أكتب هذا المقال وأنا غير مصدق أنني استطعتُ أن أفتح شاشة «ويندوز» في جهازي بسهولة بعد الذي حدث أمس الأول، فقد توقعتُ أن تظهر لي زرقاء أسوةً بآلاف (وربما ملايين) الشاشات غيرها يوم الجُمعة على مدار الكرة الأرضية، في يوم يمكن وصفه بأنه يوم الشاشات الزرقاء، فما حدث ليس بالهين، فقد وُصِفَ بأنه «أكبر انقطاع في التاريخ» لأجهزة الحاسوب على شبكة الإنترنت، وأُلغِيَتْ بسببه خمسة آلاف رحلة جوية حول العالم، والرحلات التي لم تُلغَ اضطرت شركات الطيران لإنهاء إجراءات السفر الخاصة بها يدويًّا (كما حصل لرحلة الطيران العُماني إلى دلهي على سبيل المثال)، وأُغلِقتْ أقسام الطوارئ في مستشفيات نيذرلاندا، وتأجلت العمليات الجراحية فيها، وتعثر العمل في بورصة لندن، واختلت أنظمة الدفع في المتاجر الأسترالية، وتوقفت قناة سكاي نيوز البريطانية عن البث، وهذه أمثلة فقط وليست كل ما حصل في جمعة الشاشات الزرقاء بسبب عطل تقني أدى إلى انقطاع خدمات شركة «مايكروسوفت» في أنحاء متفرقة من العالم.
وأصل الحكاية هو أن شركة كراود سترايك الأمريكية للأمن السيبراني، التي تعني الترجمة الحرفية لاسمها: «ضربة الحشد» أو «ضربة الجموع»، ضَرَبها عطل فنيّ نجم عن «تحديث فيه خلل» أجرته الشركة لأحد برامجها المعلوماتية، على حد تعبير وسائل الإعلام، ولأن شركة مايكروسوفت هي واحدة من عدة شركات كبيرة تتعاون مع كراود سترايك لحماية أنظمتها وخدماتها من أي هجمات إلكترونية، فقد تأثر نظام «ويندوز» فيها بهذا التحديث، مما تسبب في ظهور شاشة زرقاء، وإعادة تشغيل الأجهزة بشكل مستمر، ويبدو أن ذلك تسبب في عطل ضرب أجهزة الحاسوب في مناطق مختلفة من العالم.
وهكذا فإن كراود سترايك صارت الطبيب الذي يداوي الناس وهو عليل كما يقول الشاعر، وما أكثر المرضى الذين وثقوا بهذا الطبيب واعتمدوا عليه في حمايتهم من مرض الهجمات السيبرانية، فقد بلغ عددهم أربعة وعشرين ألف مريض/ مشترك حسب تقرير أرباح كراود سترايك الأخير، لذا؛ فإنه عندما تعطلت خوادمها وجد هؤلاء المشتركون أنفسهم بدون دفاعات كافية، وتعطلت خدماتهم، وتأثرت عملياتهم اليومية، وفقدوا الوصول إلى البيانات المهمة التي تتضمن تحليلات حول التهديدات المحدقة بهم. ومن نافل القول: إن هذا أدى إلى خسائر مالية كبيرة للشركات المعتمدة على كراود سترايك نتيجة للاضطرابات التشغيلية. باختصار، أدى عطلٌ صغير في تحديث الشركة لنظامها الأمني إلى تأثر البنية الأساسية الحيوية في قطاعات مهمة مثل الطاقة، والنقل، والصحة، في دول كثيرة من العالم!
ليست هذه المرة الأولى التي تتعطل فيها خدمة تابعة لمايكروسوفت، فقد حدث عطل فني مماثل في 25 يناير من العام الماضي (2023) تسبب في توقف منصتها السحابية «أزور» عن العمل، بالإضافة إلى تعطل خدمات أخرى مثل «تيمز» و«أوت لوك»، وهو ما أثر سلبا على ملايين المستخدمين حول العالم. كما أن الأعطال الفنية الناجمة عن التقنية بشكل عام مستمرة، وبانتظام إن جاز التعبير، ونذكر منها على سبيل المثال انقطاع خدمة وحدة الحوسبة السحابية التابعة لخدمة أمازون ويب في ديسمبر من عام 2021، ما أثّر على اتصال العديد من مواقع الويب الشهيرة على الإنترنت مثل فيسبوك وإنستجرام ونتفلكس، ونذكر أيضا تعطّل سحابة جوجل كلاود فجأة في يوليو من 2018 وتسببها في تعطّل «جوجل كلاود» و«سناب شات» و«سبوتيفاي»، وغيرها من المواقع.
لا نُنكِر طبعًا أن للتقنية فضلًا كبيرًا على حياتنا، ومزايا هائلة، فهي تُحسِّن الكفاءة، وتسرِّع العمليات، وتوفّر الراحة. ومع ذلك فإنه مع تزايد الاعتماد عليها من جهة، وتزايد أعطالها من جهة أخرى، يبرز سؤال مهم عن مدى خطورة الاعتماد المبالغ فيه عليها، وكيف يمكن أن يؤثر أي خلل تقني على حياتنا؛ أفرادًا أو مؤسسات. ويحضرني هنا تحذيرٌ ليوفال نوح هراري، في كتابه «الإنسان الإله: تاريخ وجيز للمستقبل» الذي ترجمه إلى العربية المترجمان العُمانيان حمد الغيثي وصالح الفلاحي، يرى فيه أن التكنولوجيا تحمل وعودًا عظيمة لكنها تحمل أيضًا مخاطر هائلة، يمكن أن تغير حياتنا بطرق غير متوقعة.
الحل الوحيد من وجهة نظري لتلافي أعطال التقنية، أو التقليل من أخطارها على الأقل، هو اعتمادنا على أنفسنا؛ أي أن تكون لنا شركات الأمن السيبراني الخاصة بنا، وما حكّ جلدك مثل ظفرك. وأجزم أن هذا السبب هو ما حمى الصين وروسيا من هذه الأعطال التي عمّت العالم يوم الجمعة، فلم تتأثر الرحلات في مطاراتهما، ولم يكن هناك أي تعطل في شركات الطيران والبنوك فيهما، والسبب أنهما لا تعتمدان على خدمات كراود سترايك ولا أي من الشركات الغربية الأخرى فيما يخص الأمن السيبراني، وإنما تعتمدان على شركاتهما المحلية. ويكفي أن أستعرض هنا تصريحَيْن صدرا من بكين وموسكو تعليقًا على واقعة كراود سترايك؛ الأول من صحيفة «ساوث تشاينا مورننج بوست» الصينية التي قالت: إن «حملة الاكتفاء الذاتي التكنولوجي في الصين تؤتي ثمارها»، والثاني من وزارة التنمية الرقمية الروسية، التي أكدت بدورها، أن الوضع مع مايكروسوفت «يُظهر مرة أخرى أهمية استبدال البرامج الأجنبية المستوردة». لا يعني هذا بالضرورة أن هذين البلدين بمنأى عن أي أعطال تكنولوجية اليوم أو غدًا، غير أنها أعطال -في حال حدوثها- لن تجعل ظهريهما مكشوفين للعالم أجمع، كما حدث معنا جميعًا في جُمُعة الشاشات الزرقاء.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کراود سترایک
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء: ملتزمون بسداد مستحقات شركات البترول والغاز العاملة في مصر
التقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مساء اليوم، المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية؛ لمتابعة عدد من ملفات عمل الوزارة، والموقف التنفيذي للمشروعات الجارية، وجُهود البحث والاستكشاف خلال الفترة الحالية.
وفي مستهل اللقاء، أكد رئيس الوزراء اهتمام الدولة بقطاع البترول والحرص على إتاحة المزيد من المحفزات والتيسيرات لمختلف المستثمرين في هذا القطاع الواعد، بما يجذب المزيد من الاستثمارات، وهو ما سيسهم في زيادة حجم الإنتاج ويلبي الاحتياجات الاستهلاكية والتنموية المُختلفة، لافتا إلى أن هناك توجيهاً للحكومة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بمواصلة تطوير الآبار الجديدة المكتشفة، وإدراجها ضمن خريطة الإنتاج، فضلًا عن تكثيف أنشطة البحث والاستكشاف في المناطق البرية والبحرية في مصر.
كما أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن هناك تكليفاً أيضاً بمواصلة الالتزام بسداد مستحقات شركات البترول والغاز العاملة في مصر، والوفاء بالالتزامات تجاهها، بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج المحلي من البترول والغاز، وتوفير حوافز لتسريع وتكثيف عمليات تنمية الحقول والإنتاج وإجراء استكشافات جديدة، وهو ما تعمل الحكومة عليه بالفعل.
وصرح المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسميّ باسم رئاسة مجلس الوزراء، أن الاجتماع تناول جهود وزارة البترول والجهات التابعة لها لضمان تلبية احتياجات الدولة من المنتجات البترولية، كما تم استعراض الجهود المبذولة لزيادة الإنتاج المحلي من الثروة البترولية والغاز، وكذلك موقف سداد مستحقات الشركات العالمية.
وأضاف المتحدث الرسمي: تم أيضاً خلال الاجتماع استعراض مُستجدات التعاون مع الشركات العالمية والمستثمرين المحليين في مجالي البترول والغاز، فضلاً عن استعراض نتائج جهود جذب القطاع الخاص للتوسع في استثماراته ضمن هذا القطاع، كما تمت مُناقشة الخطوات المبذولة لتوسيع نطاق التعاون الإقليمي في مجالي البترول والغاز خلال الفترة المقبلة، وفتح آفاق جديدة للتعاون والاستثمار في هذا الشأن.
وخلال اللقاء، استعرض وزير البترول جهود الوزارة واستعداداتها لاستقبال فصل الصيف، وفي ضوء ذلك استعرض الوضع بالنسبة للمخزون الإستراتيجي من المنتجات البترولية، لضمان تلبية احتياجات المواطنين، مُشيراً في هذا الصدد إلى أن زيادة الإنتاج المحلي خلال الفترة المقبلة، ستسهم في زيادة الاحتياطي والمخزون الاستراتيجي.
كما تناول الوزير الموقف الحالي لسداد مستحقات مختلف الشركاء العالميين، إلى جانب جهود تشجيع المزيد من الاستثمارات الوطنية في قطاع البترول، لافتاً إلى سياسات الإصلاح التي انتهجها القطاع، التي تتضمن تحديث شروط اتفاقيات الامتياز، وإطلاق حزمة من المحفزات بما يسهم في ضمان استدامة سداد مستحقات الشركاء، وتقديم حوافز للإنتاج المضاف لتشجيع الشركاء على تكثيف عمليات البحث والاستكشاف؛ وذلك تماشيًا مع مستهدفات برنامج عمل الحكومة بشأن خلق مناخ تنافسي جاذب للاستثمارات ولا سيما في قطاع الطاقة.
وأكد وزير البترول، أن قطاع البترول يعمل جنبًا إلى جنب مع جميع شركائنا الاستراتيجيين لتسريع وتيرة البحث والاستكشاف وتسهيل كافة الإجراءات اللازمة لاستغلال إمكاناتنا الاستكشافية بهدف زيادة معدلات الإنتاج لتلبية وضمان أمن الطاقة المحلي.
وخلال اللقاء، تناول المهندس كريم بدوي، أبرز نتائج مُشاركته في فعاليات قمة مستقبل أمن الطاقة التي تنظمها وكالة الطاقة الدولية بالتعاون مع حكومة المملكة المتحدة، خلال الفترة من 24 – 25 أبريل الجاري في العاصمة البريطانية لندن، وبحث أوجه التعاون المشترك مع الجانب البريطاني في مجال الطاقة، وسبل تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي والدولي؛ للوصول لمزيج الطاقة العالمي الأنسب، بما يسهم في تحقيق أمن الطاقة بمختلف الدول.
واضاف أنه جرى استعراض فرص التعاون بين مصر والمملكة المتحدة في مجال الطاقة المتجددة، وخفض الانبعاثات من مصادر الوقود الأحفوري وتمويل مشروعات مشتركة قابلة للتنفيذ بالاعتماد على البنية التحتية لدى الجانبين.
وأضاف الوزير أن مُشاركته في فعاليات قمة مستقبل أمن الطاقة، تضمنت اجتماعاً مع المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، حيث تم استعراض التحديات التي تواجه قطاع الطاقة وعلى رأسها تحقيق أمن الطاقة والوصول لمزيج الطاقة العالمي الأمثل، وكذا تعزيز التعاون بين قطاع الطاقة المصري والوكالة الدولية للطاقة في دعم تنفيذ مشروعات إقليمية مشتركة في مختلف مجالات الطاقة في إطار برنامج العمل المشترك بين مصر والوكالة والذي تم توقيعه في أكتوبر 2023 عقب انضمام مصر كعضو مشارك في وكالة الطاقة الدولية.
وأوضح المهندس كريم بدوي، أن مُشاركته في فعاليات قمة مستقبل أمن الطاقة، شملت أيضاً زيارة لمقر شركة "شل" العالمية، حيث عقدت جلسة مُباحثات بين الجانبين لبحث خطط الحفر وتنمية الحقول الخاصة بالشركة بمنطقة البحر المتوسط، وكذا بحث سبل الإسراع بتنمية الكشف غرب مينا وخوفو في شمال شرق العامرية، فضلاً عن الإسراع بتنمية المرحلة الحادية عشرة من اتفاقية غرب الدلتا البحرية العميقة.