اختناق حكومة بورتسودان ونهاية السياسة
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
أحمد ضحية
أي حاجة في الدنيا دي عندها قوانين ما مطلوقة ساي، عشان تحكم عليها لازم على الأقل يكون عندك وعي بقوانينها العامة. بداية بالقوانين التي تسير الكون، نهاية بالقوانين التي تجعل السمكة تتنفس تحت الماء، دون أن تغرق!
يعني لما تسمع "هردبيس" كتير من اللايفاتية والفيسبوكيين وصحافيين الأُجرة وبنكك، وهم بيتغالطوا: مين اتصل على مين.
أن أهم ما تتسم به السياسة في تنفيذ أهدافها، هو تميزها بأنها عامة: "ليست مزاجية أو قبلية أو جهوية أو عرقية"، كما أنها تحتكر (وسائل الإكراه) أو العنف، كالجيش والشرطة والأمن والمخابرات. إلى جانب تمتعها بالشرعية. فهل تتمتع (حكومة بورتسودان) وسياساتها بأي من ذلك؟!
وإذا السياسة هي (رعاية شؤون الدولة) الداخلية والخارجية، السؤال البديهي هنا: هل ما حدث وظل يحدث في السودان البنعرفه دة، وليس السودان الموجود في خيال (العطا والبلابسة)، عنده أي علاقة برعاية شؤون الدولة أم بتدميرها؟
وإذا السياسة هي (دراسة السلطة) التي تحدد من يحصل على ماذا ومتى وكيف. بمعنى (دراسة تقسيم الموارد) في المجتمع عن طريق (السلطة)، هل ما ظل ساسة دولة 1956 يمارسونه تاريخياً وحتى الآن بأجيالها المختلفة، له أدنى علاقة بتقسيم الموارد على المجتمعات السودانية؟
إذا عنده علاقة، إذن لماذا اندلعت الحرب في جنوب السودان في 1955 إلى أن انتهت بانفصال الجنوب في 2011. ولماذا تأسس مؤتمر البجا في 1957. ولماذا بدأت منذ الخمسينيات تتأسس حركات دارفورية (مطلبية) بدأت (بسوني) مروراً (باللهيب الأحمر) ثم (نهضة دارفور) عبر العقود، وصولاً إلى حركة (تحرير دارفور) في 2002. وقس على ذلك نشوء وتطور الحركات المطلبية في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان!!
على ماذا يدل كل ذلك؟
يدل على أن هناك "اختلال حقيقي ومخيف في ميزان توزيع السلطة والثروة في السودان"، منذ استقلاله وحتى هذه اللحظة! ولذلك ظلت كل حرب تلد حرباً أخرى!! بمعنى أن هذا الاختلال هو (المصدر الرئيسي) الذي يغذي كل المشكلات الأخرى! و لنتخلص من هذه المشكلات الأخرى، يجب أن نعالج مشكلة (مصدر المشكلات)، أو ما درج المثقفين و (السياسيين المحترفين) على توصيفه بقولهم: "مخاطبة جذور الأزمة".
ودة يحيلنا هنا لموقف الداعمين بوعي أو بدونه لتدمير علاقات السودان الإقليمية والدولية، و لاستمرار هذه الحرب اللعينة!.. فمخاطبة جذور الأزمة ليست لصالحهم، لأنهم مستفيدين من هذا الاختلال، خصماً على المجتمعات السودانية كافة!
ومخاطبة جذور الأزمة ستنزلهم من أبراجهم الحصينة، و تحرمهم من القدرة على الفساد والإفساد، والنهب المنظم للثروات وتهريب الموارد. وتحولهم من جنرالات متسلطين وفاسدين و مثقفين ونخب دينية دعائية وإعلامية وسياسية، لمواطنين عاديين كباقي خلق الله من السودانيين، ليس لديهم حقوق أكثر من غيرهم، وفي نفس الوقت لهم واجبات كغيرهم، بما في ذلك القتال في الجبهات الساخنة، أُسوةً بغيرهم من أبناء غمار السودانيين!
لكن ما يهمنا الآن في هذا المنعطف الخطير، الذي يمر به السودان، أن السياسة هي (فن الممكن)؛ بمعنى "دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعياً"، وهنا لا أعني (الخضوع) للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات (القوٌة والمصلحة). لا، وإنما أعني ما هي حدود ممكناتنا وفقاً للواقع الماثل على الأرض؟
الواقع على الأرض يقول أن "جمهورية بورتسودان" سرعان ما ستختنق بكماشة قوات الدعم السريع، بمجرد سقوط (الدمازين والقضارف). وستلفظ أنفاسها حتى بدون اقتحام هذه القوات لبورتسودان!
والواقع يقول أن الكيزان وحلفائهم، أضاعوا كل الفرص التي تتيح لهم البقاء في المشهد السياسي كلاعبين أساسيين. والواقع يقول أن الدعم السريع رقم ولاعب أساسي فاعل، لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، مهما تكاثفت مساعي شيطنته! والخيار العقلاني والواقعي الأمثل، هو الوصول معه لحل تفاوضي، وإن أي كلام غير ذلك على شاكلة (حسمه عسكريا) بالاستمرار في الحرب، لن يقود سوى إلى تمزيق ما تبقى من الدولة السودانية.
والأمر كذلك، لا مناص من تحلي كل الأطراف بروح المسؤولية الوطنية، والعمل على أن تؤدي المفاوضات الجارية والتي ستجري إلى إيقاف الحرب، وانتاج قرارات ملزمة للطرفين لإقرار السلام الدائم، وابتكار آليات خلاقة لإلزام المجتمعات السودانية المنقسمة بهذه القرارات، ويجب أن لا تكتفي هذه القرارات بمخاطبة القيم المادية فحسب، بل عليها أن تتناول أيضاً القيم المعنوية لمجتمعات السودان الكبير.
ويجب أن ندرك أن أي قرارات لا تخاطب مطالب وضغوط الحرب، ستكون تحصيل حاصل. وأن ضمان تنفيذها يجب أن يتم عن طريق الجدية والتحلي بروح المسؤولية الوطنية، في تحقيق أهداف إيقاف الحرب، بحيث تكون آخر الحروب، بالحرص على مخاطبة جذور الأزمة السودانية كما وصفناها في بداية هذا المقال.
الممكنات التي أشرنا إليها سابقاً، يجب تصريفها في الخطابات السياسية والاعلامية والدعائية، ضمن خطط الأفراد في وسائل التواصل الاجتماعي والجماعات والمؤسسات والنخب، وفقاً لنظام تفكير "حلول الأزمة" وليس تعقيدها أكثر مما هي معقدة فعلاً. وإدراك أهمية العمل على التوفيق بين التوجهات الأيديولوجية المختلفة والتفاعلات بين أفراد المجتمعات السودانية، وابتكار آليات تفريغ العنف و الغبائن و الإحن والعداوات والنزوع العنصري أو ما درجنا على تسميته بخطاب الكراهية.
ahmeddhahia@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: جذور الأزمة
إقرأ أيضاً:
الموانئ السودانية بين مطامع الاستثمار الأجنبي ومحاولات تشويه صورة البجا لإفشال الإدارة المحلية
مقدمة:
في ظل التنافس الدولي المتصاعد للسيطرة على سواحل البحر الأحمر، تبرز الموانئ السودانية كإحدى أهم الأهداف الاستراتيجية لمختلف الدول، بما في ذلك الصين عبر مشروع "طريق الحرير" ومطامع أخرى من دول إقليمية وعالمية تسعى لتعزيز نفوذها التجاري والعسكري.
وسط هذه الأجواء، تتعالى الأصوات التي تهاجم إدارة الموانئ المحلية، متهمة إياها بالفشل والفساد، بالإضافة إلى حملات منظمة تهدف لتشويه صورة شعب البجا الأصيل الذي كانت ولا تزال الموانئ السودانية في أرضه منذ نشأتها. هذه الاتهامات، التي تفتقر لأدلة موثوقة، تثير الشكوك حول وجود دوافع سياسية واقتصادية خفية تسعى لتهيئة الأجواء أمام الاستثمارات الأجنبية.
فهل هذه الانتقادات تعكس واقعًا بائسًا، أم أنها جزء من مخطط خبيث يستهدف إفشال الإدارة المحلية وتشويه صورة العمال الرافضين لبيع المواني وتخصيصها وتسليم الموانئ لمستثمرين أجانب؟
1. خبث التشويه الممنهج ضد البجا:
ما تطرحه بعض الجهات من اتهامات بسرقة أمتعة المسافرين وتهديدهم، مع التركيز على أن معظم العمال ينتمون لمكونات شعب البجا، يعكس نية مبيتة لتشويه صورة هذا الشعب الأصيل المعروف عبر التاريخ بأمانته ونزاهته.
جميع الموانئ السودانية، أنشئت على أرض البجا منذ القدم، لم يسجل التاريخ أي حوادث تقدح في أمانتهم أو نزاهتهم، مما يجعل هذه الاتهامات تبدو كحملة مدروسة تستهدف إضعاف موقفهم الرافض لبيع الموانئ أو تأجيرها لجهات أجنبية.
إن الربط بين هذه الاتهامات وبين توقيت الحديث عن عقود استثمارية مع جهات خارجية يُظهر بوضوح الخبث السياسي والمكر الذي تمارسه بعض الجهات لتحييد البجا وإقصائهم من مشهد الدفاع عن سيادة الموانئ.
الهدف هنا يبدو واضحًا: إضعاف ثقة الرأي العام بشعب البجا وتسويغ قرارات تسليم الموانئ لاستثمارات أجنبية على أنها خطوة ضرورية لإنقاذ المرافق .
2. الأبعاد السياسية والاستراتيجية: مطامع الاستثمار الأجنبي:
البحر الأحمر يمثل شريانًا استراتيجيًا للتجارة العالمية، والموانئ السودانية تُعد بوابة رئيسية للتجارة الأفريقية.
ومع دخول الصين بمشروع "طريق الحرير" ومشاركة دول أخرى خليجية واوربية ، يتزايد التنافس على هذه الموانئ مع الدور الاستراتيجي الذي تلعبه روسيا والولايات المتحدة الامريكية في المنطقه.
في هذا السياق، تبرز عدة دوافع سياسية تقف خلف محاولات إفشال الإدارة المحلية، منها:
1. تحجيم الدور الصيني: تسعى بعض الدول الغربية إلى عرقلة النفوذ الصيني المتزايد على الموانئ السودانية، وذلك عبر دعم مشروعات استثمارية بديلة أو تشويه الإدارة المحلية لإجبار الحكومة على اللجوء لمستثمرين أوروبيين أو أمريكيين.
2. تعزيز النفوذ الإقليمي: دول إقليمية، خليجية تخشي من النفوذ الايراني وترى في الموانئ السودانية وسيلة لتعزيز نفوذها على البحر الأحمر.
لذلك، فإن أي فشل للإدارة المحلية يمثل فرصة سانحة للاستحواذ على هذه الموانئ بعقود طويلة الأجل.
إن الربط بين هذه المصالح الخارجية وحملات التشويه الموجهة ضد شعب البجا يوضح حجم التآمر والخطط الخبيثة التي تُحاك ضد السودان للحفاظ على الموانئ تحت سيادة وطنية.
3. ضرورة الرد القانوني الحاسم:
لا يمكن الاكتفاء بالنفي الإعلامي أو الدفاع الضعيف أمام هذه الحملات، بل يجب تبني استراتيجية قانونية حازمة تشمل:
1. فتح بلاغات إشانه سمعة: ينبغي على السلطات السودانية فتح بلاغات إشانه سمعة ضد كل من يروج لمحتويات تسيء لشعب البجا أو تشوه سمعة الموانئ السودانية، وفقًا لقوانين المعلوماتية التي لا ترحم من يتعمد نشر الشائعات أو الأخبار الكاذبة.
2. تطبيق قوانين المعلوماتية بحزم: يتوجب على السلطات المعنية ملاحقة ومحاسبة كل من يصنع محتوى مسيء لأي من مكونات السودان، وتفعيل العقوبات المنصوص عليها في قوانين الجرائم الإلكترونية والمعلوماتية دون تردد.
3. بيانات رسمية لرد الاتهامات: إصدار بيانات رسمية من إدارة الموانئ والجهات السيادية في السودان للرد على هذه الاتهامات بنزاهة وشفافية، مع تقديم الأدلة التي تدحض هذه الشائعات.
4. نحو استراتيجية وطنية لإنقاذ الموانئ:
للتصدي لهذه التحديات، يجب على الحكومة السودانية تبني استراتيجية وطنية واضحة تتضمن:
1. تعزيز الشفافية: فتح تحقيقات مستقلة وشفافة حول الاتهامات الموجهة للعاملين في الموانئ، مع نشر نتائج هذه التحقيقات للرأي العام.
2. تطوير البنية التحتية: استثمار العائدات المحلية في تحسين البنية التحتية للموانئ، بما يقلل من الحاجة للاستثمارات الأجنبية.
3. رفض الاحتكار الأجنبي: وضع ضوابط صارمة تمنع سيطرة أي جهة أجنبية على الموانئ لفترات طويلة، بما يحفظ السيادة السودانية.
4. تمكين الإدارة المحلية: تعزيز كفاءة الكوادر المحلية عبر التدريب والتأهيل وتوفير موارد مالية كافية.
خاتمة:
الموانئ السودانية تمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني والسيادة، وتسليمها لمستثمرين أجانب تحت ضغط الانتقادات الداخلية وحملات التشويه ليس حلاً مستدامًا.
على الحكومة السودانية أن تدرك أن الحفاظ على هذه الموانئ يتطلب خطة استراتيجية توازن بين حاجتها للاستثمارات وبين حماية سيادتها الوطنية.
إن محاولة تشويه صورة شعب البجا، الذين لطالما عرفوا بأمانتهم ورفضهم القاطع لبيع الموانئ، تكشف حجم التآمر والخبث السياسي الذي يسعى لتحييد الأصوات الوطنية المخلصة.
الرد الأمثل يتمثل في التماسك الوطني والتمسك بسيادة السودان على موانئه، مع اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد كل من يسعى لتشويه صورة المكونات الأصيلة للشعب السوداني.
عن الفريق الدبلوماسي
آمنة أحمد مختار إيرا
9 Mar 2025
#الرؤية_الدبلوماسية
#لا_لبيع_موانئ_السودان #سيادة_الموانئ_خط_أحمر #ادعموا_موانئ_السودان#ضد_التشويه_الممنهج #سيادة_سودانية_لا_استثمار_أجنبي #احموا_موانئ_السودان #لا_لإقصاء_البجا_حراس البوابة الشرقية عبر التاريخ
#موانئنا_أمانة
#ضد_المؤامرات_الخارجية
greensudanese@gmail.com