في تجربة الكتابة الفكرية والإبداعية معاً يتعرض الكاتب لمعاناة النص وتمخضاته، ولا يقف الأمر عند حال الكتابة بوصفها حالة إنتاجية تحول مادةً ذهنيةً إلى مادة محسوسة، بل إن تحول الذهني إلى مكتوب محسوس سيقع في متاهات الفجوات بين عالم الأفكار الذهنية وعالم التمثل الواقعي. ويروى عن جرير أنه كان يتمرغ في صهريج وهو يلاحق القوافي ويجري وراء خواطر تتطاير أمامه فيلهث كي يمسك بأطرافها، وقد قال الجواهري مرةً، إنه يصاب بما يشبه اللوثة الجنونية حين يدخل في مخاضات القصيدة، تلك القصيدة التي يقول عنها الفرزدق، إن خلع ضرس أهون عليه من قول بيت من الشعر، وفي المقابل قال طه حسين إنه غير راضٍ عن أي كتاب من كتبه، وإنه كلما نظر في واحد منها أحس أنه لم يشبع ما في نفسه (قالها في لقاء له مع التلفزيون السعودي أمام المذيع ماجد الشبل في نهاية الستينيات)، ولن يبلغ أي مبدع ولا أي مفكر أعلى درجات التعبير عما في رأسه أو في نيته وسيظل يشعر مع أي وقفة مع نصه أنه لم يقل كل ما كان يود قوله، وهذه حال يعرفها كل مؤلف وكل منشئ.


‏وفي الحديث الشفاهي تكون الحال أشدَّ من حال الكتابة لأن الارتجال لا يسمح بالتمعن، وكل خطيب يخطب ارتجالاً يكتشف أن الاستطراد يأخذه بعيداً عن فكرته الأصل ويغريه الاستطراد وكأنه يسرقه من أفكاره ويجره لغيرها، وهنا ينتهي للإحساس بما فات عليه قوله.
هذه حالة تحدث بالضرورة الإبداعية لأن الأفكار ذات طبيعة مراوغة وزئبقية، والفكرة أقوى من الذات الكاتبة، وهي التي تتحكم بنا ،وإن توهمنا السيطرة عليها، ولهذا تحدث ثغرات النص، وهي التي يتغذى عليها النقد، وتنبني عليها خطابات التفكيك والتشريح النصوصي، كما تتسلل عبرها النسقيات دون وعي من المنشئ، وذلك لتزاحم الواعي وغير الواعي في لحظة إنتاج القول.
وفي النهاية فإن هذه العيوب تتحول لمزايا لأنها تدفع المفكر والمبدع للشروع بعمل آخر وآخر، ويظل يلاحق نفسه وإبداعيته مما يمنح الفكر مزيداً من الإنتاجية، ولهذا نرى من يقال عنهم بأصحاب الواحدة يتوقفون عند واحدتهم لأنهم تشبعوا منها وفيها، لدرجة لا تفتح لهم مجالاً لإنتاج مزيد. وكلما رضي الكاتب عن شغله وأحس بتمامه فهذه نهايته. بينما تتحرك العقول الحية بدافع حسها العنيف بأنها لم تقل بعد ما تريد قوله وتظل تلهف وراء هدف يبتعد كلما اقتربنا منه.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: المتنبي والزمن المستحيل د. عبدالله الغذامي يكتب: الصوت الأعلى بوصفه خدعةً ثقافية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: عبدالله الغذامي الغذامي

إقرأ أيضاً:

عميد أوجلة: ما يقارب 30٪ من مزارع المدينة متضررة من حشرة سوس النخيل

قال عميد بلدية أوجلة محمد بترون إن أزمة حشرة سوس النخيل المنتشرة في البلدية ما تزال مستمرة من قبل شهر رمضان.

وأضاف بترون في تصريح لقناة ليبيا الأحرار، أن جهاز الرقابة الزراعي يحاول السيطرة على الوضع رغم نقص الإمكانيات، مضيفا أن الملف يتطلب معدات وخبرات لم تتوفر، وفق قوله.

وأوضح عميد أوجلة أن الحكومتين سواء في بنغازي أو طرابلس لم تقدما أي شيء لمواجهة هذا الملف ومكافحة هذه الآفة، مشيرا إلى اكتشاف مزرعة جديدة شبه متضررة كليا من الحشرة، مؤكدا أن ما يقارب 30٪ من مزارع المدينة متضررة، حسب وصفه.

وناشد بترون السلطات الرسمية التدخل بشكل مباشر والعمل على توفير المعدات الحديثة لإنهاء المشكلة بشكل رسمي، موضحا وجود أكثر من 900 ألف نخلة ولا تستطيع البلدية تحديد عدد الأشجار المصابة، بحسب قوله.

المصدر: قناة ليبيا الأحرار

أوجلةسوس النخيل Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0

مقالات مشابهة

  • خولة السويدي: المعرض الفني الإماراتي والعربي يضيء على الإبداع المحلي والإقليمي
  • لمدة 90 يوماً.. ترامب يوقف الرسوم الجمركية على الدول التي لم ترد عليها 
  • 300 عمل فني تُجسِّد الإبداع الطلابي في معرض "واحة فن 2" بالبريمي
  • 300 عمل فني يجسد الإبداع الطلابي في معرض "واحة فن 2" بالبريمي
  • احتجاج وشكاوى من نقص الأدوية والأطباء لمرضى غسيل الكلى
  • عميد أوجلة: ما يقارب 30٪ من مزارع المدينة متضررة من حشرة سوس النخيل
  • عزة هيكل: موسم دراما رمضان 2025 متنوع وورش الكتابة نقطة ضعف
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: الشبكة التي نتخبط فيها
  • بشرطين.. دولة آسيوية تقترح استقبال فلسطينيين من غزة مؤقتا
  • مؤسسة نظر ترى النور لتعزيز البحث العلمي وتجديد الفكر في المغرب