جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-06@01:06:15 GMT

الوطن مسؤولية الجميع

تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT

الوطن مسؤولية الجميع

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

أحداث الأسبوع الماضي سوف تظلُّ في الذاكرة لفترة طويلة؛ لما سيكون لها من تأثير على حياتنا، وما خلفته من تغيرات في نمطها وطريقة تفكيرنا وتعاطينا مع الواقع الجديد الذي فرضته الظروف، وجعلت من الصعب علينا الاكتفاء بالمتابعة لما يدور حولنا من أحداث، وكنا إلى نهاية الأسبوع السابق نظن أننا بمنأى عن الصراعات والاضطرابات التي تقع في العالم، وكنَّا نقوم بدورنا في حل الصراعات السياسية وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء.

إنَّ الجُرم الذي ارتكبه النفر الثلاثة المفسدون في الأرض ليس فقط ما قاموا به في تلك الليلة الحزينة؛ بل ما خلَّفته من أثر في مجتمع آمن مطمئن متعايش متسامح يعيش أفراده في لحمة واحدة محبين للحياة ومتواصين بالخير بينهم، مُجتمع صبغته القيم الحميدة بصبغتها فأصبح أنموذجًا للمجتمعات المتحضرة التي يحلم الناس بالعيش فيها وغدت سلطنة عُمان ذات سمعة عالمية ومضرب مثل في هذا التعايش والتسامح الجميل بين الثقافات المختلفة من البشر الذين يسكنون هذه البقعة.

هذا الأثر الذي نتج عن أفكار ضالة تغللت في عقول هؤلاء المارقين من الدين والإنسانية، جعلتهم يحملون السلاح ويقتحمون بيتاً من بيوت الله الآمنة التي حرَّم الله فيها القتال المشروع، فكيف بالاعتداء والغدر والخيانة التي هي من أفعال المجرمين الذين ضلوا في حياتهم الدنيا، وتوعدهم الله تعالى بالعذاب الشديد يوم القيامة، جزاءً بما ارتكبوه في حق العباد. وهذا الاعتداء على المسلمين في مكان العبادة الذي يجب أن يكون أكثر مكان آمن في الأرض، لم يُقدِّسوه واستحلوا حُرمته بفعل أفكار ضالة وجدت سبيلها إلى نفوسهم الضعيفة المُمتلئة بالحقد والكره والظلم والبغضاء.

وبعد هدوء الأوضاع ومعرفة الحقائق، عادت بي الذاكرة لمشاهد لم يستوعبها عقلي في أحد البلدان العربية الشقيقة التي ابتُليت بسيطرة هذه التنظيمات عليها، وأشعلت حربًا طائفية فيها، تلك المشاهد التي يقتل فيها الناس ويذبحون كالخراف بدم بارد من قبل أفراد يظنون أنهم يفعلون ذلك باسم الدين، والدين والإنسانية منهم براء، وما زالت أحداث مسلسل "غرابيب سود" عالقة في ذهني وأنا أتابعه وأعجب كل العجب كيف لأناس بكامل قواهم العقلية أن يُصدِّقوا مثل هذه الأفعال التي يتبناها هذا التنظيم الإرهابي المُتطرف، وأنها من الدين، وهنا يجب أن نستحضر مصطلح "قواهم العقلية" لأنَّ ما يحدث لا يمكن إلا عن طريق تغييب العقل البشري وجعلهم لا يفكرون بها بطريقة ما قد تكون عن طريق عقاقير مُعينة أو شيء من الاكتشافات العلمية التي لا نعرف عنها، وهذا هو أسلوب أجهزة الاستخبارات.

إنَّ ما يُمكن قراءته من أحداث تلك الليلة هو أن المجتمع أصبح محتاجًا أكثر من أي وقت مضى لما يحفظ ثقته بنفسه، ولا نجعل من هذا الحدث سوى دافع أكبر للمضي قدماً فيما عُرف عنَّا كعمانيين متحابين ومتسامحين ومتعايشين ونابذين لأسباب الفرقة والشقاق، معتصمين بحبل من الله، ماضين خلف قيادتنا الرشيدة ومُصمِّمين على إكمال مسيرة التنمية والازدهار، ومواصلين نشر رسالة السلام بين الشعوب التي كانت ولا تزال مبدأ من مبادئ دولتنا العزيزة.

إننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتمثل قيمنا الوطنية والإنسانية والتمسك بها لمقاومة رغبة الفاسدين المبغضين في ترويع أبناء هذا البلد الآمن، وتمرير أجندتهم وسعيهم للنيل من عزائمنا وثباتنا على مبادئنا وقيمنا، وهذه الأهداف الخبيثة علينا مجابهتها بتوجه واحد وعمل منظم وفكر واضح مستمد من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة وطبيعتنا التي شهد لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعرفها القاصي والداني واشتهرنا بها بين الأمم.

يجب أنْ يكون كل واحد منا حارسَ أمن للوطن من خلال النصح والإرشاد لمن حولنا، ومتابعة ما يدور في محيطنا والتبليغ عن أي شيء نراه مريبًا وغير منطقي، وكما قالت العرب "يؤتى الحذر من مأمنه"، فعلينا أن نتابع القريب قبل البعيد. وهذه ليست دعوة للشك والترصُّد، وإنما دعوة لحفظ أبنائنا وأسرنا من الانحراف والانجرار وراء الأفكار الضالة التي لا نعرف كيف أصبح العدو يزرعها في عقول الناس، وتحوِّلهم من بشر إلى أنعام ووحوش مفترسة لا ترقب في الله إلًّا ولا ذمة.

إنَّ التحصُّن بالدين الحنيف وبكتاب الله العزيز والاقتداء بسنة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، منهج يجب التمسك به، وعلينا أن نحرص بكل ما أوتينا من قوة على أن نعلمه أبناءنا وفق طريقته الصحيحة القويمة؛ بعيداً عن التطرف والانحراف والتعصب والتكفبر الذي ابتُليت به الأمة الإسلامية، وأصبحت هذه الأمة متناحرة باسم الدين الذي هو براء منهم ومن أفكارهم، ويجب أن تتضافر كل الجهود للقضاء على هذا الفكر الفاسد، خاصة من المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية والاجتماعية، والتي يقع عليها عبء نشر الوعي وترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة والحفاظ على المجتمع من الانجرار إلى التعصب والتطرف.

إنَّنا اليوم نقف في خندق واحد مع قيادتنا الحكيمة لمواجهة هذا الحدث، والحفاظ على وطننا العزيز آمناً كما عهدناه، وبإذن الله وبعزيمتنا التي لا تعرف المستحيل سوف يمر هذا الحدث مروراً عابراً كاستثناء ما حل في غير موقعه وفي غير تربته، ولن يكون له بيننا أي تأثير، والله تعالى نسأل العون.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دعم الشورى

يحظى مجلس الشورى بالرعاية الكريمة، والدعم الدائم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء- حفظهما الله – تعزيزًا لدوره المهم في خدمة هذا الوطن الغالي، ومواصلة مسيرة الشورى العريقة في المملكة، من خلال أداء المجلس لدوره الرقابي والتشريعي بخبرات وكفاءات مميزة؛ سعيًا للوصول إلى تطلعات القيادة الرشيدة – أيّدها الله – وتحقيقًا للأهداف والطموحات الوطنية في المجالات كافة لرفعة الوطن وجودة حياة المواطنين.

وتعزيزًا لهذا الدور الحيوي، جاء صدور الأمر الملكي الكريم بتكوين مجلس الشورى في دورته التاسعة، حيث أكدت قيادات المجلس على أن الثقة الملكية الغالية حافز لبذل المزيد من العمل، ودفع مسيرة التقدم في بلادنا العزيزة، وحرص المجلس على التعاون البناء مع جميع الجهات الحكومية؛ للمساهمة في تحقيق التنمية النوعية المستدامة، وتحقيق أعلى معايير الجودة في تقديم خدماتها؛ بما يلبي طموحات المواطنين، في ظل النهضة الكبيرة التي يعيشها الوطن بقيادته الحكيمة- حفظها الله – وقفزاته النوعية في مختلف المؤشرات العالمية، والتقدم المتسارع الذي تشهده مشاريع وبرامج رؤية المملكة 2030، وما ينعم به- ولله الحمد- من الأمن الراسخ والاستقرار الشامل والمكانة المرموقة على مختلف الأصعدة.

مقالات مشابهة

  • الفريق أحمد خليفة: رجال القوات المسلحة يحملون على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن تراب الوطن
  • حيدر الملا لـبغداد اليوم: دعم المنتخب للوصول الى كأس العالم مسؤولية الجميع
  • عضو في مجلس نقابة الصحفيين ..إخراج الزعبي من السجن بالطرق الرسمية مسؤولية الجميع
  • مقاصد الدين
  • نقابة الصَّحفيين السُّودانيين تنعي المصور التلفزيوني حاتم مأمون الذي مات متأثراً بإصابته في حادث المسيرة التي استهدفت منطقة “جبيت” العسكرية
  • أحداث الحلقة 13 من مسلسل عمر أفندي.. سرقة الذهب من أحمد حاتم قبل تسديد الدين
  • دعم الشورى
  • عز الدين: أي عدوان يرتكبه العدو لن يمرّ بلا عقاب ورد
  • شاب يتنبأ بوفاته قبل شهر ويصدم الجميع.. «همشي قريب» آخر ما كتبه
  • الحلقة 12 من مسلسل عمر أفندي.. دياسطي يفاجئ الجميع