تاج السر عثمان بابو  لا زال الجدل محتدما حول طبيعة ما جري في 19 يوليو 1971 ، حيث يري البعض أن الحزب لم يتجز تقويما له يوضح طبيعته انقلاب أم ثورة ؟ ، ولم يخضعوه لتحليل طبقي، لكن حقيقة الأمر أن الحزب الشيوعي أصدر تقويما لما حدث في 19 يوليو 1971 ، وبمناسبة الذكري 51 لانقلاب 19 يوليو، نعيد نشر هذا المقال: الوضوح النظري والسياسي لما حدث في 19 يوليو 1971 ثورة ، انتفاضة ، حركة، أم انقلاب؟ أصدرت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وثيقة بعنوان ” 19 يوليو 1971 ” بتاريخ يناير 1996 ، شملت تقويما لما حدث في 19 يوليو 1971، جاء ذلك تنفيذا لقرار اللجنة المركزية في دوراتها الأولي بعد انتفاضة أبريل 1985 باعتبار ذلك كان ضمن الواجبات ذات الأسبقية قبل انعقاد المؤتمر الخامس .

أذكر أن السكرتارية أنجزت التقويم في صورته النهائية في اجتماع لها بتاريخ 5 /3/ 1989 ، وهي الصيغة التي نشر بها التقويم ، وفي آخر دورة موسعة للجنة المركزية بتاريخ 13 / 4/ 1989 ، أحاطت السكرتارية الدورة علما أنها أنجزت تقويم 19 يوليو ، وتبقي أن تنجز كل لجنة من اللجنتين اللتين تم تكوينهما لتقويم العملية العسكرية ، والأخرى لتقصي الحقائق حول أحداث قصر الضيافة، التي تضيف إضاءة للتقويم ، لكنها لا تمس جوهره. كان من المفترض مناقشة التقويم في اجتماع للجنة المركزية ، لكن انقلاب يونيو 1989 قطع ذلك، ودخل الحزب في ظروف السرية المطلقة حيث تعذر عقد اجتماع للجنة المركزية ، واستقر الرأي ، بعد التشاور مع أعضاء اللجنة المركزية المتواجدين ، علي أن يصدر التقويم كما أعدته السكرتارية ، وتنظيم مناقشة له في فروع الحزب ومع الديمقراطيين وأصدقاء الحزب وارساله لكل الأحزاب والمنظمات والصحف التي تضامنت مع الحزب في أيام الردة الكالحة، مع أخذ ملاحظاتها. وتزامن نزول التقويم مع المناقشة العامة التي فتحها الحزب حول متغيرات العصر، ووجد التقويم حظه في المناقشة العامة ، وتم تلخيص المناقشات في الكتاب الثاني (ب) من كتب التلخيص الختامي للمناقشة العامة ، تحت عنوان ” المحور الثالث : استعراض عام موجز للمساهمات حول انقلاب 19 يوليو 1971″. كانت عبارة عن تلخيص 24 مساهمة وردت في مجلة الشيوعي ، وقضايا سودانية التي كانت تصدر في الخارج، ومن أفراد في الداخل والخارج”. إضافة لمتابعة السكرتارية بالأسلوب الملائم تنفيذ المهمة التي لم تنفذها لجنتا الجانب العسكري والتقصي حول أحداث قصر الضيافة. جاءت وثيقة التقويم بعنوان ” 19 يوليو 1971″ في 79 صفحة ، تناولت 9 أجزاء تفاصيلها كالآتي : – 1- المقدمة ، 2- الوضوح النظري والسياسي حول ثورة ، انتفاضة ، حركة ، انقلاب ، 3- انقلاب نوفمبر 1970 ، 4 – هروب عبد الخالق من المعتقل ، 5- موقف العسكريين وتقديراتهم ، 6- مسلسل الأحداث بعد هروب عبد الخالق ، 7- رأي المكتب السياسي ، 8- بعد وقوع الانقلاب ، 9- التجربة والدروس. جاء في التقويم تحت عنوان : الوضوح النظري والسياسي حول ثورة ، انتفاضة، حركة انقلاب ما يلي: ” 19 يوليو ليست ثورة وليست انتفاضة ، ولا نستخدم مصطلح ” حركة ” رغم شيوعه لأنه بلا مدلول سياسي اجتماعي فلا يعبر ولا يشرح. وليس صحيحا ولا دقيقا بالمعيار العلمي أن نسميها “انتفاضة ” ، لأن الانتفاضة ليست تحركا عسكريا أو انفجارا جماهيريا عابرا ، ولا هي محصورة في دور ونشاط الطلائع – إنها برغم تعدد الأشكال تتسم بعمق واتساع طابعها الشعبي والعسكري وبالنهوض المتصاعد في حركة الجماهير واستعدادها للمقاومة في لحظة الانعطاف الحاسم من تطور الانتفاضة ، وغير ذلك من شروط ونجاح الانتفاضة أو العصيان المعلومة لكل ماركسي في حالة الانتصار والهزيمة. 19 يوليو انقلاب عسكري نظمته وبادرت بتنفيذه مجموعة وطنية ديمقراطية ذات وزن وتاريخ من الضباط والصف والجنود الذين ارتبطوا بالحركة الثورية وتأثروا بها وشاركوا في نشاطها بقناعة ووعي قبل دخولهم صفوف الجيش ، وواصلوا ارتباطهم بها طيلة فترة حياتهم العسكرية – بينهم أعضاء في الحزب الشيوعي ، وبينهم ماركسيون دون التزام حزبي ، وأغلبهم وطنيون ديمقراطيون. هذا لا يتناقض أو يراجع تأييدنا ومساندتنا لانقلاب 19 يوليو 1971 ، ونظل ندافع عن مآثره وشعاراته وأهدافه الثورية في وجه مفكري البورجوازية الصغيرة والرجعية وأعداء الثورة السودانية ، ففشل الانقلاب لا ينسخ جوهره الثوري . جاء في دورة نوفمبر 1971 في سياق الحديث عن مغزي 19 يوليو أنها خرجت عن الإطار التقليدي للانقلاب العسكري حين حددت أن سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية هي أساس الحكم في كل المستويات في البلاد ، وأن تنظيم الضباط الأحرار واحد من تنظيمات الجبهة الوطنية الديمقراطية ، وحين ألغت القوانين المقيدة للحريات ، وصفت أجهزة الإرهاب والتجسس ، وأعلنت راية حكم القانون ، واستقلال القضاء ، وحددت معالم الممارسة الديمقراطية كحقوق سياسية وكنظام للحكم . إن هزيمة الانقلاب لا تنسخ ضرورة تقويم الأسباب التي أدت إلي هزيمته والخسائر التي لحقت بالحركة الثورية ، واستخلاص دروس التجربة لمصلحة تطور الثورة الوطنية الديمقراطية ، لمصلحة توحيد قواها الاجتماعية المتحالفة في جبهة وطنية ديمقراطية ، ومن بينها الوطنيون والديمقراطيون من الجنود والصف والضباط في الجيش وبقية القوات النظامية. فالانقلاب العسكري كوسيلة وأداة لإحداث تغيير في قمة السلطة يظل انقلابا ، سواء أن اطلق عليه قادته ومؤيدوه ” ثورة بيضاء” أو حركة مباركة ، وسواء أسهم في ضرب الحركة الشعبية أو فتح الطريق لتطورها واتساعها أو عمل علي تجميدها. تقييمنا لأي انقلاب عسكري لا ينحصر في الشعارات والأهداف المألوفة التي يعلنها البيان رقم واحد ، بل يتعداها إلي الظروف السياسية التي وقع فيها الانقلاب والمصالح الطبقية التي يخدمها والتكوين الطبقي والفكري لقادته”. تواصل الوثيقة وتقول ” في أدبيات حزبنا منذ الخمسينيات ما يستجلي القضايا النظرية والسياسية حول الفا رق بين دور القوي الوطنية الديمقراطية داخل الجيش في دعم ومساندة وحماية ظهر الحركة الجماهيرية في مسار تطور الثورة الاجتماعية ، وبين الفكر الانقلابي بوصفه التكتيك الذي يخدم مصالح البورجوازية والبورجوازية الصغيرة في تطور ومنعطفات الثورة ، وفي أدبيات حزبنا أيضا السجل الكامل للصراع الفكري داخل ووسط الحركة الجماهيرية وبين الفكر الشيوعي وفكر البورجوازية الصغيرة الديمقراطية حول الدور الحاسم للحركة الجماهيرية مهما كان وزن العسكريين وثوريتهم ، وحول توازن القوي في لحظة سياسية بعينها ، وحول استقلال حركة الجماهير والحزب الشيوعي والطبقة العاملة ، وحول الديمقراطية كحقوق أساسية وحريات ديمقراطية وعلاقات إنتاج في ظل أي حكومة وطنية ديمقراطية”. إذن كما جاء في الوثيقة ” الوضوح النظري والسياسي لا بد منه ، لتصحيح وتدقيق ما نستخدمه من المصطلحات ومدلولها السياسي ، كمدخل للتقييم العلمي الصارم والناقد لتجارب الحركة الثورية ومواقف حزبنا”. خلاصة ما توصل اليه تقويم الحزب لما حدث في 19 يوليو 1971 ، أنه انقلاب عسكري وليس ثورة أو انتفاضة أوحركة. عليه ليس صحيحا ما أورده البعض أن الحزب لم يصدر تقويما ل 19 يوليو 1971 ، ولم يحدد الوضوح النظري والسياسي لما حدث في 19 يوليو 1971 ، الذي وصفه بأنه انقلاب عسكري كما ورد أعلاه. كما وصفه المؤتمر الخامس بأنه انقلاب ، وخلص التقرير السياسي المجاز في المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي (ص 58- 59)، إلي ضرورة ” تشكيل لجنة لتوثيق وقائع الانقلاب بكل تفاصيلها، بما في ذلك ما حدث في بيت الضيافة، وتفاصيل الردة الدموية ضده وضد القوي الديمقراطية، وأن يشمل التوثيق مظاهر التضامن معه ومشاركة الدول الاستعمارية والرجعية مع السلطة المايوية في جرائمها، وان يستكمل الحزب تقييم الانقلاب ويستخلص تجاربه ودروسه، إضافة إلي تقدير دوافع وأهداف انقلاب 19 يوليو وبطولة وجسارة الذين قاموا به، من استشهد منهم ومن بقي منهم علي قيد الحياة، والاشادة كذلك بمآثر النساء والرجال الذين حموا الحزب وكادره أيام الردة الكالحة “. (ص 58-59 ). كما أكد برنامج الحزب الشيوعي المجاز في المؤتمر الخامس (ص 90 من كتاب وثائق المؤتمر يناير 2009م) ” أن انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية والانتقال إلي الاشتراكية لا يتم الا عبر الديمقراطية متمثلة في الحقوق السياسية للجماهير وديمقراطية النظام السياسي” ، كما أكد البرنامج رفض نظام الحزب الواحد والنهج الانقلابي للوصول إلي السلطة، وتلك كانت من أهم دروس انقلاب 19 يوليو 1971م. جاء في دستور الحزب المجاز في المؤتمر السادس : “ يرفض الإرهاب ويتصدى له كفكر وممارسة وكذلك الوسائل الانقلابية المدنية والعسكرية ويعمل علي ترسيخ مبدأ التداول الديمقراطي للسلطة والاحترام المتبادل بين الأحزاب والقوي السياسية المختلفة ويرفض التعاون مع القوي التي لا تقر الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وحريته في اختيار الطريق الذي يرتضيه.”. مراجع وهوامش : 1- وثيقة ” 19 يوليو 1971 ، إصدار سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، يناير 1996 . 2- قضايا سودانية ، العدد (11) ، يوليو 1996، تم في العدد نشر الجزئيين من وثيقة 19 يوليو 1971 الخاصين بالوضوح النظري والسياسي حول ثورة – انتفاضة- حركة انقلاب، والتجربة والدروس 3- التلخيص الختامي للمناقشة العامة ، الكتاب الثاني (ب) ، يونيو 2006 ، احتوى علي تلخيص المساهمات حول انقلاب 19 يوليو 1971 ، ومن ضمن المساهمات التي تمّ تلخيصها تقصى حول أحداث قصر الضيافة. 4- التقرير السياسي المجاز في المؤتمر الخامس ، يناير 2009 . 5- برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني المجاز في المؤتمر الخامس، يناير 2009. ( ضمن كتاب وثائق المؤتمر الخامس الذي احتوى علي التقرير السياسي والبرنامج والدستور). 6- دستور الحزب الشيوعي السوداني المجاز في المؤتمر السادس ، يوليو 2016 . الوسومتاج السر عثمان بابو

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الوطنیة الدیمقراطیة الشیوعی السودانی اللجنة المرکزیة الحزب الشیوعی انقلاب عسکری جاء فی

إقرأ أيضاً:

"تشريعية النواب" ترفض مقترح حزب النور بتعديل التقويم الميلادي في قانون الإجراءات الجنائية

رفضت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، خلال اجتماعها لاستكمال مناقشة قانون الإجراءات الجنائية الجديد مقترح حزب النور بتحديد التقويم الهجري بدلا من الميلادي في حساب المدد في قانون الإجراءات الجنائية.

 

جاء ذلك بناء على ما تقدم النائب أحمد حمدي خطاب، عضو اللجنة التشريعية عن حزب النور، بمقترح بتعديل التقويم الميلادي الذي تحسب على أساسه المدد المبينة في قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الأمر الذي لاقى رفضا من أغلب نواب اللجنة لان ذلك سيعمل اضطراب في نظام عمل المحاكم مما قد يضر بمصلحة المتهم، ورفضت اللجنة المقترح.

 

وكانت قد انتهت اللجنة على مدار اجتماعاتها السابقة من مناقشة ٥٠٢ مادة من أصل ٥٤٠ مادة وفقًا للنسخة المعدة من اللجنة الفرعية بمجلس النواب المكلفة بإعداد وصياغة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.

 

ومن المقرر أن تفصل اللجنة في اجتماع اليوم في المواد المرجأة من مشروع القانون وأبرزها بدائل الحبس الاحتياطي خاصة المراقبة الإلكترونية حيث سيتم استعراض رؤية الحكومة ومجلس القضاء الأعلى بشأن تنظيمها.

 

وكان قد كلف المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بعقد اجتماعات لمناقشة مشروع القانون الإجراءات الجنائية الجديد والانتهاء منه خلال الإجازة البرلمانية، استعدادًا لمناقشته بالجلسات العامة للمجلس بداية دور الانعقاد القادم الذي سيبدأ في أول أكتوبر ٢٠٢٤.

 

 

مقالات مشابهة

  • ذكرى مئوية فؤاد المهندس..أبرز الافلام التي قدمها في مسيرته
  • الحزب الشيوعي السوداني ينعى أحد قادته المخضرمين
  • الحزب الشيوعي السوداني ينعى أحد أعضائه التاريخيين
  • عن الديمقراطية الإمبريالية..!
  • أمين منطقة الرياض يستقبل أمين الحزب الشيوعي في مدينة قوانغجو الصينية
  • الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف؟
  • التقدمي يستنكر جريمة القتل التي شهدتها منطقة الشويفات
  • "تشريعية النواب" ترفض مقترح حزب النور بتعديل التقويم الميلادي في قانون الإجراءات الجنائية
  • تشريعية النواب ترفض مقترح حزب النور باستخدام التقويم الهجري في قانون الإجراءات الجنائية
  • رفض مقترح «حزب النور» باعتماد التقويم الهجري لحساب المدد في الإجراءات الجنائية