لجريدة عمان:
2024-11-24@19:30:17 GMT

جُمُعة الشاشات الزرقاء!

تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT

أكتب هذا المقال وأنا غير مصدق أنني استطعتُ أن أفتح شاشة «ويندوز» في جهازي بسهولة بعد الذي حدث أمس الأول، فقد توقعتُ أن تظهر لي زرقاء أسوةً بآلاف (وربما ملايين) الشاشات غيرها يوم الجُمعة على مدار الكرة الأرضية، في يوم يمكن وصفه بأنه يوم الشاشات الزرقاء، فما حدث ليس بالهين، فقد وُصِفَ بأنه «أكبر انقطاع في التاريخ» لأجهزة الحاسوب على شبكة الإنترنت، وأُلغِيَتْ بسببه خمسة آلاف رحلة جوية حول العالم، والرحلات التي لم تُلغَ اضطرت شركات الطيران لإنهاء إجراءات السفر الخاصة بها يدويًّا (كما حصل لرحلة الطيران العُماني إلى دلهي على سبيل المثال)، وأُغلِقتْ أقسام الطوارئ في مستشفيات نيذرلاندا، وتأجلت العمليات الجراحية فيها، وتعثر العمل في بورصة لندن، واختلت أنظمة الدفع في المتاجر الأسترالية، وتوقفت قناة سكاي نيوز البريطانية عن البث، وهذه أمثلة فقط وليست كل ما حصل في جمعة الشاشات الزرقاء بسبب عطل تقني أدى إلى انقطاع خدمات شركة «مايكروسوفت» في أنحاء متفرقة من العالم.

ويبدو أن التقنية -التي سبق أن حذرتُ منها في مقال سابق- مصرة على أن تبعث لنا بين الفينة والأخرى رسالتها البغيضة: لا تأمنوا الآلات، لا شيء يعوض عقولكم وقلوبكم.

وأصل الحكاية هو أن شركة كراود سترايك الأمريكية للأمن السيبراني، التي تعني الترجمة الحرفية لاسمها: «ضربة الحشد» أو «ضربة الجموع»، ضَرَبها عطل فنيّ نجم عن «تحديث فيه خلل» أجرته الشركة لأحد برامجها المعلوماتية، على حد تعبير وسائل الإعلام، ولأن شركة مايكروسوفت هي واحدة من عدة شركات كبيرة تتعاون مع كراود سترايك لحماية أنظمتها وخدماتها من أي هجمات إلكترونية، فقد تأثر نظام «ويندوز» فيها بهذا التحديث، مما تسبب في ظهور شاشة زرقاء، وإعادة تشغيل الأجهزة بشكل مستمر، ويبدو أن ذلك تسبب في عطل ضرب أجهزة الحاسوب في مناطق مختلفة من العالم.

وهكذا فإن كراود سترايك صارت الطبيب الذي يداوي الناس وهو عليل كما يقول الشاعر، وما أكثر المرضى الذين وثقوا بهذا الطبيب واعتمدوا عليه في حمايتهم من مرض الهجمات السيبرانية، فقد بلغ عددهم أربعة وعشرين ألف مريض/ مشترك حسب تقرير أرباح كراود سترايك الأخير، لذا؛ فإنه عندما تعطلت خوادمها وجد هؤلاء المشتركون أنفسهم بدون دفاعات كافية، وتعطلت خدماتهم، وتأثرت عملياتهم اليومية، وفقدوا الوصول إلى البيانات المهمة التي تتضمن تحليلات حول التهديدات المحدقة بهم. ومن نافل القول: إن هذا أدى إلى خسائر مالية كبيرة للشركات المعتمدة على كراود سترايك نتيجة للاضطرابات التشغيلية. باختصار، أدى عطلٌ صغير في تحديث الشركة لنظامها الأمني إلى تأثر البنية الأساسية الحيوية في قطاعات مهمة مثل الطاقة، والنقل، والصحة، في دول كثيرة من العالم!

ليست هذه المرة الأولى التي تتعطل فيها خدمة تابعة لمايكروسوفت، فقد حدث عطل فني مماثل في 25 يناير من العام الماضي (2023) تسبب في توقف منصتها السحابية «أزور» عن العمل، بالإضافة إلى تعطل خدمات أخرى مثل «تيمز» و«أوت لوك»، وهو ما أثر سلبا على ملايين المستخدمين حول العالم. كما أن الأعطال الفنية الناجمة عن التقنية بشكل عام مستمرة، وبانتظام إن جاز التعبير، ونذكر منها على سبيل المثال انقطاع خدمة وحدة الحوسبة السحابية التابعة لخدمة أمازون ويب في ديسمبر من عام 2021، ما أثّر على اتصال العديد من مواقع الويب الشهيرة على الإنترنت مثل فيسبوك وإنستجرام ونتفلكس، ونذكر أيضا تعطّل سحابة جوجل كلاود فجأة في يوليو من 2018 وتسببها في تعطّل «جوجل كلاود» و«سناب شات» و«سبوتيفاي»، وغيرها من المواقع.

لا نُنكِر طبعًا أن للتقنية فضلًا كبيرًا على حياتنا، ومزايا هائلة، فهي تُحسِّن الكفاءة، وتسرِّع العمليات، وتوفّر الراحة. ومع ذلك فإنه مع تزايد الاعتماد عليها من جهة، وتزايد أعطالها من جهة أخرى، يبرز سؤال مهم عن مدى خطورة الاعتماد المبالغ فيه عليها، وكيف يمكن أن يؤثر أي خلل تقني على حياتنا؛ أفرادًا أو مؤسسات. ويحضرني هنا تحذيرٌ ليوفال نوح هراري، في كتابه «الإنسان الإله: تاريخ وجيز للمستقبل» الذي ترجمه إلى العربية المترجمان العُمانيان حمد الغيثي وصالح الفلاحي، يرى فيه أن التكنولوجيا تحمل وعودًا عظيمة لكنها تحمل أيضًا مخاطر هائلة، يمكن أن تغير حياتنا بطرق غير متوقعة.

الحل الوحيد من وجهة نظري لتلافي أعطال التقنية، أو التقليل من أخطارها على الأقل، هو اعتمادنا على أنفسنا؛ أي أن تكون لنا شركات الأمن السيبراني الخاصة بنا، وما حكّ جلدك مثل ظفرك. وأجزم أن هذا السبب هو ما حمى الصين وروسيا من هذه الأعطال التي عمّت العالم يوم الجمعة، فلم تتأثر الرحلات في مطاراتهما، ولم يكن هناك أي تعطل في شركات الطيران والبنوك فيهما، والسبب أنهما لا تعتمدان على خدمات كراود سترايك ولا أي من الشركات الغربية الأخرى فيما يخص الأمن السيبراني، وإنما تعتمدان على شركاتهما المحلية. ويكفي أن أستعرض هنا تصريحَيْن صدرا من بكين وموسكو تعليقًا على واقعة كراود سترايك؛ الأول من صحيفة «ساوث تشاينا مورننج بوست» الصينية التي قالت: إن «حملة الاكتفاء الذاتي التكنولوجي في الصين تؤتي ثمارها»، والثاني من وزارة التنمية الرقمية الروسية، التي أكدت بدورها، أن الوضع مع مايكروسوفت «يُظهر مرة أخرى أهمية استبدال البرامج الأجنبية المستوردة». لا يعني هذا بالضرورة أن هذين البلدين بمنأى عن أي أعطال تكنولوجية اليوم أو غدًا، غير أنها أعطال -في حال حدوثها- لن تجعل ظهريهما مكشوفين للعالم أجمع، كما حدث معنا جميعًا في جُمُعة الشاشات الزرقاء.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کراود سترایک

إقرأ أيضاً:

ضبط القائمين على إدارة 8 شركات ومكتب لقيامهم بالنصب والاحتيال على المواطنين

أكدت معلومات وتحريات قطاع الأمن العام قيام عدد (8 شركات ومكتب "دون ترخيص") بالنصب والإحتيال على المواطنين والإستيلاء على مبالغ مالية منهم بزعم تنظيم البرامج السياحية المختلفة بعدد من المحافظات، والترويج لنشاطهم عبر مواقع التواصل الإجتماعى. 


عقب تقنين الإجراءات أمكن ضبط القائمين على إدارتها، وبحوزتهم مضبوطات أبرزها (مجموعة من الأوراق والمستندات التى تدل على نشاطهم الإجرامى). 
تم اتخاذ الإجراءات القانونية. 
 

مقالات مشابهة

  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • 300 مليار دولار لمكافحة تغير المناخ سنوياً.. ما القيمة التي يشكلها هذا المبلغ مقارنة بقطاعات أخرى؟
  • ضبط 8 شركات بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين
  • ضبط القائمين على إدارة 8 شركات ومكتب لقيامهم بالنصب والاحتيال على المواطنين
  • بالفيديو.. لندن تشهد لقاء وتكريم أطول امرأة في العالم التركية روميسا التي تناولت الشاي مع أقصر امرأة بالعالم الهندية جيوتي
  • قراصنة يخترقون بعمق شركات اتصالات كبرى فى الولايات المتحدة
  • موتسيبي : المغرب بلدي الثاني وأفريقيا ممتنة لجلالة الملك بإستضافة المنتخبات الإفريقية التي لا تتوفر على ملاعب
  • آخر ليلة عرض للفيلم الأمريكي "قصر الشمس الزرقاء" بمهرجان القاهرة (تفاصيل)
  • تأثير الشاشات على المراهقين .. من المسؤول وحلول مقترحة
  • زيلينسكي يعلق على الضربة التي شنتها روسيا بصواريخ "أوريشنيك"