أثير- عبدالرزّاق الربيعي

تعدّ الصورة اليوم من أهم وسائل الاتصال، ولها تأثير في عين وعقل المتلقّي، فهي ناطقة بذاتها، لا يعوزها الشرح، ولا تحتاج إلّا إلى عين مبصرة، وعقل تحليلي، فقد كسرت الصورة الحواجز اللغويّة، ومدّت جسور التواصل بين البشر في حالة غياب لغة الحوار المشتركة، وصحافة اليوم صحافة صورة، وتقوم بعض الصحف الكبيرة بتعيين مدير تحرير متخصص بوضع الشروحات على الصور التي تنشرها.

وهنا نستحضر صورة جيفارا المعروفة التي التقطتها عدسة المصوّر ألبرتا كوردا عام 1960م ونشرت بعد وفاته مقتولا في غابات بوليفيا في عام 1965 م، فالكثيرون يرجّحون أنّها ساهمت كثيرا في صنع أسطورته الشخصيّة، وكلّنا تسمّرنا على الشاشات في 30 سبتمبر 2000م، أيام الانتفاضة الثانية، ونحن نرى صورة الشهيد محمّد الدرّة التي التقطتها عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان مراسل قناة فرنسا2 وهو يحتمي من الرصاص خلف خزّان هزت ضمير العالم، وكانت كافية لا يصال رسالة بليغة للمجتمع الدولي عما يجري في الأراضي المحتلة، فالرصاص لا يفرّق بين صغير وكبير، ولا بين جندي في ساحة قتال، وطفل أعزل ليس له سوى حضن والده، وألهمت تلك الصورة الشعراء، ومن أبرزهم الشاعر محمود درويش :
“يعشش في حضن والده طائرا خائفا
من جحيم السماء: احمني يا أبي
من الطيران إلى فوق ! إن جناحي
صغير على الريح.. والضوء أسود
محمّدْ
يريد الرجوع إلى البيت، من
دون درّاجة ..أو قميص جديد
يريد الذهاب إلى المقعد المدرسيّ
إلى دفتر الصرف والنحو : خذني..
على شاطئ البحر، تحت النخيل
ولا شيء أبعدْ”
وظلّت الصورة شاهدا أقوى على الجريمة.

ولأنها تدرك دور الصورة في تمرير خطابها التكفيري، لجأت الجماعات المتشدّدة إلى الصورة، كوسيلة من وسائل تمرير هذا الخطاب، معتمدة على تقنيّات حديثة، وكاميرات متطوّرة، بشكل يثير أسئلة عديدة حول الجهات الخارجية التي تدعمها، وكلّنا نتذكّر الصور البشعة التي نشرتها هذه الجماعات في سنوات هيمنتها على أجزاء من العراق وسوريا، ومازال مشهد الطيّار الأردني معاذ الكساسبة ماثلا أمام أعيننا وهو في قفص الأسر يتلقى ألسنة النيران حتى تفحّم جسده .

واليوم نقف بكلّ أسى أمام صورة سوداء انتشرت عقب الحادث الإجرامي الذي جرى في الوادي الكبير، ولو تأمّلناها وحلّلنا محتواها، لوجدناها صورة نشاز، حاولت تلويث نصاعة الدشداشة العمانية، والمصرّ العماني الذي اعتاد أن يتوّج الحكمة، فهو حاضرا على الدوام في مواقع حلّ النزاعات، أمّا اليد التي تحمل الرشاشة التي أطلقت النار على قلوب تلهج بالدعاء في بيت من بيوت الله، فهذه اليد اعتادت على المصافحة والسلام، لذا فالمشهد يبدو غريبا، واختفت سماحة الوجوه، وهدؤها، فالوجوه الثلاثة التي ظهرت في الصورة وجوه غاضبة، تنطوي على كراهيّة عارمة، والراية السوداء التي ظهرت في خلفيّة الصورة، راية لا مكان لها في أرض راياتها بيض وخضر كثيرا ما ارتفعت في سوح المحبّة والسلام، فهذه الصورة لا مكان لها في (البوم) السماحة والاعتدال العماني، لذا جرفها الوادي الكبير.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: ة التی

إقرأ أيضاً:

العنف يهدد بحرب إقليمية في الكونغو الديمقراطية

أحمد شعبان (كينشاسا، القاهرة)

أخبار ذات صلة غوتيريش: تجدد الحرب في غزة سيكون كارثياً «الأونروا»: التخلص من الوكالة لن ينهي قضية اللاجئين

حذر خبراء في الشأن الأفريقي والإرهاب الدولي، من اندلاع حرب إقليمية في جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد تصاعد الاشتباكات بين الجيش وحركة «إم 23» المسلحة، كما حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من تفاقم الأزمة الإنسانية، مع عدم القدرة على الوصول إلى النازحين وتوفير المساعدات للمحتاجين. وكشفت الأمم المتحدة عن أن أعمال العنف في شرق الكونغو دفعت نحو 42 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، إلى اللجوء إلى بوروندي خلال أسبوعين، وتتوقع وصول 58 ألف شخص خلال ثلاثة أشهر.
وأوضح الباحث في شؤون التنظيمات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، أن أغلب الجماعات المسلحة في أفريقيا قوية وتلقى دعماً خارجياً، فضلاً عن أن الدولة المركزية في أغلب العواصم تبدو ضعيفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في مواجهة التنظيمات الإرهابية، والكونغو الديمقراطية إحدى هذه الدول.
وأشار أديب في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن الجماعات المتمردة موجودة منذ فترة طويلة ما أدى إلى عدم استقرار سياسي في كثير من دول القارة السمراء، وبالتالي فإن حركة «إم 23» المسلحة تظل تقاتل في الكونغو نتيجة ضعف الدولة أمام الجماعة المدعومة من دول أخرى في الجوار.
وحذر من خطورة بعض الجماعات المسلحة في الكونغو والتي أخذت صبغة دينية متطرفة، وهي في الأصل ميليشيات عسكرية تنتمي لتنظيم «القاعدة» أو «داعش» أو غيرها من التنظيمات الإرهابية المحلية والإقليمية داخل القارة الأفريقية وتقاتل هذه الدول.
ويرى أديب أن الاتحاد الأفريقي والمؤسسات في القارة السمراء تتحمل مسؤولية دعم الدول المركزية ومنها الكونغو، وتتحمل جزءاً من ضعف هذه الدول في مواجهة التنظيمات المتطرفة، خاصة أنها لم تبحث عن طرق وحلول مؤثرة في المواجهة العسكرية والفكرية مع هذه الجماعات. وتتنافس أكثر من 100 جماعة مسلحة للسيطرة على المنطقة الشرقية الغنية بالمعادن في الكونغو الديمقراطية خلال الصراع المستمر منذ عقود، والذي أسفر عن إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
من جهته، أوضح نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير الدكتور صلاح حليمة، أن المشكلة الرئيسة في الكونغو تكمن في أن حركة «إم 23» الجناح المسلح لإثنية التوتسي، وهناك صراع على الثروة والسلطة خاصة في منطقة «غوما» التي استولت عليها الحركة المتمردة.
ولفت السفير حليمة في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى وجود حركة إثنية أخرى في الكونغو من «الهوتو»، وهي جماعة متطرفة تدخل في إطار الصراع الأيديولوجي، وتميل لتأييد الحكومة، وفي نفس الوقت لها رؤية تتعلق بشكل وطبيعة النظام السياسي للكونغو، وبالتالي فإن الصراع ليس حرباً داخلية فقط، إنما هناك أدوار إقليمية داعمة لحركة التمرد من جانب دول أخرى.
وذكر أن هناك محاولات كثيرة لإنهاء الصراع في الكونغو من جانب كينيا وتانزانيا، والتجمعات الإقليمية مثل «مجموعة شرق أفريقيا»، ومجموعة «تنمية الجنوب الأفريقي السدك»، لكن لم تنجح، كما أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو القوات الشرطية لم تستطع أن تسيطر أو تحول دون إنقاذ الموقف.

مقالات مشابهة

  • عصام الحضري يروي سبب المشادة مع الإعلامي العماني أحمد الرواس
  • الأصول الأجنبية لـالمركزي العماني ترتفع إلى 18.4 مليار دولار في ديسمبر
  • لذيذة وسهلة.. طريقة عمل الهريس العماني
  • كم يوما يفصلنا عن بداية الربيع؟| موعد نهاية الشتاء وبدء الاعتدال الربيعي.. تفاصيل
  • مكافحة الإرهاب في الساحل.. بين الضرورات الأمنية والتحديات السياسية
  • ميتروفيتش يصل إلى الرياض بعد الفحوصات التي أجراها في صربيا
  • "تعالى نعيش".. صورة محمد صلاح ونانسي عجرم تثير التفاعل
  • لأنه بلد غير آمن.. بريطانيا تحذر مواطنيها من السفر إلى الجزائر
  • العنف يهدد بحرب إقليمية في الكونغو الديمقراطية
  • تصنيف الدوري العماني يتقدم للمركز الـ17 قاريا