جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-14@02:50:28 GMT

الوطن مسؤولية الجميع

تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT

الوطن مسؤولية الجميع

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

أحداث الأسبوع الماضي سوف تظلُّ في الذاكرة لفترة طويلة؛ لما سيكون لها من تأثير على حياتنا، وما خلفته من تغيرات في نمطها وطريقة تفكيرنا وتعاطينا مع الواقع الجديد الذي فرضته الظروف، وجعلت من الصعب علينا الاكتفاء بالمتابعة لما يدور حولنا من أحداث، وكنا إلى نهاية الأسبوع السابق نظن أننا بمنأى عن الصراعات والاضطرابات التي تقع في العالم، وكنَّا نقوم بدورنا في حل الصراعات السياسية وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء.

إنَّ الجُرم الذي ارتكبه النفر الثلاثة المفسدون في الأرض ليس فقط ما قاموا به في تلك الليلة الحزينة؛ بل ما خلَّفته من أثر في مجتمع آمن مطمئن متعايش متسامح يعيش أفراده في لحمة واحدة محبين للحياة ومتواصين بالخير بينهم، مُجتمع صبغته القيم الحميدة بصبغتها فأصبح أنموذجًا للمجتمعات المتحضرة التي يحلم الناس بالعيش فيها وغدت سلطنة عُمان ذات سمعة عالمية ومضرب مثل في هذا التعايش والتسامح الجميل بين الثقافات المختلفة من البشر الذين يسكنون هذه البقعة.

هذا الأثر الذي نتج عن أفكار ضالة تغللت في عقول هؤلاء المارقين من الدين والإنسانية، جعلتهم يحملون السلاح ويقتحمون بيتاً من بيوت الله الآمنة التي حرَّم الله فيها القتال المشروع، فكيف بالاعتداء والغدر والخيانة التي هي من أفعال المجرمين الذين ضلوا في حياتهم الدنيا، وتوعدهم الله تعالى بالعذاب الشديد يوم القيامة، جزاءً بما ارتكبوه في حق العباد. وهذا الاعتداء على المسلمين في مكان العبادة الذي يجب أن يكون أكثر مكان آمن في الأرض، لم يُقدِّسوه واستحلوا حُرمته بفعل أفكار ضالة وجدت سبيلها إلى نفوسهم الضعيفة المُمتلئة بالحقد والكره والظلم والبغضاء.

وبعد هدوء الأوضاع ومعرفة الحقائق، عادت بي الذاكرة لمشاهد لم يستوعبها عقلي في أحد البلدان العربية الشقيقة التي ابتُليت بسيطرة هذه التنظيمات عليها، وأشعلت حربًا طائفية فيها، تلك المشاهد التي يقتل فيها الناس ويذبحون كالخراف بدم بارد من قبل أفراد يظنون أنهم يفعلون ذلك باسم الدين، والدين والإنسانية منهم براء، وما زالت أحداث مسلسل "غرابيب سود" عالقة في ذهني وأنا أتابعه وأعجب كل العجب كيف لأناس بكامل قواهم العقلية أن يُصدِّقوا مثل هذه الأفعال التي يتبناها هذا التنظيم الإرهابي المُتطرف، وأنها من الدين، وهنا يجب أن نستحضر مصطلح "قواهم العقلية" لأنَّ ما يحدث لا يمكن إلا عن طريق تغييب العقل البشري وجعلهم لا يفكرون بها بطريقة ما قد تكون عن طريق عقاقير مُعينة أو شيء من الاكتشافات العلمية التي لا نعرف عنها، وهذا هو أسلوب أجهزة الاستخبارات.

إنَّ ما يُمكن قراءته من أحداث تلك الليلة هو أن المجتمع أصبح محتاجًا أكثر من أي وقت مضى لما يحفظ ثقته بنفسه، ولا نجعل من هذا الحدث سوى دافع أكبر للمضي قدماً فيما عُرف عنَّا كعمانيين متحابين ومتسامحين ومتعايشين ونابذين لأسباب الفرقة والشقاق، معتصمين بحبل من الله، ماضين خلف قيادتنا الرشيدة ومُصمِّمين على إكمال مسيرة التنمية والازدهار، ومواصلين نشر رسالة السلام بين الشعوب التي كانت ولا تزال مبدأ من مبادئ دولتنا العزيزة.

إننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتمثل قيمنا الوطنية والإنسانية والتمسك بها لمقاومة رغبة الفاسدين المبغضين في ترويع أبناء هذا البلد الآمن، وتمرير أجندتهم وسعيهم للنيل من عزائمنا وثباتنا على مبادئنا وقيمنا، وهذه الأهداف الخبيثة علينا مجابهتها بتوجه واحد وعمل منظم وفكر واضح مستمد من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة وطبيعتنا التي شهد لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعرفها القاصي والداني واشتهرنا بها بين الأمم.

يجب أنْ يكون كل واحد منا حارسَ أمن للوطن من خلال النصح والإرشاد لمن حولنا، ومتابعة ما يدور في محيطنا والتبليغ عن أي شيء نراه مريبًا وغير منطقي، وكما قالت العرب "يؤتى الحذر من مأمنه"، فعلينا أن نتابع القريب قبل البعيد. وهذه ليست دعوة للشك والترصُّد، وإنما دعوة لحفظ أبنائنا وأسرنا من الانحراف والانجرار وراء الأفكار الضالة التي لا نعرف كيف أصبح العدو يزرعها في عقول الناس، وتحوِّلهم من بشر إلى أنعام ووحوش مفترسة لا ترقب في الله إلًّا ولا ذمة.

إنَّ التحصُّن بالدين الحنيف وبكتاب الله العزيز والاقتداء بسنة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، منهج يجب التمسك به، وعلينا أن نحرص بكل ما أوتينا من قوة على أن نعلمه أبناءنا وفق طريقته الصحيحة القويمة؛ بعيداً عن التطرف والانحراف والتعصب والتكفبر الذي ابتُليت به الأمة الإسلامية، وأصبحت هذه الأمة متناحرة باسم الدين الذي هو براء منهم ومن أفكارهم، ويجب أن تتضافر كل الجهود للقضاء على هذا الفكر الفاسد، خاصة من المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية والاجتماعية، والتي يقع عليها عبء نشر الوعي وترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة والحفاظ على المجتمع من الانجرار إلى التعصب والتطرف.

إنَّنا اليوم نقف في خندق واحد مع قيادتنا الحكيمة لمواجهة هذا الحدث، والحفاظ على وطننا العزيز آمناً كما عهدناه، وبإذن الله وبعزيمتنا التي لا تعرف المستحيل سوف يمر هذا الحدث مروراً عابراً كاستثناء ما حل في غير موقعه وفي غير تربته، ولن يكون له بيننا أي تأثير، والله تعالى نسأل العون.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: تنوع مصادر الدين يضمن المرونة والتيسير على المسلمين

قال الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية، إن مصادر الدين التي يجب الاعتماد عليها متنوعة ومتعددة، وذلك من رحمة الله بعباده، حيث لم يجعل المصدر واحدًا فقط، بل أتاح عدة مصادر تضمن المرونة والتيسير وتناسب كل زمان ومكان. 

وأكد مفتي الديار المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأربعاء، أن القرآن الكريم يأتي في مقدمة هذه المصادر، فهو الذي يحتوي على أصول العقيدة والشريعة والأخلاق، ثم تأتي السنة النبوية المشرفة التي تعتبر بيانًا وتفسيرًا للقرآن الكريم، يليها الإجماع والقياس، إضافةً إلى مجموعة أخرى من المصادر التي وقع الاختلاف حولها، مثل الاستحسان والمصالح المرسلة، وعمل الصحابة. 

حكم التبرك بقبور الأنبياء والصالحين.. مفتي الجمهورية: يجوز بشرطمفتي الجمهورية: الإسلام حدد 3 أنواع من حقوق الجوارمفتي الجمهورية: الزعم بأن الإنسان مجبر على المعصية باطل لهذه الأسبابلماذا يحاسبنا الله طالما أقدارنا مكتوبة؟.. مفتي الجمهورية يوضح الحقيقة

وأضاف المفتي أن فهم هذه المصادر يجب أن يكون من خلال العلماء الثقات، الذين لديهم القدرة على الجمع بين النصوص الشرعية وفهم الواقع، لتقديم الأحكام الصحيحة التي تحقق مقاصد الشريعة دون تعقيد أو تشدد، مستشهدا بقول الله تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، مشددًا على أن أخذ الدين عن غير أهله يؤدي إلى الفهم الخاطئ والتشدد غير المبرر. 

وفيما يتعلق بالتحقق من صحة الأفكار والمعارف الدينية، أوضح الدكتور نظير عياد، أن هناك عدة معايير يجب اتباعها، منها: عدم تناقضها مع نصوص الدين الصحيحة، وأن تكون مستندة إلى مصادر موثوقة وعلماء معتمدين، وألا تصطدم بالواقع والتجربة العملية. 

وأكد المفتي على ضرورة الابتعاد عن الذاتية والهوى في طلب المعرفة، مستشهدًا بقول الله تعالى: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ". 

مقالات مشابهة

  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 13 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل مثيرة .. ونجوت من الموت!!
  • مفتي الجمهورية: تنوع مصادر الدين يضمن المرونة والتيسير على المسلمين
  • من هو صديق الشرع العلوي الذي برز اسمه بعد أحداث الساحل ؟
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 11 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • من هو صديق الشرع العلوي الذي برز اسمه بعد أحداث الساحل؟
  • والدي الذي لم يلدني.. او قصة حياتي..
  • حقيقة إعفاء الميت من عذاب القبر في شهر رمضان.. اعرف رأي الدين
  • أبناء النوبة ينظمون لقاءً حاشداً لجمع الصف ومواجهة المؤامرات التي تحاك ضد منطقة جبال النوبة
  • العريس الذي كان يتجهز لزفافه لكنه زُفّ إلى الجنة