عقدة بحث بايدن عن إرث يخلّده!
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
عقدة بحث الرئيس بايدن عن إرث يخلّده!!
عجزت إدارة بايدن عن ممارسة ضغوط واقعية تلجم إسرائيل وتوقف الاستيطان وتدفع بمفاوضات فعالة للتوصل لحل الدولتين.
لا يبدو واقعياً تحقيق اختراق وتطبيع تاريخي بين السعودية صاحبة المبادرة العربية في قمة بيروت 2002- وإسرائيل في المستقبل المنظور!
هدف بايدن احتواء صعود الصين والتصدي لتهديد روسيا بوتين لأوروبا واستنزافها بأوكرانيا وقيادة الغرب في النظام العالمي المتعدد الأقطاب قيد التشكل.
ألقى ترومان قنبلتين ذريتين بنهاية الحرب العالمية الثانية على هيروشيما وناغازاكي وقتل ربع مليون مدني ليختبر السلاح النووي في جريمة حرب كاملة ويدشن عصر السلام الأمريكي.
يسعى بايدن لتخليد إرثه بالانتصار على الخصوم الاستراتيجيين روسيا والصين ومنع تحول إيران لدولة نووية وتحقيق اختراق تاريخي بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل بما يتجاوز كامب ديفيد.
* * *
بالتأكيد أن «هدف الرئيس بايدن بعد نصف قرن في العمل السياسي-سناتور ورئيس لجنة الشؤون الخارجية ورئيس لجنة الشؤون القضائية-احتواء ومواجهة صعود الصين كقوة عظمى والتصدي لأطماع وتوسع وتهديد روسيا بوتين للأمن الأوروبي واستنزاف روسيا في أوكرانيا وقيادة القوى الغربية في النظام العالمي المتعدد الأقطاب قيد التشكل.
وتخليد إرثه بالانتصار على الخصوم الإستراتيجيين روسيا والصين، ومنع تحول إيران في عهده لدولة نووية، وتحقيق اختراق تاريخي بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل بتأثير أهم من اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في عهد الرئيس كارتر عام 1979.
تبقى عقدة الرئيس بايدن كحال جميع الرؤساء الأمريكيين الستة والأربعين من جورج واشنطن حتى جو بايدن على مدى 247 عاماً هي عمر أمريكا، في تخليد إرثهم بإنجازات تدخلهم في قائمة الرؤساء العظام والكبار.
قاد الرئيس واشنطن ثورة وحرب الاستقلال عن بريطانيا العظمى، وصاغ الرئيس جيفرسون مع الآباء المؤسسين أول دستور مكتوب في تاريخ البشرية، ودشن الرئيس مونرو كما أوضحت في الجزء الأول من كتابي مبادئ رؤساء الولايات المتحدة- أول مبدأ حقيقي للرؤساء بجعل أمريكا اللاتينية الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الفتية ليبني على مبدئه الرؤساء من بعده. و
الرئيس ثيودور روزفلت أو رئيس قرن القوة الناعمة للدبلوماسية مع القوة العسكرية لقوة أمريكا الصاعدة بمبدئه «تكلم بلطف واحمل عصا غليظة». وكان الرئيس ودرو ويلسون صاحب مبادرة «عصبة الأمم» بتأسيس أول منظمة عالمية لحل النزاعات بطرق سلمية وقدم النقاط 14 وحق تقرير المصير، لكن الكونغرس المحافظ رفض المصادقة على انضمام الولايات المتحدة لعصبة الأمم عام 1920- ما ساهم بفشل عصبة الأمم بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وقاد الرئيس فرانكلين روزفلت أمريكا في أحلك ظروفها في حقبة الفساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين وفي الحرب العالمية الثانية ونجح مع خليفته نائبه ترومان في هزيمة النازية والفاشية في أوروبا والإمبراطورية اليابانية في آسيا.
وألقى الرئيس ترومان أول رؤساء الحرب الباردة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والشرق بقيادة الاتحاد السوفياتي قنبلتين نوويتين في نهاية الحرب العالمية الثانية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.
وقتل ربع مليون مدني بريء، ليسرع إنهاء الحرب العالمية الثانية ويختبر قدرات السلاح النووي في جريمة حرب مكتملة الأركان ويدشن عصر السلام الأمريكي "باركس أميركانا" Pax-Americana.
تأثر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة الحرب الباردة (1947-1991) من ترومان إلى ريغان وجورج بوش الأب- بدءاً بالرئيس ايزنهاور أول رئيس- بخلفية جنرال عسكري في خمسينيات القرن العشرين وقائد القوات الأمريكية في أوروبا في الحرب العالمية الثانية باستقطابات المعادلة الصفرية والمواجهة مع الاتحاد السوفيتي ضمن إستراتيجيات الاحتواء والتعايش والمواجهة في معاقل السوفييت والشيوعية من أوروبا إلى آسيا وأفغانستان، إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
قاد ترومان وايزنهاور تشكيل النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية- بإنشاء مؤسسات ومنظمات دولية لقيادة ما عُرف «النظام العالمي الجديد ما بعد الحرب العالمية الثانية» وقيادة الولايات المتحدة «للعالم الحر» بإنشاء الأمم المتحدة والنظام الاقتصادي- المالي العالمي من رحم اتفاقية بريتون وودز- بإنشاء الغرب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في نهاية الأربعينيات.
وإنشاء حلف شمال الأطلسي- الناتو-الحلف العسكري الأقوى في التاريخ- الذي يواجه روسيا في أوكرانيا وأوروبا اليوم. وأجهزة الاستخبارات CIA- وأجهزة استخبارات العيون الخمسة (أمريكا- بريطانيا- كندا- أستراليا ونيوزيلندا) للتنسيق والتعاون الأمني- ضمن الحرب الباردة لاحتواء ومواجهة الاتحاد السوفيتي والشيوعية.
والتي نجح الرئيس ريغان ومعه الرئيس بوش الأب في هزيمتها وسقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه لخمس عشرة جمهورية- وتدشين ما أطلق عليه الرئيس بوش الأب بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991- «نظام عالمي جديد» بانتصار الغرب الديمقراطي-الرأسمالي التعددي على الشيوعية والنظام التسلطي والحزب الواحد.
ولهذا يفاخر الغرب وحلف الناتو «انتصرنا دون إطلاق رصاصة واحدة» في مواجهات مباشرة. بل عبر حروب بالوكالة واستنزاف امتدت حول العالم بما فيه منطقتنا-الشرق الأوسط في حروب العرب وإسرائيل.
ويجد الرئيس بايدن نفسه اليوم في بحث محموم عن إرث وتحقيق اختراق تاريخي بضمان هزيمة وإنهاك روسيا إستراتيجياً في أوكرانيا واحتواء الصين وعرقلة وتأخير صعودها على المسرح الدولي كأقوى لاعب يمكنه منافسة، بل انتزاع الزعامة العالمية من الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً.
شرق أوسطياً يضع الرئيس بايدن أولوية برغم تراجع أهمية ودور منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط مع تراجع وانكفاء أمريكا عسكرياً ومعه الثقة بدورها كحليف أمني موثوق، بعد الانسحاب من أفغانستان والعراق وخفض عديد القوات في الخليج العربي والتباين مع السعودية حول ملفات النفط وأوبك+ والعلاقة مع روسيا والصين وإيران واليمن وحقوق الإنسان.
وخاصة نجاح وساطة الصين بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بعد قطيعة 7 سنوات وحرب باردة في المنطقة وفي عقر دار النفوذ الأمريكي التاريخي والتقليدي.
لذلك يبدي الرئيس بايدن شخصياً، الذي دخل دورة الترشح لفترة رئاسة ثانية ضد خصمه المتوقع دونالد ترامب من الحزب الجمهوري، حرصاً واهتماماً بتحقيق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، تتوج مسيرته كصانع سلام وربما الحصول على جائزة نوبل للسلام- كحال رئيسه أوباما الذي نالها عام 2009.
لكن بالنظر للظروف القائمة ونهج حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً وعدوانية، وشروط السعودية للتطبيع بما يضمن حقوق ودولة للفلسطينيين وبرنامج نووي سلمي وضمانات أمنية شبيهة بما تقدمه أمريكا لأعضاء حلف الناتو، وعجز إدارة بايدن عن ممارسة ضغوط واقعية تلجم إسرائيل وتوقف الاستيطان وتدفع بمفاوضات فعالة للتوصل لحل الدولتين، لا يبدو واقعياً تحقيق اختراق وتطبيع تاريخي بين السعودية صاحبة المبادرة العربية في قمة بيروت 2002- وإسرائيل في المستقبل المنظور!
*د. عبد الله خليفة الشايجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
المصدر | الشرقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا إرث بايدن التطبيع السعودية إسرائيل احتواء الصين روسيا الغرب النظام العالمي الحرب العالمیة الثانیة الولایات المتحدة النظام العالمی بین السعودیة الرئیس بایدن بایدن عن
إقرأ أيضاً:
حرب أمريكا الثانية على اليمن!!
يوم إثر يوم تشتد الضربات الأمريكية على أهداف شاملة تقريبا في الجغرافيات التي يسيطر عليها الحوثيون من شمال اليمن، لتشمل أهدافا عسكرية ومراكز قيادة وقيادات وشبكة اتصالات ومنشآت اقتصادية تدخل في صميم الخدمة الأساسية للناس، وسط استمرار حالة الغموض بشأن مصير الحرب ونتائجها السياسية، مع استمرار الفصل المتعمد بين حاجة اليمنيين لاستعادة دولتهم من سطوة المليشيات، والأجندات التكتيكية الأنانية للأمريكيين وحلفائهم في المنطقة.
ما من نية على ما يبدو لأن يقر الأمريكيون بالخطأ الكارثي الذي ارتكبوها قبل أكثر من عشر سنوات عندما تآمروا على إفشال الانتقال السياسي؛ عبر عملية انقلابية إرهابية على السلطة الانتقالية، وأن يتوجه قادة البيت الأبيض للشعب اليمني باعتذار مستحق عن دورهم الكبير في تمكين جماعة الحوثي المرتبطة بإيران من السيطرة على صنعاء وعلى مقدرات الدولة وسلاحها؛ ما تسبب في اندلاع حرب شاملة تسببت في دمار هائل ونزوح وآلام وخراب اقتصادي وفقر وإذلال لملايين اليمنيين، وتحول اليمن بسببها إلى ميدان رماية كبير للأطراف الإقليمية والدولية، وإلى فضاء لاختبار قدرات القوى الإقليمية الناشئة في خوض الحروب وممارسة الاستعمار المريح بأداة الاستعمار الغربي المعروفة "فرق تسد".
ما من نية على ما يبدو لأن يقر الأمريكيون بالخطأ الكارثي الذي ارتكبوها قبل أكثر من عشر سنوات عندما تآمروا على إفشال الانتقال السياسي؛ عبر عملية انقلابية إرهابية على السلطة الانتقالية، وأن يتوجه قادة البيت الأبيض للشعب اليمني باعتذار مستحق عن دورهم الكبير في تمكين جماعة الحوثي المرتبطة بإيران من السيطرة على صنعاء وعلى مقدرات الدولة وسلاحها
أقول ذلك لكي أزيل بعض اللبس حول ما يجري حاليا، نعم لقد كان الحوثيون جزءا أصيلا من العدوان الأمريكي الأول على اليمن، وكان عدوانا سياسيا (لكونه استهدف عملية سياسية ناجحة بكل المقاييس)، لكنه سرعان ما تحول إلى عمل عسكري؛ كان الحوثيون أداته الفعلية على الأرض، وجرى دعمه بالطيران المسيّر الأمريكي، حينما كانت واشنطن في خريف 2014 تصدر للعالم صورة الحوثي المقاتل في المعركة العالمية على الإرهاب، بينما نرى طيران أمريكا المُسيّر اليوم يتحول بفضل الدعم الإيراني إلى هدف عسكري سهل للحوثيين في سماء اليمن.
وإذ مثلت الهجمات على ميناء رأس عيسى النفطي على البحر الأحمر، في السابع عشر من شهر نيسان/ أبريل الجاري، تحولا خطيرا في مسار الحرب الأمريكية على اليمن، فإن الفتك بمقدرات الشعب اليمني وتوجيه الحرب نحو إفقاره هو أسلوب انتهجه المؤثرون الإقليميون والدوليون، واستغله بحماس اللاعبون المحليون وفي مقدمتهم جماعة الحوثي، التي كانت أول طرف محلي يلجأ إلى تدمير المنشآت النفطية السيادية، بحجة أن السلطة الشرعية لا تورد حصة الجماعة من عائدات بيع النفط.
لم يكن الحوثيون بالقوة الكافية لمنع تصدير النفط من الموانئ الجنوبية الشرقية لليمن، وحرمان الشعب من عائدات بيع هذا المورد السيادي الحيوي، لولا أن أطرافا أخرى فيما يعرف بــ"تحالف دعم الشرعية" وظّفت القفازة الحوثية القذرة لمزيد من احتواء السلطة الشرعية المعترف بها دوليا وتعطيل قدراتها الذاتية والتحكم بها، والاستمرار في إدارة المشهد اليمني وفق أولويات هذه الأطراف ومصالحها.
لقد ركزت الأطراف الإقليمية على هدف واحد؛ هو امتلاك القدرة على استيعاب التقلبات الخطرة في الموقف الأمريكي تجاه الأزمة اليمنية، التي دفعت أكثر الأطراف التصاقا بالمشهد اليمني وهو السعودية؛ إلى تقديم تنازلات تحت الضغط الأمريكي العنيف، ما حال دون تمكنها من رسم صورة انتصار نظيف وأخلاقي في حرب اليمن، والذهاب بدلا من ذلك إلى تسوية مع إيران وحليفها جماعة الحوثي ضدا على إرادة الشعب اليمني، مما أفسح المجال أمام أكثر السيناريوهات سوءا، وهو تقسيم البلاد وفق الحدود التي رسمتها الأطراف الإقليمية ونفوذها وتحالفاتها السياسية والعسكرية على الأرض.
السيناريو الأكثر أخلاقية للحرب الأمريكية، هو الاتصال الوثيق بأهداف العملية السياسية التي انقضت عليها واشنطن في السابق، بالتنسيق الكامل مع السلطة الشرعية والشركاء الإقليميين، بهدف إعادة تصحيح المسار السياسي الشامل والنظر إلى مشكلة اليمن على أنها مشكلة سياسية
ولأن كان هذا يمثل تحديا مستفزا لكرامة اليمنيين الذين لم يعجزوا بعد عن صد هذا المخطط الخطير، فإن التوجه الانتهازي من جانب بعض الأطراف الإقليمية نحو استغلال الضربات الأمريكية عالية الكلفة على الجماعة الانقلابية في شمال اليمن، يمكن أن يُعيق تقدم اليمنيين نحو خيار تحرير وطنهم، ويتيح المجال للاستمرار في فرض الأجندات الخطيرة على السلامة الوطنية، طالما بقيت الضربات الأمريكية عمياء ومرتبطة بإنهاك قوى الحوثيين وشل قدرتهم فقط على إيذاء الكيان الصهيوني وتهديد سلامة الملاحة البحرية.
وعليه، فإن السيناريو الأكثر أخلاقية للحرب الأمريكية، هو الاتصال الوثيق بأهداف العملية السياسية التي انقضت عليها واشنطن في السابق، بالتنسيق الكامل مع السلطة الشرعية والشركاء الإقليميين، بهدف إعادة تصحيح المسار السياسي الشامل والنظر إلى مشكلة اليمن على أنها مشكلة سياسية بامتياز.
يحتاج الأمر إلى إطلاق قدرات الحكومة الشرعية على استعادة نفوذها بالقوة، وتحييد كافة المشاريع السياسية المعادية للدولة اليمنية ووحدتها، ولجم النزعات الإقليمية الأنانية، وحشد المجتمع الدولي خلف عملية بناء شاملة وحقيقية لليمن؛ بما في ذلك تأسيس سلطة منتخبة قوية تمثل اليمنيين، وترعى مصالحهم، وتبني علاقات فاعلة وإيجابية ومفيدة مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، تأسيسا على حقيقة أن السلام وإن فرضته القوة العابرة للحدود؛ فإن الدول المستقرة والقوية هي أكبر ضامن لاستدامته.
x.com/yaseentamimi68