د. عمرو عبد العظيم

بالتزامن مع التطور المذهل لتقنيات الذكاء الاصطناعي الذي يشهده العالم اليوم، تشهد السجلات التعليمية ثورة جديدة معتمدة على الذكاء الاصطناعي، حيث تقدم رقمنة هذه السجلات تحسينات هائلة في كفاءة العملية التعليمية والإدارية، تخيل معي عالماً يتم فيه تسجيل وتحليل كافة البيانات التعليمية بشكل فوري وذكي، حيث يُمكن للمعلمين والإداريين متابعة وتقييم كل شيء بسهولة ودقة غير مسبوقة.

إنَّ تحويل سجلات المعلمين إلى نظام رقمي مدعوم بالذكاء الاصطناعي يُساعد على تتبع أداء المعلم وتقييمه بشكل مستمر، وهذا يتيح للإدارة التعليمية تقديم الدعم المناسب، مما يعزز من جودة التعليم بشكل عام، تصور أنك معلمٌ، ويمكنك الوصول إلى سجلٍ شاملٍ يعرض لك تقييماتك وملاحظاتك السابقة، مما يمكنك من تحسين أدائك المهني باستمرار، ليس هذا فحسب، بل يُمكنك أيضاً الوصول إلى خطط الدروس الخاصة بك بضغطة زر، وتحديثها وفقًا لاحتياجات طلابك وتطور المناهج.

وعلى الجانب الإداري، تأتي السجلات الرقمية لتحل محل السجلات الورقية القديمة التي تستغرق وقتاً طويلاً في إدارتها باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن تنظيم وتحليل البيانات الإدارية بطرق تساهم في اتخاذ قرارات أكثر فاعلية وسرعة، تصور معي أن مديري المدرسة يمكنهم الوصول إلى تقارير فورية عن معدلات الحضور والغياب، وتحديد المشاكل فور ظهورها واتخاذ الإجراءات اللازمة لحلها.

أمَّا بالنسبة لسجلات الدرجات، فإن رقمنتها تتيح نظامًا دقيقًا وموثوقًا لتسجيل وتحليل أداء الطلاب. هذا النظام لا يسهل فقط عملية تسجيل الدرجات، بل يقدم أيضًا تحليلات دقيقة تساعد المعلمين والإداريين في فهم نقاط القوة والضعف لدى الطلاب، ومن خلال هذه التحليلات، يمكن تصميم برامج تعليمية مخصصة تلبي احتياجات كل طالب، مما يعزز من فرص نجاحهم الأكاديمي.

عندما يتعلَّق الأمر بالتحضير اليومي للمعلم، تصبح العملية أكثر سهولة وكفاءة مع استخدام الأدوات الرقمية، حيث يمكن للمعلمين إنشاء وتنظيم خطط الدروس بسهولة، وتتبع تنفيذها وتحديثها بمرونة، ويمكن للذكاء الاصطناعي تقديم ملاحظات فورية ومخصصة بناءً على تحليل الأداء اليومي، مما يساعد المعلمين على تحسين طرق التدريس وتقديم تجربة تعليمية أفضل للطلاب.

وأخيرًا.. تأتي الخطط الدراسية كعنصر أساسي يستفيد بشكل كبير من الرقمنة، وهنا يُمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات الأداء الأكاديمي وتقديم توصيات لتطوير وتحديث الخطط الدراسية بما يتناسب مع احتياجات الطلاب وتطورات المناهج، فمن السهل أن تصبح الخطط الدراسية ديناميكية متجددة، تعكس التحسينات المستمرة في العملية التعليمية وتساهم في تحقيق أفضل النتائج للطلاب.

وفي الختام، فإن رقمنة السجلات التعليمية باستخدام الذكاء الاصطناعي تمثل خطوة مهمة نحو مستقبل مشرق للتعليم؛ لأنها توفر فرصًا غير محدودة لتحسين جودة التعليم وتسهيل الإدارة؛ مما يسمح للمعلمين والإداريين بالتركيز على ما يهم حقًا: تقديم تجربة تعليمية متميزة ومثمرة للطلاب، ومع استمرار التطور التكنولوجي للذكاء الاصطناعي، يمكننا فقط أن نتخيل ما يحمله المستقبل من تحسينات وابتكارات ستجعل من التعليم تجربة أكثر إثارة وفاعلية للجميع.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف تتأثر الأديان بقدرات الذكاء الاصطناعي الفائقة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

دخل العالم مرحلة جديدة مع الوصول لمرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، مرحلة مثيرة ومغرية ومخيفة في نفس الوقت، فالمغامرات العلمية والاكتشافية التي يصل إليها العلماء والبحث العملي تزيد من فرص الرفاهية وراحة الإنسان، وتعزز المخاوف بشأن المخاطر المهولة التي يتعرض لها الكوكب، وهي مخاطر أشبه بوصول الإنسان للقنبلة النووية.
ورغم تعدد المجالات التي يؤثر فيها الذكاء الاضطناعي، فإن مجال الأديان بشكل خاص من المتوقع أن يتأثر كثيرًا بهذا التطور المذهل التي وصلات إليه البشرية، لدرجة أنه من الممكن أن يحل الـ AI مكان رجل الدين في جميع الأديان فيكون قادرا على تقديم العظات والخطب المنبرية، وشرح وإعادة تفسير النصوص الدينية، ومراجعة الأحكام الفقهية وتقييمها، بل واستخراج المزيد من الأحكام والتشريعات.
أمام القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي، يتوقع البعض أنه سيكون في مراحله القريبة جدا قادرا على إنتاج سردية كاملة ويزعم أنه يقدم نصوصًا ويصفها بالدينية والمقدسة، وهي مرحلة لا يمكن فيها السيطرة على ما يطرحه أو يقدمه، وهي مرحلة عبرت عن مخاوف منها بعض الدول الكبرى بأنها تخشى أن يقوم بتسريب بعض الأسرار الحساسة المتعلقة بالأسلحة السرية.
ومع أن الدول الكبرى المنتجة لنماذج AI تعبر عن قلقها ومخاوفها من قدراته المهولة، فإن الكثير من العرب المتابعين لمثل هذه الأخبار يتعاملون باستهانة واستخفاف بل وسخرية من بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي المجانية التي تقدم معلومات مغلوطة ومصابة في كثير من الأوقات بالهلوسة، فيظنون أن هذه هي المقدرة التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي ويتخوف منها العالم، 
وحذر بعض المفكرين من تنامي دور الآلة، وخاصة عندما يساعدها الذكاء الالصطناعي في أن تمتلك عقلا يشبه في طريقة تفكيره العقل البشري تمامًا، فهو ما يجعل الآلة تكتسح الوجود الإنساني، وتعمل على إزاحته، لتصبح هي المسيطرة، وتكون قادرة على امتلاك السلطة بدلا من الإنسان، وهو ما عبر عنه منذ زمن طويل الأديب المصري الكبير توفيق الحكيم، الذي رحل في عام 1987م، من أنه يتخوف من أن يتوقف الإنسان عن استخدام نشاطه البدني والعضلي وتحتل مكانه الآلة للقيام بمثل هذه الأنشطة لتصل لمرحلة تتوحش وتسلبه سلطته وقوته.
بعض الآراء أكدت ذهاب الذكاء الاصطناعي للتأثير على مجال الأديان، لكنه لن يكون فعالا بشكل كافي في مجال اللغات التي لا تمتلك حظها من تطوير الذكاء الاصطناعي، مثل اللغة العربية مثلا، فمن الممكن أن يتعطل عن فهم التراكيب اللغوية والدقائق اللغوية التي تختص بها اللغة العربية.
وبحسب سليم شوشة مؤلف كتاب "فخ الحضارة: ثورة الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على الثقافة واللغة العربية"، فإن تعامل AI مع اللغة العربية، إما أنه سيحقق وعيا بها يتفوق على العرب أنفسهم، وأنه سيفسر النصوص الدينية وسيغير في القصص والسرديات والتراث، وإما أنه لن يتطور في فهمه ومعالجته العميقة للغة العربية بما يجعلها تخرج تمامًا من التكنولوجيا، ويتحول المستخدمون بشكل كامل إلى الإنجليزية أو غيرها، والسبب في هذا يعود بشكل مباشر إلى ضعف دراسات اللغة العربية التي تساعد التقنيين على تعليم اللغة لنماذج الذكاء الاصطناعي.
ركز مؤلف "فخ الحضارة" على ضرورة فهمنا للغة على نحو فائق النصاعة، بهدف التمكن من تعليمها للآلة، لذا يتوقف فهم الذكاء الاصطناعي التوليدي للغة على فهم أصحابها لها، أي أن أصحابها تمكنوا من دراستها مع إدراك كل أنماط الاستخدام، واستخلصوها في قواعد وأنماط وقوانين منطقية أولا ورياضية ثانيا، مشددا على ضرورة بحث اللغة في ضوء الإدراكيات والمنطق والرياضيات للوصول إلى دالة منطقية رياضية تغذي الذكاء الاصطناعي، ليصبح كل حرف وكل كلمة وكل جملة وكل عنصر سياقي يمكن أن يوجه المعنى يجب أن يؤخذ في الحسبان، ويمكننا من هذا هو أهمية الذهاب إلى نظرة نحوية جديدة، ونظرة معجمية، ونظرة في بحث ودراسة تاريخ الكلمات والاشتقاق أو ما يعرف بعلم الإيتمولوجي بطريقة غير تقليدية.
وتكثر الكتابة في العلاقة بين اللغة والذكاء الاصطناعي، إلا أن بعض الباحثين يكتبون وهو يمتلكون تصورات منقوصة أو غير حقيقة عن قدرات الذكاء الاصطناعي، وهو ما فعله باحث بريطاني يدعى حمزة تزورتزس في مقال له بعنوان "هل يقوض الذكاء الاصطناعي الدين؟" وصل فيه إلى نتيجة مضللة وهي أن AI لا يستطيع الربط بين المعنى والرموز، وأنه لن يتمكن من الفهم العميق للنصوص، وعليه فإن احتمالية تقويض الدين من هذه الناحية لن يحدث. وهذه النتيجة جاءت مضللة لأنها يعتقد أن الذكاء الاصطناعي يتعامل مع اللغة بنفس الطريقة التقليدية للحاسوب وهي أنها رموز رياضية.
هذه المغالطة تتجاهل أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي  الفائق تعتمد على مبدأ محاكاة العقل البشري عبر نموذج عمل الشبكات العصبية في المخ، وجعل النموذج التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي الكبير يعمل وفق هذه المنظومة المشابهة لما يتم من عمليات في المخ البشري، بحسب ما شرحه كتاب "فخ الحضارة".

وعرضت إحدى القنوات المتخصصة في التكنولوجيا على منصة اليوتيوب مقطعا مرئيا بعنوان "المراحل العشرة للذكاء الاصطناعي"، شرحت فيه مراحل تطور AI ووصله للتوحش في المرحلة العاشرة، وأطلقت على هذه المرحلة "مرحلة الشبيه بالإله" وفيها يتجاوز AI قدرات الإنسان على تقديم معطيات وتفسيرات يعجز الإنسان عن فهمها أصلا، ومن الممكن أن يقدم أديانا بكاملها بدلا من أن يقدم تفسيرات بديلة للنصوص الدينية. 

وحول هذا التدخل الكبير القائم والمحتمل، ترى الكاتبة أمينة خيري في مقال لها بعنوان "الذكاء الاصطناعي والدين عندما يدخل الإيمان المحراب الرقمي" أن “احتمالات ضلوع الذكاء الاصطناعي في الدين وحياة المتدينين كثيرة، وكذلك جهود مقاومة والاستعداد والتعايش واتقاء شرور هذا الضلوع كثيرة”.
ومع قدراته الهائلة، فإن هناك بعض السلبيات التي تتسبب في كوارث وأزمات منها قدرته الفائقة على "التزييف العميق" فهو قادر على أنتاج محتوى يصعب التشكيل فيه، ويصعب التفريق بينه وبين المحتوى الحقيقي. ومن سلبياته وقوعه في ما يعرف بـ"التحيز الاستقرائي".
وشرح كتاب "فخ الحضارة" كيف يقع AI في التحيز الاستقرائي؟ بأنه لو قضية معينة لها مصادر مكونة من كتب ومقالات ومنشورات وتعليقات القراءـ فربما يميل إلى المقالات بدرجة أكثر من الكتب، إما بتأثير من عمليات الفهم وسهولة اللغة، أو بتأثير الكم والتكرار، وربما يتحيز إلى بعض المصادر والمواد التي فيها مشاكل أو تحمل قدرا من الأخطاء والتناقضات أو الكذب أو التزييف.
ضاربا المثل بطلب مساعدة حول طريقة علاج مرض معين، فإذا كانت المعلومات الدقيقة حول مرض معين أو ظاهرة ما مكتوبة بلغة لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فهمها بسهولة على نحو ما يفهم المرويات الشعبية الخرافية فإنه سيميل إلى استقراء واستقصاء معلوماته من المصدر الأسهل، أي أنه سيقدم لك نتائج كارثية. بما يعني أنه يميل إلى فهم اللغة العادية التي تخلو من المجازات أو الصور البلاغية والاستعارات.
وهكذا فإن الذكاء الاصطناعي سيفكر في كل ما هو متاح له من معطيات، سيفكر بالمقدمات الي نمنحها له، وهكذا يمكن أنه سيضاعف من معارف وعلوم الأمم المتقدمة بقدر ما يضاعف التخلف والضعف العلمي والمعرفي والثقافي لدى الأمم المتأخرة، وكلها أمور راجعة لدرجة كل أمة في دراسة وفهم لغتها.

مقالات مشابهة

  • وزير التربية والتعليم يبحث دمج الذكاء الاصطناعي في المنظومة التعليمية
  • عبد اللطيف يبحث سبل دمج مهارات الذكاء الاصطناعي في المنظومة التعليمية
  • بهذا السعر.. الكشف عن أول حذاء مصمم بالذكاء الاصطناعي
  • وكلاء الذكاء الاصطناعي - مستقبل التعلم
  • حسام زكي: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تسوية النزاعات
  • كيف تتأثر الأديان بقدرات الذكاء الاصطناعي الفائقة؟
  • «ديب سيك» دليل على أنّ الغرب يخسر سباق الذكاء الاصطناعي
  • بريطانيا تحذر من ديب سيك: لوضع معايير تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن
  • اتفاقية بين "عمان داتا بارك" و"تواصل" لتوفير حلول الأمن السيبراني المعززة بالذكاء الاصطناعي
  • ديالى تستعين بالذكاء الاصطناعي لـتعزيز الأمن