القصة التاريخية لسقوط البصرة بيد بريطانيا وتقويض حكم العثمانيين
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
السومرية نيوز – محليات
كانت العراق ولا تزالُ واحدة من البلدان ذات الأهمية الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط، فقد حرص البريطانيون في بداية القرن الـ20، والأمريكان في بداية القرن الـ21 على اقتحامها واحتلالها والتنكيل بالقوى السياسية الفاعلة فيها لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم التوسعية في المنطقة. قديما كانت العراق بالنسبة لبريطانيا بقعة مركزية لقربها من الهند درة التاج البريطاني، ولأنها أقرب المناطق الواصلة بين أوروبا من جهة وجنوب شرق آسيا من جهة أخرى، فضلا عن مركزيتها بين إيران ووسط آسيا من جانب، والعالم العربي في الخليج وبلاد الشام ومصر من جانب آخر، وهي أيضًا منطقة تقاطع للمصالح الروسية والغربية.
وحديثًا حرصت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب على إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مع تيقنها أنه بات يهدد المصالح الأميركية والإسرائيلية في الإقليم، وكان من اللافت أن مهمة السيطرة على البصرة واحتلالها عام 2003 قد أُسندت للقوات البريطانية، وذلك لسابق خبرتها في احتلال المدينة في الأيام الأولى من الحرب العالمية الأولى 1914.
العراق في الإستراتيجية البريطانية
قبل سقوط الدولة العثمانية عام 1923، بل وقبل نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914، كان البريطانيون يدرسون العراق من الناحية الجغرافية والديمغرافية، حيث أرسلوا بعثة عام 1834 لدراسة صلاحية أنهار العراق للملاحة، وأثبتت هذه البعثة صلاحية نهر دجلة لملاحة السفن التجارية والقوارب التي يبلغ غاطسها من متر إلى متر وربع ويكون عُمق مجرى النهر حوالي 5.75 أمتار، وعرض النهر من 200 إلى 300 متر.
وفي عام 1906 زمن السلطان عبد الحميد انبثقت فكرة احتلال مدينة البصرة في أقصى الجنوب العراقي، وذلك للضغط على الدولة العثمانية، ولكن مجلس الدفاع الإمبراطوري البريطاني رفض هذه الفكرة، ثم عادت حكومة الهند البريطانية بطرحها مرة أخرى عام 1912، ولما أخذ الوضع في أوروبا إلى التأزم الشامل، واشتعال الحرب العالمية الأولى كانت العراق من أول أقاليم الدولة العثمانية التي أصر البريطانيون على الهجوم عليها.
هدف البريطانيون من احتلال العراق إلى تقويض الدولة العثمانية وإسقاطها، ومنع سيطرة الألمان -حلفاء العثمانيين- عليها واحتمالية هجومهم على مصالحهم في المنطقة، ولكن اكتشاف النفط في منطقة عبادان -التي كانت تخضع لإمارة المحمرة قبل السيطرة الإيرانية عليها 1925- جعلت العراق في موقع إستراتيجي كبير، وكانت حماية تلك الحقول التي يسيطر عليها الإنجليزُ من جملة الأسباب التي تذرّعت بها بريطانيا عند احتلال البصرة.
فقد دعا الفريق الأول سير إدمون باور السكرتير العسكري لوزارة الهند البريطانية عشية الحرب العالمية الأولى إلى توجيه قوة عسكرية إلى المحمّرة وعبادان قائلا "حيث مراكز النفط والتجهيزات في عبادان وحقول النفط مُعرضة للتدمير المباشر، وإن المصالح البريطانية في بغداد والبصرة ستزول من الوجود، وإن شيخي المحمّرة والكويت ربما يُهاجمان.. وفي هذه الحالة سنُبدد في الهواء كل مكانتنا وكل جهودنا لسنين، وسيغدو موقفنا في الخليج نفسه متقلقلا".
الفاو وشط العرب في القبضة البريطانية
هذا التقدير العسكري شديد الخطورة على المصالح البريطانية في المنطقة، دفع الحكومة في لندن إلى إرسال قوة عسكرية إلى الخليج العربي في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، أُسندت قيادة القوات البريطانية إلى العميد دبليو ديلامين، وحُدد إطار عمل هذه القوة باحتلال عبادان وحماية مصالح النفط وخط الأنابيب وتغطية إنزال الإمدادات، و"الظهور للعرب بأننا نعتزم مساعدتهم ضد الأتراك" على حد وصف تقرير حكومة الهند البريطانية.
وبعد 3 أيام أعلنت الدولة العثمانية -التي كان يسيطر عليها ضباط جمعية "الاتحاد والترقي" والذين انقلبوا على السلطان عبد الحميد الثاني- انضمامها رسميًا إلى ألمانيا في حربها، ومن ثم تغيرت وجهة القوات البريطانية القادمة من الهند وتقرر أن يكون الإنزال البريطاني في البحرين بدلا من عبادان أو المحمرة.
وعُين السير برسي كوكس ضابطا سياسيا في الغزو البريطاني، وهو واحد من أكثر الضباط خبرة بالخليج والعراق، ومن ثم صدرت التعليمات إلى العميد ديلامين للتوجه نحو الفاو جنوب العراق بقواته، وزوّد بالمعلومات اللازمة للمنطقة من حيث الجغرافيا وتوزيع العشائر والقوات العثمانية وتمركزاتها.
انطلقت القوات البريطانية من البحرين وأتمت عملية الإنزال في شاطئ الفاو على شط العرب في ساعة متأخرة من يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1914م، ورُفع عليها العلم البريطاني بعد معركة سريعة اضطر الجنود العثمانيون عقبها إلى الانسحاب شمالا، وبهذا تمكنت بريطانيا من السيطرة على مدخل شط العرب. وحين علمت القوات العثمانية في البصرة باحتلال شط العرب وقرب مجيء البريطانيين للمدينة عملت على الاستعداد للمقاومة، لكن ووفقًا لكتاب "تاريخ العراق المعاصر" فإن حركة القوات العثمانية كانت "غير مدروسة بل مليئة بالأخطاء سواء في شكل التقدم أو في التعبئة والتموين، ولم تُقدم الاستخبارات العثمانية أي معلومات لقائد القوة عن الموقع البريطاني، ولم تكن لديه خريطة للمنطقة، فالقيادة العثمانية اعتمدت على الارتجالية دون التخطيط والحسابات العسكرية الدقيقة".
كان مجموع القوات البريطانية التي احتلت الفاو يُقدر بحوالي 4558 جنديًا، و173 ضابطًا و12 مدفعًا، أما القوات العثمانية الموجودة في البصرة يوم إعلان الحرب فكان لا يتجاوز أفرادها 3 آلاف مقاتل، وكانت الخطط العسكرية والإمدادات البريطانية مبنية على حسابات دقيقة، وتقديرات جيدة منذ بداية تحركها من الهند.
وعقب معركة الفاو السريعة والخاطفة، استطاع البريطانيون احتلال السيبة التي تقع على مسافة 45 كيلومترا شمال الفاو، وفي هذه الأثناء استطاعت بريطانيا أن تستميل أهم شيوخ المنطقة وأكثرهم نفوذًا وهو شيخ المحمرة خزعل الكعبي إلى جانبها من خلال الوعود والمغريات، حيث منحته 3000 بندقية ومليون طلقة، وأكدت له أن الغاية المتوخاة من دخول القوات البريطانية هي فتح شط العرب للتجارة الدولية بين بلاده والخارج، وأن هدف الحرب القضاء على النفوذ العثماني، وتحرير العرب.
في المقابل لم تقف القوات العثمانية مكتوفة الأيدي، ففي ليلة 10-11 نوفمبر/تشرين الثاني شنت وبدعم من المتطوعين من أبناء العشائر ممن وزعت عليهم البنادق هجوما على مواقع البريطانيين، الذين استطاعوا صد هذا الهجوم وعملوا هجوما معاكسا أدى لانسحاب العثمانيين شمالا.
وأدت هذه المعركة إلى مقتل القائد العثماني تحسين أفندي و37 جنديًا آخرين، فضلا عن وقوع 22 جريحا، وفي المقابل سقط 5 من الإنجليز صرعى مع ضابطين.
انسحبت القوات العثمانية لقرية تُسمّى سيحان والتي تقع على مسافة 7 كيلومترات شمال منطقة السيبة، وفي يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني وصلت 17 باخرة بريطانية محمّلة بالجنود بقيادة الجنرال آرثر باريت فأصبح العميد ديلامين تحت إمرته، وبهذا ارتفع عدد القوات البريطانية إلى ما يناهز الفرقة.
وحين استلم الجنرال باريت قيادة القوات البريطانية جاءته برقية من حكومة الهند فيها "ليكن هدفك البصرة، فإذا رأيتَ بعد تبادل الرأي مع ديلامين، وإذا كانت القوة التي لديك كافية فعليك بالتوجه إليها". أمام هذه التطورات وتقدّم القوات البريطانية نحو السيبة وسيحان، ومجيء مدد كبير إليهم، اقترح وكيل والي البصرة العقيد صبحي بك، وهو قائد عسكري أيضًا داخل المدينة على الشيخ خزعل الكعبي أن يسمحَ لقوة كبيرة من الجنود العثمانيين بالدخول إلى مناطق جزيرة دبا وأم الرصاص الخاضعة لنفوذه متنكرين، ثم يبدؤون بالهجوم على السفينة الحربية البريطانية سبيجل التي كانت راسية في نهر الكارون، ولكن الشيخ خزعل رفض هذا الاقتراح.
بل إنه أرسل إلى القوات البريطانية بما كان يخطط إليه العثمانيون وأماكن تموضعهم الحالية في سيحان، فأصدر الجنرال بارت أوامره إلى ديلامين بالهجوم على العثمانيين والعشائر العربية المتحالفة معهم، وبدأ الهجوم البريطاني على قرية سيحان في يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني من البر ومن النهر.
وبعد مقاومة استمرت يومين أو 3، اضطرت القوات العثمانية إلى الانسحاب من القرية، وسقط فيها 50 قتيلا من العثمانيين، و25 أسيرًا، بينما قتل من البريطانيين 60 عسكريا.
ومن اللافت أن قوات المتطوعين العرب الذين شاركوا القوات العثمانية في هذه المعارك كانوا من الشيعة والسُّنة، فقد اتحدوا مع العثمانيين في مواجهة الاحتلال البريطاني والدفاع عن أرضهم، حتى إن كبار المراجع الشيعية في آنذاك أصدروا بيانا جاء فيه "وجوب الدفاع عن بيضة الدين، ووجوب الجهاد إلى صف الدولة العثمانية"، كما يذكر أحمد باش أعيان في "موسوعة تاريخ البصرة".
معركة كوت الزين وسقوط البصرة
وبلغ مجموع العشائر العربية في مناطق البصرة التي وقفت بجوار الدولة العثمانية قرابة ثلث القوات المشاركة، وفي نفس يوم انسحاب العثمانيين من سيحان هاجم البريطانيون منطقة كوت الزين وهي ساحل البصرة ودارت معركة قوية بين الجانبين، أبلى العثمانيون وأبناء العشائر العربية دورًا كبيرًا في مقاومة البريطانيين، ولكن عدم التكافؤ العسكري والمادي والتخطيطي بين الجانبين جعل الكفة تميل ناحية البريطانيين من جديد.
وقد ذكر المراسل الحربي المرافق للقوات البريطانية إدموند كاندلر تفاصيل الدفاع المستميت للقوات العثمانية، قائلا "كانت معركة الساحل -ويقصد كوت الزين جنوب البصرة- تحمل في طياتها دلائل بارزة، لأن الأتراك كانوا في موقف قوي بعد أن اتحدوا في قُوة كبيرة تُقدر بـ5 آلاف رجل و12 مدفعا، لمواجهة قواتنا التي شنّت هجومًا بِلواءين وبطاريتي ميدان جَبليتين وسَريتين من سلاح الفرسان وسَريتي إزالة الألغام".
وتابع كاندلر "ولمواجهة الزخم الشديد للمعركة أصدر ديلامين أمرًا بالتصدي للعدو، بينما اشتبك اللواء الثامن عشر باستبسال مع قوات العدو، مما اضطر القائد إلى إطلاق النار على طول الجبهة من أجل تشتيت قوات العدو التي قاتلت ظهر اليوم، وإننا واجهنا صعوبة بسبب وعورة الأرض والإعاقات الكثيرة للعدو".
وبحسب الباحث جعفر عبد الدائم المنصور في دراسته "معارك ساحل البصرة في الحرب العالمية الأولى" فإن القوات العثمانية قاتلت قتال الأبطال في هذه المعركة بفعل الحماس الديني والدوافع الوطنية، "حتى وصف لنا أحد سكّان المنطقة أن والده شاهد بعض جثث القتلى من الجانب العثماني وقد كانت أرجلهم مثنية ومربوطة بحبل، وذلك لكي يمنع نفسه من الهرب والتراجع في حال اشتد القتال، وقد آلَ على نفسه إما النصر وإما الشهادة".
بلغ عدد الشهداء من الأتراك والعرب في هذه المعركة المئات، حيث فقدت العشائر العربية نحو 220 شهيدًا وقيل أكثر من ذلك، وفقدت القوات العثمانية 150 شهيدًا، ونحو 400 جريح، بينما فقد البريطانيون 54 قتيلا و435 جريحًا، أما عدد الأسرى من الأتراك والعرب فلم يُعرف على وجه الدقة حيث اقتادهم البريطانيون إلى الهند.
بعد معركة كوت الزين أصبح الطريق إلى البصرة مفتوحًا أمام البريطانيين عقب انسحاب القوات العثمانية المتبقية نحو القرنة شمالا، وبالفعل دخل البريطانيون البصرة بعد 4 معارك منها معركتان كبيرتان في سيحان وكوت الزين، ورُفع العلم البريطاني على سطح أحد المباني يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1914م.
وأصر البريطانيون على احتلال القرنة لأهميتها الإستراتيجية فعندها يلتقي دجلة والفرات، وحولها مناطق زراعية شديدة الخصوبة، وأصبح جنوب العراق كله في قبضة البريطانيين.
وكشفت هذه الانتصارات البريطانية السريعة عن الخلل الكبير الذي أصاب القوات العثمانية أثناء هذه المعارك، حيث استطاع البريطانيون احتلال البصرة في غضون أسبوعين فقط، وبعد 4 معارك خاطفة، في المقابل ركز العثمانيون اهتمامهم على الجبهات الأوروبية والروسية وغيرها، وكان ضعف وجودهم في العراق عاملا مغريا لنزول الإنجليز وسهولة احتلالهم هذه المنطقة.
كما أن عدم تعاون شيخ المحمرة وتحالفه مع البريطانيين أدى إلى إعاقة عمل المقاومة العثمانية والعربية في المنطقة، ولا شك أن البريطانيين عملوا منذ وقت مبكر على توثيق عرى الصداقة معه وإغرائه بالمال والسلاح، ولكن بريطانيا نفسها هي التي دعمت شاه إيران محمد رضا بهلوي وحرضته على القضاء على إمارة المحمرة واحتلالها في أبريل/نيسان 1925م، ووقع خزعل الكعبي في الأسر، وقُتل في قصر حاكم طهران 1936.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: الحرب العالمیة الأولى نوفمبر تشرین الثانی القوات البریطانیة القوات العثمانیة الدولة العثمانیة العشائر العربیة فی المنطقة شط العرب فی هذه
إقرأ أيضاً:
بعض المواقف التاريخية لبعض قادة السادة العركيين(3/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم :رائد مهندس محمد احمد ادريس جبارة
ganaboo@gmail.com
ارسل لى بعض الاصدقاء فديو لسكان قرية المجيقة معها التعليق التالى: (بينما يعيش الوطن حالة حرب ضروس وجودية يعيش البعض الاخر فى عالم اخر موازى ...فى الفديو التالى ناس المجيقة (منطقة بين القرشى والدويم ) خارجين للقنيص الارنب بقيادة الزعيم يوسف دفع الله حمدالنيل...فى الاول حسبتهم مبتهجين بانتصار الوطن وجيشه لكن تبين انهم عايشين فى عالم تانى !!!) (1)
دفعنا ذلك لتامل بعض مواقف قيادة السادة العركين فى وسط السودان وهى مواقف تميل الى السلام ورفض الحرب نعرض لبعضها ونحاول تحليلها .
موقفهم من ثورة الشكرية(1) ..
فى كتب التاريخ جاء تعريفها هكذا فى العقد الاخير من القرن الثامن عشر اى نحو 1778 م فى ذات زمن الثورة الفرنسية .
اورد هليلسون فى السودان فى مدونات 1921 صفحة 45 وما بعدها
(The Hamaj gathered their forces at Abu Haraz; they
were divided into three companies under three chiefs,
whose names were Khamis wad Abu Reda, "Ardeb and
Krenka. They waited at Abu Haraz until they heard from
their Rikabi allies that the Shukriya were encamped in
the wadi of al-Jarad, then they marched forth.
Now Hassan, the son of Abu 'Ali, had a wife who was
famous in those days on account of her beauty; her
name was 'Inébat al Moz and she was a daughter of Abu
'Ali's brother Gilbos. The Hamaj chiefs were so sure of victory, that they began to quarrel amongst themselves as to who should marry
Ineba, but at last the others resigned their claims in
favour of Krenka who summoned the fugara of the
'Arakiyin at Abu Haraz and demanded of them that they
should marry 'Ineba to him, and when they refused he
swore by the head of the king, that he would kill them
unless they complied ; so they performed the marriage
rites, although Ineba was with her lawful husband, and
Krenka swore that he would kill Hassan and take her by
force.The Hamaj marched in haste towards Mandara hoping)
وترجمة ذلك (تجمع وحشد الهمج قواتهم في أبو حراز. تم تقسيمهم إلى ثلاث جيوش تحت ثلاثة قادة رؤساء ، وكانت أسماؤهم خميس ود أبو ريدة وأردب وكرينكا. لقد انتظروا في أبو حراز حتى سمعوا من حلفائهم الركابيين أن الشكرية قد نزلوا في وادي اجزراد ، ثم ساروا ...اليهم. .
حسان نجل أبو علي ، كان له زوجة اشتهرت في تلك الأيام بحسنها و جمالها ؛ كان اسمها
عنيبة الموز وكانت ابنة شقيق أبو علي قلبوس. كان زعماء الهمج واثقين و متأكدين من
النصر ، حتى أ م بدأوا في الاختلاف و الشجار فيما بينهم حول من يجب أن يتزوج من
عنيبة الموز، لكن في النهاية تنازل الآخرون من مطالباتهم لصالح كرينكا الذي استدعى
فقير (فقيه) من العركيين في أبو حراز وطالبهم بما يلي: يجب أن يتم تزويجه من عنيبة ،
وعندما رفضوا أقسم برأس الملك ، إنه سيقتلهم ما لم يمتثلوا ؛ فقاموا بأداء طقوس
الزواج والعقد، رغم أن عنيبة كانت مع زوجها الشرعي ، وأقسم كرينكا أنه سيقتل
حسان ويأخذها بالقوة...وسارالهمج على عجل نحو المندرة..) . وبقية القصة يمكن مطلعتها فى كتابنا (أيام الشكرية فى الدولة السنارية) أو(مائة عام على منشورات هيليلسون عن الشكرية … ماهى اهم الاستدراكات عليه؟ (الحلقة السادسة وما بعدها)
فقد كانت اب حراز هى ارض تجمع وحشد وتعبئة الجيش وموقف فقهاء العركين كان قوى بالرفض اولا فهم قبيلة علم وتعليم وفقه.
الموقف الثانى كان هو محاولة الشيخ يوسف ابو شرا الاصلاح بين الشكرية والهمج فى موقعة المندرة حيث كان هو أحد الوسطاء الضامنين للصلح وان اهمل هليلسون ذكر ذلك فقد تجنبت منشورات هيليلسون ذكر الشيخ يوسف أبوشرا كضامن للصلح بين أب
علي وبادي ود رجب وهو ما تذكره روايات المهيدات .كما انه تذكر اعتراض
حفيد أبعلي أب سن على ذلك حتى تم طرده من مجلس الشورى المنعقد لبحث
سفر الوفد. فرواية المهيدات التى سمعتها من الشيخ بابكر الضو شولة تقول :( اعترض اب سن على ان الشيخ يوسف ليست لديه جنود وعساكر تمنعهم من غدر بادى ود رجب فيجب الا يذهب الوفد الا بضمانات قوية ...فتم طرده من مجلس الشورى ...حينما احاط عساكر بادى ود رجب بالوفد وغدروا بهم قال ودكسيبه النوايمى (تكل الجدرى ):( كلام اب سن صاح!!) هليلسون اشارة اشارة خفية لذلك: (
The Shukriya were deceived by these fair words, for the wazir well understood the mind of the Arabs and knew how attached they were to their homes. So, acting in the king's name, he agreed to all their demands concerning the districts where they were to dwell and graze their herds, and they were eager to meet the king in order to complete the agreement.
So they left the tribe at Shambat cl-Ku' which is by Hillaliya and Branko near Wad el-Fadi,) and accompanied the wazir to Sennar, where the king met them with pomp and ceremony and treated them as honoured guests. And during the days of entertainment the king sent them to visit all the notables of Sennar and the king's daughters in their houses. The wazir went with them and everywhere they were entertained most honourably. At last they came to the daughters of Ibrahim, and when these saw them and knew who they were, they rejoiced in their hearts, and wished long life to the king, because they knew that the hour of vengeance for their brothers had come. As they left the house the wazir remained behind so as to be the last to leave; but 'Ali wad al-Nur wad Gaddor tarried with him, for as he was the youngest of the party, it seemed right to him that he should be the last to enter and to leave. He therefore pretended to adjust his sandals, and he overheard the wazir's words to the daughters of Ibra him: the king bids you know that these are the men who slew your brothers, now you have seen them in order that you may know whe ther their number is sufficient to answer for your brothers' blood. And the women replied: long live the king.
When 'Ali wad al-Nur was alone with his uncles and cousins, he told them what he had heard, but they would not believe that such a thing was possible and bade him be sillent. Yet secretly he determined on Alight. The king now consulted with his advisers, and they decided to kill the shaikhs at Abu Haraz and not at Sannar; for the plan was at the same time to fall upon the tribe and slay them all, but if the shaikhs were killed at Sennar the Shukriya would hear of it in time to escape into safety, but at Abu Haraz they would be near enongh to fall into the same destruction.
When they were all at Abu Haraz, the great men of the Shukriya came in from Branko to see how their shaikhs were honoured and feasted by the king. For the king bestowed upon them red robes of honour saying that thereafter he would bestow upon them such honour as had never been done before. 'Ali wad al-Nur spoke to his uncles saying: the red robes mcan death and the honour which we have never yet tasted is death likewise ; but they replied that his were idle fears and that the king was indeed anxious to gain the goodwill of the Shukriya.
(1) On the east bank of the Blue Nile in Rufa'a markas.
لقد خدعت الشكرية هذه الكلمات البراقة ، لأن الوزير فهم جيدًا ذهن العرب وعرف مدى ارتباطهم بمنازلهم. لذلك ، بالنيابة عن الملك ، وافق على جميع مطالبهم فيما يتعلق بالمناطق التي كانوا يسكنون وينزلون فيها ويرعون قطعانهم ، وكانوا متحمسين للقاء الملك من أجل استكمال الاتفاق.
فغادروا القبيلة في شمبات الكو التي تقع بالقرب من الهلالية وبرانكو بالقرب من ود الفضل(10) ، ورافقوا الوزير إلى سنار ، حيث قابلهم الملك بمهرجان وحفل وعاملهم كضيوف شرف. وأثناء أيام الضيافة أرسلهم الملك لزيارة جميع مشاهير سنار وبنات الملك في منازلهم. ذهب وزير معهم وفي كل مكان كانوا محل ترحيب وحسن ضيافة .في النهاية جاءوا إلى بنات إبراهيم ، وعندما رآهم وعرفوا من هم ، فرحوا في قلوبهم ، وتمنوا حياة طويلة للملك ، لأنهم عرفوا أن ساعة الانتقام لإخوانهم قد أتت. عند مغادرتهم للمنزل ، بقي الوزير خلفه ليصبح آخر من يغادر ؛ لكن علي ود النور ود قدور توارى معه ، لأنه كان أصغر أعضاء الوفد ، بدا له أنه ينبغي أن يكون آخر من يدخل ويغادر. لذلك تظاهر بضبط صندله ، واستمع إلى كلمات الوزير لبنات إبراهيم ، :(فالملك يريد أن تعرفوا أن هؤلاء هم الرجال الذين قتلوا إخوتكم ، وقد رأيتمهم الآن ، حتى تعرفوهم. العدد يكفي للإجابة عن دم إخوانك.) فأجابت النساء: عاش الملك.
عندما كان علي ود النور بمفرده مع أعمامه وأبناء عمه ، أخبرهم بما سمع ، لكنهم لم يصدقوا أن مثل هذا الشيء ممكنًا وطالبوه أن يكون صامتًا. ومع ذلك ، فقد قرر العزم على الهرب . استشار الملك بعض مستشاريه ، وقرروا قتل الشيوخ في أبو حراز وليس في سنار ؛ لأن الخطة كانت في الوقت نفسه الهجوم على القبيلة وقتلهم جميعًا ، لكن إذا قُتل الشيوخ في سنار ، فستسمع الشكرية عن ذلك في الوقت المناسب للهروب إلى بر الأمان ، لكن في أبو حراز سيكونون على وشك الوقوع في نفس الشرك .
عندما كانوا جميعًا في أبو حراز ، جاء رجال وفرسان الشكرية العظماء (وجهاء القبيلة والقادة الميدانيين )من برانكو ليروا كيف تم تكريم شيوخهم واحتفل بهم الملك.ظاهريا وبدا لهم ذلك لأن الملك منحهم أردية الشرف الحمراء قائلًا إنه بذلك يضفي عليهم هذا الشرف كما لم يحدث من قبل. تحدث علي ود النور إلى عمامه قائلاً: "إن الجلباب الأحمر يعنى الموت والشرف الذي لم نتذوقه أبدًا هو الموت بالمثل ؛ لكنهم أجابوا أن مخاوفه كانت زائفة وأن الملك كان حريصًا حقًا على كسب حسن النية مع الشكرية....يختلف رواة التاريخ من الشكرية في عدد من كان مع ابعلى في ابحراز لحظة الغدر به ... تقول رواية المهيدات التي سمعتها من الشيخ بابكر الضو شولة ومولانا اب عشة والسيد بابكر محمد امام ود الخمرى انه كان مع اب على وابنائه في اب احراز ساعة اعدامهم نحو ستين من فرسان الشكرية وكان من بينهم ودكسيبة النوايمي والتاريخ وقائع لا يجرى عليها المنطق وهناك من يقول بنحو ستة عشر او اربعة عشر ).
الشاهد ان مسعى الشيخ يوسف ابو شرا الطيب انتهى للماساة لغدر بادى ود رجب ...الا مساعى الشيخ يوسف أثمر صلحا وسلاما مستداما فى عام 1791 بتوقيع زعيم الشكرية عوض الكريم ابوسن وثيقة مع السلطان بادى ود كين . بعدها تزوج الشيخ عوض الكريم أبوسن ابنة الشيخ يوسف التاية وانجب احمد احد ابرز زعماء الشكرية .
عوض الكريم أبوسن بن علي بن عوض الكريم أبعلي ووثيقة تمليك البطانة:
وثيقة تنازل الملك بادي للشيخ عوض الكريم أبوسن عن البطانة بحدودها
المعروفة من شمال شرق الخرطوم إلى جبال عين اللويقة )الخياري حالياً على
طريق مدني - القضارف( ومن شاطيء النيل الأزرق إلى شاطيء نهر عطبرة،
وهي محفوظة بدار الوثائق بالخرطوم حاليا. ونجدها في كتاب (تاريخ الشكرية)للبروف أحمد أبراهيم أبوسن ، في 74و.75
نص الوثيقة: ( حجة سلطانية ووثيقة ملوكية بمدينة سنار المحروسة المحمية أجلها الله تعالى لدامتوليها سلطان المسلمين وخليفة رب العالمين القائم بأمور الدنيا والدين المنتصب
لمصالح المسلمين وناشر شريعة سيد المرسلين وناشر لواء العدل والفضل على
كافة العالمين من أصلح الله به العباد وأنار به البلاد وقامع أهل الكفر والمكر
والعناد وأهل الظلم والفساد ورحمت الله سبحانه وتعالى على متولي البلاد الواثق
بالملك الهادي السلطان بن السلطان المظفر المعان السلطان بادي بن المرحوم
دكين بن السلطان بادي نصره الله الرحمن الرحيم بجاه القرآن العظيم والنبي
الكريم آمين آمين يا رب العالمين إلى حضرة
كل من تقع عليه هذه الوثيقة والناظر لما فيها من الحقيقة وبعد فان السلطان
المحفوظ المبرور المؤيد المنصور السلطان بادي أعطى وأمضا إمضاء تاماً
للشيخ عوض الكريم أبي سن علي بن أبي علي بن محمد الأديغم شيخ قبيلة الشكرية
أطيان مطرية وبحرية بشرق بحر العاديك وشرق الرهد وهي أرض واسعة
حدودها من الصعيد عين اللويقة ومن الصباح بحر أتبرة لغاية الشريف حسب الله
ومن السافل أطيان الشيخ الصالح على أبودليق والشيخ الصالح حسن ولد حسونة
ومن الغرب الساحل الشرقي من بحر العاديك وبحر الرهد ليعمر فيها قبيلته
الشكرية وغيرهم ممن يختاره وينتفع بأخذ خراجها منهم ويخرج من داخل تلك
الحدود طين العبدلاب فقط عطاء ناجزاً له ولذريته إلى ما شاء الله لا ينازعهم فيها
منازع ولا يعارضهم فيها معارض ومن يتعرض له بعد وثيقتي هذه فقد عرض
نفسه للهلاك والحذر ثم الحذر من المخالفة والمخالف لا يلوم إلا نفسه حضر ذلك
وشهد به الوزير الشيخ ناصر بن الشيخ محمد أبولكيلك والأمين - هارون ولد يونس
والجندي علي ولد شوال جندي السوق والشيخ صباب ولد عبدالرازق - شيخ
حوش خال الملك والشيخ بادي ولد مسمار شيخ قري والشيخ عمر جور ولد حمد
الزبير شيخ التاكة والشيخ عجيب ولد هاكيت شيخ أتبرة والشيخ إبراهيم ولد
عبدالعاطي شيخ بيلة والشيخ صباحي ولد عدلان شيخ البحر والشيخ علي ود النور
شيخ كردفال والشيخ قاسم ولد إدريس ولد نايل مقدم السواكرة والسلطان عبدالله
ولد السلطان بادي سلطان فور المسبعات والملك أحمد عدلان ملك برساج شيخ
السجادة والشيخ مدني ولد شنبول شيخ أربجي والشيخ علي ولد محمود شيخ
القواربة والمؤذن عثمان ولد بلي والقاضي الشريف عمر والخطيب نوار ولد
عمار ومسطر الحروف فقير الله حضرة إبراهيم يعقوب حميرا وكفى باͿ شهيدا -
تحرر ذلك ظهر الاثنين لاثني عشرة ليلة خلت من شهر الله ربيع الأول من شهور
سنة 1206ستة بعد المائتين والالف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل
الصلاة وأزكى السلام). فلولا جهود الشيخ يوسف ابوشرا رحمه الله لما كانت هذه الوثيقة .
قيادة العركين قيادة فاهمة دورها جيدا فهم معلمون فى المقام الاول ...اعتقد الامر يحتاج ان يفهمه الاخرون ...وقد كان عوض الكريم ابوسن اكثر ذكاءا فى فهم هذا الدور وتوظيفه ... افضل من المهدية والانقاذ...وهو ما سنعرض له فى الحلقات القادمة
نواصل...
المراجع:-
(1) https://youtube.com/shorts/NoR6kRnCjZg?si=NHcWZSDxmzVf4WNm