حديثنا المستجد عن المجتمع الرقمي لا يعني أنّ هذا المجتمع متفردٌ بخصائصه الفكرية والمادية بشكل يتجاوز أنماط المجتمعات السابقة مثل المجتمع الصناعي، إلا أنّ الأحداث الحالية وحوادثها المزعجة تقودنا إلى العودة إلى ما يمكن أنْ نلحظه من مقاربات ندرك بواسطتها آلية نشأة الأحداث وتغيراتها وعلاقتها بتغيرات المجتمع التي بدورها تمكّننا من فهم أنماط التفكير والثقافة المصاحبة التي تؤول إلى تحديد السلوك الجمعي للمجتمع.
يتجاوز مفهوم المجتمع الرقمي وقدراته الاتصالية والتفاعلية مفهومنا السائد والتقليدي عن مبدأ العولمة العالمية؛ حيث إننا في عصر مفتوح البيانات بما فيها الأفكار المتطرفة أو أخبار حوادثها الناتجة التي من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- أن نوقف زحف انتشارها الذي من السهل أن تختلط فيه الحقيقة بالإشاعة والتزييف المتعمد والتي باتت جزءا من منظومة الحروب الرقمية التي يمكن أن تُستعمل في تقويض الرأي العام وتشتيت فهمه للأحداث ومعالجتها، وهذه إحدى التحديات الأخرى التي تواجه المجتمع الرقمي في ظل الانفتاح غير المقنن، وهذا ما تسعى المنظمات الإرهابية إلى تحقيقه لأجل مواصلة تمدد أعمالها الإجرامية عبر الإسناد الإعلامي والرقمي المُضلل. يأتي هنا دور أفراد المجتمع الرقمي خصوصا أصحاب الفكر والتخصص الذين تقع على عاتقهم المسؤولية في التركيز على إيجاد منطلقات فكرية مُواكِبة لنمط عقل الإنسان الرقمي الذي لا يمكن أن نعتمد على وسائلنا التقليدية في تفعيل منطلقاته بل يستوجب أن نبحث أولا في ماهية العقل الرقمي وآلية تفكيره ومنافذ الولوج إليه، ولبلوغ فهم شامل لماهية العقل الرقمي نحتاج إلى إعمال العقل التجريدي المتصل بقوانين المجتمع الرقمي ومستجداته الفكرية، ويأتي بعدها البحث في منابع الفكر المتطرف ومصابّه، وفهم آلية عمله ووسائل اتصاله وتواصله خصوصا الحديثة المواكبة للتقدم الرقمي مثل وسائل التواصل الاجتماعي الشائع منها والخفي.
نمتلك في وقتنا أدوات رقمية كثيرة يمكن تسخيرها في بناء الوعي المجتمعي لمواجهة أيّ ظاهرة للتطرف وتدميرها قبل استفحالها؛ إذ تكمن الأولوية في البدء بتأسيس الوعي المجتمعي الذي يمكن اعتباره صَمامَ أمان وخط دفاع أول في مواجهة التطرف وهجماته الإرهابية، وأحد أهم مضامين الوعي المجتمعي ترسيخ الأخلاق الإنسانية السامية التي ينص عليها الدين الإسلامي، وتجذير المواطنة والوطنية المتصلة بالولاء للوطن والذود عن أرضه ومكتسباته، وإحدى هذه الأدوات الرقمية -المساندة لرفد مشروعات الوعي المجتمعي- خوارزمية الذكاء الاصطناعي القادرة على التحليل الدقيق والسريع للبيانات الكبيرة بأنواعها المتعلقة بالتوجهات الفكرية والثقافية والدينية داخل المجتمعات؛ إذ من السهل اكتساب هذه البيانات وجمعها من الوسائل الرقمية ومنصاتها، وأن تتولى خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليلها وفهم تفاعلها ونشاطها وتحديد أولويات مواجهة الضار منها وسبل بناء الوعي الإيجابي الذي ينبغي أن يستوطن داخل المجتمعات الإنسانية ويحل محل أيّ فكر شاذ كاره للإنسان ووجوده، واستنادا إلى المعطيات يمكن تحديث أنظمة التعليم وبرامجها وطرق استثمار الأدوات الرقمية ومنصاتها بما يصب في رفد الوعي المجتمعي.
يظل ما سقناه أعلاه مجرد أطروحات عامّة غير تفصيلية لا تعني وجود الارتباط المطلق بين التطرف والمجتمع الرقمي أو أنظمته الرقمية إلا من حيث إمكانية تصاعد موجة التطرف وتمددها بسبب التقدم الرقمي الذي يعتبر سلاحا ذا حدين، ولكن نحاول عبر هذا المقال أن نستدعي انتباه كل ذي شأن بقضايا المجتمع وصون أمنه واستقراره، وبعيدا عن التقدم الرقمي ودوره السلبي والإيجابي نحتاج إلى إيضاح أفضل لمعنى التطرف المقصود الذي يمكن أن نتتبع ظواهره ونشاطاته عبر التاريخ؛ لنجد أنّ التطرف له جذوره التاريخية الموغلة في القِدَم، والذي وإن غلب على مظاهره الطابع الديني فإنه يقوم على منطلقات سياسية واقتصادية تأتي لخدمة أهداف مجموعات متطرفة تتستر في معظم حالاتها بستار ديني أو عرقي؛ ومن السهل أن نتتبع ظاهرة الهجمات الإرهابية التي تحمل في شكلها الظاهر نزعات دينية ومذهبية متطرفة لنجد أنّ أصلها ذو طابع سياسي عميق يتجدد مع كل حقبة تاريخية من حيث الشعار والتوجّه الذي يمكن بواسطته كسب المؤيدين من أصحاب العقول المنقادة إلى القطيع اللاواعي؛ وفي حقبتنا الرقمية لم تغبْ -بكل تأكيد- أهمية استغلال التقدم الرقمي وأدواته الذكية عن أجندة هذه المنظمات الإرهابية التي نرى -مثلا- في وقتنا منظمات مثل «داعش» متصدرةً مشهدَ الإرهاب، ولكن بصمات الصهيونية حاضرة فيها بكل وضوح؛ فيمكن أن ندركها عبر أدلة كثيرة أسهلها استيعابا أن كل هذه الهجمات الإرهابية تصب في تحقيق المصالح الصهيونية التي تتمثل في حاضرنا بالكيان الصهيوني المحتل الذي نشطت خلاياه الخارجية مؤخرا لمساندة مشروعه الإجرامي في فلسطين، ولا نجد سلاحا أفضل من الجاهزية الرقمية التي يمكن أن ترفد أنظمة مراقبتنا عبر التحليل وتقديم الحلول، وقبلها -كما أسلفت- البحث في ماهية العقل الرقمي لفهم نزعاته الفكرية ومنهجية صناعة الوعي في داخل مجتمعاته عبر تجديد الخطاب الديني والفكري بوجود الإسناد الرقمي.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوعی المجتمعی المجتمع الرقمی التی یمکن أن صناعة الوعی من السهل
إقرأ أيضاً:
من سويسرا إلى مصر.. جروس يعود للزمالك ومواجهة مرتقبة مع تلميذه كولر
في رحلة طويلة بدأت من سويسرا، حيث التقى المدرب السويسري كريستيان جروس بمساعده آنذاك، مارسيل كولر، في فريق جراسهوبرز السويسري في أوائل التسعينيات، ليعود اليوم جروس إلى مصر بعد سنوات بعدما بات على أعتاب تدريب الزمالك، في تحدٍّ جديد يجمعه مع كولر المدير الفني للنادي الأهلي.
كان جروس في تلك الأيام يشرف على فريق جراسهوبرز، وكان كولر قائدًا للفريق، ليبدأ معًا مرحلة من التعاون الممتد، حيث عمل كولر مساعدًا لجروس في العديد من المباريات، ليحقق الثنائي نجاحات محلية وأوروبية.
بعد س1نوات طويلة من العمل المشترك، تحققت مسيرة كلٍ منهما في ملاعب التدريب، لكن هذه المرة ستكون المنافسة على أشدها، حيث يلتقي المدربان في ديربي غير تقليدي في الدوري المصري، أحدهما يقود الزمالك والآخر يقود الأهلي.
فاجأت العودة المرتقبة لجروس الجميع، إذ وصل إلى مصر في الساعات الأخيرة، في إطار استعداداته لتوقيع عقده مع الزمالك خلفًا للمدرب جوزيه جوميز، في حين أن كولر الذي تولى مسؤولية تدريب الأهلي يسعى لتحقيق مزيد من النجاحات مع الفريق الأحمر، ومع انطلاق ديربي جديد بين القطبين الكبار، يصبح اللقاء بين جروس وكولر أكثر إثارة.
وفي ذكرياته عن فترة العمل المشترك مع جروس، تحدث كولر في وقت سابق عن المدرب السويسري قائلًا: “مع كريستيان، لم يكن هناك شيء سوى الفوز، مضيفا: ”كان يسعى دائمًا لتحقيق الانتصار، وهو ما يجعل كل مواجهة بيننا مميزة"، لتصبح تلك الكلمات بمثابة شهادة على التنافس الطويل بينهما.
على صعيد الأرقام، فقد تقابل جروس وكولر في 18 مباراة كمدربين، وكانت المواجهات متقاربة، حيث حقق كولر 4 انتصارات، بينما حقق جروس 6 انتصارات، وانتهت 8 مباريات بالتعادل.
أكبر انتصار حققه كولر على جروس كان في نوفمبر 2000، عندما فاز فريقه سانت جالين على بازل 4-0، بينما كان أكبر انتصار لجروس على كولر في أغسطس 2003، عندما فاز بازل على جراسهوبرز بنفس النتيجة 4-0، وهي آخر مواجهة بين المدربين.
ويستعد جروس للعودة لقيادة الفريق الأبيض من جديد الذي قاده من قبل لتحقيق بطولة الكونفدرالية الأفريقية، يترقب الجميع هذا الصراع الجديد بين مدرب الزمالك الذي يعود بعد غياب طويل، ومدرب الأهلي، كولر.