سيناريو اليوم التالي للحرب
لماذا تستمر إسرائيل في هذه الحرب المسعورة باستخدام سياسة «الأرض المحروقة»؟
ما سيحدث هو أن إسرائيل ستقوم بحربها المسعورة الحالية وبعدها هدوء لبضع سنوات قبل أن تعود الكَرَّة من جديد.
الحل الوحيد لهذا الصراع هو اعتراف إسرائيل والعالم بالشعب الفلسطيني وحقه في بناء دولة مستقلة ومنطقية وقابلة للحياة، وتركه يعيش مستقلاً دون احتلال.
لو كان لدى إسرائيل خيارات تتعلق بقطاع غزة لما تركته وغادرت في 2005 ومن ثم تضطر اليوم للعودة الى هذا المستنقع الذي يبتلع جنودها يومياً.
لا يملك نتنياهو ولا غيره في إسرائيل أي إجابة لسؤال اليوم التالي لهذه الحرب، وليس لدى إسرائيل أية خطة أو مشروع غير ذلك الذي قام به نتنياهو وفشل.
* * *
أغلب الظن أن إسرائيل لا تمتلك أية خطة أو إجابة على سؤال اليوم التالي للحرب على غزة ولذلك فإنها تستمر في هذه الحرب المسعورة باستخدام سياسة «الأرض المحروقة»، ولو كان لدى إسرائيل خيارات تتعلق بقطاع غزة لما تركته وغادرت في العام 2005 ومن ثم تضطر اليوم للعودة الى هذا المستنقع الذي يبتلع جنودها يومياً.
في العام 2005 انسحبت قوات الاحتلال من قطاع غزة بموجب خطة أحادية الجانب ودون أي اتفاق أو تنسيق مع الفلسطينيين، وبعيداً وبمعزل عن اتفاقات أوسلو التي كان من المفترض أن تكون أساساً لإقامة دولة فلسطينية وكان يفترض أن تكون أساساً لانسحاب إسرائيلي منظم يؤدي الى قيام هذه الدولة.
لكن هذا لم يحدث وإنما رأى أرييل شارون (رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك) أن ينسحب من القطاع دون أي تفاهم مع الفلسطينيين الذين لم يكن يعترف بوجودهم أصلاً ولا بحقوقهم.
الحقيقة أن خطة الانسحاب من غزة عام 2005 كانت جزءاً من خطة إسرائيلية أوسع وأكبر، إذ في العام 2004 اغتالت إسرائيل مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، ثم اغتالت بعد أقل من شهر الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي كان أحد أدمغة الحركة ورموزها، واغتالت في ذلك العام أغلب، إن لم يكن كافة قادة حماس وصفها الأول.
وقبل نهاية ذلك العام اغتالت زعيم حركة فتح أيضاً ومؤسسها. وفيما كان رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، الذي قضى محاصراً في رام الله، وخلال حصاره كان شارون يقوم بتصفية قيادة حماس ويقوم بتغيير جذري على الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كانت إسرائيل تعتقد في العام 2005 بأن حركة حماس تم القضاء عليها وعلى قدراتها، وأن اغتيال كل من قادة حماس وفتح مع فصل الضفة عن غزة سيؤدي الى تفتيت الفصائل الفلسطينية وتحويل الشعب الفلسطيني الى مجموعات بشرية هلامية تتحرك من أجل البحث عن لقمة العيش وتعيش في الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال، سواء الضفة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر أو قطاع غزة الذي يسيطر عليه الاحتلال بالحصار والتجويع والتجسس والتحكم فيه عن بُعد.
ما حدث يوم 7 أكتوبر 2023 هو أن المشروع الإسرائيلي انهار بشكل كامل، وتبين أن الحسابات الإسرائيلية كانت خاطئة، فلا حركة حماس تحولت الى حزب حاكم يغرق في إدارة شؤون قطاع غزة، ولا حتى السلطة الفلسطينية تحولت الى شرطي حراسة للاحتلال في الضفة الغربية.
والأهم من ذلك أنه لم يتم القضاء على حركة حماس ولا شل قدراتها، لا بل إن اغتيال قادتها التاريخيين ومؤسسيها زادها قوة وصلابة وجعل فيها جيلاً جديداً لم يكن متوقعاً ولا في الحسبان مثل يحيى السنوار الذي لم يكن قد بلغ الأربعين من العمر عندما تم اغتيال الشيخ أحمد ياسين، كما لم يكن أحد يعرفه في ذلك الحين، فضلاً عن أنه أمضى أغلب سنوات عمره داخل السجون وكان الجميع يعتقد بأن سنوات السجن سلبته فرصة أن يتعلم إدارة تنظيم بحجم حماس أو إدارة مكان فيه مليونا إنسان بحجم قطاع غزة.
اسرائيل قامت سابقاً بتجريف قطاع غزة واغتيال قيادة حماس بأكملها ثم انسحبت من القطاع على أمل إلهاء الفلسطينيين بالاقتتال الداخلي والانقسام السياسي وزرع الفتن فيما بينهم، ومن ثم الانشغال بحكم القطاع وإدارته مدنياً، وهذا المشروع كان خلال السنوات العشرين الماضية يبدو ناجحاً، واعتقد الجميع بأن الاحتلال حل مشكلته في غزة، ليتبين عكس ذلك تماماً.
واليوم تُعيد إسرائيل الكرة، ويُعيد نتنياهو ما قام به شارون من قبل. وربما ينجح الاحتلال في نهاية المطاف بتصفية بعض قادة حماس بعد حرب كبيرة ومكلفة جداً، لكن التجارب التاريخية تؤكد أن الشعب الفلسطيني لا يُمكن إخضاعه، حاله في ذلك حال أي شعب عاش تحت الاحتلال.
لا يملك نتنياهو ولا غيره في إسرائيل أي إجابة لسؤال اليوم التالي لهذه الحرب، كما لا يوجد لدى إسرائيل أية خطة أو مشروع غير ذلك الذي قام به نتنياهو وفشل، والحقيقة أن الحل الوحيد لهذا الصراع هو اعتراف إسرائيل والعالم بالشعب الفلسطيني وحقه في بناء دولة مستقلة ومنطقية وقابلة للحياة، وتركه يعيش مستقلاً دون احتلال، وبغير ذلك فإن ما سيحدث هو أن إسرائيل ستقوم بحربها المسعورة الحالية وبعدها هدوء لبضع سنوات قبل أن تعود الكَرَّة من جديد.
*محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين حماس إسرائيل شارون حصار غزة اغتيال فشل إسرائيلي الیوم التالی لدى إسرائیل إسرائیل أی حرکة حماس فی العام قطاع غزة لم یکن
إقرأ أيضاً:
حماس ترحّب بانعقاد العدل الدولية للنظر في التزامات إسرائيل
رحّبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بانعقاد جلسات الاستماع في محكمة العدل الدولية لمناقشة التزامات الاحتلال تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة.
وقالت الحركة، في بيان اليوم الاثنين، إنها تؤكد أهمية مداولات محكمة العدل الدولية كخطوة نحو محاسبة الاحتلال على جرائمه المتواصلة.
وأشارت إلى أن تلك المداولات أبرزت خطورة منع دخول المساعدات باعتباره انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، كما فضحت استخدام الاحتلال التجويع أداة حرب ضد المدنيين.
وأكدت حماس ضرورة متابعة التدابير السابقة للعدل الدولية التي تجاهلها الاحتلال بشكل متعمّد، وأشارت إلى أن المجتمع الدولي بمؤسساته القانونية والحقوقية مطالب اليوم بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية.
جلسات علنية
وبدأت محكمة العدل الدولية في لاهاي، اليوم الاثنين، جلساتها العلنية للنظر في التزامات إسرائيل القانونية تجاه نشاط المنظمات الدولية ووجودها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتستعرض المحكمة مرافعات خطية وشفوية تقدمت بها دول ومنظمات دولية بشأن مدى احترام إسرائيل للمعاهدات الدولية، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وضمان حرية عمل وكالات الإغاثة والبعثات الأممية في الأراضي المحتلة.
إعلانوقالت إلينور هَمرشولد -ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أمام محكمة العدل الدولية- إن على إسرائيل التزامات بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني، على رأسها ضمان وصول المساعدات إلى قطاع غزة، وتسهيل عمل مؤسسات الإغاثة وحماية المستشفيات والمرافق الصحية.
وأوضحت الممثلة الأممية أن على إسرائيل بوصفها سلطة احتلال تأمين الاحتياجات الإنسانية بالأراضي المحتلة وإدارة الأراضي الواقعة تحت سلطتها وفق القانون الدولي.
وأضافت أن قرار منع عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يشكّل توسعا لسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية ويعني عدم امتثالها لالتزاماتها.
وافتتحت محكمة العدل الدولية اليوم أسبوعا من جلسات الاستماع المخصصة لالتزامات إسرائيل الإنسانية تجاه الفلسطينيين، بعد أكثر من 50 يوما على فرضها حصارا شاملا على دخول المساعدات إلى قطاع غزة الذي مزقته الحرب.
وقال مراسل الجزيرة عبد الله الشامي إن جلسات الاستماع ستستمر حتى يوم الجمعة من هذا الأسبوع، بمشاركة أكثر من 40 دولة، وقد استمعت المحكمة اليوم إلى كلمة ممثل الأمم المتحدة، وكلمات ممثلي فلسطين ومصر وماليزيا، على أن تتوالى كلمات ممثلي دول ومؤسسات أخرى خلال الأيام المقبلة.
وستقدم عشرات الدول مرافعاتها، منها الولايات المتحدة والصين وفرنسا وروسيا والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، دعت محكمة العدل الدولية إسرائيل إلى منع أي عمل محتمل من أعمال الإبادة الجماعية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وفي مارس/آذار 2024، وبناء على طلب جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، دعت المحكمة إلى اتخاذ تدابير إسرائيلية جديدة للتعامل مع "المجاعة" المنتشرة في القطاع الفلسطيني.
إعلانوكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت في يوليو/تموز الماضي رأيا استشاريا، اعتبرت فيه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية "غير قانوني"، وطالبت بإنهائه في أقرب وقت ممكن.