قائد الجيش السوداني – هل يجنح للسلم؟
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
كرأس للجيش، أخيراً علم البرهان الخطر الحقيقي الداهم الذي يتهدد فناء المؤسسة العسكرية، وأدرك الغرق الأكيد لسفينة الفلول المشعلين للحرب حفاظاً على ملكهم الزائل، فما كان له من خيار سوى انتزاع الهاتف والاتصال برمز من رموز البلاد العربية ذات التأثير الدولي الكبير، معتذراً عن الحماقة التي أرتكبها مساعده – المناصر الأكبر للإخوان المسلمين، في هذا التوقيت الحرج الذي يتفاوض فيه وفدا الجيش والدعم السريع بجنيفا، بغرض فتح الممرات الإنسانية وتسهيل انسياب الإغاثة ووصولها للمتضررين، البرهان يعي قبل غيره عاقبة المستنقع الآسن الذي أوقع فيه قيادة الجيش، بخضوعه لأوامر إصبع الجماعة المتطرفة وقيادته لحرب لم يجن منها السودانيون سوى الموت، وخراب البيوت والنزوح الداخلي واللجوء إلى دول الجوار، والمثل السوداني يقول بأن البلد يخربها ولدها، ولكن ما تزال الحكمة تؤكد لنا أن هنالك فرصة لأن يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد مرور هذه الشهور الطوال من الحرب التي أشعلها شيطان الجماعة الاخوانية، لقد حاصرت هذه الحرب قائد الجيش تحت قبو القيادة العامة أربعة أشهر، ثم تم إخراجه بعد أن قضى هذه المدة الطويلة تحت الأنفاق هرباً من قذائف قوات الدعم السريع، وكان الغرض من إخراجه هو الذهاب لمنبر جدة لوضع حد للمأساة التي أحدثها الأصوليون، كما أخبر بذلك قائد قوات الدعم السريع في مؤتمره الصحفي، المشترك بينه وبين الدكتور عبد الله حمدوك رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا قبل أشهر، لقد أضاع الجنرال النازح إلى بورتسودان عاماً كاملاً من عمر السودان في المراوغة واستمراء استمرار نزيف الدم، ومن المؤكد أنه قد اقتنع قناعة تامة ليس بعدها شك، بأن هزيمة قوات الدعم السريع أصبحت غير ممكنة، إن لم تكن مستحيلة، وأن هرطقات مساعده الموالي للحزب الاخواني الحالم بالعودة لمنصات السلطة، ما عادت تطعم دعاة مشروع النصر الزائف على القوة السريعة والجاهزة.
السلام يحققه المكتوون بنار الحرب من الدافعين لثمنها فلذة كبد أو صلة رحم، ولأول مرة في تاريخ الحروب السودانية تلحق فيها المأساة بيوت القادة العظام بالجيش، لذلك سيهب من وطأ الجمر للخلاص من ويلاتها، ويعتبر الجنرال البرهان من أوائل المكتوين بنارها، ومعه المناصرين له من قادة الحركات المسلحة، لقد فقدوا فيها العزيز والأعز، وهذا التساوي في استطعام المأساة لا محال سيدفع جميع أطراف الحرب للخضوع لأي منبر يعمل على اطلاق حمامة السلام، والسلام لا يحققه المفسدون الكبار الذين نهبوا موارد الدولة، وأخذوا من يهمه أمرهم وغادروا إلى العواصم العالمية والمراكز التجارية الباذخة، فسكنوا القصور الفخمة ثم أداروا الحرب عن طريق تقنية التحكم من بعد، ولا يحقق السلام النائمون على أرائك الفنادق الخارجية، المغردون عبر صفحاتهم الالكترونية أن لا حل غير القتل، إنهم لن يحققوا حلمهم وطموحهم المنحرف، لأن القرار أخيراً سيكون بيد الواطئين الجمر، وهنالك الكثيرون من الداعمين للحرب في مبتدئها من المتعاطفين مع فلول النظام القديم، قد أيقنوا أن استمرار الحرب أسوأ من زوال ملك أسيادهم العضود، لذلك رأينا كيف تحولت مواقف هؤلاء المحبطين بعد مرور عام ونيف لتجيء مستجيبة لنداء السلام، بلا مكابرة ولا تماهي مع حلم يقظة مستحيل بتحقيق نصر متخيل على القوة الداعمة السريعة، والسودانيون بفطرتهم ليسوا من ذوي النفس الطويل في تحمل مآسي الحرب، لذلك رأيناهم قد أفرغوا البلاد في غضون شهرين من اندلاع الحرب، ولجأوا شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، ولم يبقى منهم داعم لطرفي الحرب سوى بضعة مستنفرات ومستنفرين مغشوشين، زجت بهم آلة الإعلام الكذوب والمضلل لفلول النظام البائد في حرب ليسوا طرفاً فيها، فتذوقوا طعم الموت الزؤام – قرية ود النورة مثالاً، لقد حصدت هذه الحرب أرواح الضعفاء والمساكين في بقاع السودان كلها، فأذعن قائد الجيش المهزوم لأمر الجنوح للسلم.
السودانيون وبعد أن تضع الحرب أوزارها سيحرصون على عدم ارتكاب نفس الأخطاء التي أدت لاندلاعها، وأول هذه الأخطاء هي الانجرار وراء أجندة الساسة المنحرفين من رموز التنظيمات المتطرفة المتدثرة برداء الدين، فالسودان ليس استثناءً من الشعوب المحيطة به، لقد دخلت تجربة الحرب الشاملة كل من إثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وارتريا، وكانت المصالحات الوطنية هي الترياق المضاد لنزيف الدم الفوضوي الذي اكتسح تلك البلدان، فهذه المأساة قد وضعت النخب السياسية والمؤسسة العسكرية بشقيها، وقادة الحركات المسلحة وطلائع التنوير وجهابذة الفكر والمفكرين، في محك لا يحسدون عليه، ولم تدع لكل حالم بجدواها الفرصة لأن يستمر في حلمه، بل أصبحت كابوس مزعج لمضجع الجميع، وهمّاً وغمّاً للذين خاضوا غمارها قبل عشرين عاما وللداخلين في أتونها قبل عام، وحينما يتوحد الوجدان حول ضرورة إيقاف الحرب ومنع تمدد ألسنة لهيبها المتوهج المحمر، يكون النضج العام للعقل الجمعي قد أتم مسيرته الطويلة، وترسخت قناعات المسالمين والمساندين للحرب، وأكدت على أن لا مخرج سوى الجلوس حول طاولة التفاوض، فقائد الجيش قد أتى متأخراً واستجاب للأصوات الكثيرة الناصحة، وهذا الإتيان المتأخر خير من أن يجد نفسه يوماً محاصراً في مدينة بورتسودان.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قائد الجیش
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني: مقتل 7 أشخاص بقصف للدعم السريع على الفاشر
السودان – أعلن الجيش السوداني، الأحد، مقتل 7 مدنيين من أسرة واحدة وإصابة 7 آخرين، جراء قصف مدفعي نفذته قوات “الدعم السريع” على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، غربي البلاد.
وبحسب الفرقة السادسة مشاة للجيش في الفاشر في بيان، “قامت مليشيا الدعم السريع بقصف أحياء مدينة الفاشر بالمدافع أمس السبت، وأدى ذلك إلى استشهاد أسرة كاملة مكونة من 7 أشخاص، بينهم طفلة عمرها 5 سنوات”.
كما أدى القصف إلى “إصابة 7 مدنيين آخرين، بينهم امرأة وكادر طبي بجروح عميقة، وتم نقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج”، وفق المصدر ذاته.
وأكد البيان أن “الوضع في مدينة الفاشر تحت السيطرة، وقوات الجيش والقوات المساندة تعمل بتنسيق كامل، ولن يتم التفريط في شبر واحد من المدينة”.
ولم تعلق “الدعم السريع” فورا على بيان الجيش السوداني، لكنها تواصل منذ أيام قصفا مدفعيا على الفاشر، مما أوقع عشرات القتلى والجرحى، بحسب السلطات السودانية.
ومنذ 10 مايو/أيار 2024، تشهد الفاشر اشتباكات بين قوات الجيش و”الدعم السريع” رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة، التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.
ويخوض الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا
ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة الدعم السريع في ولايات السودان لصالح الجيش، وتسارعت انتصارات الأخير في الخرطوم بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقار أمنية وعسكرية.
وفي الولايات الـ17 الأخرى، لم تعد الدعم السريع تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور (غرب).
الأناضول