إنها الغنيمة الثمينة لكفاح هاييتي الصعب والطويل من أجل الحرية، وهي الغنيمة التي تم الاستيلاء عليها في معركة مع القوى الأوروبية، ثم تم إقامتها على قمة النصب التذكاري الذي يلقى أكبر تقدير في البلاد والمسمى "قلعة هنري"، وذلك بغرض كفالة الحماية من قوات الاحتلال الفرنسي.

وذكرت صحيفة ميامي هيرالد أن الكنوز الوطنية المتمثلة في مدافع يرجع تاريخها إلى القرن الـ18، لا تقدر بثمن وتوجد بمختلف الأوزان والأحجام، وتحيط المدافع ذات الحجم الكبير المصبوبة من الحديد، بالقلعة الكائنة على قمة الجبل، في بلدة ميلوت الريفية على مشارف مدينة كاب هايتيان الشمالية، أما المدافع الأصغر حجما والمصبوبة من البرونز مع علامات معقدة تشير إلى أصولها، فقد تم وضعها في أمان خلف أبواب مغلقة، في متحف يفتح أبوابه فقط لكبار المسؤولين والدبلوماسيين وغيرهم من الشخصيات المهمة.

ومثلما حدث مع جواهر التاج الأيرلندي، التي فقدت من قلعة دبلن عام 1907 ولم تظهر مرة أخرى، اختفى الآن اثنان من المدافع الأصغر حجما، دون أن يتركا أي أثر، من داخل قاعة العرض بالمتحف المحكم إغلاقه بقلعة هنري.

ومن الغريب أنه تم رصد حادث السرقة لأول مرة منذ أكثر من أسبوعين، حيث لاحظ أحد الحراس في النصب التذكاري اختفاء المدفعين الثمينين، ولكن لم يتم الإعلان عن السرقة إلا مؤخرا بعد أن بدأ المواطنون يتبادلون النقاش حولها على منصات التواصل الاجتماعي، وحتى وقت قريب لم يكن هناك بلاغ رسمي عن الحادث، لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، التي تنظر إلى المدافع الأثرية على أنها جزء من السبب في إدراجها للقلعة والعديد من المعالم التاريخية الأخرى، الواقعة داخل متنزه التاريخ الوطني في بلدة ميلوت، في قائمة التراث الثقافي العالمي

منظر عام لبلدية كاب هايتيان في هاييتي (شترستوك)

وتقول المصادر إن هذا البلاغ من جانب سلطات هاييتي، ضروري لليونسكو لإصدار إخطار للشرطة الدولية "الإنتربول"، على أمل تعقب المدفعين اللذين يخشى أحد دعاة الحفاظ على التراث أن "يكونا في منتصف الطريق حول العالم الآن".

وأرجع باتريك دورانديس المدير الحالي لمعهد حماية التراث الوطني، السبب في تأخير إبلاغ اليونسكو بالسرقة إلى تردي الأوضاع الأمنية الحالية في هاييتي، هذه الدولة التي مزقها عنف عصابات الجريمة.

وقال دورانديس إن احتمال أن يكون المدفعان لا يزالان على أراضي هاييتي، يتوقف على ما إذا كانت السرقة بغرض الحصول على المال من بيع معدنهما الثمين، أو بهدف بيعهما كعمل فني يهم هواة اقتناء القطع الأثرية، وفي هذه الحالة الأخيرة يمكن أن يكون قد تم تهريبهما إلى الخارج.

بينما يقول نيت أخيل مدير معهد المنطقة الشمالية في هاييتي، المسؤول عن حماية القلعة إن السرقة هي عمل داخلي.

ويضيف أخيل أن "أحد الموظفين على الأقل تواطأ لتسهيل السرقة، أو نفذها بمفرده لأنه من المتعذر أن يخرج المدافع من مكانها أشخاص من الخارج، ثانيا تقع المدافع في منطقة من القلعة مغلقة أمام الجمهور، وآخر زيارة شهدتها المنطقة كانت منذ 3 سنوات، ولم يدخل أحد فيها باستثناء الموظفين العاملين بالقلعة، الذين يتوجهون إليها للقيام بأعمال النظافة أو الحراسة".

ويوضح أخيل أن هناك ما يربو على 10 أشخاص يعملون حاليا في القلعة، وتم سجنهم في إطار التحقيق الجاري.

ويشير إلى أن "من نفذ هذه العملية هو موظف غير أمين".

سرقة التراث

وتعرب دومينيك دوبوي مندوبة هاييتي لدى اليونسكو عن قلقها إزاء حادث سرقة المدفعين، وتقول إنه إذا لم تتم استعادتهما فإن اختفاءهما، يمكن أن يشكل "تهديدا لوضع القلعة، ولتصنيف المتنزه الوطني كموقع للتراث العالمي".

وتشير إلى أن المدافع هي جزء من تاريخ هاييتي، ومن رموز كفاحها من أجل الحرية.

وتقول إن "هذه السرقة تمثل رمزية هائلة الأبعاد، إنها تضارع نقض تأسيس أمة هاييتي، وما تقوله هذه السرقة هو إنه إذا استطعنا الوصول إلى نقطة نسمح فيها ببيع جوائز ثورتنا على هيئة قطع فنية، فستكون هذه هي بداية النهاية لكل شيء نمثله كأمة على المستوى الرمزي".

تعد مجموعة المدافع في القلعة من بين الأكبر في العالم، وتم الحصول عليها من الإنجليز والإسبان والفرنسيين، بعد أن تمرد العبيد في الجزيرة التي كانت تعرف باسم سان دومينيجو، وأطلقوا ثورة هاييتي عام 1791.

ويرى دانيال إيلي الرئيس السابق لمعهد حماية التراث الوطني أن اختفاء المدفعين هو أحدث اعتداء على التاريخ الثقافي لهاييتي.

وقبل 4 سنوات التهمت النيران جزئيا كنيسة السيدة العذراء التاريخية، والتي بنيت عام 1809 وتقع في متنزه التاريخ الوطني بمتنزه ميلوت، جنبا إلى جنب مع أنقاض قصر سان سوسي وهو المقر الملكي الرئيسي لملك هايتي هنري الأول، وموقع راميرز الحصين.

وفي وقت سابق من العام الحالي، ووسط عنف العصابات المميت في العاصمة بورت أوبرنس، قامت الجماعات المسلحة بنهب المكتبة الوطنية، في محاولتها للإطاحة بالحكومة، وتم الهجوم على مجموعة المكتبة من الكتب والمخطوطات النادرة، التي توثق 200 عام من تاريخ هاييتي بعد سلسلة من الاعتداءات ضد مؤسسات أخرى، بما في ذلك أقدم مدرسة لتدريب المعلمين في هاييتي، وهي مدرسة المعلمين العليا، والمدرسة الوطنية للفنون.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی هاییتی

إقرأ أيضاً:

بدعم من الاحتلال.. عصابات تسطو على المساعدات في غزة

غزة- في مناطق قريبة من السياج الأمني الإسرائيلي شرق قطاع غزة، ومتاخمة لأماكن توغل قوات الاحتلال، تتحصن عصابات من اللصوص تقطع طريق المساعدات الإنسانية وتستولي عليها، وتساهم في نشر مجاعة يعاني منها جنوب القطاع، حيث تتركز الكثافة السكانية الأكبر، فضلا عن شماله المحاصر.

وتتركز أخطر هذه العصابات في شرق مدينة رفح التي يجتاحها الاحتلال بالكامل في عملية عسكرية كبرى ومستمرة للشهر السابع على التوالي، وأكدت مصادر محلية للجزيرة نت أنها مكونة من عشرات المسلحين، وتتحصن في منطقة خطيرة للغاية قريبة لمناطق عمليات جيش الاحتلال.

ووصلت تقديرات بعض المصادر، التي تحدثت للجزيرة نت، إلى أن عدد أفراد العصابات يبلغ حوالي 200 مسلح أقاموا ما يشبه "ثكنة عسكرية" على بعد نحو كيلو متر واحد من معبر كرم أبو سالم التجاري الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، والمنفذ الرئيسي لدخول شاحنات المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية.

قصة العصابات

وذاع صيت هذه العصابة الخطيرة في مناطق جنوب القطاع، ويتفق الغزيون على أنها والاحتلال "وجهان لعملة واحدة"، ويتشاركان في "زيادة معاناتهم وعذاباتهم".

برزت مظاهر السطو على المساعدات في الشهور الأولى للحرب عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكانت تأخذ "الطابع الشعبي والعشوائي" أكثر منه "جريمة منظمة"، حيث يهاجم فتية وشبان الشاحنات للحصول على بعض المساعدات للأكل أو لبيعها، ولكن لم يكن لهذه السرقات أثر خطير على حياة الغزيين كما هو الواقع حاليا.

بعد اجتياح مدينة رفح واحتلال معبر رفح البري مع مصر وفرض الاحتلال قيودا مشددة على دخول المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، تأثر نحو مليون و800 ألف نسمة من السكان والنازحين في جنوب القطاع بسبب شح السلع وارتفاع هائل في الأسعار.

وتعمّقت هذه الأزمة مع ظهور عصابات تنتهج "الجريمة المنظمة"، ساهم الاحتلال في تشكّلها وانتشارها عبر استهداف فرق تأمين تكونت من عناصر أمنية وعشائرية لحماية المساعدات، وأحدثت فراغا سمح لها بالتمدد وممارسة جرائمها من دون خوف.

ويقول المكتب الإعلامي الحكومي في غزة (هيئة رسمية) إن هذه العصابات تسببت في استشهاد أعداد كبيرة من عناصر الشرطة وفرق التأمين التي تخاطر بحياتها لحماية شاحنات المساعدات.

وأفاد مصدر موثوق، الجزيرة نت، بأن هيئات دولية تعاقدت مع فرق تأمين محلية مؤلفة من أفراد عائلات وعشائر فلسطينية، وتمنحها نسبة من المساعدات مقابل تأمين بقية الشاحنات وإيصالها للمخازن، كما يدفع تجار مبالغ باهظة لهذه الفرق ولشركات حراسة خاصة لتأمين الشاحنات الشحيحة التي يسمح الاحتلال بدخولها القطاع.

وتتهم حماس وأوساط أمنية وفصائلية وشعبية في غزة هذه العصابات بالارتباط والتخابر مع الاحتلال، لمصلحتهما المشتركة بالسرقة وخلق الفوضى وزعزعة أمن واستقرار الجبهة الداخلية.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يواجه وصول المساعدات الإنسانية في هذه الفترة عراقيل كبيرة، وهناك حاجة ماسة إلى فتح ممرات آمنة ومستدامة، وأكد أن "المعابر المحدودة وغير الموثوقة تعيق عمليات الإغاثة وتجعلها غير فاعلة.

• أكثر من 20 قتيلا من عصابات لصوص شاحنات المساعدات في عملية امنية نفذتها الأجهزة الأمنية بالتعاون مع لجان عشائرية.

• لعملية الأمنية اليوم لن تكون الأخيرة، وهي بداية عمل أمني موسع تم التخطيط له مطولا وسيتوسع ليشمل كل من تورط في سرقة شاحنات المساعدات.

• الأجهزة الأمنية… pic.twitter.com/xENL2bFlRZ

— الحـكـيم (@Hakeam_ps) November 18, 2024

جماعات مُنظمة

من جانبه، قال الباحث في الشؤون الفلسطينية ثابت العمور، للجزيرة نت، إن جماعات السطو منظمة ومدعومة بشكل أو بآخر، وهناك من يشتري منها ما تقوم بسرقته.

ووفق معلومات حصلت عليها الجزيرة نت من مصادر عدة ومتطابقة، فإن عصابات اللصوص تتواصل مع تجار وتبيعهم المساعدات التي تظهر في الأسواق مطبوعة عليها أعلام دول مختلفة مع عبارات واضحة أنها منحة للشعب الفلسطيني وليست مخصصة للبيع، ويتم بيعها بأسعار لا تناسب غالبية الغزيين.

ويرى العمور أن أي مجتمع يتعرض لحرب تظهر فيه حالات الفوضى الأمنية وتنتشر السرقة، وقد تعمد الاحتلال ذلك مبكرا باستهداف الأجهزة الأمنية ومقارها لتعزيز حالة الفوضى.

وبدأت قوى الأمن تساندها لجان عشائرية حملة قوية ضد لصوص المساعدات، أسفرت في أول عملياتها عن مقتل وجرح العشرات من عناصر العصابة الأخطر والأكبر في شرق رفح. وقالت مصادر مطلعة، للجزيرة نت، إن تجارا تلقوا تحذيرات بإيقاف التعامل مع هذه العصابات.

والاثنين الماضي، نقلت قناة الأقصى التابعة لحماس عن وزارة الداخلية بغزة أن هذه العملية الأمنية "لن تكون الأخيرة، وهي بداية عمل أمني موسع تم التخطيط له مطولا، وسيتوسع ليشمل كل من تورط في سرقة شاحنات المساعدات".

وقال أبو أحمد، ضابط أمن متقاعد برتبة عقيد فضّل عدم ذكر اسمه، للجزيرة نت، إن الأجهزة الأمنية في غزة ورغم كل الضربات التي تعرضت لها لا تزال قادرة على ضبط الحالة الأمنية، ولن تترك المجتمع فريسة لمجموعات من المجرمين وعصابات اللصوص للعبث به.

وأضاف أن حالة الغضب العارمة في أوساط الناس جراء المجاعة وارتفاع الأسعار كانت دافعا للأجهزة الأمنية -بمساندة العشائر- للمخاطرة وشن هذه العملية، ويرجح أن عمليات أخرى ستنفذ ضد اللصوص لضمان وصول المساعدات لمستحقيها.

إشادة

وحرصت الداخلية على توضيح أن "الحملة الأمنية لا تستهدف عشائر بعينها وإنما تهدف للقضاء على ظاهرة سرقة الشاحنات، التي أثرت بشكل كبير على المجتمع، وتسببت في بوادر مجاعة جنوب القطاع، وأنها تفخر بالعشائر الفلسطينية شرق رفح، وأن انجرار بعض أفرادها لمخططات السرقة لن يسيء لتاريخ هذه العائلات التي قدمت مئات الشهداء المقاومين.

وأوضحت الأجهزة الأمنية أنها رصدت اتصالات بين هذه العصابات والاحتلال لتوجيه مهامها وتوفير غطاء أمني لها من قبل ضباط جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك). وقالت إنها "أعلمت الفصائل الفلسطينية بمخططها وحظيت بمباركة وطنية واسعة".

وأشادت "القوى الوطنية والإسلامية" بالجهود الرادعة لوزارة الداخلية "بحق اللصوص المجرمين الذين يعبثون بأمن الجبهة الداخلية، ويسرقون أقوات المواطنين وخبزهم ودواءهم، ويكملون دور الاحتلال في محاصرة شعبنا، وتجويع أطفاله ونسائه وشيوخه".

ورحّب "التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية" بالحملة الأمنية، وقال "لقد سعى المحتل الغاصب إلى تدمير كل معالم سيادة القانون والمراكز الشرطية الخدماتية ليسود الفلتان المجتمعي وحالات السرقة والجرائم، بهدف جعل القطاع منطقة منكوبة غير صالحة للحياة الإنسانية والآدمية، تعمها الفوضى والمشاكل الاجتماعية، وتعمق مظاهر أخذ القانون باليد، وانتشار العصابات وقطّاع الطرق وارتفاع الأسعار".

من جانبه، علّق رئيس الهيئة العليا لعشائر غزة أبو سلمان المغني عبر منصات التواصل الاجتماعي: "هؤلاء اللصوص لا دين ولا وطن ولا عشيرة لهم، ونحن مع المقاومة بالمرصاد في مواجهتهم"، فيما قال رئيس الملتقى الوطني للعشائر والقبائل البدوية بغزة الشيخ سالم الصوفي إن "جميع عشائر وعوائل غزة رفعت الغطاء عن اللصوص والسارقين، وهم أداة رخيصة بيد الاحتلال".

وسبق هذه العملية في الأسابيع القليلة الماضية انتشار مقاطع مصورة على منصات التواصل تظهر مسلحين ملثمين يطلقون النار على من قالوا إنهم "لصوص"، يسطون على المساعدات ومنازل النازحين.

وتتابع الجزيرة نت -بشكل متكرر- وصول مصابين بطلقات نارية في أقدامهم، يقول أطباء في مستشفيات جنوب القطاع إنها نتيجة استهدافهم من قبل عناصر أمنية مسلحة لردعهم عن أعمال السطو والسرقة، ويتم تسجيلهم تحت بند "مرض طارئ" حفاظا على "سمعة عائلاتهم ولتمييزهم عن الجرحى بنيران الاحتلال".

مقالات مشابهة

  • «الصناعة» تُشكل لجنة لبحث تحديات هيئة الدواء.. خبراء: يعد القطاع أحد أهم الركائز التي تدعم منظومة الصحة والاقتصاد الوطني.. ونجاح المبادرة مرهون بقدرة اللجنة على تنفيذ التوصيات ووضع خطة عمل واضحة
  • كشف غموض جريمة حريق هايبر شملان في صنعاء.. تفاصيل مثيرة عن مصير المتهم
  • لصوص يسرقون قطعة فنية بملايين اليورو من متحف
  • مكناس..إطلاق الرصاص لتوقيف شخص حاول السرقة مستعينا بكلب خطير
  • معتزة صلاح عبد الصبور للقائمين على الوس الفني: انزلوا لملح الأرض هناك الكنوز الحقيقية
  • في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنود كينيا وغيرها إلى قوة أممية لحفظ السلام
  • هايتي.. عنف العصابات يقتل 150 شخصاً في أسبوع
  • بدعم من الاحتلال.. عصابات تسطو على المساعدات في غزة
  • ظواهر حيرت العالم.. أكثر 8 أسرار غموضًا في الكون
  • سيرجيو راموس يواصل تدريباته الليلية بإصرار رغم البرد والإرهاق .. فيديو