في نهاية عام 2021، وبينما تدرب شركة أوبن إيه آي نماذجها للذكاء الاصطناعي، واجهت حينها أزمة في الإمداد. إذ استهلكت كل مخزون النصوص الإنجليزية الموثوقة على الإنترنت أثناء تطويرها لأحدث أنظمتها للذكاء الاصطناعي، وكانت بحاجة إلى المزيد من البيانات الجيدة لتدريب النسخة التالية من نظامها؛ احتاجت للكثير جدا من تلك البيانات.

لذا، ابتكر باحثو أوبن إيه آي، أداة للتعرّف على الكلام تُسمى "ويسبر" (Whisper)، يمكنها نسخ الأصوات من مقاطع فيديو يوتيوب، مما ينتج عنه نصوص محادثة جديدة قد تجعل نظام الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً. وبحسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، فقد ناقش بعض موظفي الشركة كيف تتعارض تلك الخطوة مع قواعد يوتيوب، إذ يحظر الموقع المملوك لشركة غوغل استخدام مقاطعه في التطبيقات المنفصلة عن المنصة.

في النهاية، فرّغ فريق أوبن إيه آي، أكثر من مليون ساعة من مقاطع فيديو يوتيوب، مستخدما تلك البيانات في تدريب نموذج "جي بي تي-4″، وهو أقوى نموذج للذكاء الاصطناعي تملكه الشركة.

غوغل استفادت من محتوى مقاطع الفيديو على يوتيوب لاستخراج نصوص لتدريب نماذجها للذكاء الاصطناعي (شترستوك) مطاردات يائسة

تحول السباق نحو ريادة مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مطاردات يائسة للوصول إلى أكبر قدر من البيانات الرقمية اللازمة لتطوير تلك التقنيات. وفي سبيل اقتناص هذا الكم الهائل من البيانات، اختصرت شركات التقنية مثل أوبن إيه آي وغوغل وميتا، كل السبل وتجاهلت سياسات الشركات وبحثت في تجاوز القانون، وفقًا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.

مثلا في شركة ميتا، التي تمتلك فيسبوك وإنستغرام، تشاور المسؤولون بشأن جمع البيانات المحمية بحقوق الطبع والنشر عبر شبكة الإنترنت، حتى إن كان يعني ذلك مواجهة دعاوى قضائية، وأضافوا أن التفاوض للحصول على تراخيص استخدام المحتوى مع الناشرين والفنانين والموسيقيين وصناعة الأخبار سيستغرق مدة زمنية طويلة.

وعلى غرار ما فعلته شركة أوبن إيه آي، استفادت غوغل من محتوى مقاطع الفيديو على يوتيوب لاستخراج نصوص لتدريب نماذجها للذكاء الاصطناعي، وهو فعل قد ينتهك حقوق النشر الخاصة بصانعي هذا المحتوى.

شريان الحياة للذكاء الاصطناعي

توضح إجراءات تلك الشركات كيف أصبحت البيانات على الإنترنت، من أخبار ومؤلفات روائية ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي ومقالات ويكيبيديا والصور ومقاطع الفيديو والبودكاست والأفلام وغيرها، شريان الحياة لصناعة الذكاء الاصطناعي الناشئة. إذ يعتمد تطوير أنظمة قوية وتنافسية على وجود ما يكفي من البيانات اللازمة لتعليم تلك النماذج كيفية إنتاج نصوص وصور وأصوات ومقاطع فيديو تشبه ما ينتجه الإنسان بصورة لحظية.

هنا يجب ملاحظة أن حجم البيانات أمر بالغ الأهمية، فقد تعلمت روبوتات المحادثة الرائدة، مثل "شات جي بي تي"، من مجموعات هائلة من النصوص الرقمية التي تصل إلى 3 تريليونات كلمة، أو ما يقرب من ضعف عدد الكلمات المخزنة في مكتبة بودلي، وهي المكتبة البحثية الرئيسية بجامعة أكسفورد، التي تُجمع بها المخطوطات منذ عام 1602. وأوضح الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي أن أكثر البيانات قيمة هي تلك المعلومات فائقة الجودة، كالكتب والمقالات المنشورة التي كتبها وحررها بعناية أفراد متخصصون في مجالاتهم.

في يناير/كانون الثاني عام 2020، نشر جاريد كابلان، عالم الفيزياء النظرية في جامعة جونز هوبكنز، ورقة بحثية رائدة عن الذكاء الاصطناعي أثارت شهية الشركات أكثر للبيانات على شبكة الإنترنت. كان استنتاجه واضحًا وصريحًا: كلما زادت البيانات المتوفرة لتدريب أحد النماذج اللغوية الكبيرة، وهي النماذج التي توجه روبوتات المحادثة، كان أداؤها أفضل. تمامًا كما يتعلّم الطالب الكثير عبر قراءة المزيد من الكتب، يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة أن تحدد الأنماط في النصوص على نحو أفضل وتكون أكثر دقة عند حصولها على المزيد من المعلومات.

لسنوات طويلة، كانت شبكة الإنترنت، بمواقع مثل ويكيبيديا وريديت وغيرهما، تبدو مصدرا لا ينضب من البيانات، ولكن مع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي، نقّبت شركات التقنية في المزيد من المستودعات. وكانت شركتا غوغل وميتا، بامتلاكهما مليارات المستخدمين ممن ينتجون طلبات بحث ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي كل يوم، مقيَّدتين بقوانين الخصوصية وسياساتهما الخاصة، مما يمنعهما من الاعتماد على كثير من هذا المحتوى لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

لذا، أصبح وضعهم خاصا؛ يمكن لشركات التقنية أن تستنفذ البيانات ذات الجودة العالية على شبكة الإنترنت بحلول عام 2026، وفقًا لمعهد "إيبوك" (Epoch) للأبحاث. فأصبحنا الآن في وضع تستهلك فيه تلك الشركات البيانات بوتيرة أسرع مما يجري إنتاجها من العالم أجمع على الإنترنت.

بيانات اصطناعية

أصبحت شركات التقنية متعطشة للبيانات الجديدة لدرجة أن بعضها بدأ في تطوير البيانات "الاصطناعية". ليست بيانات طبيعية ينتجها البشر، بل هي نصوص وصور وأكواد برمجية تنتجها نماذج الذكاء الاصطناعي، أي أن الأنظمة تتعلم مما تنتجه بنفسها.

مثلا ذكرت شركة أوبن إيه آي، أن كل نموذج من نماذجها للذكاء الاصطناعي يمتلك مجموعة بيانات فريدة من نوعها، تنظمها وتجمعها الشركة بهدف مساعدة النموذج على فهم العالم لكي تحافظ على قدرتها التنافسية في المجال.

وذكر سام ألتمان، سابقا، أن الشركات التي تعمل مثل شركته على تطوير نماذجها، ستضطر في النهاية إلى تدريب تلك النماذج على النصوص التي يولدها الذكاء الاصطناعي أو ما يعرف بالبيانات الاصطناعية. النظرية التي يقترحها السيد ألتمان، والآخرون في هذا المجال، أنه نظرًا لقدرة نموذج الذكاء الاصطناعي على إنتاج نصوص شبيهة بالبشر، فيمكن للأنظمة أن تنتج بيانات إضافية لتطوير إصدارات أفضل من نفسها. وهذا الأمر سيساعد المطورين على ابتكار تقنيات أكثر قوة ويقلل من اعتمادهم على البيانات المحمية بحقوق الطبع والنشر.

استكشف الباحثون في المجال فكرة استخدام البيانات الاصطناعية منذ سنوات، ولكن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي القادرة على تدريب نفسها أسهل قولا مما يبدو عليه فعلا. لأن تلك النماذج التي تتعلم من نتائجها الخاصة قد تقع في دائرة مفرغة بحيث تعزز من عيوبها وأخطائها وقيودها الحالية.

ولمواجهة ذلك، تبحث شركة أوبن إيه آي وغيرها في كيفية عمل نموذجين مختلفين للذكاء الاصطناعي معًا لتوليد بيانات اصطناعية مفيدة وموثوقة أكثر. ينتج أحد النظامين البيانات، بينما يتولى النظام الآخر الحكم على تلك البيانات لفرز الجيد منها عن السيئ. لكن حتى هذا الحل لم يتفق الباحثون حول مدى إمكانية نجاحه من عدمها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات نماذج الذکاء الاصطناعی شرکة أوبن إیه آی شرکات التقنیة شبکة الإنترنت من البیانات المزید من

إقرأ أيضاً:

توقيع أول معاهدة دولية للذكاء الاصطناعي

قال مجلس أوروبا، المنظمة الرئيسة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في القارة الأوروبية، إن أول معاهدة دولية ملزمة قانوناً بشأن الذكاء الاصطناعي ستكون مفتوحة للتوقيع، اليوم الخميس، من جانب الدول التي تفاوضت بخصوصها ومن بينها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا.

وتتناول المعاهدة المخاطر التي قد يشكلها الذكاء الاصطناعي مع تعزيز الابتكار المسؤول، وكانت المعاهدة قيد الإعداد لسنوات قبل اعتمادها في مايو (أيار) بعد مناقشات بين 57 دولة.
وقالت وزيرة العدل البريطانية شابانا محمود في بيان "هذه المعاهدة تشكل خطوة رئيسية لضمان إمكانية الاستفادة من التقنيات الجديدة دون المساس بقيمنا مثل حقوق الإنسان وسيادة القانون".

حماية المتضررين 

وتركز معاهدة الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على حماية حقوق المتضررين من أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهي منفصلة عن قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ الشهر الماضي.
ويتضمن قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي لوائح شاملة بشأن تطوير ونشر واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي داخل السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي.

US, Britain, EU To Sign First International Treaty On AI Standards, FT Reports https://t.co/0UxXYKYZvh

— NDTV (@ndtv) September 5, 2024

مقالات مشابهة

  • بين رفض الحريديم وحاجة الجيش.. إسرائيل تواجه معضلة التجنيد
  • الداخلية تطلق ختماً خاصاً بالقمة العالمية للذكاء الاصطناعي 
  • وزارة الداخلية تطلق ختماً خاصاً بالقمة العالمية للذكاء الاصطناعي
  • بحث تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بالعالم في قمة الرياض
  • أول اتفاقية دولية تمثل أكثر من 50 دولة حول مخاطر الذكاء الاصطناعي
  • توقيع أول معاهدة دولية للذكاء الاصطناعي
  • وزير الصناعة يبحث التعاون في تصنيع السيارات عالية التقنية مع شركات صينية
  • وزير الصناعة يبحث التعاون في تصنيع السيارات عالية التقنية مع شركات الصينية
  • منشآت: شركات التقنية المالية تسد الفجوة التمويلية للمنشآت عبر 10 مسارات
  • السعودية.. سعي لزيادة عدد شركات التقنية المالية إلى 525 شركة