جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-01@19:21:54 GMT

الوطن مسؤولية الجميع

تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT

الوطن مسؤولية الجميع

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

أحداث الأسبوع الماضي سوف تظلُّ في الذاكرة لفترة طويلة؛ لما سيكون لها من تأثير على حياتنا، وما خلفته من تغيرات في نمطها وطريقة تفكيرنا وتعاطينا مع الواقع الجديد الذي فرضته الظروف، وجعلت من الصعب علينا الاكتفاء بالمتابعة لما يدور حولنا من أحداث، وكنا إلى نهاية الأسبوع السابق نظن أننا بمنأى عن الصراعات والاضطرابات التي تقع في العالم، وكنَّا نقوم بدورنا في حل الصراعات السياسية وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء.

إنَّ الجُرم الذي ارتكبه النفر الثلاثة المفسدون في الأرض ليس فقط ما قاموا به في تلك الليلة الحزينة؛ بل ما خلَّفته من أثر في مجتمع آمن مطمئن متعايش متسامح يعيش أفراده في لحمة واحدة محبين للحياة ومتواصين بالخير بينهم، مُجتمع صبغته القيم الحميدة بصبغتها فأصبح أنموذجًا للمجتمعات المتحضرة التي يحلم الناس بالعيش فيها وغدت سلطنة عُمان ذات سمعة عالمية ومضرب مثل في هذا التعايش والتسامح الجميل بين الثقافات المختلفة من البشر الذين يسكنون هذه البقعة.

هذا الأثر الذي نتج عن أفكار ضالة تغللت في عقول هؤلاء المارقين من الدين والإنسانية، جعلتهم يحملون السلاح ويقتحمون بيتاً من بيوت الله الآمنة التي حرَّم الله فيها القتال المشروع، فكيف بالاعتداء والغدر والخيانة التي هي من أفعال المجرمين الذين ضلوا في حياتهم الدنيا، وتوعدهم الله تعالى بالعذاب الشديد يوم القيامة، جزاءً بما ارتكبوه في حق العباد. وهذا الاعتداء على المسلمين في مكان العبادة الذي يجب أن يكون أكثر مكان آمن في الأرض، لم يُقدِّسوه واستحلوا حُرمته بفعل أفكار ضالة وجدت سبيلها إلى نفوسهم الضعيفة المُمتلئة بالحقد والكره والظلم والبغضاء.

وبعد هدوء الأوضاع ومعرفة الحقائق، عادت بي الذاكرة لمشاهد لم يستوعبها عقلي في أحد البلدان العربية الشقيقة التي ابتُليت بسيطرة هذه التنظيمات عليها، وأشعلت حربًا طائفية فيها، تلك المشاهد التي يقتل فيها الناس ويذبحون كالخراف بدم بارد من قبل أفراد يظنون أنهم يفعلون ذلك باسم الدين، والدين والإنسانية منهم براء، وما زالت أحداث مسلسل "غرابيب سود" عالقة في ذهني وأنا أتابعه وأعجب كل العجب كيف لأناس بكامل قواهم العقلية أن يُصدِّقوا مثل هذه الأفعال التي يتبناها هذا التنظيم الإرهابي المُتطرف، وأنها من الدين، وهنا يجب أن نستحضر مصطلح "قواهم العقلية" لأنَّ ما يحدث لا يمكن إلا عن طريق تغييب العقل البشري وجعلهم لا يفكرون بها بطريقة ما قد تكون عن طريق عقاقير مُعينة أو شيء من الاكتشافات العلمية التي لا نعرف عنها، وهذا هو أسلوب أجهزة الاستخبارات.

إنَّ ما يُمكن قراءته من أحداث تلك الليلة هو أن المجتمع أصبح محتاجًا أكثر من أي وقت مضى لما يحفظ ثقته بنفسه، ولا نجعل من هذا الحدث سوى دافع أكبر للمضي قدماً فيما عُرف عنَّا كعمانيين متحابين ومتسامحين ومتعايشين ونابذين لأسباب الفرقة والشقاق، معتصمين بحبل من الله، ماضين خلف قيادتنا الرشيدة ومُصمِّمين على إكمال مسيرة التنمية والازدهار، ومواصلين نشر رسالة السلام بين الشعوب التي كانت ولا تزال مبدأ من مبادئ دولتنا العزيزة.

إننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتمثل قيمنا الوطنية والإنسانية والتمسك بها لمقاومة رغبة الفاسدين المبغضين في ترويع أبناء هذا البلد الآمن، وتمرير أجندتهم وسعيهم للنيل من عزائمنا وثباتنا على مبادئنا وقيمنا، وهذه الأهداف الخبيثة علينا مجابهتها بتوجه واحد وعمل منظم وفكر واضح مستمد من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة وطبيعتنا التي شهد لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعرفها القاصي والداني واشتهرنا بها بين الأمم.

يجب أنْ يكون كل واحد منا حارسَ أمن للوطن من خلال النصح والإرشاد لمن حولنا، ومتابعة ما يدور في محيطنا والتبليغ عن أي شيء نراه مريبًا وغير منطقي، وكما قالت العرب "يؤتى الحذر من مأمنه"، فعلينا أن نتابع القريب قبل البعيد. وهذه ليست دعوة للشك والترصُّد، وإنما دعوة لحفظ أبنائنا وأسرنا من الانحراف والانجرار وراء الأفكار الضالة التي لا نعرف كيف أصبح العدو يزرعها في عقول الناس، وتحوِّلهم من بشر إلى أنعام ووحوش مفترسة لا ترقب في الله إلًّا ولا ذمة.

إنَّ التحصُّن بالدين الحنيف وبكتاب الله العزيز والاقتداء بسنة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، منهج يجب التمسك به، وعلينا أن نحرص بكل ما أوتينا من قوة على أن نعلمه أبناءنا وفق طريقته الصحيحة القويمة؛ بعيداً عن التطرف والانحراف والتعصب والتكفبر الذي ابتُليت به الأمة الإسلامية، وأصبحت هذه الأمة متناحرة باسم الدين الذي هو براء منهم ومن أفكارهم، ويجب أن تتضافر كل الجهود للقضاء على هذا الفكر الفاسد، خاصة من المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية والاجتماعية، والتي يقع عليها عبء نشر الوعي وترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة والحفاظ على المجتمع من الانجرار إلى التعصب والتطرف.

إنَّنا اليوم نقف في خندق واحد مع قيادتنا الحكيمة لمواجهة هذا الحدث، والحفاظ على وطننا العزيز آمناً كما عهدناه، وبإذن الله وبعزيمتنا التي لا تعرف المستحيل سوف يمر هذا الحدث مروراً عابراً كاستثناء ما حل في غير موقعه وفي غير تربته، ولن يكون له بيننا أي تأثير، والله تعالى نسأل العون.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رئيس مجلس الشورى: التبرع السخي من سمو ولي العهد لجود الإسكان تجسيدٌ لحرصه على تعزيز جودة الحياة لأبناء الوطن

رفع معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ باسمه ونيابة عن مسؤولي وأعضاء المجلس ومنسوبيه الشكر والعرفان لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- على تبرعه السخي بمبلغ مليار ريال -على نفقته الخاصة- لمؤسسة الإسكان التنموي الأهلية (سكن) ممثلة بـ(جود الإسكان)، بهدف دعم تمليك الإسكان للمستفيدين والأسر المستحقة.
وأوضح أن مبادرات سمو ولي العهد -أيده الله- المتواصلة والمستمرة في دعم الإسكان تمثل امتدادًا واضحًا وجليًا لنهج القيادة الرشيدة -أيدها الله- في السعي الدؤوب نحو تعزيز الاستقرار للأسرة السعودية، وترجمةً جليَّةً لرؤية سموه الطموحة في بناء مجتمع حيوي ومزدهر يمتلك مقومات التنمية الشاملة، مؤكدًا أن هذا التبرع يعكس ما يوليه -حفظه الله- من رعاية كريمة واهتمام بالغ بتعزيز جودة الحياة للمواطنين وتوفير سبل العيش الكريم لهم.
وأشار معاليه إلى أن توجيه سمو ولي العهد -أيده الله- بسرعة إنجاز المشروعات خلال 12 شهرًا، وتنفيذها عبر شركات وطنية، مع رفع تقارير شهرية عن سير العمل في التمليك، يعكس حرص سموه الكبير على العمل المؤسسي المبني على تحقيق نتائج ملموسة وواضحة تلامس احتياجات المواطنين وتقدم الحلول بأسرع وقت وبدرجات عالية من الكفاءة والجودة والاتقان.
واختتم تصريحه بالدعاء بأن يحفظ هذه البلاد وقيادتها الرشيدة وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار.

مقالات مشابهة

  • دفع الله الحاج.. او الرجل الذي يبحث عنه البرهان ..!!
  • مناقشة “كلّش” هادئة مع عشاق تقسيم العراق !
  • سوريا والفتنة والأحداث في جرمانا وأشرفية صحنايا.. المفتي اسامة الرفاعي يثير تفاعلا بخطاب
  • عامر الشيخ: نحن على مسافة واحدة من جميع أبناء سوريا والحفاظ على الأمن مسؤولية الجميع.
  • مراكش مستعدة لاستضافة الجماهير ومحاربة الشغب مسؤولية الجميع (مناظرة التشجيع الرياضي)
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • أفضل الصدقة التي أخبر عنها النبي .. اغتنمها
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • وزير الإعلام: مواجهة خطاب التحريض والكراهية والاستقطاب المجتمعي ‏مسؤولية الجميع في مرحلة بناء الدولة
  • رئيس مجلس الشورى: التبرع السخي من سمو ولي العهد لجود الإسكان تجسيدٌ لحرصه على تعزيز جودة الحياة لأبناء الوطن