الخليج الجديد:
2025-02-23@16:33:36 GMT

التواصل الاجتماعي.. الحقيقة والخبر

تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT

التواصل الاجتماعي.. الحقيقة والخبر

التواصل الاجتماعي.. الحقيقة والخبر

الإعلام الجماهيري المفتوح قد يسبب في حالة غياب التنظيم مخاطرَ كثيرةً على الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي.

مواقع التواصل الاجتماعي هي نصوص بدون مضامين ولا رسائل، إنها قنوات فارغة، يمكن لكل فرد أن يملأها بما يريد..

في السنغال، تبادر الدولةُ إلى تعليق شبكة الإنترنت المحمول خلال لحظات التأزم الحاد، لقطع الطريق أمام تأجيج العنف والشغَب.

المشكل الحقيقي الذي تَطرحه الثورةُ الرقميةُ الجديدةُ هو الانفصام المزدوج بين الحوامل التقنية والمحتويات المضمونية وبين الخبر والحدث.

انعكاس جوهري للتواصل الاجتماعي على مهنة الإعلام والصحافة التي تغيرت في العمق بالنظر لانهيار الوسائط الضرورية بين منتج الخبر ومتلقيه.

أصبح «التواصل الاجتماعي» ضرباً من التسمم الجماعي، «ففي السابق، كان يتم التبادل بين حقائق تحرر الوعي، واليوم أصبح التواصل نوعاً من الحرب بين الكذَبة».

وُضعت تشريعاتٌ صارمةٌ لضبط المضامين المتنقلة عبر الوسائط الاتصالية، لكنها لم تُفْض أغلب الأحيان إلى نتائج ملموسة بحجم التحديات القائمة والأهداف المقصودة.

* * *

قال لي مسؤول سياسي أفريقي سامي إنه يعتقد جازماً أن العالَمَ سائر حتماً إلى نمط من الحرب الأهلية الشاملة، إذا لم يتم ضبط شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت رخيصةَ الثمن، شديدةَ التأثير، سهلةَ الاستخدام ومنتشرةً في كل الأصقاع والمواقع.

في البلدان الأفريقية، كما حدث مؤخراً في السنغال، تبادر الدولةُ إلى تعليق شبكة الإنترنت المحمول خلال لحظات التأزم الحاد، لقطع الطريق أمام تأجيج العنف والشغَب.

وفي بلدان أخرى وُضعت تشريعاتٌ صارمةٌ لضبط المضامين المتنقلة عبر الوسائط الاتصالية، لكنها لم تُفْض في أغلب الأحيان إلى نتائج ملموسة بحجم التحديات القائمة والأهداف المقصودة.

وللجدل الراهن ارتباط وثيق بالإشكالات المحورية التي انجرَّت عن تحرير المجال السمعي البصري في كثير من بلدان العالم بدايةً من ثمانينيات القرن الماضي، وقد امتدت إلى العالم العربي والساحة الأفريقية بدايةً من نهاية التسعينيات.

وقيل أوانها إن الإعلام الجماهيري المفتوح قد يسبب في حالة غياب التنظيم مخاطرَ كثيرةً على الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي. وفي هذا الباب، تم الحديث عن الإذاعة الخاصة الرواندية «التلال الألف» التي كان لها الأثرُ البالغ في الأحداث العرقية وإبادة قومية التوتسي في هذه البلد الأفريقي الذي عرف أبشع أنواع الحرب الأهلية في عام 1994.

ولأجل ذلك، شكلت الدولُ الديمقراطيةُ مؤسساتٍ للتنظيم والضبط مكلفة بتقنين ورقابة المجال السمعي البصري الخاص ومنح تراخيصه، وفق معايير ثلاثة أساسية هي: قيم وأخلاقيات المهنة الإعلامية من التزام بالحقيقة والموضوعية والمهنية الاحترافية، ومحددات التعددية الفكرية والمجتمعية والثقافية التي هي أساس النظام الليبرالي المفتوح، ومتطلبات التسامح والسلم الأهلي والأمن الاجتماعي.

ورغم اختلاف المساطر الإجرائية بين دول العالم بخصوص استراتيجيات الضبط والتنظيم، فإن المبدأ العام المتَّبع في هذا النهج هو ضمان استقلالية وتجرد الهيئة المكلفة بالإشراف على الحريات الإعلامية الخاصة وتخويلها سلطةَ الرقابة والعقوبة لحماية النظام العام والحريات الفردية. ولقد اعتبر عالِمِ السياسة الفرنسي «بيار روزنفالون» أن مؤسسات الضبط تدخل في إطار المفاهيم الجديدة للشرعية التي تتجاوز معايير التمثيل والانتخاب التي كانت في السابق الأداة الوحيدة لقياس الديمقراطية الليبرالية.

إنها تدخل في نطاق مؤسسات الخدمة العمومية المجردة التي تعبِّر عن البناء المركزي للدولة في ما وراء اختلاف وتضارب المصالح والمواقع الحزبية الظرفية. حضرتُ مؤتمرات عديدة في أوروبا، خلال عضويتي في مجلس الاتصال السمعي البصري في موريتانيا، حول المقاربات الممكنة في ضبط الإعلام الإلكتروني الجديد الذي أصبح يشكّل أساسَ المجال التواصلي.

وقد برزت في هذا السياق أطروحتان أساسيتان: أطروحة الضبط الأخلاقي الذاتي باعتباره الخيار الوحيد المتاح نتيجةً لصعوبة رقابة المضامين الرقمية الكثيفة، وأطروحة الضبط القانوني وفق منوال الإعلام التقليدي الذي طرح إشكالاتٍ مماثلةً في بدايته، على الأقل في البلدان التي اعتمدتْ منذ بداية القرن الماضي استراتيجيةَ تحرير البث الإذاعي كما هو حال بريطانيا والولايات المتحدة.

بيد أن المشكل الحقيقي الذي تَطرحه الثورةُ الرقميةُ الجديدةُ هو الانفصام المزدوج بين الحوامل التقنية والمحتويات المضمونية وبين الخبر والحدث.

في المستوى الأول، نلمس الغياب الحقيقي للمؤلف أو لما سمَّته نظريةُ الاتصال الكلاسيكي بالباثُّ أو المرجع، بحيث تكون الرسالة بدون مصدر ولا تتبع أي نسق أو قناة توصيلية. ومن هنا الانعكاس الجوهري على مهنة الإعلام والصحافة التي تغيرت في العمق بالنظر لانهيار الوسائط الضرورية بين منتج الخبر ومتلقيه.

وفي المستوى الثاني، ندرك التحول الابستمولوجي الهائل المتعلق بطبيعة الخطاب الذي تبثه المواقع الاتصالية، من حيث كونه لم يعد يقوم على ثنائية الحقيقة- الإقناع، بل على الانفعال والعاطفة والأهواء المتقاسَمة.

وإذا كانت البنية المنطقية العميقة للفكر الإنساني تقوم على التمييز بين أحكام الواقع وأحكام القيمة، أو بين الظواهر والمعاني، فإن ما نعيشه راهناً هو انحسار مفهوم الحقيقة بما يدل عليه من مصادرة استقلال الواقع عن التصور أو التمثل.

وفي هذا السياق، يقول الفيلسوف الألماني بيتر سلوتردايك إن مواقع التواصل الاجتماعي هي نصوص بدون مضامين ولا رسائل، إنها قنوات فارغة، يمكن لكل فرد أن يملأها بما يريد.. ومن هنا أصبح «التواصل الاجتماعي» ضرباً من التسمم الجماعي، «ففي السابق، كان يتم التبادل بين حقائق تحرر الوعي، واليوم أصبح التواصل نوعاً من الحرب بين الكذَبة».

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أفريقيا التواصل الاجتماعي الحرب الأهلية السلم الأهلي الأمن الاجتماعي التواصل الاجتماعی فی هذا

إقرأ أيضاً:

آرثر شوبنهاور .. فيلسوف التشاؤم أم الحقيقة؟

يُعرف آرثر شوبنهاور بأنه أحد أكثر الفلاسفة إثارةً للجدل في التاريخ، إذ اشتهر بفلسفته التشاؤمية التي ترى الحياة سلسلة من المعاناة الدائمة، تحركها رغبات لا تنتهي. لكن هل كان شوبنهاور متشائمًا حقًا، أم أنه ببساطة واجه الحقيقة بواقعية قاسية؟

الحياة كمعاناة: الأساس الفلسفي

في كتابه الأشهر “العالم إرادة وتمثل”، طرح شوبنهاور فكرته الأساسية بأن الإرادة القوة المحركة لكل شيء، بما في ذلك الإنسان. هذه الإرادة تدفعنا بشكل مستمر لتحقيق رغباتنا، لكن بمجرد تحقيقها، تظهر رغبات جديدة، مما يخلق دورة لا نهائية من التوق والمعاناة. يرى شوبنهاور أن السعادة الحقيقية غير ممكنة، لأن الإنسان محكوم بالسعي المستمر دون راحة.

التشاؤم أم الواقعية؟

يرى البعض أن فلسفة شوبنهاور ليست تشاؤمية بقدر ما هي واقعية، إذ أنه لم ينكر وجود لحظات من السعادة، لكنه شدد على أنها قصيرة وعابرة، بينما الألم والمعاناة هما الحالة الطبيعية للحياة. في نظره، الإدراك الحقيقي لطبيعة الحياة لا يجب أن يقود إلى اليأس، بل إلى التحرر من الأوهام الزائفة حول السعادة الدائمة.

الهروب من المعاناة: ما الحل؟

على الرغم من نظرته القاتمة، قدم شوبنهاور بعض الطرق للخلاص من المعاناة، مثل:

• التأمل في الفنون والموسيقى، حيث رأى أن الموسيقى تمنح الإنسان فرصة للهروب مؤقتًا من قبضة الإرادة.

• التخلي عن الرغبات الشخصية، وهي فكرة استوحاها من الفلسفات البوذية والهندوسية، حيث دعا إلى تقليل التعلق بالماديات والسعي نحو حياة زاهدة.

التأثيرات الفلسفية

أثرت أفكار شوبنهاور بشكل كبير على فلاسفة لاحقين مثل فريدريش نيتشه، الذي تبنى بعض أفكاره لكنه رفض نظرته التشاؤمية، كما ألهمت فلسفته علماء النفس مثل سيغموند فرويد، الذي تأثر بفكرته حول اللاوعي والرغبات.

مقالات مشابهة

  • الحبس سنتين مع الشغل لطالب هدد فتاة على موقع التواصل الاجتماعي بسوهاج
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • مَن هو الأسير الإسرائيلي الذي قبَّل رأس جنود حماس؟.. «المظروف» لم يكن هدية
  • متابعة "رابور" بتهمة نشر مضامين مشينة في مواقع التواصل الاجتماعي
  • آرثر شوبنهاور .. فيلسوف التشاؤم أم الحقيقة؟
  • هل راية داعش السوداء هي نفسها التي كان يرفعها النبي؟.. «مرصد الأزهر» يوضح الحقيقة «فيديو»
  • مسلسل لام شمسية يطرح حلولا للحد من استخدام طفلك لمواقع التواصل الاجتماعي
  • حلقة التواصل الاجتماعي.. شراكة تؤسس إطارًا وطنيًا لبيئة رقمية آمنة
  • تغريدة الدويش الغامضة تشعل مواقع التواصل الاجتماعي
  • تدشين البرنامج التدريبي الأول لمأموري الضبط القضائي بشركات توزيع الكهرباء