ذاكرة الكتب.. سميرة موسى.. واغتيال العقل العربى
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
بعد أقل من شهر على ثورة يوليو ١٩٥٢ تم اغتيال الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية عندما كانت في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية.. ولهذا نحاول في هذه الزاوية أن نكرم ذكراها.. وبالبحث وجدت كتابا للكاتب عبدالله بلال هو «اغتيال العقل العربى» وهو من سلسلة للكاتب تتضمن أبرز العلماء الذين تم اغتيالهم لتنطفئ شمعة نبوغهم.
أخبار متعلقة
ذاكرة الكتب .. حقائق من حرب الخليج الثانية يرويها محمد حسنين هيكل
ذاكرة الكتب.. هدى عبدالناصر تنشر أوراقًا خاصة بخط والدها عن ذكريات تأميم قناة السويس
ذاكرة الكتب.. فى ذكراها.. أمين دويدار يسرد كيف وضع النبى خطة الهجرة من مكة إلى المدينة؟
يبدأ الكاتب بالحديث عنها قائلا: ولدت سميرة في مارس سنة 1917 في قرية سنبو الكبرى مركز زفتى غربية.. وهى الابنة الرابعة بين إخوتها التسعة.. ولقد ولدت في خضم تفاعلات وأحداث الحركة الوطنية التي عبرت عن أصالة الشخصية المصرية.. فبعد مولدها بسنتين في سنة 1919 تقوم الثورة فتتفتح (سميرة) هي وأبناء جيلها على المد الوطنى المطالب بالحرية والاستقلال.. فها هو طلعت حرب يؤسس بنكا يحمل اسم مصر.. وهذا الفنان محمود مختار يصنع تمثالا يحمل اسم (نهضة مصر) ثم تقوم الجامعة الأهلية، ثم تظهر هدى شعراوى ويؤسس الاتحاد النسائى المصرى معها (أم المصريين صفية زغلول) ثم مجموعة من الرائدات المصريات اللاتى ناضلن من أجل حق المرأة في التعليم، ولاشك أن في ظل هذا المناخ لم يكن صعبا على سميرة بدء مشوارها التعليمى كغيرها من بنات القرية.
وعن تعليمها يقول الكاتب: وفى مدرسة سنبو الأولية لفتت النظر بحبها الشديد للقراءة وبقدرتها الفائقة على الحفظ، وبأسئلتها التي لا تنتهى عن تلك الاختراعات التي تقرأ عنها مثل الطائرات والسيارات والقطارات حتى (الراديو) كان يثير فضولها. أما الإجابة فكانت دائما: (إنه العلم يا سميرة) ذلك الساحر الذي يحقق المعجزات للبشرية.
وبالطبع لم يكن أمام الأب (الحاج موسى على) إلا أن يأخذ بنصيحة الأهل الذين لفت نظرتهم تفوق (سميرة) بترك الريف والذهاب إلى القاهرة حتى تأخذ ابنته فرصتها في التألق والنبوغ.
ويمضى الكاتب: لقد ترك الأب الريف واستقر في القاهرة ليهيئ لابنته فرصا أفضل للتعليم، فاشترى فندقا صغيرا يستثمر فيه أمواله ويعول من دخله أفراد أسرته، وتلتحق سميرة بمدرسة قصر الشوق الابتدائية لتكون من أوائل الشهادة الابتدائية.. ثم يدق الحظ على بابها لتنتقل إلى مدرسة بنات الأشراف الثانوية الخاصة التي أسستها وأدارتها المربية الرائدة (نبوية موسى) وهناك تجد نفسها، وتظهر تفوقا، نتيجة لتشجيع هذه (الناظرة) التي تحملت الكثير من أجل نصرة حقوق المرأة، حتى أصبحت القدوة والمثال لتلميذتها، فإذا بسميرة ذات السبعة عشر عاما تصدر كتابا من تأليفها، يضم تلخيصا ميسرا للكتاب المدرسى المقرر في مادة (الجبر) من وزارة المعارف على طلبة السنة الأولى الثانوية، وقد شجعها والدها وطبع الكتاب على نفقته الخاصة، حيث قامت هي بتوزيعه بالمجان على زميلاتها.
ونتوقف عند كلمة الأهداء التي كتبتها ووجهتها لأستاذها فتقول: إلى أستاذى الفاضل محمد أفندى حلمى: «جاز لى أن أتقدم بكتابى (الجبر الحديث) إليكم بعد انتهائى من تأليفه، وهو الثمرة التي نتجت من غرس أياديكم البيضاء، فهاك الكتاب راجية أن يحوز عطفك السامى ورضاك. المهداة سمير موسى».. ولا يعنى أثناء قراءة هذا الكتاب إلا التوقف عند هذا الموقف الذي يزيدنا إيمانا بالنبوغ المبكر لهذه الفتاة.. ففى أحد الأيام تلقت (نبوية موسى) ناظرة المدرسة من تلميذتها (سميرة) طلب نقل من مدرستها إلى مدرسة حكومية، فاستدعتها على الفور لتستفسر عن السبب، فكان رد الطالبة أنها في حاجة إلى معمل طبيعة لا يتوفر في المدرسة، وعندئذ لم يسع الناظرة إلا أن تنهى تلميذتها عن النقل بعد أن وعدتها بتلبية طلبها، وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى حصلت سميرة على (حلمها).
وننتقل مع الكاتب إلى حياتها داخل الجامعة: لقد أسهمت بجهودها في نشاط العديد من الجمعيات، فأسست (جمعية الطلبة لنشر الثقافة) التي كان من أهدافها محو أمية الفلاحين في الريف وفى الأحياء الشعبية بالمدن ثم انضمت إلى (جماعة النهضة الاجتماعية) التي كان هدفها جمع التبرعات من الأغنياء وتقديم المعونات للفقراء.
وقد اختارت سميرة التخصص في علم دقيق وهو علم الذرة ليكون لمصر القوة والقدرة على العمل من أجل السلام والخير، وقد صممت أن تكافح لتكون (الذرة من أجل السلام) لتجنب البشرية ويلات الدمار الذي عرفته من خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، كما حددت شعارها الإنسانى لبنى وطنها وبنى البشر أجمعين (أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين).
وتتخرج سميرة في كلية العلوم عام 1942 ولتكون الأولى على دفعتها ويتم تعيينها أول معيدة بها بفضل تشجيع أستاذها د. مصطفى مشرفة. لقد ساهمت سميرة بعلمها وتجاربها المعملية في معهد الراديوم وكلية الطب، بالإضافة إلى جهودها في تأسيس مؤسسة الطاقة الذرية إلى جانب عضويتها في العديد من اللجان المتخصصة ومنها: لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية.. التي شكلتها وزارة الصحة. ولقد أطلق عليها مس كورى المصرية.
ومما هو جدير بالذكر أنها اضطرت لعمل رسائلها الجامعية في مصر بعد ترشيحها للسفر في بعثة إلى بريطانيا نتيجة قيام الحرب العالمية الثانية ولكنها قبلت زيارة معامل في إنجلترا وأمريكا لعمل بعض الأبحاث ولقد أذهلت الأوساط العلمية في أمريكا وأوروبا النتائج التي توصلت إليها.
لقد نجحت في التوصل إلى تصنيع الذرة من معادن رخيصة متوفرة لدى دول العالم ومنها البلدان النامية، وهذا يعنى كسر احتكار تصنيع القنبلة الذرية على الدول الكبرى التي تمتلك وحدها مادة (اليورانيوم) وبالتالى يفرضون تسلطهم على العالم، وقد شهد بنبوغها أستاذها الإنجليزى فأرسل إلى الجامعة خطابا يؤكد فيه أن تجارب (سميرة موسي) قد تغير وجه الإنسانية لو أنها وجدت المعونة الكافية.
ويستطرد الكاتب: لقد حاولت كل من بريطانيا وأمريكا احتواءها بتوجيه الزيارات لها وتقديم المغريات المادية حتى لا تعود إلى الوطن، كما أنها اعتذرت عن قبول الجنسية الأمريكية.
ونتوقف عند نقطة مهمة، وهى أن سميرة قد تنبهت منذ وقت مبكر إلى أخطار البعد النووى في الصراع العربى الإسرائيلى، وتابعت مساهمة علماء الذرة اليهود الأمريكان في دعم إسرائيل، ورأت كيف تزرع علماءها في المعاهد والمعامل كى يحصلوا على كل أسباب التقدم ويصبحوا قوة ذرية في المنطقة.
وفى غمضة عين اختفت (سميرة) عالمة الذرة المصرية، ففى أحد الأيام من شهر أغسطس في عام 1952 خرجت في نزهة لتلقى مصرعها في حادث سيارة قبل العودة إلى الوطن من أمريكا وهى في الخامسة والثلاثين من عمرها، وقيدت الحادثة ضد مجهول ولكن هناك دائما قتلة!.
ثقافة ثورة يوليو ١٩٥٢ ذاكرة الكتب كتاب اغتيال العقل العربىالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين ثقافة ثورة يوليو ١٩٥٢ ذاكرة الكتب زي النهاردة ذاکرة الکتب من أجل
إقرأ أيضاً:
بين الكتاب والسينما والصورة الفوتوغرافية برنامج ثقافي حافل بمعرض جدة للكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهد معرض جدة للكتاب الكثير من البرامج والفعاليات الثقافية والروش التعليمية التي تقدم لرواد وجمهور المعرض، حيث أقيم عدد من الورش ومنها ورشة التصوير الفوتوغرافي باستخدام الفيلم.
اعادة إحياء
في عصر التطور التقني المتسارع، تشهد الساحة الفنية عودة ملحوظة للتصوير باستخدام الفيلم التقليدي، ما يُعد دورة حياة جديدة تعيد إحياء الماضي الفني. هذا التوجه كان محور حديث الفنان والمصور الفوتوغرافي عمر الدايل في ورشته التي أُقيمت ، اليوم، بعنوان "التصوير الفوتوغرافي باستخدام الفيلم"، ضمن فعاليات "معرض جدة للكتاب 2024"، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، واستهدفت الورشة عشاق التصوير الفوتوغرافي الراغبين في استكشاف تجربة التصوير التناظري بكاميرات الفيلم.
استهل الدايل حديثه بشكر خاص لهيئة الأدب والنشر والترجمة على دعمها للفنون الفوتوغرافية وإدراجها ضمن فعاليات معرض جدة للكتاب، ثم قدَّم رؤيته حول عودة الإقبال العالمي على التصوير بالفيلم التقليدي، الذي بات ينافس التصوير الرقمي، وأرجع ذلك إلى "المتعة الخاصة التي يجدها المصور أثناء استخدام الفيلم، واستحضار الذكريات المرتبطة بتصوير الأجداد والآباء".
وخلال الورشة، استعرض الدايل الفروق الجوهرية بين التصوير الرقمي والتصوير باستخدام الفيلم، موضحًا الفارق بين جودة الصورة في كلتا الطريقتين ومزايا كلٍّ منهما. كما قدَّم أمثلة لأعمال مصورين عالميين، مثل روبرت آدامز وفيفيان ماير، لتوضيح مدى تأثير التصوير بالفيلم في توثيق اللحظة والإبداع الفني.
كما شهدت الورشة تفاعلًا كبيرًا من الحضور، حيث طرحوا العديد من الأسئلة التي أجاب عنها الدايل بحماس، ما أضاف للورشة جوًّا من الحوار المثمر.
"حكاية الكتاب والسينما"
بين أزقة التاريخ في "جدة البلد"، حيث أسدل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الستار على فعالياته احتضن معرض جدة للكتاب 2024، تُعيد جدة رواية الحكايات، متأرجحة بين عراقة الماضي وإبداع الحاضر.
على بُعد 32 كيلومترًا فقط، اجتمع شغف الكتابة والسينما في مشهد يُبرز التكامل بين الكلمة والصورة. فالكتب، سواء الورقية أو الرقمية، هي الجسر الذي يربط خيال المؤلفين برؤى صُنَّاع السينما، وهذا ما يعكسه معرض جدة للكتاب 2024، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة ختامًا لأجندتها الثقافية هذا العام، بعد نجاح معرضَيْ الرياض والمدينة المنورة.
المعرض، بفضائه الواسع وتنوع محتواه، ليس مجرد ملتقى للقراء، بل منصة للإبداع، حيث يجد المؤلفون ومنتجو السينما ضالّتهم في قصص تُلهِم أعمالهم، فهو يقدم فرصة ذهبية لاستكشاف عوالم أدبية متعددة تحت سقف واحد، دون عناء البحث بين مكتبات متفرقة أو دور نشر متباعدة.
أما المفارقة اللافتة فهي في انعكاس روح جدة عبر الحدثين؛ حيث حمل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الزوار في رحلة عبر الزمن داخل "جدة التاريخية"، ذلك "المتحف المفتوح" الذي يعج بالأزقة العتيقة والمساجد والبيوت القديمة التي تحكي قصصًا تمتد لآلاف السنين. وفي المقابل، يحتضن "جدة سوبر دوم"، الذي دخل موسوعة غينيس بوصفه أكبر قبة بلا أعمدة في العالم، معرض الكتاب بروحٍ حديثة تعكس رؤية جدة المستقبلية، مع الحفاظ على أصالتها التاريخية.
بهذا التناغم الفريد بين القديم والجديد، تواصل جدة صياغة حكايتها التي تجمع بين الإرث الثقافي والابتكار الحضاري.
يُذكر أن معرض جدة للكتاب 2024 يستقبل زواره يوميًّا من الساعة 11 صباحًا وحتى 12 منتصف الليل، باستثناء يوم الجمعة الذي يفتح أبوابه من الساعة 2 ظهرًا حتى 12 مساءً، ويستمر المعرض حتى 21 ديسمبر الجاري.