نسخ المصحف الشريف بخط يده ثلاث مرات.. وفاة الشيخ «عبد الله أبو الغيط» ابن الشرقية عن عمر يناهز 68 عاماً
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
شهدت عزبة القوقة والشيخ ذكرى بقرية الصوة التابعة لمركز أبوحماد بمحافظة الشرقية، حالة من الحزن على وفاة الشيخ عبد الله أبو الغيط والذى نسخ المصحف الشريف بخط يده ثلاث مرات، واتشحت المنطقة بالسواد.
وقال عبد المنعم الخولي المدير بالتربية والتعليم سابقا، أن الشيخ عبد الله أبو الغيط كان نموذجاً للتحدى والإصرار والعزيمة، تمتع بأخلاق طيبة وسيرة حسنة، صاحب واجب وأدب، أحبه كل من عرفه، كان أخاً فاضلا وصديقاً عزيزاً قضي وقته فى خدمة كتاب الله عزوجل وجل ونسأل الله أن يلهمنا الصبر على فراقه.
وأضاف الشيخ محمد محمد شنب، لقد فقدنا علماً كبيراً من أعلام محافظة الشرقية ألا وهو الشيخ عبد الله أبو الغيط، خط المصحف الشريف بيده ثلاث مرات، ومؤخرا قام بكتابة نسخة باللغة الإنجليزية، كنت أقضي أغلب وقتي معه، فكان يوصينا بصنع المعروف وخدمة الناس والمداومة على القرأن، جعل الله كل ما قدمه من خير فى ميزان حسناته.
يذكر أن عبد الله أبو الغيط من مواليد ١٩٥٦م بقرية الصوه بمركز أبوحماد بالشرقية، وعمل بالأزهر الشريف، وتعلم القراءة أو الكتابة عند سن ٥٥ عاما، وبعد مرضه نصحه الأطباء بالمداومة على القرآن الكريم، وبدأت رحلته فى تعلم القراءة والكتابة عام ٢٠٠٥م، حيث تعلم الحروف الأبجدية ثم تعلم القراءة فى المصحف، وقام بكتابة آيات القرآن الكريم بخط عربى بالرسم العثمانى، وانتهي من كتابة النسخة الثالثة من المصحف فى عام 2020، وكل نسخة كانت تستغرق ثلاث سنوات، كما قام بكتابة نسخة من المصحف باللغة الإنجليزية.
أخر ما قاله الفقيد
كانت أخر كلمات الراحل« عبد الله أبو الغيط»لن أترك كتابة المصحف حتى أحمل للمقبره، وأوصى بإهداء كل النسخ التى كتبتها للمكتبات العامه فى المساجد والمدارس والجامعات كصدقه جاريه على روحي، وأناشد الجميع بإستغلال وقت الفراغ فى تلاوة كتاب الله وفهم معانية لأن القرآن دستور الأمه ومصدر عزها وعظمتها، فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: محافظة الشرقية المصحف الشريف اللغة الانجليزية القرأن الكريم اختبار اللغة الانجليزية الشیخ عبد الله أبو نسخ المصحف الشریف
إقرأ أيضاً:
محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت
بعد أن فقد بصره وهو ابن ثلاث سنوات سأل والده: "متى النهار يطلع يا بابا؟"، فبكى الأب بحرقة وقال "سترى بقلبك يا بني أكثر مما ترى بعينيك"، لم يعرف الأب وقتها أن صوت ابنه سيكون كالشمس في تاريخ مصر، لا يبدأ النهار إلا بسماعه عندما تشير عقارب الساعة إلى تمام السابعة صباحا.
إنه الشيخ محمد رفعت -رحمه الله- الذي تلاحم صوته مع نسيج الوعي المصري ووجدانه، فأراد الله أن يحيا صوت الشيخ رفعت في مناسبتين، الأولى طوال العام عند الساعة السابعة صباحا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، هذا الوقت الذي يتعلق بذاكرة كل مصري أثناء ذهابه إلى المدرسة ونزوله إلى عمله صباحًا، إذا سمع صوت الشيخ رفعت أدرك أن الشمس قد أشرقت إيذانًا بميلاد يوم جديد مصحوب بصوت الشيخ محمد رفعت.
وأما الثانية فطوال شهر رمضان المبارك مع أذان المغرب، هذا الأذان الذي إن سمعه المصريون في أي وقت استشعروا بنسمات شهر الصيام، ارتبط أذان الشيخ محمد رفعت بالإعلان عن وقت الإفطار كل يوم في رمضان، فأصبح له خصوصية يتفرد بها عن أي أذان آخر.
الشيخ محمد رفعت هذا الصوت الملائكي الخالد الذي تجددت فيه معجزة القرآن، إلا أن التسجيلات التي وصلتنا لم توفه حقه، ذلك لأن أغلب التسجيلات كانت قديمة تحتاج إلى ترميم وإصلاح، فغير المونتاج الصوتي شيئا من حقيقة صوت الشيخ رفعت، والأمر الثاني أن التسجيلات بدأت في فترة مصاحبة المرض لهذا الصوت، كما قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في إحدى لقاءاته إن تسجيلات الشيخ محمد رفعت تحمل تأثير مرضه وكأنك تسمع صوتا جميلا لكن عليه مسحة من المرض، وذكر أن تسجيل سورة مريم هو الذي يعطي بعضا من صوت الشيخ رفعت في اكتماله وشبابه ومقدرته.
في حي المغربلين بمنطقة الدرب الأحمر ولد الشيخ محمد رفعت سنة 1882 لأب يعمل ضابط شرطة بقسم الخليفة، وأم طيبة ترعى بيتها وتقوم على شئون الزوج والأولاد، واسم محمد رفعت هو اسم مركب أما والده فاسمه محمود رفعت وهو اسم مركب أيضًا، ولأن كل إنسان منا يسير إلى قدره المكتوب في الحياة، فقد واجه الشيخ محمد رفعت مصيره في الحياة مبكرا، المأساة الأولى عندما فقد بصره وهو في الثالثة أو الرابعة من عمره، والمأساة الثانية عندما فقد والده وهو ابن تسع سنوات.
ولأن في المنع عطاء، وفي كل محنة منحة، فكانت المأساة الأولى هي سبب العطاء الأعظم في حياة الشيخ محمد رفعت بعد أن قرر والداه أن يهباه للقرآن، وأتم حفظ القرآن وتجويده وهو طفل صغير في مسجد فاضل باشا، والذي عين فيه قارئا للسورة يوم الجمعة إلى أن أقعده المرض، وأما المأساة الثانية فكانت السبب في أن يتحمل الشيخ رفعت مسئولية أسرته الصغيرة المكونة من أمه وخالته وأخيه الأصغر بعد أن أصبح هو العائل الوحيد لهم، وظل على هذا الحال حتى ذاع صيته وأصاب سحر صوته كل من سمعه وتأثر به.
الشيخ محمد رفعت هو معجزة القرن العشرين في تلاوة القرآن الكريم، كان لصوته مفعول السحر على مستمعيه، فلا تسمع تلك الصيحات أثناء تلاوته كما يحدث في السرادقات مع قراء اليوم، ولكن طريقة قراءة الشيخ رفعت بما فيها من هيبة ووقار وإبهار كانت تجعل المستمعين لا يحركون ساكنا، يخشعون رهبة وإجلالا لعِظم ما يُقرأ عليهم.
تقليد الشيخ رفعت يحتاج لإمكانيات صوتية خاصة ولطبقة صوت اختص بها الله الشيخ رفعت، فيصعب جدا تقليده، تمتع الشيخ رفعت بصوت ماسي حاد جدا رنان كأنه الياقوت والمرجان، وبصوت عميق عريض جدا كأنه زئير الأسد في أدنى طبقات صوته، والعجيب أن في علو صوت الشيخ رفعت وهبوطه لا يشعر المستمع بأنه ينتقل بين القرار والجواب فهو يقرأ بطريقة السهل الممتنع، يلون الآيات بصوته وبما يناسب كل آية، فالموهبة وحدها لا تكفي، ولكنها تحتاج لذكاء يوظفها بطريقة صحيحة، والشيخ محمد رفعت وهبه الله من الذكاء الفطري والبصيرة الربانية ما جعله يقرأ القرآن بوعي وتدبر وذكاء.
عاش الشيخ محمد رفعت واهبًا حياته لخدمة القرآن الكريم ينشر صوته في كل مكان ويلبي الدعوات بعفة نفس خدمة للقرآن، لم يكن طالب مال ولا شهرة أو جاه، ترك لأبنائه ساعة يد وروشتة طبيب ومصحفًا، كما أخبر بذلك ابنه الأكبر محمد رحمه الله، وأصيب الشيخ رفعت بمرض الزغطة الذي اتضح أنه سرطان الحنجرة، فتوقف عن القراءة سنة 1943 بعد أن حبسه المرض وهو يقرأ ولم يخرج صوته في بعض الآيات فسكت ثم غادر المسجد وسط بكاء كل الحاضرين، وظل يعاني من هذا المرض الذي فشل الطب في علاجه، كان راضيا صابرا ولم يسخط، وفي يوم التاسع من مايو سنة 1950 أخذ يردد (الحمد لله) ويسأل زوجته عن أولاده، ويقول (الحمد لله) ثم فاضت روحه إلى رب العالمين، ليترك لنا صوتا لم ينطفئ يومًا، هذا الإرث الذي يشهد له بما قدمه في حياته لخدمة القرآن وإيصال رسالته، رحم الله قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت.