لجريدة عمان:
2025-11-20@19:07:48 GMT

هذا هو حلنا لأزمة الديمقراطية

تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

أتذكرون التسعينيات من القرن الماضي، عندما كان الجميع يعتقدون أن الديمقراطية الليبرالية هي المنفردة بالميدان وأن نهاية التاريخ وشيكة؟

غير أن محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب عززت الإحساس بأننا في أزمة. فكل من الديمقراطيين والليبراليين يرون في بعضهم بعضا آراء رافضة وخطيرة. والثقة في المؤسسات تتدهور.

وبحسب أحدث استطلاعات جالوب للرأي فإن 30% فقط من الأمريكيين يقولون إنهم يثقون في المحكمة العليا ثقة كبيرة أو عظيمة، وأقل منهم الواثقون في الرئاسة، ومحض 9% يثقون في الكونجرس ثقة كبيرة أو عظيمة. والثقة في المدارس الحكومية، والبنوك، والشركات الكبرى، ووسائل الإعلام، وحتى في المؤسسة الدينية انخفضت هي الأخرى منذ سبعينيات القرن الماضي.

كذلك يدعم الأمريكيون الديمقراطية بمستويات أدنى كثيرا مما كانوا يدعمونها، وتبدو السياسة لعبة محصلتها صفر للناس في كلا جانبي الانقسام الكبير، فضلا عن اندلاع العنف السياسي، وازدياد الإحساس بخطر وشيك.

ومع ذلك لا تيأسوا. فثمة حلول، لو أننا اجترأنا على فهمها. نحن بحاجة إلى عقد ديمقراطي اجتماعي يمكن أن يؤمن به الناس، وهو ما يحتمل مجيئه من الحزب الديمقراطي. لا بد لمقترح كهذا أن يبدأ بالتزام بسياسة أكثر مناصرة للعمال. ولا بد أن يتضمن بيانا قابلا للتصديق ينأى بالحزب عن الارتباط بالتجارة العالمية، ومنها القطاع التكنولوجي، وأن يتضمن خطة عمل واضحة وقابلة للتنفيذ لكيفية الربط بين النمو الاقتصادي وانخفاض التفاوت في الدخول. ولا بد أن يتضمن التزاما بإغلاق الهوة الثقافية القائمة فيما بين الحزب الديمقراطي وكثير من الطبقة العاملة الأمريكية. وهذه من جملة الأسباب الجذرية لسخطنا، ولا بد من معالجتها.

في حال عجز الأمريكيين عن النهوض للتحدي، فإن لنا في التاريخ أمثلة كثيرة يجدر أن تكون نذرا لنا. وفي بيئة تعجز فيها المؤسسات عن الوساطة في الاختلاف، ثمة خطر في أن تضرم شرارة دورة من التطرف. فقد كان في ألمانيا عنف سياسي قبل وصول النازية إلى السلطة، فكانت قوات يمينية شبه عسكرية تقتل الخصوم، وشيوعيون يردون بالمثل. ولم يكن الوضع في إيطاليا مختلفا بقيادة قمصان موسوليني السود للعنف. وفي اليابان أيضا بلغ العنف السياسي ذروته قبل سيطرة الجيش على السلطة في ثلاثينيات القرن الماضي.

من أجل تشخيص مشكلات الديمقراطية وعلاجها، علينا أن نفهم سر نجاحها في الماضي وسر علتها اليوم. فهذه ليست ظاهرة أمريكية فقط. إنما الديمقراطية مأزومة في أرجاء العالم، ومنه المجر وبولندا والسويد والهند وتركيا والفلبين والبرازيل، وعموم إفريقيا ما دون الصحراء. ويبدو أن لهذه الأزمات جذورا جزئية على الأقل في الاعتقاد المتنامي بأن الديمقراطية عجزت عن تحقيق وعودها منذ نهاية الحرب الباردة.

يتلخص نجاح الديمقراطية طوال القرن العشرين في وجود المساواة السياسية (فيكون للناس رأي في حياتهم الخاصة وفي كيفية حكم البلد) والمساواة الاقتصادية (بأن تقتسم مكافآت التقدم ولو إلى حد ما على الأقل).

ثمة شيء مقنع في المساواة السياسية، نظريا على أقل تقدير: وهو ألا تكون لأحد يد عليا عليك، ويكون لك قول في طريقة تنظيم المجتمع. وتنجم جاذبية الديمقراطية من تقديسها فكرة حكم الشعب. والحق أن التمثيل الديمقراطي قد تزايد تاريخيا من أسفل إلى أعلى حينما طالبت الجماعات المحرومة بصوت في الشؤون السياسية ونالته.

ولم تكن الديمقراطية حكم الشعب وحسب، ولكنها كانت الحكم من أجل الشعب. وقد حققت الديمقراطية ما أراده الناس من رفع للأجور ووظائف ملائمة وبطالة منخفضة وتعليم وخدمات عامة منطقية. ولقد اقتنص جون بتجامين -أمير شعراء بريطانيا ذات يوم- جوهر العقد الاجتماعي الديمقراطي إذ كتب أن أمته تناصر «الديمقراطية والمجاري السليمة».

خلال العقود التالية للحرب العالمية الثانية، صمد العقد الاجتماعي وحققت الديمقراطية قدرا من المساواة الاقتصادية أيضا. وبدا أن الرخاء في سبيله إلى أن يُقتسم حقا في أغلب البلاد الديمقراطية في العالم، حتى لو أن التمييز ضد بعض الجماعات، ومنها الأقليات والنساء، قد استمر وبخاصة في الولايات المتحدة. وتوسعت بصفة متسارعة خدمات البنية الأساسية والصحة والتعليم والأمن والضمان الاجتماعي.

غير أن هذه المساواة الاقتصادية افتُقدت خلال العقود الأربعة الماضية، وأوضح فقْد لها كان في الولايات المتحدة، حيث توقف اقتسام الرخاء تماما. وارتفع التفاوت ارتفاعا صاروخيا في قرابة عام 1980. ولم يكن الأمر ببساطة هو أن بعض الناس استفادوا من النمو الاقتصادي أكثر من غيرهم. فبينما ارتفعت دخول الأمريكيين ذوي التعليم الجيد بسرعة، رأى العمال من غير حملة الشهادات -وبخاصة الرجال منهم- انحدار دخولهم المعدلة حسب التضخم كما رأوا وظائفهم في المكاتب والمصانع تنسحب منهم بالأتمتة لتتولاها أجهزة الحاسوب والروبوتات أو تُنقل إلى بلاد منخفضة الأجور.

أغلقت موجة استيراد هائلة من الصين مصانع وتجارات. وكثيرا ما تسبب تسريح الأيدي العاملة في ركود عميق وطويل الأمد في مجتمعات كاملة. وبشكل عملي تماما، استفاد النصف فقط من الشعب الأمريكي من النمو الاقتصادي منذ عام 1980.

وليست العلة في الاقتصاد وحده. فقد عانى الكثير من هذه المجتمعات نفسها من ارتفاع الجريمة ومعدلات الأسر ذات العائل الواحد واستهلاك الخمور والمخدرات. والصادم أن اتجاه زيادة متوسط العمر المتوقع وتحسن الحالة الصحية الذي ظل اتجاها ثابتا منذ بداية القرن العشرين قد انهار هو الآخر.

وازداد هذا إزعاجا لأن تراجع التقدم نحو اقتسام الرخاء تزامن مع إحساس بأن الناس فقدت الكثير من تأثيرها على السياسة. صحيح بالطبع أن النخب السياسية هي التي تضع الأجندة في أي بلد ديمقراطي وأنه كانت هناك دائما عوائق في طريق التمثيل والمحاسبة في الولايات المتحدة، ولكن عندما مضى أستاذ العلوم السياسية روبرت دال ليحدد من يحكم السياسة المحلية في نيوهافن في خمسينيات القرن الماضي، لم تكن الإجابة حزبا مستقرا أو نخبة محكمة التحديد. ولكنه خلص بدلا من ذلك إلى أن طبيعة السلطة تعددية، وأن اشتراك الناس العاديين في السياسة أساسي في حكم المدينة، وبدا أن هذا ينطبق على ما يتجاوز نيوهافن أيضا.

يتناقض هذا تناقضا صارخا مع ما يشعر به أغلب الأمريكيين اليوم. فمن وجهة نظر من يعيشون في مجتمعات راكدة، يقف الساسة خاملين وهم يشهدون دمار وظائف الناس ووعود الدينامية الاقتصادية تتمخض عن لا شيء. وازداد الإحساس في أرجاء البلد جميعا بأن الساسة يخدمون الشركات متعددة الجنسيات، والمانحين الأثرياء، والنخب العالمية.

كان الكثير من السياسات -من قبيل تقليل القواعد المالية والعولمة- يعرض على الناخبين باعتباره إجماع الخبراء وتوصياتهم. وبعد حساب تكلفة الصادرات الصينية والانهيار المالي في عام 2008 بدأ الكثيرون يرون أن هذا ليس من صنع سياسات الخبراء ولكنه نوع خاطئ من العمل التكنوقراطي.

ولم ينجم خير عن إحساس كثير من الأمريكيين بأن حربا ثقافية قائمة (أو قول ذلك لهم في كثير من الأحيان)، وأنهم في هذه الحرب ينتمون إلى جانب مختلف عن أغلب الساسة وقادة الأعمال وأغلبية الطبقة الإدارية المتعلمة. فلم يكن من الصعب استنتاج أنه لم يبق الكثير من حكم الشعب أو الحكم من أجل الشعب.

ولكن الديمقراطية لم تمت. حتى العنف السياسي ليس دليلا على أن المؤسسات الديمقراطية تنتهي. فقد شهدت ستينيات القرن العشرين اغتيالات جون كينيدي ومارتن لوثر كنج وروبرت كينيدي، وشهدت السبعينيات تفجيرات وأنشطة إرهابية من (ويذر أندرجراوند) وخلايا إرهابية أخرى، وفي التسعينيات، في ذروة ثقة الناس في الديمقراطية، قتل تيموثر مكفاي 168 شخصا في مدينة أوكلاهوما.

وصحيح أيضا أن الديمقراطية لا تزال هي الخيار الأمثل، حتى لو أنها ليست الخيار الوحيد. إذ تبين أبحاثنا أن البلاد الديمقراطية تحقق نموا اقتصاديا أسرع من أنظمة الحكم الاستبدادية، وهي تفعل ذلك باستثمارها في الناس، بمزيد من الدعم للتعليم والرعاية الصحية خاصة للفئات الفقيرة في المجتمع. وحينما تحقق الديمقراطية هذه النتاجات، تزيد دعم المواطنين لها.

ومع ذلك، من الواضح أن المؤسسات الديمقراطية والأحزاب السياسية التي تحمل ألويتها بحاجة إلى استرداد كثير من شرعيتها. ولن يكفي أداء اقتصادي أفضل أو صمود في مواجهة العنف السياسي.

حينما كانت الملكيات تحكم، لم تكن تحكم لأنها تحقق نتاجات اقتصادية جيدة. ولا كانت تحكم لأنها تسيطر على جميع الأسلحة. ولكن كان لها مبرر واضح لشرعيتها. ففي بواكير إنجلترا الحديثة، كان المبرر هو «الحق الإلهي للملوك» وفي الصين كان «تفويض السماء».

وليست أنظمة الحكم الاستبدادية وحدها التي تعتمد على مثل هذه الفلسفات. فالاتجاه إلى المزيد من المشاركة الشعبية تطلب هو الآخر شرعية وعقدا اجتماعيا جديدا. وقد تبين ذلك في إنجلترا على يد فلاسفة من أمثال جون لوك الذي طرح أساس «سيادة الشعب». ولقد كان صعود الديمقراطية في القرن العشرين قائما على أنها مطلقة، وأنها سوف تحقق قدرا مساويا من النجاح في أي مكان في العالم، من إسبانيا والبرتغال واليونان إلى أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وأفريقيا.

هذه الثقة تبددت إلى حد كبير. أحزاب يسار الوسط التي كانت تحصل على نصيب لا بأس به من ناخبيها من أوساط العمال ذوي الياقات الزرقاء والمواطنين من غير حملة الشهادات الجامعية، تزداد الآن اعتمادا على أصوات (وأموال) خريجي الجامعات والمهنيين والمديرين.

يصدق هذا كله على الولايات المتحدة بشكل خاص، حيث يتحول الحزب الديمقراطي تدريجيا إلى الارتباط بتفضيلات الناخبين المتعلمين والناخبين في المدن. كثيرا ما يجتنب الساسة الديمقراطيون سياسات من قبيل برامج ضمان الوظائف وحماية التجارة وتقوية النقابات. (لا يزال الحزب يناصر إعادة التوزيع، لكن حتى إدارة بايدن على الأقل، كانت أجندتها هي تحقيق إعادة التوزيع هذه في الغالب من خلال الضرائب وبرامج الرفاه دونما تدخل في السوق).

يجب أن تقود أحزاب يسار الوسط طريق الانفصال عن هذا المزاج. ولا بد أن يبدأ هذا بقطع العلاقات مع المليارديرات، وعمالقة الصيدلة، ووحوش وول ستريت. فمن الصعب أن نصدق أن حزبا يحصل على تمويله وأفكاره من شديدي الثراء سوف يعمل بجد من أجل رفاهية الأكثر حرمانا. لا بد أن ترقِّي هذه الأحزاب إلى مواقعها القيادية أناسا لهم خلفية في العمل اليدوي وفي مسارات تعليمية مختلفة. ومن الطرق الواضحة والرمزية لتحقيق هذا أن يُخصَّص نصيب من الترشيحات والمواقع القيادية لأفراد لا يحملون درجات جامعية. وقد اتبع الديمقراطيون الاشتراكيون في السويد وحكومات محلية في الهند استراتيجيات مماثلة فحققت فيها نجاحا.وحيثما يقود يسار الوسط، يجب أن يحذو يمين الوسط حذوه. في الولايات المتحدة، توغل الجمهوريون بالفعل إلى ناخبي الطبقة العاملة، وبوسع التزام أقوى من الديمقراطيين أن يدفع الحزب الجمهوري أكثر باتجاه مناصرة العمال أيضا. ومن شأن إصلاح تمويل الحملات الانتخابية أن يساعد في هذا الصدد، ومن ذلك توفير أموال عامة للمرشحين الذين يرفضون دعم كبار المانحين. وثمة أيضا ما يبرر طرح نظام التصويت بالتمثيل النسبي، وقد يتيح ذلك لأحزاب جديدة أن تتولى تمثيل قضايا الطبقة العاملة في حال عجز الحزبين الكبيرين عن العمل معا. ويمكن أن يبدأ هذا على المستوى المحلي دونما حاجة إلى تعديل دستوري.

ولا بد أيضا أن تجدد أحزاب يسار الوسط المساواة السياسية، ولا يمكن تحقيق هذا ما لم تتراجع عن الحروب الثقافية. وإنه لأمر جدير بالثناء أن أحزاب يسار الوسط دافعت عن بعض الجماعات الأكثر حرمانا في المجتمع وكانت صوتا لها، ومنها الأقليات والمهاجرون. ولا بد أيضا أن تجد هذه الأحزاب سبيلا لإيضاح أفكارها على نحو مقبول لدى قاعدة الطبقة العاملة. ويمكن أن تكون الإغاثة الإنسانية للاجئين جاذبة للمزيد من الناخبين إذا ما اقترنت بتأمين قوي للحدود.

ليست الديمقراطية مرغمة على اتباع رأي الأغلبية في كل موضوع، لكنها لا يمكن أن تهمِّش آراء أغلبية الشعب حتى في موضوعات خلافية من قبيل الهجرة.

من المرجح أن تزداد شعبية دونالد ترامب بعد المحاولة التي استهدفت حياته. ولكن لا يمكن لسياسي أهم منجزاته السياسية الفارقة هي تخفيض الضرائب محاباة للأثرياء أن يكون ممثلا حقيقيا للعمال. كما أن سجله الحافل بالاستقطاب وخطاب العنف وشخصنة السلطة والنيل من آليات المحاسبة الدستورية يوضح أن فترة رئاسية ثانية لترامب من شأنها أن تضعف كثيرا، بل وأن تهدد تهديدا جذريا، المؤسسات الديمقراطية. بل إن بعض المنتقدين يشعرون بالقلق من شريكه الانتخابي الجديد السيناتور جيه دي فانس بقدر قلقهم من ترامب.

والجانب المضيء هنا هو أن شعبوية فانس الاقتصادية السافرة وجاذبية ترامب لدى الطبقة العاملة قد تدفع الديمقراطيين إلى بحث أعمق عن الذات. وفي حال اتخاذهم خطوات جادة لإعادة اختراع أنفسهم بحيث يكونون حزبا للعمال، يكون ترامب عن غير قصد قد وضع الديمقراطية على مسار أفضل.

دارون عاصم أوغلو أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

جيمس أ. روبنسون مدير معهد بيرسون لدراسة وحل الصراعات العالمية في جامعة شيكاغو.

خدمة نيويورك تايمز.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة الطبقة العاملة القرن العشرین العنف السیاسی القرن الماضی الکثیر من لا بد أن یمکن أن من أجل ولا بد

إقرأ أيضاً:

معهد إيطالي يُحذّر من تنامي نفوذ الحوثيين في القرن الافريقي (ترجمة خاصة)

حذر معهد إيطالي من مخاطر تحالفات جماعة الحوثي في اليمن مع حركة الشباب في الصومال وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مع تزايد تهريب الأسلحة، مشيرا إلى أن التهديد الحوثي للملاحة في البحر الأحمر لا يزل قائماً رغم وقف إطلاق النار في غزة.

 

وقال معهد الدراسات السياسية الدولية (ISPI) في تقرير ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن تزايد تعاون الحوثيين مع حركة الشباب وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يمكن أن يؤدي إلى مزيد من المخاطر الأمنية البحرية بسبب نقل التقنيات والمعرفة.

 

وأضاف "مع تكثيف عمليات مكافحة التهريب، تُشكل الأدلة الجديدة على توريد الأسلحة عبر القرن الأفريقي اختبارًا لقدرات خفر السواحل اليمني، مما يُبرز انعدام الأمن الإقليمي والحاجة المُلحة إلى مزيد من التنسيق في الرقابة البحرية".

 

وأكد أن إمدادات الأسلحة إلى الحوثيين تمر بشكل متزايد عبر طرق التهريب في القرن الأفريقي، بما في ذلك الصومال.

 

وأشار التقرير إلى أنه خلال عام 2025، زادت قوات خفر السواحل اليمنية والقوات التابعة لها، بشكل كبير من عمليات اعتراض شحنات البضائع والمراكب الشراعية التي تحمل إمدادات غير قانونية من إيران إلى الحوثيين، مما يعكس تحسن القدرات التشغيلية.

 

وقال "استُخدمت طرق التهريب من القرن الأفريقي إلى ساحل البحر الأحمر الذي يسيطر عليه الحوثيون، لا سيما منذ هدنة اليمن عام 2022 ورفع معظم قيود الاستيراد عن الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون عام "2023.

 

وحسب التقرير فإن تزايد الدعم الإقليمي والدولي لقوات خفر السواحل اليمنية، يمكنها أن تلعب دورًا في تأمين الساحل اليمني، مما يسمح للحكومة باستئناف تصدير النفط من الموانئ الجنوبية، مما سيؤثر إيجابًا على إيرادات الدولة وقدرتها.

 

وأكد أن التطورات الداخلية والإقليمية الأخيرة لم تحدث تغييرًا استراتيجيًا في موازين القوى في اليمن، مع عدم وجود خطوات ملموسة نحو وضع خارطة طريق سياسية برعاية الأمم المتحدة، وقال المعهد الإيطالي "لم تُضعف أشهر من الغارات الجوية الأمريكية والإسرائيلية على معاقل الحوثيين قدراتهم الهجومية بشكل حاسم".

 

وذكر أن وقف إطلاق النار في غزة دفع الحوثيين إلى وقف هجماتهم على تل أبيب، رغم أن التهديد لا يزال قائمًا. ورغم استهداف المصانع العسكرية في حرب إسرائيل على إيران، استمر تدفق الأسلحة المتجهة إلى الجماعة المدعومة من إيران، ويمر بشكل متزايد عبر طرق التهريب في القرن الأفريقي، كما يتضح من عمليات مصادرة الشحنات المتكررة".

 

التهريب أداة اقتصادية واستراتيجية للحوثيين

 

وطبقا للمعهد الإيطالي فإن  التهريب بالنسبة للحوثيين يعد أداة اقتصادية واستراتيجية. فمن جهة، يُعزز الإيرادات الخارجية التي تُستخدم لتمويل الحرب. ومن جهة أخرى، تُشكّل الشبكات الربحية في البحر الأحمر وخليج عدن تحالفات قادرة على تجاوز الانقسامات الطائفية.

 

وفقًا لخبراء الأمم المتحدة، "تكثف" التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب (فرع تنظيم القاعدة في الصومال)، ويشمل الآن "تهريب الأسلحة والتدريب الفني" بما في ذلك "التكتيكات العملياتية وتبادل الدعم اللوجستي". بالتوازي مع ذلك، أظهر الحوثيون وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية "تعاونًا متزايدًا"، بما في ذلك التهريب والتدريب لعملاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن.

 

يقول التقرير إنه على المدى المتوسط ​​والطويل، يمكن أن يؤدي نقل التقنية والمعرفة بقيادة الحوثيين إلى الجماعات المسلحة والإرهابية في منطقة البحر الأحمر الأوسع إلى المزيد من المخاطر الأمنية البحرية".

 

ووفقًا للتقرير النهائي لفريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، في عام 2025، سيكون الحوثيون "الموردين الرئيسيين والمتحكمين في أنشطة التهريب" مع حركة الشباب وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. بالنسبة للجماعة المتمركزة في صعدة، فإن هذه الإمدادات تُكمل تلك القادمة مباشرة من إيران، وغالبًا ما تتضمن أسلحة ودوائر إيرانية. ومع ذلك، فإن "شبكة المقاومة" الحوثية في البحر الأحمر تسمح لقيادة الجماعة بتنويع سلاسل الإمداد وتوطيد تحالفات جديدة - سواءً أكانت داخل المعسكر الإيراني أم لا - مع تعزيز استقلاليتها العسكرية والسياسية عن طهران.

 

ووفق التقرير فإن مؤشرات التعاون في التهريب بين الحوثيين والقوات المسلحة السودانية، تتزايد لكن الأدلة لا تزال غائبة. في عام 2025، أفادت التقارير أن خفر السواحل اليمني اعترض شحنات أسلحة مهربة من السودان، واعتقل عددًا من أعضاء الحوثيين. ويُعتقد أن طريق تهريب يمتد بين بورتسودان والصليف (الحديدة) "لنقل الأسلحة والمقاتلين"، وفي عام 2024، قيل إن الحوثيين أرسلوا "شحنات أسلحة" إلى القوات المسلحة السودانية بناءً على طلب إيران.

 

في عام 2023، أفاد خبراء الأمم المتحدة بوجود "شبكة تهريب منسقة بشكل وثيق تعمل بين اليمن والسودان"، مستشهدين بدليل بنادق هجومية من طراز G3 تستخدمها قوات الدعم السريع، والتي تم تركيبها في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون. ربما كانت هذه حالة تهريب انتهازي باستخدام علاقات قائمة: ففي عام 2015، نشر التحالف الذي تقوده السعودية قوات شبه عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع في اليمن لمحاربة الحوثيين، إلى جانب قوات القوات المسلحة السودانية.

 

وتابع "يمكن أن تُحفّز العلاقات الدبلوماسية المتجددة والدعم العسكري الإيراني في عام 2023 التعاون بين الحوثيين ومعسكر الجيش الموالي للسودان. ومع ذلك، يمكن للحوثيين أيضًا الاعتماد على الروابط المباشرة مع النسيج السياسي والثقافي للبلاد"، مشيرا إلى أن حسين الحوثي مؤسس جماعة الحوثي درس في ​​السودان أواخر التسعينيات، وجاء العديد من السودانيين إلى الجمهورية العربية اليمنية كمعلمين قبل توحيد اليمن".

 

وقال "بالنظر إلى هذه الخلفية، يُرجَّح أن يكون الحوثيون قد طوّروا قنوات تعاون مع الميليشيات الإسلامية التي تقاتل إلى جانب القوات المسلحة السودانية (التي وُضعت رسميًا تحت قيادة الجيش منذ أغسطس 2025)، بدلًا من التعاون المباشر مع الجيش السوداني، الذي قاتلت قواته الحوثيين في اليمن، والذي تحرص قيادته على الحفاظ على علاقات استراتيجية مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال هناك حاجة إلى مزيد من التأكّد من وجود هذا التعاون".

 

وأردف التقرير "بعد سفره إلى إيران، أمضى حسين الحوثي فترة في السودان أواخر التسعينيات، سعياً للحصول على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية. ومن غير المعروف ما إذا كان مؤسس حركة الحوثي قد أكمل المسار الأكاديمي".

 

واستدرك "مع نمو شبكات التهريب التي تتمركز حول الحوثيين في البحر الأحمر، تتفق القوى الإقليمية والدولية بشكل متزايد في مصلحتها في كبح تدفق الأسلحة من إيران، وربما حتى وقفه، نظرًا لأن البحر الأحمر - على الأقل من منظور أوروبي - جزء من البحر الأبيض المتوسط الأوسع".

 

وأستطرد "كلما زاد تعاون الحوثيين مع حركة الشباب وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية عبر التهريب، زاد خطر نقل التقنية والمعرفة في منطقة البحر الأحمر الأوسع، مما يؤدي إلى تطوير قدرات الجماعات". متباعا "يجب منع ذلك قدر الإمكان".

 


مقالات مشابهة

  • عشرات الضحايا والمفقودين جراء غرق مركب غرب الكونغو الديمقراطية
  • معهد إيطالي يُحذّر من تنامي نفوذ الحوثيين في القرن الافريقي (ترجمة خاصة)
  • “حشد”: أطفال فلسطين يواجهون أسوأ مأساة إنسانية في القرن الحالي
  • السر في التصدي لأزمة المناخ قد يكون تحت أقدامنا: لماذا؟
  • مسؤول أممي: العالم لم يُعر اهتمامًا كافيًا لأزمة دارفور
  • فقاعة الذكاء الاصطناعي وحساباتها الواهية
  • سلام من مؤتمر بيروت 1: خطة الجيش تنصّ على احتواء السلاح ليس فقط في جنوب الليطاني إنما شماله أيضاً
  • وحش قطبي منقرض: اكتشاف وحيد قرن عمره 23 مليون سنة
  • الرئيس السيسي يوجه وزير الصحة بمتابعة الحالة الصحية للفنان عمر خيرت وتقديم كافة أشكال الدعم الطبي
  • نائبة الأمين العام للأمم المتحدة: النزاع والجوع وجهان لأزمة واحدة