قيس سعيّد يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية التونسية
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيد، اليوم الجمعة، ترشحه للانتخابات الرئاسية من برج الخضراء، محذرا من كافة أشكال الاندساس، ومؤكدا بأن "البعض سقط عن وجوههم القناع، والبعض الآخر سيسقط عنه بالتأكيد القناع في قادم الأيام". ونشرت رئاسة الجمهورية التونسية عبر صفحتها على "فيس بوك" بيانا تلاه سعيّد قال فيه: "لو كنت خُيرت لما اخترت، ولكن حينما يدعوك الواجب الوطني المقدس، لا مجال للتردد، ولا مجال لأن تقول الذي استجبت ولبيت".
وأضاف: "من برج الخضراء، أعلن رسميا ترشحي للانتخابات الرئاسية يوم السادس من أكتوبر القادم، لمواصلة مسيرة النضال في معركة التحرير الوطنية".
وزاد سعيّد: "اخترت هذا المكان وهذا اليوم، لأنه يعبق برائحة النضال، ولأن برج الخضراء رمز المنارة والسمو والعلو والشموخ".
وأشار الرئيس التونسي إلى أنه اختار هذا الموقع تحديدا لإعلان ترشحه تأكيدا على أن تونس دولة موحدة، من آخر نقطة في الشمال إلى آخر نقطة في الجنوب.
وطالب سعيّد ممن سيقومون بالتزكية إلى الانتباه من كل أشكال الاندساس والمغالطة، مضيفا "البعض سقط عن وجوههم القناع، والبعض الآخر سيسقط عنه بالتأكيد القناع في قادم الأيام".
وشدد أيضا على كل من سيقوم بالتزكية "عدم قبول أي مليم من أي جهة كانت، ومن قبل حتى بمليم واحد فأنا منه براء إلى يوم الدين".
المصدر: السومرية العراقية
إقرأ أيضاً:
قراءة في مشاريع الوحدة الوطنية بعد الثورة التونسية
بصرف النظر عن السجال الذي ارتبط بالانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة -من جهة نسبة المشاركة والشفافية والنزاهة وحيادية هيئة الانتخابات والإعلام- فإن نجاح الرئيس قيس سعيد في الفوز بعهدة رئاسية ثانية قد جاء ليكرسّ سردية "تصحيح المسار" باعتبارها السردية الرسمية للسلطة الحاكمة منذ 25 تموز/ يوليو 2021. كما جاءت تلك الانتخابات لتؤكد هامشية أطياف المعارضة وعجزها واقعيا عن منافسة السلطة القائمة لأسباب بسطناها في مقالات سابقة.
وقد يكون من باب الاختزال أن نعتبر الانقسام الحاد بين السلطة والمعارضة بمختلف مكوناتها -أي الموالاة النقدية والمعارضة الجذرية- هو الانقسام الأوحد أو الأهم. فالانقسامات البينية التي تلقي بظلالها على مكونات المعارضة قد مثلت -في تقديرنا- العامل الأهم في تحديد موازين القوة بين السلطة ومعارضتها، بل مثلت المحدد الأبرز في نوايا التصويت أو في العزوف عن العملية الانتخابية برمّتها، مع ما يعنيه ذلك في مستوى نتائج الانتخابات وفي مستوى آليات تعامل السلطة مع خصومها.
مهما كانت طريقة الفاعلين السياسيين في إدارة مفهوم "الوحدة الوطنية"، فإنها لم تنفصل منذ المرحلة التأسيسية عن المرجعيات الأيديولوجية في جدلها مع السياقات الموضوعية المحلية من جهة أولى، ولم ينفصل عن هيمنة المنظومة القديمة وعن تدخلات القوى الإقليمية من جهة ثانية. فـ"الوحدة الوطنية" -مثلها في ذلك كمثل "استمرارية الدولة" و"النمط المجتمعي التونسي" و"مكتسبات الدولة الوطنية" و"العلمانية" و"العائلة الديمقراطية"- كان مفهوما مشحونا أيديولوجيا بصورة ربطته بنيويا باستراتيجيات المنظومة القديمة لإعادة التموضع والانتشار بعد امتصاص "المد الثوري".
ففي غياب سردية ثورية جامعة، احتلت "البورقيبية" مركز "الخطاب الكبير" أو السردية المرجعية في مأسسة مطالب الثورة. ولم يكن ذلك ليحصل لولا براءة أغلب ورثة المخلوع في مرحلة التأسيس من نسبهم التجمعي (نظام المخلوع بن علي) وادعاء الانتساب إلى اللحظة الدستورية (نظام المرحوم بورقيبة)، مع الحرص على "أمثلة" هذه اللحظة وتصوير نظام المخلوع في صورة الانحراف أو الخيانة للتراث البورقيبي.
إننا أمام خيار استراتيجي سيكون له تداعيات كبيرة على المرحلة التأسيسية وما تلاها. فـ"البورقيبية" كانت الأداة الأساسية لتذويب الخلافات بين "القوى الديمقراطية" وتجذير الانقسام الحاد بينها وبين حركة النهضة، وكانت كذلك الطريق الملكي للتطبيع مع ورثة المنظومة القديمة وإعادة تدويرهم لمواجهة ذلك الوافد الجديد على الحقل السياسي القانوني. في المرحلة التأسيسية مثلت تجربة الترويكا (الحكم المشترك بين حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي) أول تجلّ للوحدة الوطنية من منظور متجاوز للمحددات الهوياتية للصراع السياسي. كانت تجربة تأسيسية بلا مثيل في التراث السياسي لتونس، بل للعالم العربي كله، فلأول مرة، حكم الإسلاميون والعلمانيون معا تجسيدا للإرادة الشعبية. ولكنها كانت تجربة هشة لأسباب ترتبط بطابعها البراغماتي وغياب أي تأسيس نظري صلب. كما أنها هشاشتها ترجع إلى واقع "الفوضى" واستضعاف الدولة بدءا من المواطنين، مرورا بالنقابات والإعلام وانتهاء بالأحزاب السياسية الوازنة. فواجهت الترويكا قوتين إحداهما كمية (النقابات المدنية والأمنية) والأخرى نوعية (اليسار الوظيفي المتحكم في الإعلام والثقافة والتعليم والمجتمع المدني والنسيج الحزبي والمدعوم من محور الثورات المضادة)، وهو ما أدى في النهاية إلى إجهاض تلك التجربة.
بعد تجربة الترويكا، فرض "الحوار الوطني" تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة السيد مهدي جمعة. وهي حكومة تعكس معنى "الوحدة الوطنية" عند الجهات التي رعت الحوار أو استفادت من مخرجاته. فعدم تحزب أعضاء الحكومة أو حياديتهم كانا مجرد عملية تضليل ممنهجة للرأي العام، لقد كانت "حكومة التكنوقراط" في الواقع أول حكومة تكرّس الهوة بين التمثيل النيابي والوزن السلطوي وتفتح الباب أمام اللوبيات لهندسة المشهد السياسي بعيدا عن صناديق الاقتراع. فرغم حصولها على ثقة "المجلس الوطني التأسيسي"، فإنها لم تعكس تركيبة هذا المجلس، بل لم تكن واقعيا خاضعة لسلطته الرقابية.
لقد كانت حكومة التكنوقراط مبتدأ سيجد خبره في خيار التوافق بعد انتخابات 2014 وإقالة السيد مهدي جمعة. ولعل أهم ما يميز هذه الحكومة هو إقصاؤها لكل المنتمين إلى حركة النهضة وانحصارها في شخصيات تنتمي إلى المنظومة القديمة، أو على الأقل غير معروفة بمعارضتها. لقد كانت "حكومة التكنوقراط " أو " حكومة الإنقاذ" تعبيرا عن قوة المنظومة القديمة ووكلائها في اليسار الوظيفي، كما كانت تجسيدا لمفهوم "الوحدة الوطنية" في "العائلة الديمقراطية"، حيث يكون المحدد هو إقصاء حركة النهضة ومن طبّع معها من الفاعلين العلمانيين.
بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لسنة 2014، استطاعت حركة نداء تونس أن تكتسح الساحة السياسية وأن تسيطر على مفاصل السلطتين التنفيذية والتشريعية. لم يكن نداء تونس حركة "تجمعية جديدة" بقدر ما كان حركة يسارية بغطاء تجمعي وفره المرحوم الباجي قائد السبسي. ورغم حصول نداء تونس على أغلبية المقاعد البرلمانية، فإن "براغماتية" المرحوم الباجي جعلته يختار التوافق مع حركة النهضة التي كان خلال حملته الانتخابية يعتبرها خطا موازيا لحركته. وهو خيار "تكتيكي" وليس خيارا استراتيجيا؛ لأنه قام على الواقعية السياسية لا على مراجعات فكرية تتصل بحق الإسلاميين في بناء المشترك الوطني أو تتصل بمساءلة التراث البورقيبي ومفاهيمه الأساسية المتعلقة باللائكية والتنوير والتحديث، ومآلات تلك المفاهيم واقعيا خلال لحظتي الحكم الدستورية والتجمعية.
لقد كانت "الوحدة الوطنية" في هذا المنظور تعني اتخاذ النهضة شريكا أقليا في السلطة (وهو ما تشهد له المناصب المحدودة المسندة لهذه الحركة بدءا من الوزارات) لتمرير خيارات المنظومة القديمة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ولأسباب تتعلق بالخيار الاستراتيجي لحركة النهضة بأن تندمج في الدولة وتخرج عن منطق مواجهتها، قبلت هذه الحركة أن تتوافق مع المنظومة القديمة بشروط تلك المنظومة، وهو ما أفقدها جزءا كبيرا من مصداقيتها ومن رأسمالها الرمزي المتمثل في "المظلومية" وتمثيل المهمشين والمحافظين والمتدينين.
بعد فشل مشاريع "الوحدة الوطنية" بدءا من الترويكا (وحدة وطنية على أساس التمثيل الشعبي وتجاوز منطق الصراعات الهوياتية)، مرورا بحكومة التكنوقراط (وحدة وطنية على أساس التجانس الأيديولوجي و"القوة النوعية" والتدخلات الخارجية) وانتهاء بمرحلة التوافق (وحدة وطنية "تكتيكية" على أساس الواقعية السياسية دون أي تأسيس نظري)، كان الطريق ممهدا أمام سردية "تصحيح المسار" لتقديم سردية جديدة للوحدة الوطنية. رغم أن تصحيح المسار قد تخلّق في رحم الديمقراطية التمثيلية، فإن الرئيس قيس سعيد لم يخف منذ "حملته التفسيرية" (أي الحملة الانتخابية الرئاسية) سنة 2019 أنه يمثل النقيض الفكري والموضوعي للنخب المهيمنة على "عشرية الانتقال الديمقراطي". فهذا القادم من خارج النخب السياسية المتحزبة كان يحمل مشروعا للتأسيس الثوري الجديد في إطار الديمقراطية المجالسية أو المباشرة، أي مشروعا يتحرك بمنطق البديل لا بمنطق الشريك.
ومثلما فعلت النخب السياسية في انتخابات 2019 حيث لم تحمل أفكار السيد قيس سعيد على محمل الجد، فإنها لم تتعامل مع إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021 بالمنطق المناسب. فمن جهة "العائلة الديمقراطية"، فإن أغلب مكوناتها قد تعاملت مع "تصحيح المسار" باعتباره إقصاء لحركة النهضة عن مركز الحقل السياسي مثلما حصل بعد سقوط الترويكا، وبنت بالتالي أفق انتظارها على أساس التشاركية بينها وبين النظام الجديد وعلى أساس قدرتها على توظيف هذا الحدث لتأكيد قوتها ودورها "الوطني". فعندما ساندت أغلب "القوى الديمقراطية" الحزبية والمدنية والنقابية تصحيحَ المسار، فإنها كانت أسيرة شبكة قراءة تجاوزتها الأحداث. لقد رأت في "تصحيح المسار" فرصة لبناء "وحدة وطنية" تستثني حركة النهضة وتحافظ فيها "القوى الديمقراطية" على شرف المعارضة وامتيازات الحكم، وهي رؤية أثبتت الأحداث تهافتها مثلما أثبتت تهافت قراءة حركة النهضة لتصحيح المسار. فبعد أن اعتبرت هذه الحركةُ "تصحيح المسار" انقلابا، عاد زعيمها للاعتراف بشرعية هذا الحدث لكن مع الدعوة إلى "العودة إلى الديمقراطية" و"الوحدة الوطنية".
لا شك عندنا في أن الحركة قد قاست بصورة ضمنية تصحيح المسار على ما حصل لها بعد إسقاط الترويكا وتنصيب حكومة التكنوقراط، ولكنه قياس لا يراعي الفارق. فعودة النهضة إلى الحكم خلال مرحلة التوافق كانت في إطار عدم انتفاء الحاجة إليها بعدُ من منظور الدولة العميقة ورعاتها الأجانب، كما كانت تلك العودة تعبيرا عن موازين محلية وإقليمية لم تكن مهيئة بصورة كاملة للانقلاب على مسار الانتقال الديمقراطي بديمقراطيته التمثيلية وأجسامه الوسيطة. فالوحدة الوطنية التي تدعو إليها النهضة هي من منظور "تصحيح المسار" مجرد صفقات وتسويات مشبوهة ولا علاقة لها بالإرادة الشعبية، مثلما في ذلك كمثل الوحدة الوطنية من منظور "العائلة الديمقراطية".
المصادرة على "وطنية" الأنصار دون الخصوم أو المعارضين، واختزال المعنيين بالوحدة في أنصار "تصحيح المسار" دون سواهم هو تضييق لمفهوم الوحدة الوطنية، ولكنه تضييق لا يمكن أن يحجب عنا الأزمة العميقة التي عبرت عنها الأطروحات المنافسة والتي عجزت عن إدارة خلافاتها البينية خلال عشرية الانتقال الديمقراطي، وما زالت مطبوعة بذلك العجز إلى حد هذه اللحظة
فتصحيح المسار يدير مفهوم الوحدة الوطنية على أساس نفي الحاجة إلى الأجسام الوسيطة التقليدية (خاصة الأحزاب)، وعلى أساس العلاقة بين الشعب وبين الرئيس الذي يمثل إرادته الحرة وغير المتلاعب بها. فـ"الوحدة الوطنية الصماء" ليست ترصيفا لإرادات/مشاريع سياسية متناقضة، وليست تشريكا للمعارضة في السلطة (ولو بصورة استشارية)، بل هي تنفيذ لإرادة الشعب التي عبر عنها بصورة مطلقة ونهائية بعد 25 تموز/ يوليو 2021.
مهما كان موقفنا من مفهوم "الوحدة الوطنية" في "تصحيح المسار"، فإنه يمثل نتيجة حتمية لفشل مشاريع "الوحدة الوطنية" منذ المرحلة التأسيسية. فالوحدة على أساس الشرعية الانتخابية دون مشروعية الأداء، أو الوحدة على أساس التجانس الأيديولوجي وضد الإرادة الشعبية، أو الوحدة على أساس البراغماتية السياسية دون أي تأسيس نظري؛ قد أثبتت جميعا أنها عاجزة عن إدارة مرحلة الانتقال الديمقراطي سياسيا واقتصاديا، كما أثبتت عجزها عن تجاوز الصراعات الهوياتية أو على الأقل تحييد مفاعليها القاتلة في الحقل السياسي وغيره. ولكنّ ذلك العجز لا يعطي مفهوم الوحدة الوطنية كما يطرحه تصحيح المسار أية أفضلية في غياب أية مكاسب قابلة للضبط والإحصاء بعيدا عن مجازات السلطة وأنصارها. فالوحدة الوطنية التي يطرحها مشروع الرئيس هي في جوهرها عملية إحياء للميراث البورقيبي لكن مع الاستغناء عن "الحزب الحاكم".
ولا شك في أن المصادرة على "وطنية" الأنصار دون الخصوم أو المعارضين، واختزال المعنيين بالوحدة في أنصار "تصحيح المسار" دون سواهم هو تضييق لمفهوم الوحدة الوطنية، ولكنه تضييق لا يمكن أن يحجب عنا الأزمة العميقة التي عبرت عنها الأطروحات المنافسة والتي عجزت عن إدارة خلافاتها البينية خلال عشرية الانتقال الديمقراطي، وما زالت مطبوعة بذلك العجز إلى حد هذه اللحظة.
x.com/adel_arabi21