بنغلادش.. مواجهات دامية والشرطة تطلق الرصاص الحي على متظاهرين في دكا
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
أطلقت الشرطة في بنغلادش الرصاص الحي على متظاهرين في العاصمة دكا، السبت، على ما أفاد صحفي في وكالة فرانس برس في الموقع، وانتشر الجيش بقوة في مدن البلاد بعد يوم جديد من المواجهات الدامية.
وتسببت أعمال العنف هذا الأسبوع في إطار تحركات وتظاهرات طلابية، بمقتل ما لا يقل عن 115 شخصا، وفق حصيلة لوكالة فرانس برس استنادا إلى مصادر استشفائية ومصادر في الشرطة.
وتشكل التظاهرات تحديا جسيما لحكومة رئيسة الوزراء، الشيخة حسينة، التي تمسك بالسلطة منذ 15 عاما، حملها على إلغاء رحلاتها خارج البلاد.
وأصيب شخص على الأقل وسط تجمع آلاف المحتجين في حي رامبورا السكني، السبت، متحدين حظرا للتجول أعلنته الحكومة ودخل حيز التنفيذ في منتصف ليل الجمعة السبت، حسبما أفاد مراسل فرانس برس.
وانتشر الجيش بقوة، السبت، في مدن بنغلادش بطلب من الشيخة حسينة بعدما فشلت الشرطة في السيطرة على الاضطرابات.
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة، شهدات حسين، لوكالة فرانس برس إن "الجيش انتشر في كل أنحاء البلاد للسيطرة على الاضطرابات التي تطال النظام العام".
وذكرت القناة 24 الخاصة أن حظر التجول سيظل ساري المفعول حتى الساعة 10:00 صباح الأحد على الأقل.
وقال المتحدث باسم الشرطة، فاروق حسين، لفرانس برس إن "مئات آلاف" المتظاهرين تواجهوا مع الشرطة في العاصمة دكا، الجمعة.
وأكد أن "150 شرطيا على الأقل نقلوا إلى المستشفى وتلقى 150 آخرون العناية الأولية"، مضيفا أن ضابطين ضُربا حتى الموت.
وأفاد حسين بأن العديد من المتظاهرين "أشعلوا النار في عدة أكشاك للشرطة" و"تم إحراق وتخريب العديد من المكاتب الحكومية".
وتهدف التظاهرات شبه اليومية التي انطلقت مطلع يوليو إلى إنهاء نظام الحصص في القطاع العام الذي يخصص أكثر من نصف الوظائف لمجموعات محددة خاصة لأبناء قدامى المحاربين في حرب التحرير ضد باكستان عام 1971.
ويطالب الطلاب بالتوظيف على أساس الجدارة، معتبرين أن هذا النظام يعطي الأفضلية لأبناء أنصار رئيسة الوزراء التي تحكم البلاد منذ عام 2009 ويتهمها المعارضون بالرغبة في القضاء على كل المعارضة لتعزيز سلطتها.
واستمر تعليق خدمات الإنترنت والرسائل النصية الذي بدأ، الخميس، مما عزل بنغلادش عن العالم في الوقت الذي اتخذت فيه الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة الاحتجاجات التي استمرت على الرغم من حظر التجمعات بالأماكن العامة.
وأجج النظام الجديد نيران أزمات سياسية قديمة وحساسة بين الذين قاتلوا من أجل استقلال بنغلادش عن باكستان في عام 1971 وأولئك المتهمين بالتعاون مع إسلام آباد.
وعلى مدى الأيام الخمسة الماضية أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وألقت قنابل صوت لتفريق المحتجين خلال اضطرابات عمت أنحاء البلاد، حيث اشتبك متظاهرون مع أفراد أمن ورشقوهم بالطوب وأضرموا النار في مركبات.
ومع ارتفاع عدد القتلى وعدم قدرة الشرطة على احتواء الاحتجاجات العنيفة، فرضت الحكومة، الجمعة، حظر تجول على مستوى البلاد ونشرت الجيش.
وذكرت قنوات تلفزيونية أن حظر التجول سيُخفَّف لمدة ساعتين اعتبارا من الساعة 12:00 ظهرا، السبت، للسماح للناس بالتسوق لشراء احتياجاتهم وإنجاز أي مهام أخرى.
وأضافت التقارير أن حظر التجول سيستمر حتى الساعة العاشرة من صباح غد الأحد، وعندها ستقيّم الحكومة الوضع وتحدد الخطوة التالية.
وزاد من حدة المظاهرات، وهي الأكبر منذ إعادة انتخاب الشيخة حسينة لولاية رابعة على التوالي هذا العام، ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب الذين يشكلون ما يقرب من خُمس السكان البالغ عددهم نحو 170 مليون نسمة.
وانتقدت منظمات دولية لحقوق الإنسان تعليق خدمة الإنترنت وإجراءات قوات الأمن. وقال الاتحاد الأوروبي إنه يشعر بقلق بالغ إزاء أعمال العنف والخسائر في الأرواح.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فرانس برس
إقرأ أيضاً:
في ذكرى محمد عبد الحي (2/2)
في ذكرى محمد عبد الحي (2/2)
من الشعر إلى معالجة قضايا الفكر والثقافة السودانية
بقلم: تاج السر عثمان
1
عصارة كدح محمد عد الحي الثقافي:
مما سبق يمكن أن نصل إلى عصارة كدح محمد عبد الحي الثقافي على مدى أربعة عقود من الزمان( الخمسينيات، الستنيات، السبعينيات، الثمانينيات من القرن الماضي) كان فيها يحفر في مجرى الثقافة السودانية بعمق ، وكل يوم يزداد عمقا، ولا يقنع بالقليل، أي لايقنع بمادون النجوم، هذه التجارب أوصلته إلى كعب أخيل في الثقافة والفكر في السودان وهو :
أ – نحن بحاجة إلى فكر ومفكرين.
ب – الثقافة السودانية بحاجة للفكر.
ج – المثقف السوداني " ملكلك" أي متردد ويفتقد المنهج.
د – كان يضيق ذرعا بأدعياء الثقافة والشعر.
ه – الصراع في السودان يجب أن يأخذ أبعاده الفكرية والثقافية، وأن يتحول من الهامشية إلى العمق.
و – كانت أسئلة محمد عبد الحي التي كان مهتما بها:
* السياسة الثقافية في السودان ووضعها ومشاريعها.
* الهويّة الثقافية السودانية.
وهي نتائج توصل إليها من قبل الشاعر التيجاني يوسف بشير في مقال له بعنوان" القيادة الفكرية".
كما توصل محمد عبد الحي ببصيرة نافذة وفكر عميق إلى قضية مهمة من قضايا التحرر الاجتماعي، وهي أن حان الوقت لكي تتحرر المرأة السودانية من القمع الذي تعاني منه والتي رغم وصولها إلى أرقى التعليم الجامعي، إلا أنها حينما تتزوج تعود إلى المجتمع الذي قهرها..
والقمع هنا يعادل الشاعر المقموع والكاتب المقموع، وكل القضايا متصلة ببعضها البعض. مما يتطلب مواصلة النضال من أجل الديمقراطية والاجتماعية والسياسية التي تعتبر الشرط الهام والضروري لتحرر المرأة والشاعر والكاتب وغيرهما.
خلاصة الأمر توصل محمد من مواقع كدح ثقافي إلى لب وعقدة الفكر والثقافة في السودان، ووضع يده على طرف الخيط الذي يجب ان يمسكه المثقفون الجادون في بلادنا، ويحفروا بصبرالأساس العميق والصلد للمنهج والفكر اللازمين للثقافة السودانية.
كما حان الوقت لكى تنفلت المرأة السودانية من أسر القمع، وتواصل النضال من استكمال تحررها الاجتماعي.
2
انحدر محمد عبد الحي من ناحية أبيه وامه من أسرة تنتمى إلي فئة الأفندية التي نشأت مع بداية الحكم البريطاني، وبعد قيام كلية غردون، فوالده تخرج في كلية غردون مهندسا، وكذلك كان جده مهندسا، وهذه الفئة نالت قدرا من التعليم الحديث أو التعليم العصري الذي كان محكوما بتوجهات الاستعمار البريطاني في خلق فئة من الموظفين للمساعدة في تسيير دولاب الدولة ومشاريعها، وكان هذا التعليم يتسم بضيق الأفق ، الا إذا انفلت الطالب نفسه من أسر هذا التعليم ، وفتح لنفسه آفاقا جديدة من المعرفة والإطلاع، على سبيل المثال: كان والد محمد عبد الحي يمنعه من كتابة الشعر وهو صغير، ويضطر محمد لكتابة الشعر في الخفاء!! مما يشير لضيق الأفق الذي كان نتاجا للتعليم الذي غرسه الاستعمار.
٣
ومن ناحية والدته أيضا كانت تنحدر من أب من فئة الأفندية والذي كان مهندسا في المساحة وكان شاعرا، وشقيقها سعد إسماعيل فوزي المعروف، ونالت والدته قدرا من التعليم في الكلية القبطية، الا ان سن الزواج المبكر في تلك الأيام منعها من مواصلة تعليمها ( تزوجت وهي في سن 15 سنة)، وهذا راجع إلى القيود التي كانت تعانى منها المراة في ذلك الوقت اذ ان سن الزواج المبكر يقطع على المرأة تعليمها.
إذن لا نحتاج لكبير عناء لنصل إلي أن محمد عبد الحي ينحدر من ناحية الأب والأم من أسرة متعلمة تعليما حديثا، وإنحدار محمد من هذه الأسرة المتعلمة كان له الأثر مع استعداده كمثقف وشاعر فيما بعد في تكوين شخصيته ونطرته للحياة والعالم.
* استمد محمد عبد الحي مادته الشعرية من الواقع لا من الخيال، وإن كان في شعره نوعا من الغموض، الا أنه كان يعكس تجارب صادقة يحتاج الباحثون الناقدون لدراسة عميقة لاستجلاءها. على سبيل المثال: كان محمد عد الحي خلال فترة تواجده مع والده في جبال النوبا قد شاهد فرس البحر، السمندل، الغزال، الطيور ، خلايا النحل، والدحاج البري، من خلال رحلات الصيد التي كان يقوم بها والده. وهذه المشاهدات التي استمدها محمد من الطبيعة الخلابة في جبال النوبا انعكست في شعره فيما بعد. أي أن محمد عكس لنا أسماء ورموز عايشها هو شخصيا، ولم تكن وليدة الوهم والخيال، رغم دور الخيال المبدع في الشعر، وهذا مفتاح مهم لفهم الأديب والشاعر الحقيقي والمجدد.
٤
* من سمات محمد عبد الحي أنه كان قوي الإرادة اذا صمم على تنفيذ شئ لا بد أن يفعله، وحينما منعه والده من كتابة الشعر واصل الكتابة سرا وفي الخفاء، حتى إنتزع حق علانية الكتابة بعد مقابلة جمال محمد أحمد لوالده ، وجمال كان سفيرا في لبنان، وحين كان محمد طالبا في الجامعة يرسل قصائده للمجلات اللبنانية، وكان الشعراء والأدباء اللبنانيون يسألون عن من هو محمد عبد الحي؟، ولما عكس جمال ذلك لأبيه سمح له. وجمال محمد أحمد ذلك الأديب السوداني المعروف وهو من جيل والده، وكانت صداقته مع والده ترجع إلي الأربعينيات حينما كانا طالبين في كلية غردون.
كان محمد ايضا مستقل الشخصية، وكان يردد أن الكون وحدة واحدة وعلى الإنسان أن يبدأ بنفسه كوحدة واحدة، أي عدم التأثر الذي يؤدي إلي ذوبان شخصية الإنسان في الآخرين.
* كان محمد يعتبر الثقافة هي المحك لهذا الوطن، يقول: مرات ومرات كنت أقول بأن الثقافة هي المحك في هذا الوطن الذي إسمه السودان، إن السياسات في جوهرها الثقافي واقعية بالثقافة التي تدير بها الوطن، والوطن هو هذه الأمة السودانية. الشعر هو الثقافة التي نرتفع بها، ولست مع القوميات، فإن القومية فاشستية، كما نعرف دائما، إنهم كانوا يسمون الدويلات بالقومية في أوربا التي ارتفعت إلي عهد هتلر الألماني، الأمة السودانية تعمل بثقة على إختلاف وائتلاف الوطن الثقافي.
* رأيه في الشعر
كان يقول إن الشعراء الحقيقيين هم درع الوطن ودرع الثقافة ودرع الإنسان ودرع الجماعة ودرع الأفراد ودرع التراث، أما الشعراء "المزيفون"، فهم القهر والطغيان، وأكلة المال ، وأكلة الموتى.
إن الشعراء الحقيقيون كانوا في كل عهد منذ المتنبئ والشاعر أبي العلاء المعري، ودانتي، وشكسبير إلي آخره فهم البذور الحقيقيون للإنسان، فهم دائما كنار تشتعل في قلوبهم ودمائهم وتقذف نور الله في عيونهم، فيكتبون شعرا مجيدا يظل حاضرا في الوضع الراهن.
كتب محمد قصائده الأولى في صحيفة" الرأى العام" ، مجلة "الشعر" المصرية، ومجلة "شعر" اللبنانية.
٥
سلطنة سنار حلقة في تطور الثقافة السودانية
أشرنا سابقا إلي ديوان " العودة إلي سنار" حيث أعتبر محمد عبد الحي أن تاريخ الثقافة السودانية بدأ بقيام ممالك التلاقح الإسلامية العربية الإفريقية ومن بينها الفونج بسنار،وفي هذا الاتجاه كانت العودة لسنار عاصمة السلطنة الزرقاء تعبيرا عن التمازج العربي الأفريقي، فكانت بوتقة انصهرت فيها مكونات السودان الثقافة السودانية، كما عبر عن ذلك محمد عبد الحي في ديوانه المشهور (العودة إلى سنار).
يقول محمد عبد الحي في ديوان (العودة إلي سنار):
الليلة يستقبلني أهلي
أهدوني مسبحةً من اسنان الموتى
إبريقا جمجمةً
مصلاة من جلد الجاموس
رمزا يلمع بين النخلة والأبنوس
لكن صورة سنار كما عبر عنها محمد عبد الحي تحتاج ‘لإعادة نظر، ولا يمكن إعتبارها أصل الثقافة السودانية، لكنها حلقة مهمة في تطورها، فمعلوم أن التعدد الثقافي كان ملازما للدولة السودانية منذ نشأتها وحتى قيام الدولة الوطنية الحديثة ، فما هي عناصر ذلك التعدد؟.
- شهدت الدولة السودانية تعدد الأديان ابتداءاً من الوثنية إلى المسيحية ثم الإسلام ومازال التنوع والتعدد الديني موجوداً في واقعنا الماثل.
- كما شهدت تعدد اللغات مثل: اللغة المصرية القديمة ( الهيروغليفية)، ثم حدث الاستقلال اللغوي بقيام حضارة مروي التي عرفت اللغة المروية ، واللغة النوبية في حضارة النوبة المسيحية، ثم اللغة العربية التي انتشرت في عهد سلطنتي الفونج والفور، هذا إضافة للتنوع في لغات ولهجات أهل السودان ومكوناتهم الثقافية ( بجاوية، نوبية، زنجية) وناتج التلاقح اللغوي من الثقافات الحديثة ( تركية، انجليزية، فرنسية،حبشية الخ)، وبمراجعة قاموس اللهجة العامية في السودان للمرحوم د. عون الشريف قاسم ، نلاحظ التنوع والتلاقح اللغوي الذي شهده السودان منذ أقدم العصور..
- استوعبت الدولة السودانية التنوع الديني واللغوي والاثني وشهدت الاستمرارية في الثقافة السودانية خلال الحقب التاريخية المختلفة (للمزيد من التفاصيل راجع: تاج السر عثمان: الهويّة والصراع الاجتماعي في السودان، دار المصورات 2021).
في مسارها التاريخي الطويل شهدت الدولة السودانية الحضارات الآتية :
- حضارة كرمة (3000 سنة ق. م) التي شكلت ميلاد الدولة السودانية، بعد ارتقاء الإنسان السوداني سلم الحضارة وتفكك المجتمعات البدائية التي تقوم على الصيد والتقاط الثمار وظهور المجتمع الزراعي والرعوي وتطور المدينة والصناعة الحرفية والتبادل التجاري وظهور أول انقسام طبقي واتساع الفروق الاجتماعية، وكانت نشأة الدولة السودانية مرتبطة بتفاعل عوامل سياسية ودينية وطبقية واجتماعية.
- حضارات نبتة ومروي والنوبة المسيحية التي كانت اوسع تطورا في الجوانب المادية والثقافية والفنية والروحية.
- المماللك الإسلامية (الفونج ، دارفور ، تقلي المسبعات. الخ) التي استوعبت منجزات الحضارات السابقة المادية والفكرية واضافت الجديد لها.
للمزيد من التفاصيل: راجع ، تاج السر عثمان الحاج : الدولة السودانية : النشأة والخصائص ، الشركة العالمية 2008).
بالتالي كانت سنار حلقة مهمة في تطور الثقافة السودانية، استوعبت منجزات الحضارات السابقة المادية والفكرية واضافت لها الجديد، لكن لا يمكن أن نقول أن تاريخ الثقافة السودانية يبدأ بسنار، كما أشار محمد عبد الحي.
له الرحمة والمغفرة، وسلام عليه يوم ولد ويوم يبعث حيا.
alsirbabo@yahoo.co.uk