داخل السودان المنكوب بالشكوك: الجميع متهمون حتى تثبت براءتهم
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
خالد فضل
تقرير: خالد فضل
أسرة واحدة سحنات مختلفةأحمد، شاب جامعي، ومعلوم حال طلاب الجامعات منذ 15 أبريل 2023م، بينا هو في طريقه من قريته في ريفي الحوش بجنوب الجزيرة صوب مدينة المناقل بغربي الولاية، عند أول نقطة ارتكاز تتبع للقوات المسلحة تمّ التشكيك في انتمائه لقوات الدعم السريع، السبب بسيط، سحنته ولون بشرته الفاتح وشعره الناعم، مواصفات مثالية لدمغه بالانتماء لمحاربي تلك القوات أو على الأقل من مناصريها، بعد لأي شديد وقسم مغلّظ من سائق عربة الشحن (الدفار) الذي كان يمتطيه سُمح له بالمرور.
ابن عمته مباشرة (م. ع)، شاب مثله وطالب جامعي كذلك، استطاع النفاد من مصفاة نقطة الارتكاز تلك، بيد أنّ ذات المفهوم المرتبط بالسحنة والشعر ولون البشرة قد ظل يلازمه لعدة شهور قضاها في المدينة نفسها، يحاول كسب العيش بعمل بسيط في قلب السوق، مما جعله عرضة لاستجوابات وتحريات وتحقيقات بل احتجاز في الحراسات، بتهمة انتمائه لقوات الدعم السريع وبحيثيات متوهمة عن شكل الذين يفترض انتماؤهم لتلك القوة.
الطريف أن الشاب الثاني متهم بحيثيات سحنته ولون بشرته وشعر رأسه (القرقدي) عكس تماماً لابن عمته ذاك، هنا دخل عنصر الجهة ربما، المهم أن كلا الشابين اللذين ينتميان لأسرة واحدة متهمان لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية والكتائبية الرسمية والمستنفرة بانتمائهما لما يرونه عدوهم اللدود، فقط بعنصر السحنة التي من عجب متقابلة وفي الأسرة الواحدة.
الفلول والاستخبارات نغمة الدعامةالشاب (ش. ه) قضى حتى الآن أكثر من 6 أشهر وهو في حالة الاختفاء القسري منذ أن وردت الأخبار عن طريق أحد أصدقائه، بأن قوة من الدعم السريع في ارتكاز على طريق مدني الخرطوم قد اقتادتهما معا من الحافلة، أطلقت سراحه هو لوجود أوراق ثبوتية بحوزته بينما ما يزال صديقه مختفيا، رغم محاولات والده وأفراد من أسرته التواصل لمعرفة مكان اختفائه بيد ألا نتيجة حتى الآن.
الاتهام الموجه للشاب بحسب صديقه ذاك هو، فلول من عناصر الاستخبارات العسكرية؛ وكالعادة لا يحتاج الاتهام إلى حيثيات معقولة يكفي الشكل الخارجي للحكم على الفرد في بلد سمته الأبرز هي التعددية ومع ذلك تعتبر هذه التعددية في ذات الوقت هي أوسع مدخل للشكوك في حرب الجميع ضد الجميع على ما يبدو.
في حين أشار أحدث تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تلقيها (900) طلب بحث و(445) اشتباه اعتقال، وبحسب راديو دبنقا 17/ 7، فإنّ اللجنة على لسان الناطق الرسمي عدنان حزام، ساعدت في إعادة الاتصال عبر الهاتف لنحو 20.000 من الأسر المشتتة خلال النصف الأول من هذا العام. ووفرت نحو 2500 مكالمة عبر الخط الساخن.
جغرافية الانتشار والسيطرة شمول الاتهامباستعراض موجز للمساحات الجغرافية التي ينتشر فيها عناصر القوات المتحاربة، يمكن الجزم بأن جميع الناس في داخل السودان هم محل اتهام من هذا الطرف أو ذاك، فالدعم السريع ينتشر في معظم مساحة ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار وشمال كردفان وشمال دارفور، ومساحات أقل في غرب كردفان وجنوبها والنيل الأبيض والنيل الأزرق، بينما يسيطر على كل ولايات شرق وغرب ووسط وجنوب دارفور، والجيش في المقابل يبسط سيطرته على ولايات نهر النيل والشمالية والقضارف وكسلا والبحر الأحمر وبقية المساحات التي لا يسيطر فيها الدعم السريع، ونسبة لتداخل الولايات وارتباط الطرق بعضها ببعض نجد أن حركة المواطنين بين الولايات أو داخل الولاية الواحدة تضطر للمرور في مناطق سيطرة هذا الطرف أو ذاك مما يعقد من الحركة جراء شمول الاتهامات بموالاة أيّ من الجانبين، وقد ظل بعض مواطني قرى جنوب الجزيرة يتعرضون لاتهامات واستجوابات واستفزازات مستمرة من عناصر الجيش والمليشيات المحلية المتحالفة معه عندما يمرون عبر هذه الارتكازات للوصول إلى مدينة المناقل، وهو ما حدث بالفعل للشابين (ي. أ) و (م. م) من سكان احدى القرى عند ارتكاز في مدخل جسر حيوي على الترعة الرئيسة يربط جنوب الجزيرة بغربها، والتهمة هي تعاونهما مع الدعم السريع، والقيام بعمليات نهب للمحاصيل الزراعية أو ما يعرف بـ(الشفشفة) حيث تمت مصادرة أموالهما، وضربهما، وتعطيل (عربات الكارو) التي يستخدمانها كوسيلة لكسب العيش.
في الواقع كانت عناصر الدعم السريع ومجموعات النهابة تحت راياتها قد استولت على كل مقتنياتهما بما فيها المحاصيل الزراعية والمواشي وحتى الأواني المنزلية بتهمة أنهما من الفلول ومتعاونين مع الجيش!!
وضع مرعب لحقوق الإنسانفي ختام زيارته لبورتسودان والتي استغرقت خمسة أيام، رسم الخبير الأممي لحقوق الإنسان السيد رضوان نويصر، صورة مرعبة لأوضاع حقوق الإنسان في السودان، وقال في بيانه: (منذ بداية هذا الصراع غير المبرر في العام الماضي تعرض المدنيون في السودان إلى مستويات غير مسبوقة من العنف والمعاناة. كما هو الحال دائما في أوقات الحرب، فإنّ المدنيين هم أول من يتأثر بالمعاناة، إن حجم ومستوى انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في السودان مرعبة، مضيفا أنه بحث مع المسؤولين وعلى رأسهم نائب رئيس المجلس السيادي ووزراء مؤقتين أساسيين أربعة مجالات أساسية منها، الامتناع عن الاعتقال والاحتجاز التعسفي للأشخاص بما في ذلك نشطاء المجتمع المدني)- الأمم المتحدة 12 يوليو 2024م.
فيما كانت هيئة محامي دارفور قد أعلنت عبر بيان أنها تلقت إفادة من ذوي منسق النازحين عبد الرحمن آدم أحمد تفيد باقتياده من وسط سوق بورتسودان في 4/ 7/ 2024م رفقة شخص آخر بوساطة الأجهزة الأمنية، تم الإفراج عنه وهو من المنتمين لحركة (مناوي)، بينما نقل عبد الرحمن إلى مكان غير معلوم وحرم تماما من محيطه الخارجي أو مقابلة محاميه.
وأشارت الهيئة إلى وجود أكثر من 150 شابا في سجون الأجهزة الأمنية ببورتسودان وعطبرة تم القبض عليهم من الشوارع والمحال التجارية والأكشاك، وتدوين بلاغات ضد بعضهم تحت المواد 50 و51 من القانون الجنائي لسنة 1991م؛ تقويض النظام الدستوري والتعاون مع الدعم السريع، وتصل عقوبة الجرائم المدعاة للإعدام.
وفي بيان سابق لها نشره موقع (التغيير) مطلع يوليو الجاري، أفادت الهيئة وشركاؤها، بالقبض على ابني الأستاذ الطاهر ضو البيت (عادل والصادق) بقرية الحرة وحدة الكتياب الادارية بولاية نهر النيل- شمال السودان- بوساطة شرطة المنطقة والاستخبارات وتفتيش مسكنهما وهواتف أسرتهما وقيد دعاوى جنائية في مواجهتهما تحت المواد المشار إليها عاليه، وبحسب إفادة والدهما أن الأخوين ضو البيت تم القبض عليهما رفقة زملائهما من أبناء المنطقة الذين أفرج عنهم جميعاً بعد ابراز الأوراق الثبوتية، بينما اعتقل الشابان المولودان في دارفور (الفاشر ونيالا)، وهو ما أشار إليه بيان الهيئة بممارسة التمييز الاجتماعي والجهوي.
اذهبوا أنتم الطلقاءمختصر الخبر على وسائط الإعلام السودانية، أصدرت محكمة الاستئناف في عطبرة يوم 16 يوليو الجاري قرارا بتبرئة آية مصطفى المحكومة بالإعدام شنقا بتهمة التعاون مع الدعم السريع، وصدر الحكم ضدها في 9 يونيو الفائت تحت المادة 51 أ بتهمة التعاون مع جهة معادية تحت مواد الجرائم الموجهة ضد الدولة، وقال محاميها محمد هاشم إن المحكمة استندت على مقطع فيديو يظهر آية وهي ترتدي زي الدعم السريع.
في وقت سابق من هذا الشهر كان الجيش قد نشر فيديوهات وأعلن عن تحرير 20 محتجزا لدى الدعم السريع في منطقة أمبدة غربي أم درمان، كلهم من النساء والأطفال. بينما أفاد مصدر موثوق في ولاية سنار- فضل حجب اسمه لدواع أمنية- أنّ قوات الدعم السريع أطلقت سراح مجموعة من المحتجزين السياسيين عند اجتياحها لمعسكر القوات المسلحة في مدينة سنجة كان قد جرى اعتقالهم قبل أكثر من شهر دون أن توجه لهم أي اتهامات أو يقدموا للمحاكمة.
ومن المعلوم أن الاستخبارات والأجهزة الأمنية درجت على احتجاز الناشطين المجتمعيين والسياسيين الذين يتخذون مواقف مناهضة للحرب بتهمة تأييدهم وتعاونهم وانحيازهم للدعم السريع، وهو الأمر الذي لم يثبت عند اجتياح تلك القوات لولاية سنار ومناطقها المختلفة، مما يعزز الشكوك حول دوافع تلك الحملات التي تندرج تحت قائمة الكيد السياسي- حسبما أفاد المصدر.
وفي مدينة سنار ما يزال عشرات المدنيين محتجزين لدى الأجهزة الأمنية، بذات المزاعم دون تقديمهم لمحاكمة أو السماح لمحاميهم بمقابلتهم.
جرائم الحرب والإفلات من العقابمن جانبه يقول الأستاذ أمير محمد سليمان المحامي، مدير البرنامج القانوني في المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام بكمبالا في إفادته لـ(التغيير)، إنّ وضعية المدنيين أثناء الحروب الأهلية أو الدولية تحكمها اتفاقيات جنيف الأربع والبروتكولات الملحقة بها وهي المكون الأساسي للقانون الدولي الإنساني، لجهة عدم المساس بهم، أو قصف وتدمير الأعيان المدنية؛ والتي تشمل المنازل ومراكز الخدمات التعليمية والطبية ودور العبادة…. إلخ.
وأشار إلى أنّ ما حدث ويحدث الآن في السودان جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من جانب الطرفين، والمدنيون هم الضحايا الأكثر في أعداد القتلى، والنازحين واللاجئين، وما قادت إليه الحرب من توقف الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري حتى صار أكثر من 25 مليون شخص معرضين لخطر المجاعة بحسب التقارير الدولية.
أما فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، يرى الأستاذ أمير أن فرض قانون الطوارئ في مناطق سيطرة الجيش قد أدى لانتهاكات ممنهجة ضد المدنيين مثل الحرمان من التنقل، والاعتقال التعسفي والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية مما أدى لحالات وفيات كما وثقت لذلك بعض التقارير وتم نشره عبر وسائط الإعلام، كما تم عقد محاكمات لبعض الأشخاص بتهم التعاون مع الدعم السريع وصدرت بحقهم أحكام بالإعدام وكل هذه الإجراءات تتعارض مع التزامات حكومة السودان بموجب قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ضف لذلك عمليات القصف التي راح ضحيتها أعداد كبيرة من المدنيين في مناطق مختلفة مما هو مشهور ومنشور.
أما في مناطق سيطرة الدعم السريع فهناك انتهاكات خطيرة وكثيرة مثل حالات القتل، الاغتصاب، التهجير، الاعتقالات التعسفية وسوء المعاملة والزنازين حتى في داخل المنازل التي تسيطر عليها في بعض الأحياء وغيرها من الانتهاكات الصارخة التي تم كشف بعضها في المناطق التي تم اخراجهم منها مؤخراً.
ويمضي المحامي أمير للقول إن كل هذه الانتهاكات تشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مما يستوجب محاسبة مرتكبيها ليس على مستوى القواعد فحسب بل يجب أن تطال المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب حتى القيادات من الطرفين، منوها إلى أن الإفلات من العقاب ظل هو السمة الأبرز في كل حروبات السودان مما قاد إلى العنف وتناسل وتكرار ذات الممارسات في كل حرب، وأي عملية سياسية سلمية قادمة يجب أن يكون بند المحاسبة من البنود الأساسية ضمنها حتى يتم وضع حد للانتهاكات.
وفي منحى ذي صلة، أشار الأستاذ أمير إلى صدور قرارات في بعض الولايات تتعلق بوجود الأجانب، منوها إلى أن المدنيين منهم يجب أن يعاملوا مثل المواطنين المدنيين من توفير الحماية لهم وعدم تعريضهم للانتهاكات، لأنهم يقعون بين نارين كما في وصفه الجيش من جهة والدعم السريع من جهة ثانية، والطرفان عاجزان عن توفير الحماية للسودانيين ناهيك عن الأجانب، وفي هذه الحالة على وكالات الأمم المتحدة التدخل لصالح توفير الحماية لهؤلاء بفتح مسارات آمنة لحين خروجهم من الولايات التي ترفض وجودهم فيها، وأي انتهاك يتعرضون له أو معاملة غير إنسانية يعتبر جرائم ضد الإنسانية ويمكن أن تكون جرائم حرب.
الوسومالأمم المتحدة الجزيرة الجيش الدعم السريع السودان الشمالية حقوق الإنسان دارفور سنار كردفان نهر النيلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأمم المتحدة الجزيرة الجيش الدعم السريع السودان الشمالية حقوق الإنسان دارفور سنار كردفان نهر النيل الأجهزة الأمنیة مع الدعم السریع حقوق الإنسان فی السودان فی مناطق أکثر من
إقرأ أيضاً:
الجيش يتقدم على الدعم السريع.. هل لا يزال الحل السلمي خيارًا؟
تصاعدت مرة أخرى الدعوات المطالبة بتشكيل حكومة منفى من عدد من القوى المنضوية تحت لواء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية المعروفة بـ (تقدم) برئاسة عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق المستقيل.
وكان هذا المقترح قد طُرح من قِبل بعض أعضاء "تقدم" في اجتماعات هيئتها القيادية التي انعقدت في مدينة عنتيبي الأسبوع الماضي، لكنه لم يجد رواجًا بل عارضته بعض القوى داخل التنسيقية نفسها، ومن ثَم خلا البيان الختامي للاجتماعات من أي إشارة إليه ضمن مخرجات ما تم الاتفاق عليه، وهو ما اعتبره المراقبون وقتها استبعادًا للاقتراح.
لكن وعلى نحو مفاجئ تجددت هذا الأسبوع الدعوات لتشكيل حكومة منفى.
ويبدو أنّ الوضع العسكري الميداني قد دفع بشكل ما بهذا المقترح إلى الواجهة مرة أخرى، حيث تشير التقارير الواردة في هذا الصدد إلى تقدم كبير ومتسارع للجيش السوداني والقوات المتحالفة معه في كل جبهات المواجهة مع قوات الدعم السريع، خاصة في الجبهات الساخنة كالفاشر، ونيالا، والجنينة، والخرطوم بحري، وولاية الجزيرة، وهي الأكثر سخونة، حيث تتقدم القوات الحكومية فيها من 3 جهات؛ لتطوق قوات مليشيا الدعم السريع المتواجدة بكثافة في مدينة (ود مدني) عاصمة ولاية الجزيرة، منذ ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.
إعلانوتزامن مقترح تشكيل حكومة المنفى مع مقترح آخر لتشكيل سلطات إدارية في مناطق سيطرة الدعم السريع. قدم هذا المقترحَ عددٌ من مستشاري قوات الدعم السريع المتحالفة مع تنسيقية (تقدم)، وقد تم تنفيذه بالفعل في بعض المناطق في نيالا والجنينة وبعض قرى ومدن ولاية الجزيرة.
ولكن هذه السلطات بلا فاعلية وتستند إلى شرعية الأمر الواقع فحسب، وتديرها عناصر عسكرية تابعة للدعم السريع، ليست مؤهلة لممارسة العمل الإداري، فضلًا عن تورط عناصرها في انتهاكات وعمليات قتل وتعذيب واعتقال في حق المدنيين بهذه المناطق والتجنيد القسري للشباب، ومصادرة ممتلكات الأهالي، وإجبارهم على مغادرة منازلهم، واتخاذها ثكنات عسكرية ومخازن للسلاح.
ويأتي تجدد الدعوة لهذين المقترحين متزامنًا مع تزايد الحديث عن مفاوضات مزمعة بين الدعم السريع والجيش على خلفية "اتفاق جدة" الذي تمَّ التوقيع عليه في 11 مايو/ أيار 2023، والذي ألزم الدعم السريع بالخروج من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين والتجمع في نقاط تم تحديدها مسبقًا، وهو ما لم تنفذه الدعم السريع، فأصبح الاتفاق معلقًا، وفي حكم المجمد، وتحول إلى عقبة تواجه كل المحاولات اللاحقة لتسوية الأزمة، حيث تصرّ الحكومة السودانية على تنفيذ الدعم السريع لهذا التعهد كشرط للدخول في أي صيغة تسوية.
ويبدو المشهد الآن غاية في التعقيد، والخيارات أكثر ضيقًا أمام الدعم السريع بالنظر إلى وضعها العسكري الحرج. فالقبول بتنفيذ اتفاق جدة يبدو صعبًا للدعم السريع في هذا التوقيت لسببين:
الأول هو أن الحكومة السودانية تتمسك بتطبيق اتفاق جدة فقط على المناطق والأعيان المدنية التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع وقت توقيع الاتفاق (قبل أكثر من عام ونصف)، بينما تستثني المناطق التي سيطرت عليها القوات لاحقًا، مما يعني عدم شمول هذه المناطق في الاتفاق، وهو ما تعتبره قوات الدعم السريع خسارة كبيرة لمكاسبها الميدانية التي حققتها خلال الحرب. والثاني هو الوضع الميداني الضعيف للدعم السريع بحيث سيكون قبولها بتنفيذ اتفاق جدة وهي في هذا الحال استسلامًا وإذعانًا يشبه الهزيمة. إعلانويأتي تعقيد إضافي يمثل قيدًا آخر على خطوات الحكومة السودانية نحو القبول بخيار التفاوض مع الدعم السريع وجناحها المدني "تقدم"، ألا وهو تنامي تيار جماهيري شعبي آخذ في التصاعد يدعو إلى خيار الحسم العسكري على الأرض، ويعتبر أن أي ميل للتفاوض والتسوية بمثابة طوق نجاة للدعم السريع ينقذها من هزيمة وشيكة.
كما أنه يعيد قوات الدعم السريع وحليفها المدني إلى المشهد السياسي والحياة العامة في السودان بعد كل تلك الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها في حق المدنيين، والدمار الذي أحدثته في البنية الأساسية، للدولة طال حتى الموروث التاريخي القومي للسودان، والشرخ الاجتماعي العميق الذي خلفته هذه الجرائم، مما أحدث حاجزًا نفسيًا كبيرًا يصعب معه القبول بأي دور محتمل لهذا التحالف في مستقبل الحياة العامة بالسودان.
في ضوء ما سبق، فإن دعوات تشكيل حكومة منفى تضيف تعقيدًا جديدًا يجعل التوصل إلى حل سلمي للأزمة احتمالًا بعيد المنال؛ فتشكيل حكومة منفى يعني نزع الشرعية عن الحكومة السودانية وإغلاق الباب في وجه أي مساعٍ للحل التفاوضي.
وكما قلنا، فقد وُوجهت هذه الدعوة بالرفض حتى من بعض مكونات تنسيقية "تقدم"، التي ترى أن تشكيل حكومة منفى في هذا التوقيت هو مغامرة غير محسوبة النتائج، وستواجه بتحدٍّ كبير، وهو نيل الاعتراف الدولي في ظل وجود حكومة معترف بها دوليًا بالفعل وتسيطر على معظم إقليم الدولة.
كما أن الاعتراف الدولي بحكومة كهذه يعني عدم وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى مستحقيها، حيث لا قدرة لحكومة منفية أن تقدم تسهيلات ودعمًا لوجيستيًا لمنظمات الإغاثة.
هناك مخاوف أيضًا أن يفضي تشكيل حكومة منفى في نهاية المطاف إلى تقسيم البلاد، وبالتالي حدوث فوضى غير مرغوب فيها، وتصعب السيطرة عليها، مما يهدد الاستقرار الإقليمي، ويمتد أثره إلى السلم والأمن الدوليين، خاصة أن المنطقة تمور بالمشاكل وفي حالة غليان ولا تحتمل المزيد.
إعلانأما تشكيل إدارة مدنية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، فهو خيار غير عملي، ولن يكون مجديًا في ظل استمرار القتال والحصار الذي يضربه الجيش على هذه المناطق، وتفوقه الواضح عبر سلاح الطيران، وبالوضع الهجومي الذي يتخذه هو والقوات المتحالفة معه، كما أنه من البديهي ألا تقبل الحكومة بوجود سلطة داخل الدولة تنازعها شرعيتها، وبالتالي ستكون هذه المناطق أهدافًا مشروعة لنيران أسلحتها المختلفة.
وهكذا يبدو المشهد السوداني قاتمًا، تزداد تعقيداته يومًا بعد يوم، وتأخذ الأزمة فيه شكل مباراة صفرية تتضاءل فيها فرص التسوية السياسية والحل السلمي، ويبرز بقوة خيار الحسم العسكري على الأرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية