مصطفى مراد الدباغ (1897-1989) واحد من أبرز المؤرخين والمربين والكتاب الفلسطينيين، جعل هدفه في الحياة "تربية الأجيال وتأليف النافع المفيد من الكتب".

فقد اهتم بالتعليم من أجل مواجهة الصهيونية ومشروعها، وركّز على افتتاح المدارس في الأرياف، وترك مكتبة غنية من المؤلفات التاريخية النافعة والمفيدة، كان من أهمها عمله الموسوعي "بلادنا فلسطين" في 11 مجلدا، غطت تاريخ فلسطين وجغرافيتها وسكانها.

المولد والنشأة

ولد مصطفى مراد الدباغ في مدينة يافا عام 1897م، والده مراد الدباغ ووالدته آمنة هيكل.

تزوج من وداد محمصاني وأنجبا ولدين: عمر وصلاح الدين.

مشهد من تظاهرة رياضية تجمع طلاب المدارس في القدس عام 1940 (غيتي) الدراسة والتكوين

تلقى مصطفى مراد الدباغ علومه الأولية في المدرسة الأميرية، ثم أكمل دراسته الثانوية في المكتب السلطاني في بيروت.

مصطفى مراد الدباغ ممن ساهموا بالنهضة التربوية في كل من الأردن وقطر. وأتقن اللغتين التركية والفارسية إلى جانب اللغة العربية. وكان يؤمن بأن التعليم هو أحد الأسباب الرئيسية للنهوض بالفلسطينيين وتمكينهم من مواجهة الخطر الصهيوني ومتطلبات العصر.

منحته منظمة التحرير الفلسطينية وسام القدس للثقافة والفنون والآداب في يناير/كانون الثاني 1990.

الوظائف والمسؤوليات

استُدعي مصطفى الدباغ سنة 1915 للخدمة ضابط احتياط في الجيش العثماني، فتلقى تدريبا عسكريا بمدينة بعلبك في لبنان، وأُرسل إلى معسكرات الجيش في إسطنبول، ثم أرسلت وحدته إلى الحجاز، وما لبث أن نُقل إلى عمل إداري.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، انضم إلى صفوف العاملين مع الشريف حسين، فعمل في الحجاز، لمدة تزيد على سنة، مع الشريف شرف بن راجح، الساعد الأيمن للأمير فيصل في قيادة الجيش العربي.

وعمل مديرا في عدد من المدارس ثم مدرسا في دار المعلمين في القدس سنة 1926، ثم مساعدا ثم ترقى فيما بعد مفتشا للمعارف في كل من نابلس ويافا حتى النكبة الأولى خلال حرب عام 1948.

مصطفى الدباغ استدعي سنة 1915 للخدمة ضابط احتياط في الجيش العثماني (غيتي)

وغادر يافا في مايو/أيار 1948 في آخر مركب غادر المدينة بعد حصارها وقصفها واحتلالها من قبل القوات الإسرائيلية، مصطحبا معه مجموعة المخطوطات والأوراق التي كان قد كتبها عن تاريخ فلسطين وجغرافيتها.

ولكن المركب البسيط الذي حمله شارف على الغرق، فأمر الربان الرُكّاب بإلقاء ما لديهم في البحر، وهكذا اضطر مصطفى مراد الدباغ إلى التخلي عن أثمن ما لديه، وهو كل ما أنقذه من بين سائر موجوداته عند مغادرته مسقط رأسه.

وبعد النكبة عين أستاذا للاجتماعيات في ثانوية حلب، فمفتشا لمدرسة المقاصد الخيرية في بيروت عام 1949، ثم عين مساعدا لوكيل وزارة المعارف الأردنية عام 1950، فوكيلا للوزارة عام 1954، ثم عين مديرا لمعارف دولة قطر بين 1959 و1961، وفيها ألف كتابه "قطر ماضيها وحاضرها".

اهتمامه بالمدارس

كان مصطفى الدباغ علما من أعلام التربية والتاريخ في فلسطين. بدأ حياته الكتابية مبكرا، فمنذ أن كان ضابطا في الجيش العثماني، كان يدون مذكراته ومشاهداته.

وخلال عمله في مجال التربية والتعليم بدأ يستشعر ما يتهدد فلسطين من مخاطر فأخذ يجمع المعلومات عن القرى والمدن والقبائل والمواقع، حرصا منه على جمع الذاكرة الفلسطينية.

وأولى عناية خاصة لافتتاح المدارس الريفية الحديثة، فكان يُقنع مسؤولي القرى الفلسطينية بالتبرع بالأرض اللازمة وبناء المدارس على نفقتهم الخاصة، مقابل تولي الحكومة تعيين المعلمين والإنفاق والإشراف عليهم.

مصطفى الدباغ حرص على توثيق أسماء وتاريخ القبائل العربية في فلسطين (مواقع التواصل الاجتماعي) المؤلفات

بعد الانتهاء من جولاته التفتيشية كان يلتقي مشايخ القرى ومخاتيرها، ليسألهم عن عادات البلدة وتسميتها السابقة وأبرز معالمها، وبذلك اجتمعت لديه معلومات متنوعة عن فلسطين، مما أعانه على تأليف كتابه الموسوعي "بلادنا فلسطين"، وهو مؤلف من 11 مجلدا تغطي فلسطين وقراها.

ومن كتبه الأخرى أيضا:

مدرسة القرية. الموجز في تاريخ فلسطين منذ أقدم الأزمنة حتى اليوم. قطر ماضيها وحاضرها. جزيرة العرب: موطن العرب ومهد الإسلام. القبائل العربية وسلائلها في بلادنا فلسطين. الموجز في تاريخ الدول العربية وعهودها في بلادنا فلسطين. الموجز في تاريخ الدول الإسلامية وعهودها في بلادنا فلسطين.

وفي عام 1986 ألف مصطفى مراد آخر كتاب له بعنوان "من هنا وهناك"، وكتب فيه "فإن كان في العمر بقية وفي الوسع والطاقة فضلة صحة فسأواصل البحث في أمجادنا الفلسطينية حتى يقضي الأجل وينقطع العمل".

وفاته

توفي مصطفى مراد الدباغ ببيروت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1989 ودُفن فيها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بلادنا فلسطین

إقرأ أيضاً:

هشام يانس.. رائد الفن الساخر وأيقونة الكوميديا الأردنية

ودعت الساحة الفنية الأردنية صانع البسمة هشام يانس أحد أبرز الفنانين الأردنيين الذين تركوا بصمة مميزة في الساحة الفنية العربية، وصاحب الوجوه المتعددة الذي رحل عن عمر يناهز 78 عاما بعد صراع مع المرض.

ونعاه وزير الثقافة الأردني مصطفى الرواشدة -عبر حسابه الرسمي على منصة إكس- وكتب: "أنعى بمزيد من الحزن والأسى وفاة الفنان هشام يانس الذي قدم عددا من الأعمال المسرحية الناقدة والدراما العربية المتميزة، ومنها برنامج المناهل العربي الذي عني بثقافة الطفل واللغة العربية، ومسلسل جواهر، الذي شكل علامة في الدراما العربية ورسخ في وجدان الأجيال.. وإذ نترحم على الفنان الراحل الذي كان من رواد المسرح الكوميدي وقلد مسرحيا مجموعة من الشخصيات السياسية، فإننا نقدم أحر العزاء لعائلته وذويه وأصدقائه".

أنعى بمزيد من الحزن والأسى وفاة الفنان هشام يانس الذي قدم عددا من الأعمال المسرحية الناقدة والدراما العربيةالمتميزة، ومنها برنامج المناهل العربي الذي عني بثقافة الطفل واللغة العربية، ومسلسل جواهر الذي شكل علامة في الدراما العربية ورسخ في وجدان الأجيال.. وإذ نترحم على الفنان… pic.twitter.com/TXd4CUHskm

— مصطفى الرواشده Minister of Culture (@mostafa59625937) December 22, 2024

إعلان

 

من يافا لعمان

منتصف أربعينيات القرن الماضي، ولد هشام يانس في يافا بفلسطين يوم 21 مايو/أيار 1946، وانتقل مع عائلته إلى عمّان حيث ترعرع في طفولته وهى المرحلة التي شكلت ملامح شخصيته الفنية لاحقا، إذ عرف منذ صغره بشغفه بالفن والأداء المسرحي.

بعد إنهاء دراسته الثانوية، انتقل إلى مصر لدراسة الحقوق في جامعة القاهرة، وعاد إلى الأردن مجددا، واستكمل دراسته وحصل على ماجستير في العلوم السياسية من الجامعة الأردنية عام 2007.

دراسة الحقوق كانت محطة في مسيرة الفنان المتعدد المواهب، الذي سرعان ما بزغت موهبته في الكتابة والتمثيل عبر المنصات المختلفة، المسرح والإذاعة والتلفزيون، وفي أثناء وجوده في مصر كان قد اتجه نحو المسرح، وعلى خشبة مسرح الأوبرا قدم عدة أعمال من المسرح العالمي.

مسيرته الفنية

بدأ الفنان والكاتب الأردني هشام يانس مسيرته الفنية في السبعينيات، إذ تميزت رحلته بالتنوع والابتكار. واكتسب شهرة واسعة بموهبته الفريدة في تقليد الشخصيات العامة والفنية والزعماء السياسيين، وهي الموهبة التي ظهرت عليه منذ كان في الـ12 من عمره. انطلقت مسيرته الفعلية من خلال برنامج "ليالي عمان"، حيث قدم تقليدا مميزا لشخصيات بارزة مثل الملك حسين، وياسر عرفات، وصدام حسين، وجمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، ومعمر القذافي، وبيل كلينتون، والإمام محمد متولي الشعراوي. كما أبدع في تقديم أغنيات شهيرة بأسلوب كوميدي مميز، مع تعديل الكلمات والاحتفاظ بالألحان الأصلية.

كوميديا برسائل مجتمعية

عرف يانس بأسلوبه المتفرد في الكوميديا، حيث دمج بين الطابع الفكاهي والنقد الاجتماعي في أعماله، متناولا قضايا تهم المواطن الأردني والعربي، مثل الفقر، والفساد، والبطالة. هذا المزج جعله قريبا من قلوب الجماهير، وأكسبه قاعدة شعبية واسعة في الأردن والوطن العربي.

محطات بارزة في مسيرته

حقق يانس نجاحا كبيرا بمسلسله التعليمي "المناهل"، الذي يعد من أبرز أعماله وأكثرها شهرة. يُعتبر هذا العمل من أهم البرامج التعليمية التلفزيونية في المنطقة، إذ استهدف تعزيز ثقافة الطفل العربي بأسلوب مشوق ومميز.

إعلان ثنائي كوميدي بارز

في مشوار الكوميديا، شكل يانس ثنائيا مميزا مع الفنان الأردني نبيل صوالحة في عروض مثل "أهلا نبيل وهشام". لاحقا، انضمت إليهما الفنانة أمل الدباس، وقدم الثلاثي سلسلة من المسرحيات السياسية الهادفة التي لاقت استحسان الجمهور. استمر هذا التعاون لمدة 7 سنوات قبل أن ينفصل الثنائي، ليكمل كل منهما مسيرته منفردا.

إرث مسرحي غني

قدم يانس مجموعة من المسرحيات التي جمعت بين النقد السياسي والاجتماعي، ومن أبرزها: "صدام" و"نظام عالمي جديد" و"أوكازيون" و"كل شيء للبيع" و"أهلا مؤتمر قمة عربي" و"الحصار الذي صار" و"السلام يا سلا" و"أهلا حكومة".

بهذا الإرث الفني الغني والمتنوع، رسخ هشام يانس مكانته بوصفه واحدا من أبرز الفنانين الأردنيين الذين نجحوا في الجمع بين الإبداع الفني والرسائل المجتمعية العميقة.

يمتلك هشام يانس مسيرة فنية حافلة بالإنجازات في مجالي الكتابة والتمثيل. كتب أكثر من 82 مسلسلا تلفزيونيا و15 مسرحية سياسية، من أبرزها: "نظام عالمي جديد"، و"مؤتمر قمة عربي"، و"التطبيع"، و"السلام يا سلام".

أما في مجال الدراما التلفزيونية، فقد أثرى الشاشة بأعمال مميزة، منها: "السيف الذهبي"، و"سيف الله المسلول: خالد بن الوليد"، و"علاء الدين أبو الشامات"، و"نور الدين زنكي"، و"في بيتنا حكاية"، و"مركب الهند"، و"نجاتي وحرمه".

وعلى صعيد التمثيل، شارك في عدة أعمال بارزة مثل "سوق الألغاز"، و"محاكمة بن المقفع"، و"قلعة الشطار"، و"جارية من نيسابور"، و"غرائب الدنيا". وكان آخر ظهور له على الشاشة بصفته ممثلا عام 2003 في مسلسل "نقطة وسطر جديد".

مناصب وجوائز: إرث مهني غني

لم تقتصر مسيرة الفنان الأردني هشام يانس على الكتابة والتمثيل فحسب، بل شغل عديدا من المناصب البارزة في المجال الإعلامي والفني. عمل مخرجا ومنتجا في الإذاعة الأردنية، كما انضم إلى هيئة الإذاعة البريطانية، وأسهم في تأسيس أول مسرح مدرسي في أبو ظبي، مما عزز من دوره في تطوير الفنون التربوية في الخليج. إضافة إلى ذلك، عمل في مراجعة النصوص التلفزيونية والمسرحية، مما أضاف بُعدا جديدا لإسهاماته الفنية.

إعلان

نال يانس تكريمات عديدة خلال مسيرته، أبرزها وسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الثانية الذي منحه إياه الملك عبد الله الثاني عام 2013، إضافة إلى وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، تأكيدا على تأثيره العميق في المشهد الفني والثقافي.

أزمة صحية ورحيل مؤثر

في عام 2007، تعرض هشام يانس لأزمة صحية إثر جلطة دماغية أقعدته عن العمل الفني، وأبعدته عن الأضواء، لكنه ظل حاضرا في وجدان جمهوره بأعماله التي تركت بصمة لا تُنسى في تاريخ الفن الأردني والعربي. على مدار مسيرته، كان يانس قدوة للفنانين الشباب، مقدّما قضايا إنسانية واجتماعية بجرأة وتفرد.

برحيله يوم 22 ديسمبر/كانون الأول، فقدت الساحة الفنية الأردنية أحد أبرز رواد الفن الساخر، تاركا وراءه إرثا فنيا غنيا ومتنوعا، سيظل علامة فارقة في تاريخ الفن العربي.

مقالات مشابهة

  • وفد ياباني في القليوبية للتأكد من تطبيق التوكاتسو بالمدارس
  • وفد ياباني يزور عددا من المدارس ويلتقي بمدير تعليم القليوبية
  • وفد ياباني يزور عدد من المدارس ويلتقي بمدير تعليم القليوبية
  • 5 أبراج بدرجة رائد أعمال.. لا تتردد في العمل تحت إدارتها
  • البزري هنأ بالاعياد: لتكن حافزا لاعادة بناء بلادنا على أسس عصرية
  • رحيل السيَاب رائد الشعر الحر في مثل هذا اليوم
  • قصة سجن رائد تكنولوجيا سرق وغسل مليارات من البيتكوين بمساعدة زوجته
  • الصيد بالصقور.. تراث الأجيال
  • هشام يانس.. رائد الفن الساخر وأيقونة الكوميديا الأردنية
  • الأديب عبدالرحمن مراد – رئيس الهيئة العامة للكتاب: تأثرت الحياة الثقافية بسبب العدوان على بلادنا والانقسامات في المشهد السياسي