حول كتاب أحمد الشاهي “مَوْضُوعات من شمال السودان”
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
حول كتاب أحمد الشاهي "مَوْضُوعات من شمال السودان"
دينيس تيلي Dennis Tully
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه ترجمة لعرض موجز لكتاب " Themes from Northern Sudanمَوْضُوعات من شمال السودان" للبروفيسور أحمد الشاهي، الذي يعمل زميل أبحاث في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد البريطانية (https://shorturl.
وكان أحمد الشاهي قد أنجز رسالته للدكتوراه عن الشايقية في نوري في منتصف ستينيات القرن العشرين (اُنْظُرْ مقال ب. محمد زين العابدين عثمان https://shorturl.at/r845O).
نُشِرَ هذا العرض في العدد الأول من المجلد رقم 22 لمجلة "Middle East Studies Association Bulletin نشرة جمعية دراسات الشرق الأوسط " الصادرة في شهر يوليو من عام 1988م، في صفحتي 94 -95.
المترجم
************* ************ ***********
أعاد تَسَنُّم السيد الصادق المهدي زعيم طائفة الأنصار لرئاسة مجلس الوزراء (عام 1986م) تأكيد أهمية الدور السياسي للطرق الطائفية في السودان. وفي هذا الكتاب (الذي صدر عام 1986م) ركز المؤلف على طائفة الختمية في قرية نوري بمنطقة الشايقية. وفي خمس مقالات - لا تخلو من التكرار – تناول المؤلف تاريخ طائفة الختمية وقادتها، وأتى على أهميتها في العملية السياسة. ويعزوا الكاتب استمرار سلطة ونفوذ تلك الطائفة، إلى حد كبير، لانعدام الفكر والتعليم عند أتباعها وخاصة بين النساء. ومع ذلك، لا يقدم المؤلف سوى القليل من الاعتبار لبرامج الأحزاب أو لعوامل أخرى قد تؤثر على الناخبين، والبيانات المتعلقة بزعم هذا المؤلف وكيفية جمعها غامضة إلى حد ما.
ويجد القارئ في فصل الكتاب المعنون "Pride and vilification الافتخار والمشاتمة" ترجمةً جزئية مع قليل من التعليق لمطارحة / لمبارزة شعرية بين رجل شايقي وآخر دنقلاوي. وتوضح تلك المطارحة – بطريقة حسنة - النقاط التاريخية والمهنية والشخصية لهوية المجموعتين العرقيتين. وأورد المؤلف النص الكامل لتلك المطارحة في ملاحق الكتاب. ومن المثير للاهتمام أن المؤلف في الفصل التالي من كتابه أوضح نجاح السياسات الرامية إلى زيادة إنتاج السوق في نوري. غير أنه يبدو أن البيانات المقدمة في كتابه تتناقض مع إسناده ذلك النمو إلى "المبادرة الفردية" (عند السكان). وهذا أمر مهم لأنه يعني ضمناً أن التخلف في أماكن أخرى من السودان هو نتيجة للخصائص الشخصية وليس للسياسات التي تُؤْثِر وادي النيل.
ومن الملاحظ أن المؤلف لم يلتزم في كل فصول كتابه بالاستشهاد الصحيح (proper citation) لما سبق نشره من أبحاث، خاصة في الفصل الذي خصصه للزار. فعلى الرغم من أنه أورد في ثبت مراجع كتابه بعض ما كُتِبَ سابقا عن الزار، إلا أنه لا يفرق في كتابه بين مساهمته الشخصية وبين مساهمات الآخرين (مثل باركلي ولويس وآخرين (1) التي نُشِرَتْ قبل سنوات طويلة.
أما بقية المقالات في هذا الكتاب فإنها تتناول – بشكل غير نقدي - بعض النقاط الشائعة والمألوفة لدى الكثيرين. وإحدى تلك الصورة النمطية القديمة هي "الكرم والضيافة العربية الفريدة التي ليس لها من نظير"، وكذلك الفكرة السائدة حالياً بين المثقفين العرب التي تزعم بأن "طريقة الحفظ عن ظهر قلب في الخلاوى تقود إلى تقنيات مماثلة أو مشابهة في التعليم العلماني، وبالتالي تقلل من الفكر الإبداعي".
وفِهرِس هذا الكتاب قليل الفائدة ومحدود الاستخدام، فقد أدخل المؤلف فيه بإفراط شديد الكثير من أسماء الأشخاص والأماكن، وبعض الكلمات العربية الدارجة، من غير أن يقدم حولها معلومات سياقية (contextual information). فعلى سبيل المثال أورد المؤلف في فهرس كتابه كلمتي "عقدة نفسية" و"نرفزة" للدلالة على بعض الأعراض النفسية للاستحواذ الروحي spirit possession (2).
وتشير تلك العيوب في هذا الكتاب (خاصة في فهرسه، والأخطاء الطباعية الكثيرة في نصوصه، وعدم مراجعة مقالات الكتاب من أجل ازالة الازدواجية فيها (وتلك المقالات كانت قد نُشِرَتْ جميعاً من قبل، بل كان بعضها قد نُشِرَ مرتين!) إلى أن المؤلف والناشر لم يخصصا وقتاً كافياً لإخراج هذا الكتاب الذي كان من المحتمل أن يكون كتاباً جاذباً ومثيراً للاهتمام. وعلى الرغم من صغر حجم هذا الكتاب، إلا أن أنه لا يلفت الانتباه، خاصة وأن صفحاته الـ 152 تتضمن 8 صفحات في المقدمة و10 صفحات من النصوص العربية الأصلية.
ستقدم جمعية دراسات الشرق الأوسط البريطانية خدمة جليلة للمؤلفين والقراء من خلال رفع معاييرها في هذه السلسلة من الإصدارات.
******
إحالات مرجعية
1/ هذه أمثلة لبعض المراجع السابقة التي تناولت الزار:
Barclay HB. Buurri al Lamaab: a suburban village in the Sudan. 1964
Grandin N. Cloudsley, Anne.-Women of Omdurman. Life, Love and the Cult of Virginity. Cahiers d'études africaines. 1985;25:267.
Lewis IM. Ecstatic Religion: An Anthropological Study of Spirit Possession and Shamanism. Penguin Books; 1971
2/ للمزيد عن هذه الحالة يمكن النظر في الروابط: https://shorturl.at/gqZeE
https://shorturl.at/uy2lE
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B0_%D8%B1%D9%88%D8%AD%D9%8A
alibadreldin@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذا الکتاب
إقرأ أيضاً:
نقد لمقال فيصل محمد صالح بعنوان: “علامان من حرب السودان – لم ينجح أحد”
أول ما يلفت الانتباه في هذا المقال ليس عمق التحليل أو قوة المنطق، بل ما يختبئ خلف الكلمات من تحيّز فج وموقف ضبابي يتخفى خلف قناع “الحياد الزائف”. الكاتب، المعروف بانتمائه السابق لقوى الحرية والتغيير (قحت)، وهي ذات القوى التي تساهلت تاريخيًا مع تمدد المليشيات داخل الدولة، والتي وقعت معها الاتفاق الإطاري و اتفاق أديس ابابا و غيرها من التحالفات، يحاول في هذا المقال عبثًا أن يوهم القارئ بأنه يتناول الحرب من منظور إنساني عام، بينما في الواقع، يضرب على وتر خبيث وهو: تبرئة المليشيا وتجريم الحرب بحد ذاتها، دون تحميل المعتدي المسؤولية.
*أولاً: الخلط المقصود بين الجلاد والضحية*
الكاتب يزعم أن “الجميع خسر ولم ينجح أحد”، وهو تعميم رخيص وكسول. الحقيقة أن من بدأ الحرب هو المليشيا المتمردة، ومن ارتكب الجرائم الموثقة ضد المدنيين في الخرطوم، وود نورة، والتكينة، والفاشر، هم عناصر “قوات الدعم السريع”، باعتراف المنظمات الدولية. ومع ذلك، يصر الكاتب على مساواة الضحية بالجلاد. هذا ليس فقط تضليلاً إعلاميًا، بل هو تواطؤ أخلاقي فاضح.
*ثانياً: استراتيجية “التذاكي” لتبرئة المليشيا*
في الوقت الذي يعدد فيه الكاتب جرائم المليشيا من هجوم على معسكرات النازحين، إلى قصف الأحياء السكنية، نجده يختم كل فقرة بمراوغة: “الحرب هي السبب”، وكأن الحرب كائن نزل من السماء، لا طرف بدأها، ولا مجرم قادها. هذا أسلوب معروف، هدفه تبرئة الفاعل الحقيقي وطمس معالم الجريمة، بل وشرعنتها.
*ثالثاً: ادعاء حياد كاذب لتبييض صورة المليشيا*
القول بأن “الجيش السوداني أيضاً يرتكب جرائم مثل المليشيا” هو محاولة بائسة لتسويق مقولة مهترئة تجاوزها الوعي الجمعي للشعب السوداني. هذا التكتيك المفضوح أصبح اليوم سُبّة، ودليل دامغ ضد أي كاتب يستخدمه. الفارق بين جيش نظامي يحارب لحماية الدولة، وبين مليشيا نهب وقتل واغتصاب، لا يمكن محوه بعبارات صحفية متذاكية.
*رابعاً: التباكي على الرموز دون إدانة الفاعلين*
حتى حين يذكر مقتل الطبيبة هنادي النور، لا يجرأ الكاتب على تسمية القاتل الحقيقي بوضوح، ولا يحمّل المليشيا المسؤولية. بل يعيد الكرة مرة أخرى ويلجأ للعبارات العامة: “ضحية الحرب”، “الخسائر الإنسانية”، وكأن هنادي سقطت من السماء، لا برصاص معلوم المصدر والنية في جريمة حرب تحرمها القوانين الدولية.
*خامساً: التباكي المبتذل على “الانقسام المجتمعي”*
الكاتب يذرف دموع التماسيح على “تفكك المجتمع”، لكنه يتجاهل أن المليشيا هي من غذّت الخطاب القبلي، واستهدفت مجموعات بعينها بالتصفية والاغتصاب، وهي التي زعزعت أسس التعايش. من الغريب أن مقالاً بهذا الطول لا يحتوي إدانة صريحة لهذه الفظائع، بل يمر عليها بخفة مريبة، وكأنها تفاصيل جانبية.
*خلاصة القول:*
هذا المقال نموذج صريح للحياد الزائف، الذي يستخدم قناع “التحليل الإنساني” لتبييض صفحة المليشيا، وتشويه صورة الجيش السوداني، والتهرب من إدانة المعتدي. إنه خطاب مائع ومشبوه، يتبناه من لم يعد يجرؤ على الوقوف علنًا مع المليشيا، فيلجأ إلى التذاكي، والتعميم، والمراوغة. ومثل هذا الطرح، بعد عامين من المجازر، لم يعد فقط غير مقبول، بل أصبح دليلاً على التواطؤ الأخلاقي مع القتلة.
د. محمد عثمان عوض الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب