أن الضواحي مثل "كوكبان" أكثر ميلا للحفاظ على التقاليد الغنائية، مقارنة بالحواضر أو المدن التي تكون أكثر عُرضة للتبدل والتغير.

وتمتاز فترة الحكم العثماني الأول باقترانها مع حضور طبقة حكم مركزها كوكبان، خاضت صراعا ثم جنحت إلى السلم. وفي لحظة أصبحت صنعاء هي مركز إنتاج الموشح، شعرا ولحنا وغناء. لكن ريادته الشعرية تنتسب إلى كوكبان.

الثاني سياسي، فالنخبة الكوكبانية التي تنتسب إلى طبقة الحكم كانت تواجه لحظة خروجها عن المشهد السياسي في اليمن. ربما احتفظت، دون قصد، بذائقة ظلت على اتصال بفترة العهد التركي الأول، وما يحفظ لها شكلا من الامتياز الثقافي، إذ خسرت امتيازها السياسي لمصلحة أسرة جديدة ستحكم اليمن، مع ظهور القاسم العياني إماما جديدا، وهذا وصم بعض نخبها بالانحياز للأتراك.

الحارثي والغناء التركي التقليدي

تثير لنا كتابات للفنان اليمني والناقد الموسيقي جابر علي أحمد وجود هذا الرابط، مؤكدا انحيازه لرأي غانم بعد أن كان متحمسا لرأي المرشدي، الرافض لوجود أي تأثير تركي.

وفي مقال له عن الفنان اليمني الراحل محمد محمود الحارثي يتحدث عن طبيعة أدائه الخاصة كتب أن "النغمات تخرج من حنجرته بشكل يختلف عن خروجها من حناجر الفنانين اليمنيين الآخرين"4، مشيرا إلى "لمحة تركية" في أدائه.

ولد الحارثي في كوكبان، وبدأ الغناء في منطقته سرا أواخر حكم الإمام أحمد، الذي سار على نهج والده وسلفه في تحريم الموسيقى. ومع قيام ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، استدعاه إلى صنعاء أول رئيس يمني جمهوري، بغرض توظيفه في إذاعة صنعاء.

تتضح العلاقة بين أسلوب الحارثي والغناء التركي التقليدي، وفقا لدراسة الفنان جابر في "الموشح اليمني"5. وتروي واقعة يجب التوقف عندها، شهدها تجمع فني احتضنته ليبيا، لم يحدد جابر تاريخها بدقة. وبينما كان الحارثي يُغني، شد اهتمام فنانين أتراك كانوا مشاركين ضمن التجمع، ليحيطوا به ويطالبوه بغناء المزيد، دون إخفاء "العلاقة بين ما يسمعونه وبين غنائهم التقليدي".

وهذا ملمح يدعم الاستنتاج حول وجود تأثير أو تلاقح بين الثقافتين الموسيقيتين. سيوضحه جابر بالإشارة إلى وجود تشابه في النسيج اللحني بين أغنيتي "ذا نسيم القرب نسنس" التي تعود إلى تراث الغناء الصنعاني، والخانة الرابعة من "سماعي مُحير" لجميل بك طنبوري5، وبالفعل نجد تشابها، خصوصا في المطلع، وتحديدا أول مازورتين من اللحنين، كما يشير جابر، رغم الاختلاف في المقام والميزان الإيقاعي بينهما.

فالأغنية الصنعانية على مقام كُردان، أحد فروع مقام بيات، وإيقاعها دسعة متوسطة ميزانه 7/8. بينما لحن سماعي مقامه مُحير، وينتسب إلى البيات، وميزانه الإيقاعي 6/4.

التأثير من منظور اجتماعي

تتشكل بين أيدينا عناصر عديدة، لا تقتصر على ما سبق ذكره. لكن دراسة التأثير بمضمونه الأوسع يتطلب أيضا قراءته ضمن سياق اجتماعي في اليمن. وما أحدثه الحكم التركي في اليمن. وتتضح بعض عناصره من خلال الموشح الحُميني، إذ اتخذ شكلا من التمايز الطبقي في صنعاء، أنتجته طبيعة الحكم الإمامي.

أي بوصفه ممارسة تقتصر على طبقات عُليا، سواء تلك التي كانت تنتسب إلى الأسر الحاكمة، أو تدور في فلكها، أو التي تمتعت بامتيازات في التعيين، وتمتعت أيضا بامتياز تعليمي وثقافي على طراز تلك الأزمان.

ومع العهد العثماني الأول، يتعرض هذا العُرف إلى خرق، إذ شهد ظهور أحد أبرز شعراء الموشح الحُميني الذين ظهروا بعد ابن شرف الدين، من أصول تركية، وهو حيدر آغا (ت 1669).

وعُرف حيدر بتفوقه في الشعر الفصيح والملحون "الحُميني"، ووصف بأنه أبرز شعراء عصره من اليمنيين. وبحسب ما قيل عنه "كانت له يد في الموسيقى وضرب العود لنفسه"6. وكانت موشحاته مما يُغنى به في عصره.

ويستنتج غانم أن تلك الصلة بالموسيقى لأشخاص ذوي جذور تركية، دلالة على وجود ما اعتبره "مساهمة تركية في تطوير الموسيقى اليمنية"، مفترضا أن حيدر ربما كان له مساهمات في الغناء والتلحين. عندما توفي حيدر، كان شعبان سليم في الرابعة من عمره، ثم برز بوصفه أحد شعراء الموشحات الحُمينية.

وبخلاف الاثنين، استعاد الشعر "الملحون" صفة "الامتياز الطبقي" غير المُعلنة. ومع ظهور جابر رزق (ت 1904)، خلال فترة الحكم العثماني الثاني في اليمن، أصبح الموشح خارج هذا الامتياز. غير أن موشحات جابر المنسوبة له شعرا ولحنا، كانت جزءا من الممارسات الصوفية.

ولد جابر في إحدى قرى صنعاء، والتحق بالعمل في الحديدة ضمن الجهاز الإداري التركي، وأصبح أحد أبرز الشخصيات الصوفية والموسيقية في اليمن.

تمتاز موشحات حيدر بعناية في المحسنات البديعية، وبصورة لافتة عن أقرانه اليمنيين. فهل كانت تلك السمة على صلة بجذوره التركية، وما في غنائهم من اهتمام بالحُليات؟ وهو الفارق الذي سنلاحظه بين اللحن التركي "حجلان يُغنيان" والنسخة اليمنية من اللحن، فالأول يطفح بالانفعال إضافة إلى العناية بالزخرف، بينما يزهد الثاني عن ذلك، متخذا طابعا يمنيا.

لا شك أن وجود عناصر موسيقية تركية في الغناء اليمني لم تحُل دون احتفاظ هذا الغناء بخصوصيته. لكن لم يعد بالإمكان إنكار أن الوجود التركي في اليمن ترك مؤثرات اجتماعية وثقافية لم تكن الموسيقى فيها استثناء. إذ يمكن اعتبار الموسيقى التركية أحد مصادر الغناء اليمني، ولا نستبعد وجود تأثير يمني، كما حدث في مناطق سيطرة الإمبراطورية العثمانية، وما شهدته من نقل ألحان ضمن الموسيقى التركية.

ويمتاز الغناء اليمني بعراقة جعلته مرجعا لأهل الحجاز، كما أن هذا التأثير لا يقتصر على الحجاز ومناطق الجزيرة العربية. وبحسب ما تضمنته "سفينة شهاب الدين" حول الأغاني المستعملة في مصر حتى منتصف القرن الـ19، يمكن العثور على أدوار مكتوبة باللهجات اليمنية، ويمكن التعرف على موشح ابن فليتة "لي في ربا حاجر"، أقدم موشح حُميني ما زال يُستخدم ضمن تراث صنعاء الغنائي.

الهوامش:

د. محمد عبده غانم، شعر الغناء الصنعاني، ص 32، دار العودة، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة، 1983. المصدر نفسه، ص 45.

جابر علي أحمد، حاضر الغناء اليمني وكتابات أخرى، ص 93، دار نجاد، صنعاء-اليمن، الطبعة الأولى 1996، والمقال بعنوان "الفنان محمد الحارثي" سبق نشره في صحيفة الثورة اليمنية بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 1988.

جابر علي أحمد، الموشح اليمني النشأة والخصوصية، البحث الموسيقي- مجلة نصف سنوية مُحكمة، المجمع العربي للموسيقى- جامعة الدول العربية، المجلد الـ11، ربيع 2012. المصدر نفسه، يحيى حسين، نسمة السحر في من تشيع وشعر، ص 75.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الموسیقى الیمنیة الموسیقى الترکیة وجود تأثیر فی الغناء الترکی فی فی الیمن فی صنعاء کانت ت

إقرأ أيضاً:

العقوبات الأمريكية: ما مَكْمَنُ التأثير؟

الواثق كمير

kameir@yahoo.com
تورونتو، 27 يناير 2025

سألني بعض الأصحاب: ما هو تأثير العقوبات الأمريكية في حق القائد العام للجيش السوداني على أوضاع الحرب في البلاد؟ بدوري، "سألت وبحثت وما خليت" حتى أوفر إجابة موضوعية وأقدم قراءة عن ماهية التأثير ودرجته وعلى من يكون هذا التأثير، وكيفية مخاطبة الأمر من قبل الحكومة.
رأيي في هذا المقال المقتضب أنّ هذه العقوبات لن تسهم في تغيير مجرى الحرب أو وقفها، ولا أحسب أن يكون لها، بحسب طبيعتها المالية الشخصية، تأثيراً ملموساً على الأوضاع الاقتصادية. بل فإن مَكْمَنُ تأثيرها سيكون على العلاقات الثنائية بين السودان وأمريكا، في سياق العلاقات مع المجتمع الدولي قاطبة.
إنّ الرك والمحك لوقفِ الحرب مرهون بموازين القوة العسكرية على الأرض بين الجيش والمليشيا. فالحرب بين الجيش السوداني والجيش الشعبي لتحرير السودان لم تتوقف حتى أدرك كل من الطرفين المقولة السودانية (تلت المال ولا كتلته)، عندما وصل الطرفان إلى نقطة توازن القوة هذه بأن ما يحققه السلام أفضل من مواصلة الحرب. وذلك، بالرغم من العقوبات الأمريكية الثقيلة التى توالت على حكم نظام الإنقاذ منذ سنواته الأولى. فبعد إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب في 1993, فرضت عليه عقوبات اقتصادية متعددة ومتنوعة في 1997، ولحد تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لأدنى درجاته.
وبالرغم من أنّ التجارب أثبتت عدم جدوى العقوبات، بخلاف تأثيرها المعنوي المؤقت، إلاّ أنّها لا تخلوا من آثارٍ سياسية سالبة بالنسبة لأمريكا، خاصة بعد اعتراف وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلنكن، بفشلهم في إيقاف الحرب وإعرابه عن أسفه. فيرى كثيرٌ من السياسيين والمراقبين أنّ خسارة هذه العقوبات بالنسبة لأمريكا أكبر من نفعها، إذ أنها ستطلق يد الحكومة للتحلل من، ولتجاوز المناورات الأمريكية والتركيز على حسم الجيش للمعارك. فبجانب أنها قد تطعن في مصداقية أي وساطة أمريكية، بجانب أنّها ربما تخدم القائد العام للجيش أكثر من توقيع الضرر عليه وتجعلة بطلاً قومياً تلتف حوله قطاعات شعبية واسعة.

العقوبات: هل تضع الجيش والمليشيا الدعم على كفة واحدة؟
إبتداءاً، لم يكن قرار فرض العقوبات الامريكية على القائد العام للجيش مُفاجِئاً، بل كان متوقعاً أن يصدر مباشرة بعد أن طالت العقوبات قائد مليشيا الدعم السريع في 8 يناير الجاري. فغياب العمق الاستراتيجي في سياسة الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب، يجعلها تستخدم العقوبات في شكل مصفوفة تفرض على الجيش ومليشيا الدعم السريع سوياً بالنظر إلى الجانبين على أنهما "طرفان متحاربان". فمنذ أواخر مايو 2023، بعد أقل من ستة أسابيع من اندلاع الحرب، فرضت هذه الإدارة عقوبات اقتصادية عليهما شملت منع التأشيرات وحظر التعامل مع شركاتٍ تابعةٍ لهما، وتبعتها عقوبات على نفس الشاكلة خلال عام 2024. هكذا، فإنّ أى اجراء كانت تصدره الإدارة الأمريكية ضد مليشا الدعم السريع كان يعقبه إجراءٌ مماثلٌ ضد الجيش، ولذلك عندما عاقبت حميدتي أدرك الجميع أن مسك الختام سيكون البرهان.
وبالرغم من أنّ هذه السياسة الأمريكية تُحمل الإدارة الجيش وقوات المليشيا مسؤولية استمرار الحرب، ولكنها لا تضعهما على كفةٍ واحدةٍ أو تساوي بينهما في طبيعة ودرجة الجرائم المرتكبة. ففي اليوم التالي لانهيار مفاوضات جدة، 6 ديسمبر 2023، اتهمّ وزير الخارجية الأمريكي الجيش والدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، بينما خصّ المليشيا بتحمّيلها مسؤولية جرائم ضد الإنسانية وممارسة التطهير العرقي.
وفي أولِ اجتماعٍ لوفد الحكومة السودانية مع المبعوث الأمريكي الخاص، توم بيربللو، بجدة في 9 أغسطس 2024، بخصوص الدعوة الأمريكية لمفاوضات جنيف، عبرّ الوفدُ عن هواجسه ومخاوفه من موقف الإدارة الأمريكية حول المستقبل العسكري والسياسي للمليشيا. ومن أهمّ الإنجازات التي عددها رئيس الوفد الحكومي، د. بشير أبو نمو، في تقريره المُفصل عن الإجتماع هو
انتزاع الاعتراف بعدم المساواة بين القوات المسلحة والمليشيا المتمردة من الناحية القانونية والشرعية، من جانب الولايات المتحدة. فعلى حَدِّ قوله أنَّ المبعوث قد أوضح أنَّه "يؤيدنا تماماً في هذا الطرح وأنه يقوم بتصميم هذه العملية حتى لا يتمكن الدعم السريع من تحقيق المزيد من التوسع في عملياته مما قد يشير لانتصاره، وأنهم لا يرغبون في وجود الدعم السريع أو أن يكون له دور سياسي في مستقبل السودان، وأن مستقبل السودان سوف يحدده الشعب السوداني الذي يرفض الدعم السريع تماماً. مبيناً أن أمريكا لا تضع الدعم السريع في نفس المرتبة الأخلاقية والقانونية الشرعية التي تضع فيها القوات المسلحة، وأن مباحثات جنيف المحتملة لن تضفي أي صفة قانونية على قوات الدعم السريع".

ومما يعزز فرضية أنّ الإدارة الأمريكية لا تساوي بين الجيش ومليشيا الدعم السريع هي تحركات وتوجهات وتصريحات المبعوث الأمريكي منذ ذلك الحين، وحتى بعد انتهاء فترة تكليفه الرئاسي:
1. حتى بعد فشل المحادثات الثنائية بين الوفدين الأمريكي والسوداني ورفض الحكومة والجيش المشاركة في مفاوضات جنيف، التي دعت لها أمريكا وعولت عليها في إحداث اختراق في مهمة وساطتها، لم تثن المبعوث من مواصلة التواصل مع الحكومة. وبالفعل بذل مجهوداً مُقدراً في الحصول على التصريح الأمني security clearance الذي يسمح له بالدخول إلى بورتسودان ومقابلة القائد العام للجيش وبصفته كرئيسٍ لمجلسِ السيادة، بل واجتمع مع رئيس مجلس السيادة، ووزير الخارجية، وهذا ما حدث بالفعل في 18 نوفمبر 2024.

2. وفي حديثه مع الفريق البرهان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (24-28 سبتمبر 2024)، أكدّ له المبعوث الخاص بشكلٍ واضح أنّ الإدارة الأمريكية لا ترى مستقبلاً سياسياً لمليشيا الدعم السريع في الحياة السياسية أو المشهد العسكري في البلاد، وأنهم لا يساوون مطلقاً بين المليشيا والجيش الوطني. وعززّ المبعوث قوله هذا بفعله، إذ ذهب إلى بورتسودان بعد أقل من شهرين من هذا اللقاء واجتمع مع القائد العام للجيش ورئيس محلس السيادة في مكتبه.

3. بينما في نفس الوقت، ولو أنّه قابل وفد التفاوض للمليشيا، إلاّ أنّ المبعوث الخاص لم يحرصُ أبداً على اللقاء كفاحاً مع قائد مليشيا الدعم السريع طوال فترة تكليفة التي كادت أن تُكملّ عاماً كاملاً، رغماً عن أنّ مهمته كوسيط تُملي عليه أن يلتقي بكافة قيادات أطراف الأزمة.

4. التقى المبعوث مع طيفٍ واسعٍ من القيادات السياسية والمجتمعية والأهلية السودانية في بورتسودان وفي عددٍ من عواصم بلدان المنطقة، مؤكداً في كل هذه اللقاءات نفس الموقف من المليشيا في مقارنتها مع القوات المسلحة السودانية.

5. أما في خطابه إلى المجتمعين السياسي والمدني في الداخل الأمريكي، فربما أنّ أقوى تصريحات المبعوث الخاص، كانت قبل بضعة أيام من نهاية تكليفه، في ندوة نظمها المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية (CFR) بواشنطون بمثابةِ وداعٍ له، في 16 يناير المُنصرم. اقتبسُ مما قاله فقد بالحرف مخاطباً الحضور من الفاعلين في الإدارة الأمريكية وقيادات الرأي العام في أمر شرعية مليشيا الدعم السريع "إذا نظرت إلى العام الماضي، فربما كانت قوات الدعم السريع في ذروة شرعيتها *المتصورة*. فلقد هيمنت على ساحة المعركة وبدأت في إنشاء زخم حيث كان هناك بعض التحرك للبدء بالقول، مهلاً، ربما نحتاج إلى الاعتراف بهؤلاء الأشخاص. وقد كان قائدهم يقوم بجولاته، ويتم الترحيب به تقريبًا مثل رئيس دولة في المنطقة. وإذا أعدت النظر بعد مضي عام على ذلك، فقد نقلنا العقوبات إلى العائلة، عبر الإخوة، وصولاً إلى حميدتي، الذي صُنِفّ بارتكاب إبادة جماعية، وبدأنا في ملاحقة بعض شركات المشتريات التابعة له". وختم المبعوث خطابة بقوة بقوله "*وأعتقد أن الشيء الوحيد الذي لا ينبغي أبدًا أن يكون قابلاً للتفاوض في هذا الأمر هو منح أي شرعيةٍ أو شرعيةٍ حاكمة لقوات الدعم السريع*". (انتهى الاقتباس).

لذلك، حينما نأتي للقراءة الموضوعية لمدى ودرجة خطورة العقوبات على القائد العام للجيش مقارنة بالعقوبات التي سبقتها من نفس الإدارة على قائد مليشيا الدعم السريع، نجد أنّ هناك تمييز جوهري وفرق واسع بين الاثنين. ففي معايير ثِقل وجِسامَة الجرائم المرتكبة خلال الحرب، تُعدُ الإبادة الجماعية من أفدح الجرائم الأساسية تليها الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتعذيب.

فحيثيات العقوبات المفروضة على القائد العام للجيش تقوم على: استهداف الجيش للمدنيين والبنية الأساسية المدنية، ومنع وصول المساعدات، إضافةٍ إلى رفض المشاركة في المحادثات التي دعت لها الإدارة الأمريكية في أغسطس من العام الماضي. فمثل هذه الانتهاكات تُصنف كجرائمِ حرب وتُعتبر أقلّ جسامةً في ميزان انتهاكات القانون المدني الإنساني gravity scale)). بينما مسوغات العقوبات على قائد مليشيا الدعم السريع فدافعها الأساس هو ما خلُصت إليه الإدارة الأمريكية بأنّ المليشيا والفصائل المتحالفة معها ارتكبوا إبادة جماعية في السودان. بالإضافة إلى أنّ هذه القوات، على لسان وزير الخارجية الأمريكي، قد "استمرت في مهاجمة المدنيين وقتل رجال وصبية على أساس عرقي واستهداف نساء وفتيات من جماعات عرقية بعينها عمدا لاغتصابهن وممارسة أشكال أخرى من العنف الجنسي". بجانب أنّ العقوبات الصادرة من الخزانة الأمريكية على قائد المليشيا تضمّنت عقوبات على سبع شركات تقوم بِتمويل وتزويد قواته بالأسلحة، كما تشمل حظر جميع الممتلكات والمصالح الخاصة بالكيانات المدرجة في القرار، سواء كانت موجودة في الولايات المتحدة أم في حوزة أو تحت سيطرة أشخاص أمريكيين. وربما الأهم أنْ العقوبات فرضت حظراُ على قائد المليشيا وأسرته من السفر إلى أمريكا، بينما لم تضع الإجراءات ضد القائد العام للجيش قيوداً على تحركاته الخارجية.

ولذلك، فإنّ ردود الفعل والتعامل مع أمر العقوبات ينبغي أن لا يقوم على الخطاب *الشعبوي* القائم على التحشيد والشجب والإدانة والتنديد بسبب فرض عقوبات على القائد العام للجيش أُسوة بقائد للمليشيا، فالأمرانِ مختلفانِ نوعاً وكماً. فقد تبنى نظام الإنقاذ، خلال النصف الأول من عُمرِهِ، نهج هذا الخطاب في مقاومته للعقوبات الأمريكية والذي يحمِلُ في طياته المعاداة الإيديولوجية العمياء للغرب، عبرت عنه شعارات تجاوزها وعفى عليها الزمن على شاكلةِ "أمريكا قد دنا عذابها". وتصاحب ردود الفعل المتسرعة هذه دعواتٌ للإنخرط في المحاور الدولية بالقطيعة مع أمريكا، والغرب عموماً، والتوجه شرقاً بالتحالف مع روسيا (ولنُستذكر ما جنى الأسد من تحالفه معها في نهاية المطاف). لا أدري، ما المشكلة في أن يكونّ لنا علاقات مع أمريكا ومع روسيا، على حدٍ سواء، يقوم تعريفها على أساس مصالح السودان القومية، دون أن نقع في أحضان أيٍ من المُعسكرين؟
وللمفارقة، فبعد أن تاكثرت الزعازع على نظام الإنقاذ بعد انفصال الجنوب، شرع النظام في سنواته الأخيرة في الطرق على باب الحوار، والسعي الحثيث نحو استعادة علاقاته مع أمريكا بالتواصل engagement السياسي والطرق الدبلوماسية. فمنذ أواخر عام 2014، ابتدرت حكومة الإنقاذ مسارين للتفاوض مع الإدارة الأمريكية على مواضيع الخلاف (تم تحديد خمس قضايا رئيسة) التي فُرِضت العقوبات الاقتصادية على إثرها، على أن تكون النتيجة النهائية للمسار الأول هي إلغاء هذه العقوبات. وبالفعل فيما يتصل بهذا المسار، أصدر الرئيس أوباما في يناير 2017، وهو على أعتاب مغادرة البيت الأبيض، قراراً بإلغاء الأمر التنفيذي للرئيس كلنتون الذي تأسست عليه العقوبات التجارية والمالية في عام 1997، كما اعتمدت إدارة ترمب رفع العقوبات بقرارٍ تنفيذيٍ جديدٍ في أكتوبر 2017. ومن ثمّ، تم تحديد المسار الثاني للمحادثات أيضاً حول خمس قضايا خلافية شملت: الحريات العامة، الحريات الدينية، العلاقات مع كوريا الشمالية، العمل الإنساني، والقضايا الأمريكية المرفوعة ضد السودان (تفجير سفارتي أمريكا في شرق أفريقيا وقضية المُدمرة كول)، على أن تكون المحصلة النهائية لهذا المسار هي رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. بالرغم من أنّ المحادثات في هذا المسار كانت قد قطعت شوطاً مُقدراً إلاّ أنّها لم تصل إلى نهاياتها المنطقية، إذ تفجّرت ثورة ديسمبر مما دعا إدارة ترمب لتعليقها في فبراير 2019. ومع ذلك، فإنّ ما تم التوصل إليه من تفاهمات حول هذه المواضيع الخمسة مهدّ لحكومة الفترة الانتقالية (تقريباً بنفس الفريق التفاوضي) إسدال الستار على هذه الملفات ورفع السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب في منتصف ديسمبر 2020.
خاتمة
إنّ فرضّ إدارة الرئيس بايدن العقوبات على قائد مليشيا الدعم السريع والقائد العام للجيش قبل أسبوعين فقط من نهاية ولايتها، خاصة تحديد determination انتهاكات المليشيا وتصنيفها كجرائم "*إبادة جماعية*"، هو بمثابة تمرير البطاطس الساخنة إلى إدارة الرئيس ترمب (بمعنى تجنب التعامل بسرعة مع قضية صعبة أو مثيرة للجدل عن طريق تسليمها لشخص آخر). ومن التصريحات المتفرقة لقيادات من الحزب الجمهوري الحاكم، وعلى رأسهم المرشح المُعتمد لمنصب وزير الخارجية، يبدو أنّ إدارة الرئيس ترمب ستتعامل مع هذه البطاطس بتبني نفس موقف ادارة الرئيس بايدن تجاه مليشيا الدعم السريع. فمن الصعب عليه التراجع من هذا الموقف سياسياً وأخلاقياً، خاصة وأن قيادات الحزب الجمهوري في الكونقرس، على رأسهم السيناتور جيم ريتش، قد طالبوا الإدارة منذ عامٍ مضى بوصف فظائع المليشا ب "الإبادة الجماعية".
فعلى خلفية هذا التحليل، أظّنُّ أنّ التعامل مع العقوبات الأمريكية وكيفية احتوائها ينبغّي أن يقومّ على التواصل السياسي political engagement والطرق الدبلوماسية. وذلك، من خلال مواصلة المحادثات لبناء الثقة ومحاولة بناء علاقات ثنائية مستقرة بين السودان والولايات المتحدة، وفي سياق خطابٍ إيجابي ورسائل موجبة بلغة للمجتمع الدولي قاطبة وفق ما تقتضيه مصالح السودان العُليا.
نقطة البداية لهذا التواصل السياسي مع الإدارة الأمريكية الجديدة تبدأ بتعريفِ وتحديدِ القضايا الأساسية والحاسمة لمستقبل العلاقات السودانية الأمريكية، وفي تقديري أنّ الرئيس ترمب سيُعين مبعوثاً خاصاً خلال هذا العام. ولعل بعض أعضاء الفريق السابق لإدارة ترمب من المُلمين بالشأن السوداني قد يكونوا حُضوراً (من أمثال بيتر فام وتيبور ناج)، مما يُسهل الوصول إلى تفاهماتٍ مُشتركةٍ . وهذا بدوره يعني أن تُطوِّر الحكومة تصوراً واضحاً بشأن: 1) وقف وإنهاء الحرب، ودور الإمارات والدول الأخرى التي تعيق ذلك، و2) الانتقال إلى الحكم المدني، بعد عملية سياسية تأسيسية تتسم بالشمول تقود إلى انتخابات حُرة ونزيهة، ضمن أجندة وخارطة طريق المحادثات بين الجانبين.
بجانب ذلك، ففي رأيي أنّ شاغلين رئيسيين سيحكُما توجة الرئيس ترامب ويتحكما في سياسته تجاه السودان، مما يتطلب من الحكومة إعداد العدة والاستعداد لمخاطبتهما بما يصب في مصلحة السودان. أولهما: رغبته الأكيدة في توسيع مظلة التوقيع، والمضي قُدماً في "*الاتفاقيات الإبراهيمية*"، خاصة وأن السودان ودولة الإمارات من الموقعين عليها. وما يُعزز هذه هو الفرضية أنّ "*مشروع 2025*"، أو المخطط التفصيلي، لسياسة إدارة ترمب لم يذكُر السودان في صفحاته التسعمائة إلاّ في سياق "معاهدة اتفاق إبرهيم للسلام". والشاغل الثاني للرئيس ترمب هو الاستثمارات الاقتصادية في أفريقيا عبر الشركات الأمريكية، خاصة في مجال الوقود الأحفوري fossil fuels وهو ما ظلت تحاربه إدارة بايدن في مقابل مصادر الطاقة المُتجددة، الأمر الذي ركز عليه وزير الخارجية القادم في جلسه اعتماده أمام مجلس الشيوخ. وربما شاغلٌ ثالثٌ للرئيس ترمب في اتجاه تعامل الولايات المتحدة مع السودان هو العلاقات مع روسيا والصين في ظلِ الاستقطاب الحادث الآن، خاصة في سياق ما يتردد من سعي روسيا للظفر بقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

   

مقالات مشابهة

  • ملتقى التأثير المدني: ضرب هيبة الدَّولة اغتيالٌ للإنقاذ
  • صنعاء تطالب الامم المتحدة والمنظمات الدولية باحترام القوانين اليمنية 
  • تدشين المسابقة العلمية الثالثة بين طلبة الجامعات اليمنية
  • حميد الأحمر: ''الظروف والجهات التي أوصلت الحوثيين إلى صنعاء وتواطئت معهم قد تغيرت ومأرب عصية عليهم''
  • العقوبات الأمريكية: ما مَكْمَنُ التأثير؟
  • سيظل الإرهاب يهددنا ما لم نعالج جذور الغضب العدمي
  • الفلسطينيون من غزة.. رسائل شكر لـ قوات صنعاء: “بارك الله في اليمن وأهلها”
  • استطلاع يكشف رأي الأتراك في السماع لأردوغان بولاية جديدة
  • مسلسلات رمضان 2025.. شادي مؤنس يضع الموسيقى التصويرية لـ «فهد البطل»
  • اليمن تدين التدابير القمعية التي اتخذتها مليشيا الحوثي بحق الإعلامية سحر الخولاني