عبد الرزاق الربيعي يكتب: صورة سوداء جرفها الوادي الكبير
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
أثير- عبدالرزّاق الربيعي
تعدّ الصورة اليوم من أهم وسائل الاتصال، ولها تأثير في عين وعقل المتلقّي، فهي ناطقة بذاتها، لا يعوزها الشرح، ولا تحتاج إلّا إلى عين مبصرة، وعقل تحليلي، فقد كسرت الصورة الحواجز اللغويّة، ومدّت جسور التواصل بين البشر في حالة غياب لغة الحوار المشتركة، وصحافة اليوم صحافة صورة، وتقوم بعض الصحف الكبيرة بتعيين مدير تحرير متخصص بوضع الشروحات على الصور التي تنشرها.
وهنا نستحضر صورة جيفارا المعروفة التي التقطتها عدسة المصوّر ألبرتا كوردا عام 1960م ونشرت بعد وفاته مقتولا في غابات بوليفيا في عام 1965 م، فالكثيرون يرجّحون أنّها ساهمت كثيرا في صنع أسطورته الشخصيّة، وكلّنا تسمّرنا على الشاشات في 30 سبتمبر 2000م، أيام الانتفاضة الثانية، ونحن نرى صورة الشهيد محمّد الدرّة التي التقطتها عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان مراسل قناة فرنسا2 وهو يحتمي من الرصاص خلف خزّان هزت ضمير العالم، وكانت كافية لا يصال رسالة بليغة للمجتمع الدولي عما يجري في الأراضي المحتلة، فالرصاص لا يفرّق بين صغير وكبير، ولا بين جندي في ساحة قتال، وطفل أعزل ليس له سوى حضن والده، وألهمت تلك الصورة الشعراء، ومن أبرزهم الشاعر محمود درويش :
“يعشش في حضن والده طائرا خائفا
من جحيم السماء: احمني يا أبي
من الطيران إلى فوق ! إن جناحي
صغير على الريح.. والضوء أسود
محمّدْ
يريد الرجوع إلى البيت، من
دون درّاجة ..أو قميص جديد
يريد الذهاب إلى المقعد المدرسيّ
إلى دفتر الصرف والنحو : خذني..
على شاطئ البحر، تحت النخيل
ولا شيء أبعدْ”
وظلّت الصورة شاهدا أقوى على الجريمة.
ولأنها تدرك دور الصورة في تمرير خطابها التكفيري، لجأت الجماعات المتشدّدة إلى الصورة، كوسيلة من وسائل تمرير هذا الخطاب، معتمدة على تقنيّات حديثة، وكاميرات متطوّرة، بشكل يثير أسئلة عديدة حول الجهات الخارجية التي تدعمها، وكلّنا نتذكّر الصور البشعة التي نشرتها هذه الجماعات في سنوات هيمنتها على أجزاء من العراق وسوريا، ومازال مشهد الطيّار الأردني معاذ الكساسبة ماثلا أمام أعيننا وهو في قفص الأسر يتلقى ألسنة النيران حتى تفحّم جسده .
واليوم نقف بكلّ أسى أمام صورة سوداء انتشرت عقب الحادث الإجرامي الذي جرى في الوادي الكبير، ولو تأمّلناها وحلّلنا محتواها، لوجدناها صورة نشاز، حاولت تلويث نصاعة الدشداشة العمانية، والمصرّ العماني الذي اعتاد أن يتوّج الحكمة، فهو حاضرا على الدوام في مواقع حلّ النزاعات، أمّا اليد التي تحمل الرشاشة التي أطلقت النار على قلوب تلهج بالدعاء في بيت من بيوت الله، فهذه اليد اعتادت على المصافحة والسلام، لذا فالمشهد يبدو غريبا، واختفت سماحة الوجوه، وهدؤها، فالوجوه الثلاثة التي ظهرت في الصورة وجوه غاضبة، تنطوي على كراهيّة عارمة، والراية السوداء التي ظهرت في خلفيّة الصورة، راية لا مكان لها في أرض راياتها بيض وخضر كثيرا ما ارتفعت في سوح المحبّة والسلام، فهذه الصورة لا مكان لها في (البوم) السماحة والاعتدال العماني، لذا جرفها الوادي الكبير.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: ة التی
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: قاموس الأفكار
مع إسحق
إسحق أحمد فضل الله
قاموس الأفكار
أستاذ …. تقول التجويد هو كل شىء
وبعض التجويد هو
الحاجة التي يأتى إليها من يشتري الفضلات البشرية/ وكانوا يستخدمونها سمادا/ تجادل المشتري في السعر وتقول له
:: شوف براك …. نحن مش بنبيع بضاعة مغشوشة…
٢
وأيام الشباب كان بعض ما يفسد علينا المتع هو أننا نبحث عن تفسير لكل شىء
والنفس ترفض تمجيد الإعلام والناس لشىء أبله مثل … الديمقراطية …
والإعلام يمدح الديمقراطية مثل مديح
الحاجة أعلاه لبضاعتها / المديح هذا كان رفضه في النفس.. قويا
و(بطولة وإستشهاد) الشيوعيين مثلا كان عملا حقيقيا … لكن النفس كانت ترفضه لسبب لا نعرفه
ثم جاءت قصة صغيرة وشرحت
وفي القصة
التلميذ الذي ينهال عليه المعلم الفظ بالتأنيب يحزن … والصغير العاجز عن الإنتقام يحلم بالإنتقام. وفي أحلامه يتصور إنه يموت من التأنيب هذا. وإنه يرقد على الفراش ميتا. والناس حوله. يمجدونه والناس ينهالون على المعلم بالتقريع والإذلال
والمعلم راكع على ركبتيه يبكي من الندم والناس في خيال الصبي يحملونه على الرؤوس وهو/ الصبي/ مستمتع غاية الاستمتاع بهذا المجد…
عقل الصبي هذا وتصوره للموت والآخرة هو ذاته تصور الكثير من الزعماء والأبطال و…و..الذين يموتون (في سبيل الشعب….أو في سبيل الديمقراطية. أو. فى سبيل وسبيل)
وحكاية قديمة ومؤلمة ترسم حكاية تصور الناس لما يحمله الآخرون لهم. وكيف أن كل شىء أنما هو….وهم من الأوهام
والحكاية فيها
المرأة الميتة فى قبرها تسمع خشخشة على سطح قبرها
والمرأة الملهوفة تشهق قائلة
:: هااه…أهذا أنت يازوجي العزيز….كنت أعرف ادأنك لن تنساني
والصوت من على سطح القبر يقول في ارتباك
؛؛ لا..لا…عفوا. أنا لست زوجك …. زوجك في الحقيقة. اا اا. تزوج أخرى قبل شهور
والمرأة بلهفة أقل تسأل
:: أهو أنت أذن يا أبني العزيز … كنت أعرف إنك لن تنسى أمك ولن تنسى الإطعام. والدفء في الشتاء و..
والصوت فوق سطح القبر يقول
:: عفوا…. أنا. أنا لست أبنك…أبنك رحل إلى مدينة أخرى منذ سنوات
والمرأة التي يخفت صوتها بعد كل خيبة أمل تظل تسأل… أهو أنت يا فلان يافلان ياجاري. ياصديقي. أهو أنت؟
والصوت ينفي أنه فلان أو فلانة
أخيراً. المرأة تسأل صاحب الصوت
:: أذن…. من أنت؟
والصوت يقول
: أنا كلبك شارون
والمرأة المدفونة تصيح
:: نعم. نعم. كلبي الوفي. الذى يذكرني بعد أن نسيني الناس… كيف حالك ياحبيبي العزيز
والصوت يقول فى ارتباك
؛؛ عفوا… أنا. أنا… إنما كنت أريد أن أدفن عظمة لآكلها غدا. ولم أكن أعرف أن هذا القبر هو قبرك
…….
تصور الناس للموت والوجود والبطولة والخلود. الخلود. الخلود. واحتفاظ الناس بذكراهم. أشياء صورتها هي هذه
………
(3)
وحسني مبارك. وزين العابدين. وناصر. وحزمة الرؤساء الذين ذهبوا بعد التمجيد الطويل. تنظر أنت فتجد أن كل واحد منهم تتفنن الشاشات في جرجرة فضائحهم بعد سقوطهم
إلا البشير ….. إلا البشير … إلا البشير
…………..
(4)
و….
مقال يوجز العالم اليوم …مقال عمره عشرون سنة لكن يكفي
قال؛ من يملك القنبلة الذرية فى الشرق؟
الجواب: إسرائيل
السؤال: من الذي قام بطحن وقتل مئات الآلاف في فلسطين والأردن وسوريا و…
الجواب: إسرائيل
السؤال::: ….؟
الجواب: إسرائيل
السؤال رقم ألف (عمن فعل كل جريمة فى الأرض)
الجواب!! إسرائيل
السؤال: من الذي تضربه أمريكا وأوروبا؟
الجواب:: فلسطين
هذا. وما زال البعض يسأل عن…الحق والباطل في العالم
…..
(٥)
هذا كله. أعلاه. ليس أكثر من مزبلة نزحزحها بالأصابع بحثا عن أيامنا
أيام كان عندنا كل شىء
الشباب والسينما الجيدة والكتب الرائعة والصحف التى كان لها مذاق الرغيف الساخن. وطعمه وقضمه على جوع..
وفي السينما كانت القضايا المملة تقدم بتشويق حلو
والخيط الرفيع (الإسم يشير إلى سلك التلفون)
كان فيلما يمضي لزمن طويل وليس على الشاشة إلا سيدنى بويتييه … النجم الأسود الذى لم يتفوق عليه أحد حتى اليوم
وبوتييه على الشاشة كان محامي تحت التمرين وفي منتصف الليل تتصل به فتاة … والفتاة تخبره أنها ضربت الرقم اعتباطا
وأنها إنما تريد أن تحدث أحدا…. أي أحد… في آخر لحظات حياتها. قبل أن تنتحر…
وكان على هذا الشاب الأسود أن يوقف الانتحار هذا…
وسيدنى يحدث الفتاة. برقة. بعنف….بالنكتة…بالحكاية
والشاب / وحتى لا تشعر الفتاة بشىء/ يفعل المستحيل ليدعوا أحدا. ويجعله يتصل بالشرطة
….المشاهدون فى قاعة السينما نسوا التدخين….نسوا. التسالى…نسوا الحديث..
وعيونهم ووجودهم كله يلتصق بالشاشة وحين تحكى الفتاة نكتة للشاب يخيل إليك أن المتفرجين كانوا يكتمون الضحك حتى لا تسمعهم الفتاة وتعلم بوجود آخرين…
كان ذلك أيام كانت السينما….سينما
والحياة…حياة
ولعنة الله على من كانوا السبب من (أعراب البوادي وأعراب البنايات ناطحات السحاب)
على حدود إثيوبيا/ أرتريا….الأصبع على الزناد
أفورقى يطلب / أو يخير/ المعارضة السودانية هناك بين القتال مع جيشه وبين مغادرة أرضه.
إسحق أحمد فضل الله
الوان