على المجتمع الدولي التحرك لوقف انتهاكات الدعم السريع في السودان
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
رغم مرور خمسة عشر شهرًا على الحرب التي تشنها مليشيا قوات الدعم السريع ضد الشعب السوداني، وما صاحبها من فظائع غير مسبوقة، فإنها لم تحظَ باستجابة كافية من المجتمع الدولي حتى الآن.
صحيح أن قرار مجلس الأمن الدولي رقْم 2736 الصادر في 13 يونيو/حزيران 2024، الذي يطالب قوات الدعم السريع بإنهاء حصار مدينة الفاشر، يكتسب أهمية كبيرة، إلا أنه لم يصل حد إدانة المليشيا بشكل قاطع على جرائمها الوحشية.
وقد حمَّلت لجنة من خبراء مستقلين بتكليف من مجلس الأمن الدولي، قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها مسؤولية مقتل ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف مدني في غربي دارفور خلال الفترة ما بين أبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 2023. وقضت وزارة الخارجية الأميركية، في ديسمبر/كانون الأول 2023، بأن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وأعمال تطهير عرقي، تذكرنا بالإبادة الجماعية. كما اعترف مشروع قرار صدر عن الكونغرس بموافقة الحزبين السياسيين، بهذه الأفعال باعتبارها إبادة جماعية.
وفي الخامس من يونيو/حزيران 2024، وقعت مجزرة أخرى في قرية "ود النورة" بولاية الجزيرة راح ضحيتها 270 قتيلًا من الأهالي. ورغم ردود الفعل العالمية الغاضبة إزاء هذه الجرائم، جاءت استجابة المجتمع الدولي بطيئة وغير كافية في كثير من جوانبها، بل وتصل إلى حد اللامبالاة. والنتيجة هي استمرار التطهير العرقي والقتل دون رادع على يد المليشيات في أنحاء البلاد.
نموذج لتلك الاستجابات الرخوة، جاء القرار الأخير للأمم المتحدة والإدانات الدولية مطالبًا قوات الدعم السريع بأن تُحسن التصرف. وهو مطلب يفترض أن المليشيا تتمتع بقدر من الأخلاق أو الشرعية أو الانضباط، وهو ما لا تمتلك أيًا منها. وكما كان متوقعًا جاء رد قوات الدعم السريع على القرار؛ بالهجوم الكبير على "الفاشر"، معبرًا عن استهتارها بالدبلوماسية الدولية.
الذاكرة القصيرةقبل عقدين من الآن كانت مليشيا "الجنجويد" معروفة على مستوى العالم وموصومة بالوحشية في الصراع بإقليم دارفور، حيث أدّت جرائمها إلى تدخل المحكمة الجنائية الدولية في عام 2005. بيد أن بعض الأوساط الغربية نسيت على ما يبدو أن قوات الدعم السريع هي في الأساس نسخة مطورة من الجنجويد، على حد تعبير (Enough Project) ، وكما يمكن أن تجده في مراجع علمية عديدة، بل وفي موسوعة ويكيبيديا المفتوحة على شبكة الإنترنت.
ومع ذلك، فإن زعيم الجنجويد، حميدتي، ارتقى إلى مرتبة شخصية دولية، حيث تلقى مكالمات هاتفية من الأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الخارجية الأميركي، وحظي باستقبال رسمي من قبل رئيس إحدى دول شرق أفريقيا الموالي للغرب، بل إنه دُعي لحضور قمة الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في شرق أفريقيا.
يحدث ذلك فيما تواصل مليشياته فظائعها على امتداد ولايات كردفان الكبرى والخرطوم وسنار، إلى جانب ولايتي دارفور والجزيرة، بدعم كامل من راعية إقليمية تمدها بالأسلحة المتطورة، والمرتزقة، والتمويل وشبكات العلاقات العامة والدعاية الواسعة.
وهكذا، قياسًا إلى ردود فعله تجاه جرائم الجنجويد في دارفور بين عامي 2003-2009، يبدو أن المجتمع الدولي لم يعد يكترث لفظائعهم المتجددة، رغم أن ضحاياهم الحاليين يشكلون نحو نصف سكان السودان.
تغيير السياقجاء صعود حميدتي إلى منصب نائب رئيس مجلس السيادة خلال فترة انتقالية بالغة الصعوبة عقب انتفاضة شعبية أطاحت بالنظام السابق، وكان لا بدّ في ذلك الوقت من استيعاب هذه المليشيا إلى جانب حركات الكفاح المسلح الأخرى التي كانت تقاتلها نيابة عن النظام السابق، والهدف هو الحد قدر الإمكان من أي مقاومة للتغيير حتى لا يتفاقم الوضع المحفوف بالمخاطر أصلًا.
وكان المتصور آنذاك أن مثل هذه الترتيبات ستقود البلاد إلى نظام جديد يقوم على وفاق وطني عريض. وعليه، كان يفترض دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني بعد إصلاحها وتأهيلها، تحت إشراف "حميدتي".
غير أن تدخل القوى الخارجية والسياسيين المحليين في العملية أجهض المحاولة، وبدلًا من ذلك اشتد عود قوات الدعم السريع. وبفضل دعم راعيها الإقليمي واستيلائها على النصيب الأكبر من ثروة البلاد من الذهب، تمتلك المليشيا الآن أسلحة متطورة، وتتمتع بسيطرة اقتصادية كبيرة وشبكة علاقات عامة. بل وكان السودان على وشك الانضمام إلى قائمة دول الشرق الأوسط التي تديرها المليشيات.
ومع الخسائر الفادحة في القوى البشرية التي تكبدتها في وقت مبكر من الحرب، عادت المليشيا إلى أصولها الجنجويدية، خاصة بعد إنهاء إعارة ضباط القوات المسلحة السودانية والتسريح الطوعي داخلها. وأُطيح بحميدتي من منصبه في مايو/أيار 2023، وأصدر قائد القوات المسلحة السودانية قرارًا، في سبتمبر/أيلول 2023، بحل قوات الدعم السريع. وهكذا، أصبح الجنجويد الذين سقط عنهم القناع هم من يقاتلون الشعب السوداني الآن.
التودد إلى الوحشبدأت بعض القوى الأوروبية في مغازلة قوات الدعم السريع قبل سقوط النظام السابق؛ طلبًا لمساعدتها في السيطرة على الهجرة غير النظامية عبر دارفور وليبيا. وأضفت هذه التعاملات شرعية زائفة لحميدتي وجنى منها مكاسب مالية كبيرة، مما أتاح له تجنيد المرتزقة، بمن في ذلك المهاجرون غير الشرعيين الذين أغرتهم الأجور المرتفعة.
إن الرأي القائل بأنه "لن يتحقق نصر عسكري في هذه الحرب" فكرة تحتاج إلى تمحيص. ففي حين أن الحرب في حد ذاتها غير مرغوب فيها، إلا أن الدفاع ضد العدوان حق وواجب. وتظهر السوابق التاريخية، مثل هزيمة النازية والفاشية وتنظيم الدولة الإسلامية، أن العمل العسكري يمكن أن يكون ضروريًا وفعالًا. وبالتالي فإن السؤال يجب أن يكون "كيف؟"، وليس (ما إذا) كان النصر في الحرب ضد الإرهاب سيتحقق.
إن القوات المسلحة السودانية تحقق انتصارات حاليًا في الحرب ضد مليشيا قوات الدعم السريع، التي تلجأ الآن إلى استهداف القرى النائية والبلدات الصغيرة، وتُظهر تكتيكات شبيهة بأساليب الجماعات الإرهابية على شاكلة تنظيم الدولة الإسلامية، وجماعة بوكو حرام.
المقاومة الشعبية وحق الدفاع عن النفسإن انتقاد تسليح المدنيين الراغبين في الدفاع عن أنفسهم ضد قوات الدعم السريع ليس في محله. فالدفاع عن النفس هو أحد حقوق الإنسان الأساسية، خاصة في بلد مترامي الأطراف مثل السودان يواجه مليشيا إرهابية، وهو من بين الدول الأقل نموًا. والسوابق الدولية تدعم شرعية المقاومة الشعبية ضد القوى الاستعمارية، أو الإرهابية.
باختصار؛ إن النّهج الناعم المتساهل الذي يتبعه المجتمع الدولي تجاه قوات الدعم السريع (الجنجويد)، وزعيمها حميدتي، يأتي بنتائج عكسية، بالنظر إلى تاريخ المليشيا وتصرفاتها الحالية. ومن ثم، هناك حاجة إلى موقف أكثر صرامة للتصدّي لجرائم الجنجويد المتجددة ودعم حرب السودان ضد هذه الجماعة الإرهابية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع المجتمع الدولی
إقرأ أيضاً:
أجانب يواجهون أهوال الحرب في معتقلات الدعم السريع بالخرطوم
الخرطوم-القاهرة- قبل نحو 15 عاما، سافر الشاب المصري محمد عزيز مع أخيه أحمد إلى الخرطوم ليعملا في مجال بيع الأدوات المنزلية، وظلت تجارتهما مستقرة إلى أن انقلبت حياتهم باندلاع الحرب في السودان.
في بداية أيام الحرب، عاد محمد (35 عاما) إلى وطنه وبقي أحمد (41 عاما) مع تجار مصريين آخرين رفضوا ترك بضائعهم للمجهول إذ تبلغ قيمتها 300 ألف دولار، متعلقين بأمل تحسن الأوضاع في قادم الأيام.
وجهة مجهولةيقول محمد بحسرة "خلال اتصالات عديدة، حذرت شقيقي ومن معه من خطورة الأوضاع وضرورة العودة"، ومع تدهور الوضع الأمني استجاب أخاه وتسلّم بطاقات السفر مع 6 آخرين في يونيو/حزيران 2023. لكن قبل 4 أيام فقط من الموعد، اقتحم أفراد من قوات الدعم السريع المنزل الذي يقيمون فيه ونهبوا كل البضائع المخزنة، واقتادوا ساكنيه إلى وجهة غير معلومة.
بحث محمد عن شقيقه من خلال معارفه بالسودان دون جدوى، ويضيف للجزيرة نت "على مدار 3 أشهر لم أتوقف عن السعي للحصول على معلومة واحدة عنه وباقي المحتجزين حتى تواصل معي شاب سوداني كان محتجزا لدى الدعم السريع وأبلغني أنه التقى بأخي خلال فترة احتجازه ومنحني رقم هاتف أحد العسكريين هناك".
وأصبح يطمئن عليهم كل فترة ويرسل لهم الأموال بطرق معينة تحفظ سلامتهم، ويقول "تدّعي قوات الدعم السريع أن المحتجزين مرتزقة لدى الجيش المصري وهذا غير صحيح تماما، جميعهم تجار كما أن جيش بلادي لا يستعين بأي مرتزقة".
وعلى مدار أكثر من عام ونصف، توالت نداءات استغاثة من جانب أسر المحتجزين لعدد من الجهات المصرية المعنية، ولقيت تطمينات من وزارة الخارجية فضلا عن مبادرة وزارة التضامن الاجتماعي بتخصيص راتب شهري لها. لكن محمد يقول "أقدر تماما القيادة المصرية وأدرك الظروف السياسية والعلاقات بين البلدين التي تجعل التدخل لحل الأمر يحتاج التريث، لكني قلق على أخي".
فاجعة أمكانت الفرحة كبيرة بينما يتصل الشابان عماد وماجد بأمهما ليخبراها بقرب عودتهما إلى الوطن، غير أن الفرحة انقلبت إلى فاجعة حين عرفت بنبأ اعتقال قوات الدعم السريع لهما مع 5 آخرين ذهبوا إلى السودان للتجارة، وتقول بصوت تغالبه الدموع "البيت لا يتوقف عن البكاء، حتى أحفادي تعلموا الحزن".
لدى عماد 4 أطفال ولدى ماجد 3، يعانون من حالة نفسية سيئة بسبب ما حلّ بوالديهما، وتوضح الجدة -للجزيرة نت- أنهم يرفضون الأكل ومراجعة دروسهم، بينما صارت ابنة ماجد الصغرى تعاني من مرض فقر الدم.
و"رغم أن البضائع التي نهبها رجال الدعم السريع أفقدت ماجد وعماد رأس المال الذي استمرا في جمعه خلال سنوات، فإن ذلك لا يهم"، وفق تصريح والدتهما، وتقول بأسى "صحيح أنهما عادا لنقطة الصفر لكن المال لا يهم، ما يهمني الآن هو عودتهما سالمين".
يكشف أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات السودانية الرشيد محمد إبراهيم، الذي أمضى 77 يوما في الحجز لدى الدعم السريع، أن مكان احتجازهم في مقر الجامعة العربية المفتوحة بشرق الخرطوم يضم مجموعة من الأجانب أغلبهم أفارقة من إثيوبيا وجنوب السودان، إلى جانب 8 مصريين وسوري ويمنيين اثنين يملكان باخرة أُفرج عنهما لاحقا.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح إبراهيم أن المصري ماجد أصيب في يده بشظية مقذوف سقط في طابق المبنى الأعلى وكان ينبغي أن يخضع لعملية جراحية، بينما يعاني المهندس المصري أحمد من متاعب في القلب وضيق بالتنفس وكانا يتعرضان للابتزاز وسوء المعاملة، ويُرجع ذلك إلى "موقف قوات الدعم السريع تجاه القاهرة".
ووفقا لإبراهيم، تفرج قوات الدعم السريع عن الإثيوبيين سريعا، بينما يحظى المعتقلون من دولة جنوب السودان بمعاملة خاصة وتسنَد إليهم الخدمات في الطبخ والنظافة وغسل الملابس، وشكا المتحدث من أن ظروف مكان الاحتجاز سيئة ويتعرض الأسرى للتعذيب والتنكيل والجوع والعطش كما تغيب الرعاية الطبية.
ظروف قاسيةوذكرت منظمات وناشطون معنيون بالدفاع عن حقوق الإنسان في السودان أن لديهم أدلة على أن هذه القوات تحتجز أكثر من 5 آلاف شخص، بينهم 3500 مدني، في ظروف غير إنسانية في أماكن عدة بالعاصمة الخرطوم، حسب تقرير نشرته وكالة رويترز في وقت سابق.
من جانبه، يقول الناشط الحقوقي بشير سليمان -للجزيرة نت- إن مئات الأسر بعثت أخيرا برسائل للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وللمنظمات الوطنية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، تفيد بأن سجن سوبا الذي يقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع يضم ما لا يقل عن 6 آلاف معتقل معظمهم من المدنيين، وبوفاة العشرات جراء التعذيب والجوع والمرض وغياب العلاج.
من جهتها، ذكرت العضوة في مجموعة الطوارئ الحقوقية رحاب مبارك أن المجموعة أعدّت تقريرا أظهر أنه في مقابل 8 مراكز اعتقال للجيش، تمتلك قوات الدعم السريع 44 مركز احتجاز، وعادة ما تكون في مبانٍ سكنية أو مدارس أو أعيان مدنية، يُجمع فيها المعتقلون قبل فرزهم ونقلهم إلى مراكز اعتقال دائمة.
وتوضح رحاب -للجزيرة نت- أنه لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المحتجزين لدى أطراف الحرب، وترجح أن يتجاوز عدد من تحتجزهم قوات الدعم السريع 6 آلاف، أغلبهم من المدنيين ومن بينهم أجانب، كما تردهم معلومات مسربة عبر المفرج عنهم.
وتبين الناشطة الحقوقية أن بعضهم يمضون شهورا محتجزين دون أن تعرف عائلاتهم مواقعهم كما حدث مع مجموعة من أبناء جزيرة توتي الذين وُجدوا في سجن سوبا غربي الخرطوم، الذي يضم عددا كبيرا من الأسرى من العسكريين ورجال الشرطة والمدنيين.