في حدث غير مسبوق، تسبّب عطل تقني عالمي ناجم عن تحديث برمجي فاشل من شركة "كراود سترايك" في شلل واسع النطاق لقطاعات حيوية في العديد من الدول، بما في ذلك المطارات والمستشفيات والبنوك ومحطات التلفزيون.

ويكشف هذا الحادث، الذي وصفه مختصون بأنه أكبر عطل في تاريخ تكنولوجيا المعلومات، هشاشة البنية التحتية الرقمية العالمية، مثيرا تساؤلات بشأن استعداد المؤسسات والشركات لمواجهة مثل هذه الكوارث الرقمية خاصة في ظل مخاطرها الكبيرة على عدد من القطاعات الحيوية، بالإضافة إلى الدروس المستخلصة من هذه الواقعة وسبل تجنبها مستقبلا.

جرس إنذار قوي

وبدأت الخدمات في العودة للعمل عبر الإنترنت، مساء الجمعة، بعد العطل التكنولوجي الناتج عن خلل تحديث على أنظمة تشغيل "مايكروسوفت ويندوز" أصدرته شركة الأمن السيبراني الأميركية كراودسترايك، مما تسبب في فوضى عالمية.

ويرى خبراء ومختصون في الأمن الرقمي والسيبراني أن هذه الحادثة غير المسبوقة تدق جرس إنذار قوي للمؤسسات والشركات حول العالم، مسلطة الضوء على ضرورة إعادة تقييم وتعزيز البنية التحتية الرقمية العالمية، خاصة على مستوى ضرورة تنويع الأنظمة وعدم الاعتماد على مزود واحد للبرمجيات الحيوية.

الخبير الرقمي، رولان أبي نجم، يشدد على "أنه لا ينبغي الاعتماد على شركة واحدة في إدارة  المنظومة التكنولوجية للشركات والمؤسسات"، مشيرا إلى أن هذه استراتيجية أساسية في إدارة المخاطر التكنولوجية.

ويوضح أبي نجم أنه عندما يتعلق الأمر بشركة مثل مايكروسوفت التي يستخدم برامجها مئات ملايين المستخدمين، فإنه من الطبيعي أن يكون لأي خلل في نظام عملها أضرار بالغة وواسعة.

وعلى مستوى متصل، يشدّد الخبير الرقمي على ضرورة أن تعمل كل المؤسسات على توفير حلول وأنظمة بديلة من مزودي الخدمات، من أجل أن تكون لديها خطط ثانية عند وقوع أي مشكل.

"أخطر مما نعتقد".. هل يمكن تفادي آثار العطل التقني الذي صدم العالم؟ أكدت خبيرة في مجال الأمن السيبراني وعلم الجريمة الرقمية في حديثها إلى موقع "الحرة" أنه لا يمكن التخفيف من آثار العطل التقني العالمي الذي وقع، الجمعة، من قبل المستخدمين، إذا تكرر مستقبلا، لافتة إلى أن ذلك الأمر مرهون بالشركة المعنية، في حين قال خبير آخر إن ما حدث قد يكون أخطر مما يظن البعض.

ووصف تحليل لمنصة "بي ان أميركاس"، المتخصصة  بتحليل الاتجاهات الاقتصادية والسياسية، أن  الحدث "تجربة تعليمية مهمة"، فيما يتعلق بعلاقات الشركات مع موردي التكنولوجيا في عالم يزداد اعتمادا على التقنيات الرقمية.

واعتبر التحليل، أن التأثيرات الرئيسية للحادث ستكون في مجالات حماية البيانات، المسؤولية المدنية، التأمين ضد الأضرار، الاعتماد على مورد واحد، وأنظمة الاستجابة للحوادث.

وشدد المصدر ذاته، على الحاجة إلى مزيد من الاختبارات الداخلية قبل إطلاق تحديثات البرامج للسوق، لافتا إلى نقاش تنويع البنية التحتية وأنظمة البيانات في الشركات مقابل تعقيدات التعامل مع أنظمة وموردين متعددين.

بدوره، يشدد محمد الرشيدي، رئيس لجنة الأمن السيبراني باتحاد الإعلام الإلكتروني الكويتي على ضرورة إحداث نظام بديل وثانوي يعمل وقت الأزمات أو عند حدوث عطل، بالإضافة إلى عدم إهمال قوة العنصر البشري مهما كانت التكنولوجيا متقدمة.

ويضيف الراشدي، أن من بين الإجراءات الوقائية الموصى باتخاذها لتقليل مخاطر حدوث مثل هذه المشاكل مستقبلا، إقامة نظام جديد يحاكي نظيره المستعمل ويخضع لصيانات وتجارب وتحديثات دورية.

ويحدد الراشدي، أيضا ضرورة خضوع الأنظمة المعتمدة لدى الشركات والمؤسسات لمراقبة مستمرة حتى لا تشكل الأعطاب أو الهجمات السيبرانية مشاكل مستقبلية وكوارث تقنية تؤثر على خدماتها وعملها الطبيعي.

وتسبب التحديث البرمجي لكراود سترايك في إحداث مشكلات في الأنظمة أدت إلى تعطل رحلات جوية واضطرار هيئات إعلامية إلى قطع البث ومنع المستخدمين من الوصول إلى خدمات مثل الرعاية الصحية أو الخدمات المصرفية.

وكان السفر الجوي الأسرع تضررا من العطل إذ تعتمد شركات الطيران على جدولة سلسة، والتي عند انقطاعها يمكن أن تؤدي إلى تأخيرات طويلة. ومن بين أكثر من 110.000 رحلة تجارية مجدولة أمس الجمعة، تم إلغاء خمسة آلاف رحلة على مستوى العالم.

وقالت إدارات مطارات من لوس أنجليس إلى سنغافورة وأمستردام وبرلين إن شركات الطيران كانت تقوم بتسجيل الركاب ببطاقات صعود مكتوبة بخط اليد، مما تسبب في تأخيرات.

وحذرت بنوك وشركات خدمات مالية العملاء من الاضطرابات وتحدث متداولون في الأسواق عن مشاكل في تنفيذ المعاملات. وقد تواجه شركات تأمين مجموعة كبيرة من المطالبات الناتجة عن اضطراب الخدمات.

"شاشة ويندوز الزرقاء" تشل العالم.. ماذا نعرف عن العطل التقني حتى الآن؟  شركات طيران كبرى تعطلت رحلاتها، ووسائل إعلام توقفت عن البث، ولم تكن البنوك بعيدة عن حالة الشلل الكامل التي شهدتها معظم دول العالم، فما الذي حصل؟ وما سبب الخلل التقني الذي أدى إلى انقطاع مفاجئ للإنترنت وظهور شاشة ويندوز الزرقاء؟.

وبعد حل مشكلة العطل، تتعامل الشركات الآن مع تراكم الرحلات الجوية المؤجلة والملغاة وكذلك المواعيد الطبية والطلبيات التي لم تصل إلى وجهتها ومشكلات أخرى قد تستغرق أياما لحلها. وتواجه الشركات أيضا تساؤلات عن كيفية تفادي انقطاع الخدمات مستقبلا بسبب التكنولوجيا التي يُفترض أن تحمي أنظمتها، وفقا لرويترز.

في هذا الجانب، يقول أبي نجم، إن كل البرامج التكنولوجية بالعالم تخضع لصيانة وتطوير مستمر لأنظمة الأمن والحماية، بالتالي تبقى الأخطاء واردة، ويمكن أن يقع مع أي شركة أو برنامج أو خدمة، وبالتالي الأمر الأساسي هو الاستعداد والتخطيط.

في سياق متصل، يشدد فيصل الجندي، الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي والاتصالات، على أهمية توفير المؤسسات والشركات لـ"حلول تقنية بديلة جاهزة للانتقال بطريقة أوتوماتيكية مثلا لو تعطلت مجموعة من الأجهزة تكون هناك أخرى بديلة تقوم مباشرة بالعمل (Disaster recovery) والأفضل استخدام المنصات السحابية للأجهزة البديلة مثل أمازون وغوغل".

في سياق آخر، يدعو الجندي إلى اتباع نهج أكثر توازنا في الأمن الرقمي، وذلك بشكل يجمع بين الحماية الفعالة والأداء السلس للأنظمة، مع التركيز على بناء أنظمة أكثر مرونة وقدرة على الصمود في وجه الاضطرابات غير المتوقعة.

ويسترسل محذرا من مسألة الإفراط في استخدام الأجهزة والبرامج الأمنية لمجرد تحقيق أقصى قدر من الأمان، مشيرا إلى أن "السعي وراء الأمان المطلق قد يأتي بنتائج عكسية".

ويوضح أن زيادة الإجراءات الأمنية قد تؤدي إلى إبطاء أو حتى تعطيل الأنظمة، مع تكاليف باهظة قد لا تبررها النتائج الفعلية.

وعلى صعيد آخر، يشير الخبير إلى أن أنظمة مايكروسوفت أظهرت ضعفا في التعامل مع مثل هذه الحوادث، حيث أن تغييرا بسيطا في ملف واحد تسبب في توقف النظام بأكمله.

من جانبه يقول أبي نجم إن سعي ومطالبات عدة أصوات بالولايات المتحدة بعلاج مشاكل الاحتكار الحاصل بين 4 أو 5 شركات تكنولوجية وسعي هذه الأخيرة على الاستحواذ على أي شركة أخرى ناشئة، أثبت مصداقيتها، بالتالي ينبغي التفكير من أجل فتح الباب أمام الشركات الصغيرة للمنافسة حتى يكون لكل المؤسسات والشركات خطة بديلة تلجأ إليها في حالات تعرض شركاتها لأي اختراق أو عطل معين.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: أبی نجم إلى أن

إقرأ أيضاً:

الاستثمار في صناديق الذكاء الاصطناعي.. دروس قاسية

في الوقت الذي أصبحت فيه التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي محورا رئيسيا للاستثمار في العالم، فإن بعض المستثمرين قد واجهوا خيبات أمل كبيرة رغم تحديدهم للموضوع الصحيح للاستثمار في السوق.

هذا الأمر يشير إلى تعقيدات الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) التي تركز على موضوعات معينة، خاصة في مجال سريع التغير مثل الذكاء الاصطناعي.

صناديق الذكاء الاصطناعي

وفي مقاله المنشور في وول ستريت جورنال، قال جيمس ماكنتوش إنه في عام 2023، شهدنا ارتفاعا كبيرا في قيمة أسهم الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، خاصة شركة إنفيديا التي حققت نجاحات ضخمة.

لكن رغم ذلك، لم تتمكن جميع صناديق الاستثمار المتداولة التي تركز على الذكاء الاصطناعي من تحقيق الأداء المتوقع. بل على العكس، منيت 3 من هذه الصناديق بخسائر فادحة، مما يشير إلى مدى تعقيد الاستثمار في هذا النوع من الصناديق.

أحد الأسباب الرئيسية لهذه الخسائر وفقا لماكنتوش هو أن بعض هذه الصناديق قد قللت من تعرضها لأسهم إنفيديا، التي ارتفعت بشكل كبير، لصالح توزيع الاستثمارات على أسهم أخرى في القطاع نفسه.

على سبيل المثال، صندوق "فيرست ترست إيه آي آند روبوتيكس" الذي تبلغ قيمته 457 مليون دولار كان لديه تعرض بنسبة 0.8% فقط لشركة إنفيديا، وهي نسبة أقل بكثير من التعرض لسهم شركة الأمن السيبراني بلاكبيري. هذا التوزيع وفقا للكاتب أثر سلبا على أداء الصندوق مقارنة بالصناديق التي كانت أكثر تركيزا على أسهم إنفيديا.

3 من الصناديق التي تركز على الذكاء الاصطناعي منيت بخسائر فادحة (شترستوك) إستراتيجيات مختلفة

وبينما تقوم بعض الصناديق بتنويع استثماراتها بشكل واسع، تركز صناديق أخرى على أسهم معينة بشكل أكبر.

فعلى سبيل المثال، قام صندوق "آي شيرز فيوتشر إيه آي آند تيك" التابع لشركة "بلاك روك" مؤخرا بتغيير إستراتيجيته لزيادة تعرضه لإنفيديا. ومع ذلك، فإن نتائج هذه الإستراتيجيات المختلفة قد تكون متباينة جدا.

جاي جاكوبس، رئيس صناديق الاستثمار المواضيعية والنشطة في بلاك روك، يشير إلى أن الاعتماد على القيمة السوقية يمكن أن يكون أكثر فاعلية عندما يكون للموضوع خصائص "الفائز يأخذ كل شيء"، كما هو الحال مع الذكاء الاصطناعي التوليدي.

من ناحية أخرى، تتبع بعض الصناديق مثل صندوق "غلوبال إكس إيك" إستراتيجية أوسع، مما أدى إلى أداء أفضل من غيره.

دروس مستفادة

ويشير ماكنتوش إلى أن تجربة صناديق الذكاء الاصطناعي في 2023 تقدم عدة دروس للمستثمرين أهمها:

فهم مكونات الصندوق: من الضروري أن يقوم المستثمرون بدراسة مكونات الصندوق وفهم إستراتيجيته قبل اتخاذ قرار الاستثمار. لا ينبغي الاعتماد فقط على الاسم، بل يجب النظر بعمق في المكونات وكيفية إدارة الصندوق. التوقيت مهم: الدخول في الوقت المناسب يمكن أن يكون الفرق بين الربح والخسارة. تشير دراسة أجراها البروفيسور إيتزاك بن-ديفيد إلى أن صناديق الاستثمار المتخصصة تميل إلى فقدان 6% سنويا في المتوسط خلال سنواتها الخمس الأولى، مما يبرز أهمية التوقيت في هذا النوع من الاستثمارات. الاستثمار على المدى الطويل: رغم أن الاستثمار الموضوعي يتم الترويج له كإستراتيجية طويلة الأجل، فإن الواقع يظهر أن العديد من الصناديق تتعرض للإغلاق أو التغيير عندما يصبح الموضوع أقل جذبا للسوق. لذلك، يجب أن يكون المستثمرون على استعداد للبقاء مع الاستثمار لفترة طويلة. الصناديق التي قللت من تعرضها لأسهم إنفيديا منيت بخسائر بسبب استحواذ الشركة على النسبة الكبرى من أرباح القطاع (شترستوك) تحديات إضافية

في الوقت الذي قد تبدو فيه صناديق الاستثمار المواضيعية جذابة بسبب ارتباطها بموضوعات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، فإن المستثمرين يجب أن يكونوا على دراية بالتحديات الإضافية التي قد تواجههم.

ويسرد جيمس ماكنتوش بعض هذه التحديات بالتالي:

تعريف الموضوع: تحديد الموضوع بشكل صحيح قد يكون صعبا. فرغم أن إنفيديا قد تكون مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فإنها أيضا جزء من صناديق استثمارية ترتبط بألعاب الفيديو والعملات الرقمية، مما يزيد من تعقيد الاختيار الصحيح. التقلبات السوقية: السوق قد يعاقب الاستثمارات التي تعتمد على توزيعات متساوية للأسهم، خاصة عندما تكون هناك أسهم معينة مثل إنفيديا تحقق أداء كبيرا وتستحوذ على جزء كبير من السوق. الرسوم والتكاليف: الرسوم التي تفرضها صناديق الاستثمار المواضيعية قد تكون أعلى بكثير من تلك التي تفرضها صناديق الاستثمار العادية، مما يؤثر على العوائد النهائية للمستثمرين.

وبينما قد يبدو الذكاء الاصطناعي كموضوع استثماري واعد، فإن تجربة صناديق الاستثمار المتداولة في هذا المجال تؤكد على أهمية البحث الدقيق وفهم مكونات الصندوق وتوقيته.

في النهاية، الاستثمار المواضيعي -القائم على الموضوع- يأتي مع مخاطر كبيرة، ويجب على المستثمرين أن يكونوا على دراية كاملة بهذه المخاطر وأن يتخذوا قراراتهم بحذر.

ويؤكد الكاتب أنه من الضروري أيضا أن يكون المستثمرون على دراية بأن الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة الموضوعية ليس دائما هو الحل الأمثل، وقد يكون من الأفضل التفكير في إستراتيجيات استثمارية أكثر تقليدية ومستدامة على المدى الطويل.

مقالات مشابهة

  • الاستثمار في صناديق الذكاء الاصطناعي.. دروس قاسية
  • لمنح أوكرانيا طاقة جديدة.. أكبر تعديل وزاري في تاريخ الحرب
  • أكبر صندوق عالمي للثروة السيادية يدرس سحب استثماراته من الشركات الداعمة للاحتلال
  • السيسي وأردوغان يشهدان التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
  • المفتي: ICT Misr تتعاون مع الشركات العالمية لتقديم خدماتها للقطاع المصرفي
  • 129 قتيلا في محاولة هروب من أكبر سجن في جمهورية الكونغو الديمقراطية
  • تنسيق الدبلومات الفنية 2024.. أبرز المعلومات عن كلية تكنولوجيا الصناعة والطاقة
  • أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم قد يسحب استثماراته من شركات تساعد إسرائيل في حرب غزة
  • المخاوف المتعلقة بالأمن السيبراني تدفع للاستعانة بمصادر خارجية لأمن المعلومات
  • رئيس الرابطة الطبية الأوروبية: تاريخ ظهور جدري القرود يؤكد عدم تصنيعه معمليا