منذ ستينيات القرن الماضي، اعتقد العلماء أن العجز الذي يظهر عند الرضع والذي يمتد لمدة طويلة تصل إلى سنة كاملة يعود إلى قيود الولادة، وهذا الاعتقاد السائد يرجع إلى أنه وبسبب كبر حجم رؤوس الرضع البشرية فيجب أن يولدوا في وقت مبكّر، ممّا يخلق أدمغة غير ناضجة، وفترة عجز تمتد إلى سنة من العمر مقارنة بالعديد من الحيوانات التي تستطيع المشي في اليوم نفسه الذي تولد فيه مثل الخيول، وهو ما دفع الباحثين إلى التساؤل عن سبب عجز الرضع البشرية لمدة طويلة مثل هذه.

وقد أظهرت دراسة جديدة قادها عالم عصبيات من كلية "ترينيتي كوليج دبلن" ونشرت في مجلة (Trends in Cognitive Sciences) أن التفسير التقليدي لعجز الرضع لا يدعم بالبيانات العصبيّة الحديثة، وأن أدمغة الأطفال تستخدم الفترة التي سميت بفترة "العجز" لتتعلم نماذج أساسية وقوية تشبه تلك التي تدعم الذكاء الاصطناعي الإبداعي "إيه آي" (AI).

التدريب المسبق.. نموذج متشابه بين تعلم الرضيع البشري والآلة

قام فريق البحث المتألف من كل من البروفيسور "كيوساك" المسؤول عن قياس تطور أدمغة الرضع وعقولهم باستخدام التصوير العصبي، والبروفيسور "كرسيتين شارفيه" من جامعة "أوبورن" في الولايات المتحدة المسؤول عن مقارنة تطور الدماغ عبر الأنواع، والدكتور "مارك أوريليو رانزاتو" الباحث في الذكاء الاصطناعي في "ديب مايند" بدراسة تقارن تطور الدماغ عبر أنواع الحيوانات، واستفادت من مشروع طويل الأمد في ترجمة الزمن الذي يعادل الأعمار المقابلة عبر الأنواع لتأكيد أن أدمغة البشر أكثر نضجا من العديد من الأنواع الأخرى عند الولادة حسب ما قاله البروفيسور "شارفيه".

وفي السياق نفسه، أظهر هؤلاء الباحثون من خلال تصوير الدماغ أن العديد من الأنظمة في دماغ الرضيع البشري تعمل بالفعل وتعالج التدفقات الغنية من المعلومات الواردة من الحواسّ، وهو ما يتعارض مع اعتقاد أن العديد من أنظمة دماغ الرضيع غير ناضجة بما فيه الكفاية للقيام بالوظائف.

وقارن الفريق عملية التعلم لدى البشر مع آخر نماذج التعلم الآلي، حيث تستفيد الشبكات العصبية العميقة من فترة "العجز" من التدريب المسبق، وبينت أن نماذج الذكاء الاصطناعي كانت تدرب على أداء المهام التي تحتاج إليها مباشرة، كتدريب السيارة على القيادة الذاتية من خلال التعرف على ما تراه في الطريق، أما الآن فيتم تدريب النماذج على رؤية الأنماط ضمن كميات ضخمة من البيانات أولا دون القيام بأي مهام، ثم تستخدم نتيجة النموذج الأساسي بعد ذلك لتعلم المهام المحددة وهو ما يعطي أداء أفضل، ويشبه هذا النمط نمط الأطفال الرضع في فترة "العجز" حيث يتعلمون نماذج أساسية قوية تمنحهم القدرة على فهم العالم بقدرة أدائية عالية.

هل يعوّض الذكاء الاصطناعي قدرة الدماغ البشري؟

تتخوّف البشرية اليوم من كابوس الذكاء الاصطناعي، ومن أن يتوسع وعاء العلم حتى يفيض على المستقبل الوجودي للإنسان أو أن يكون خطرا عليه، وتزدحم الأسئلة عن مستقبل البحوث بشأن إمكانية تطوّر هذا الأخير للحدّ الذي يجعله يزاحم العقل البشريّ، ولكن بالرغم من وجود تطورات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي "إيه آي" (AI) كمنحنا المتحدثين الأذكياء، وأنظمة القيادة الآلية في السيارات، والتشخيصات الطبية المحسنة، وهذا بفضل تقنية التعلم الآلي التي تستخدم مجموعات بيانات ضخمة لتدريب نماذج الشبكات العصبية الاصطناعية، إلا أن النماذج الأساسيّة تستهلك كميات هائلة من الطاقة وتتطلب كميات أكبر بكثير من البيانات مقارنة بالأطفال الرضع الذين يتعلمون من خلال تجربة العالم من حولهم، وهو ما يعرقل التقدم في العديد من المجالات، لأن مجموعة البيانات التي تتعلم منها الآلات يجب أن تعد بعناية شديدة من قبل البشر، ووضح البروفيسور شارفيه أن الخطوات القادمة في البحث ستشمل مقارنة تعلم الأدمغة والذكاء الاصطناعي مباشرة.

الخطوات القادمة في بحث البروفيسور شارفيه ستشمل مقارنة تعلم الأدمغة والذكاء الاصطناعي مباشرة (غيتي) هل يمكن التقليل من الاعتماد على البيانات المنسقة والمصنفة لتعلم الآلة؟

في بحث بعنوان "دروس من تعلّم الرضع لتعلم الآلة غير المراقب" نُشر في مجلة "نيتشر ماشين إنتليجنس" (Nature Machine Intelligence) قدم كلّ من الدكتور "لورين زادنورديك"، والبروفيسور "رودري كوساك من معهد علوم الأعصاب في كلية "ترينيتي" (TCIN)، والدكتور "طارق آر. بيسولد" من جامعة "تيو إيندهوفن في هولندا، حججا تؤكد ضرورة وجود طرق أفضل للتعلم من البيانات غير المهيكلة، ومحاولة التقليل من الاعتماد على مجموعات البيانات المنسّقة، وتجديد الاهتمام بخوارزميّات التعلم غير الخاضعة للإشراف (أو الإشراف الذاتي)، وبحسب ما جاء في البحث فإنّ التعلم الآلي غير الخاضع للإشراف لا يزال أقلّ من إمكاناته المفترضة كنموذج اختراق يمكّن الأنظمة الذكية بشكل عام.

وقدموا لأول مرة اقتراحات ملموسة عن الرؤى الخاصة بتعلم الرضع التي يمكن تطبيقها بشكل مثمر في تعلم الآلة وكيفية تطبيق هذه الدروس بحذافيرها، حيث يرى هؤلاء الباحثون أنّ العلوم التنمويّة لإدراك الرضع قد تكون المفتاح لإطلاق الجيل القادم من مناهج التعلم غير الخاضعة للإشراف، وحددوا 3 عوامل حاسمة تمكن الرضّع من "جودة وسرعة التعلم":

معالجة معلومات الأطفال حيث سيتمّ "توجيهها وتقييدها". الأطفال يتعلمون من مدخلات متنوعة ومتعددة الوسائط. تتشكل مدخلات الأطفال من خلال النمو والتعلم النشط.

كما أوضحوا أنهم يعملون على تقييم مدى إمكانية استغلال هذه الأفكار من تعلم الأطفال في التعلم الآلي، ويدرسون مدى تشابه هذه التطبيقات الثلاثة مع الرؤى الأساسية، وكيف يمكن أن تؤدي إلى مستويات أداء غير مرئية سابقا في التعلم غير الخاضع للإشراف.

وفي السياق ذاته، أضافوا أن الآلات ستحتاج إلى تفضيلات مدمجة لتشكيل تعلمها منذ البداية، وإلى مجموعات بيانات أكثر ثراء تلتقط كيفية مظهر العالم، وكيفية صوته، ورائحته، وطعمه، وملمسه. وسيحتاجون مثل الرضع تماما إلى مسار تطوري تتغير خلاله التجارب والشبكات مع نضوجهم.

وقال الدكتور "طارق آر. بيزولد" الباحث في مجموعة الفلسفة والأخلاق في جامعة "تيو إندهوفن" "نحن الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، نقوم غالبا برسم تشابهات استعارية بين أنظمتنا وتطور العقل للرّضع والأطفال البشر، حان الوقت لأخذ هذه المقارنات بجدية أكبر والنظر إلى المعرفة الغنية حول تطور الرضع من علم النفس وعلم الأعصاب، والتي قد تساعدنا في التغلب على أكثر القيود الملحة لتعلم الآلة".

وأضاف البروفيسور "رودري كوساك" أستاذ "توماس ميتشل" في علم الأعصاب الإدراكي، ومدير معهد "ترينيتي" لعلم الأعصاب "شبكات الأعصاب الصناعية كانت مستوحاة جزئيا من الدماغ، على غرار الرضّع، هي تعتمد على التعلم، لكن ما يتمّ تطبيقه حاليّا مختلف جدا عن التعلم البشري والحيواني، من خلال البحث التركيبي، يمكن للرضع المساعدة في فتح الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الذکاء الاصطناعی التعلم الآلی تعلم الآلة العدید من من خلال وهو ما

إقرأ أيضاً:

حمدان بن محمد يطلق أكاديمية دبي للذكاء الاصطناعي

أطلق سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل، "أكاديمية دبي للذكاء الاصطناعي" وذلك ضمن أعمال أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي، بهدف تأهيل 10 آلاف من القادة الناشئين والرواد بأهم المهارات المطلوبة في هذا المجال، وتقديم برامج تعليمية وتدريبية رفيعة المستوى في مجال الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية وتدريبية مرموقة.
وقال سموّه: "دبي ستكون الوجهة لكل من يريد أن يكون في مقدمة صُنّاع مستقبل الذكاء الاصطناعي.. مستمرون في دعم المبادرات النوعية للتعريف بتطبيقاته الواعدة وفرص توظيفه في تسريع النمو الاقتصادي وتعزيز أداء مختلف القطاعات الحكومية والمجتمعية والتعليمية".
حضر إطلاق الأكاديمية معالي عمر بن سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتقنيات العمل عن بُعد، نائب العضو المنتدب لمؤسسة دبي للمستقبل، وعارف أميري، الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي.
ويمثل إطلاق "أكاديمية دبي للذكاء الاصطناعي" خطوة محورية نحو مضاعفة اقتصاد دبي وزيادة مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة ودولة الإمارات عموماً. وستركز "أكاديمية دبي للذكاء الاصطناعي" التي سيشرف عليها "كامبس دبي للذكاء الاصطناعي" والذي يتخذ من "إنوفيشن هب" في مركز دبي المالي العالمي مقراً له، وبدعم من أكاديمية مركز دبي المالي العالمي، على نشر المعرفة والتعليم بمجال الذكاء الاصطناعي، وتوسيع قاعدة المواهب القادرة على اعتماد وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات المستقبلية.
وستقدم الأكاديمية دورات تدريبية وشهادات معتمدة تم تصميمها خصيصاً لتلبية أهداف ومتطلبات المهارات لدى موظفي القطاع الحكومي والقطاع الخاص مثل القدرة على فهم الذكاء الاصطناعي، وتحديد حالات استخدامه وتنفيذها، وتوظيفه كقدرة استراتيجية داخل المؤسسات مع مراعاة الجوانب الأخلاقية في استخدامه.
وتهدف أكاديمية دبي للذكاء الاصطناعي إلى دعم نمو اقتصاد دبي من خلال مضاعفة مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي، وتأهيل الكفاءات والمواهب القادرة على تسريع تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في مختلف القطاعات.
وستسهم الأكاديمية في تخريج نخبة من الكفاءات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، بما لذلك من أثر في تسريع وتيرة تبنّي تطبيقاته عبر مختلف القطاعات، وبالتالي تعزيز مكانة دبي مركزاً عالمياً رائداً للذكاء الاصطناعي والابتكار والشركات التكنولوجية.
وستطلق الأكاديمية الجديدة مجموعة من البرامج التدريبية المبتكرة، وفي مقدمتها برنامج "الذكاء الاصطناعي للخدمة المدنية" بهدف تمكين جميع العاملين في القطاع الحكومي، وتأكيد قدرتهم على توظيف الذكاء الاصطناعي بالأسلوب الأمثل، وذلك بالتعاون مع منصة "يوداسيتي". كما تتعاون "أكاديمية دبي للذكاء الاصطناعي" مع مشروع مينيرفا لتقديم برنامج "القيادة في عصر الذكاء الاصطناعي"، والذي سيزود المشاركين بمهارات مستدامة ومتنوعة تمكنهم من إدارة فرق العمل بكفاءة عالية، والتعامل مع التحديات المعقدة، واتخاذ قرارات أخلاقية مدروسة في عالم يعتمد على الذكاء الاصطناعي. وفي إطار جهودها المستمرة في مجال تطوير القيادات وتنمية المواهب، تتعاون الأكاديمية أيضاً مع كلية سعيد للأعمال بجامعة أكسفورد. ويمكن الحصول على مزيد من المعلومات حول أكاديمية دبي للذكاء الاصطناعي وبرامجها الحالية، عبر زيارة الموقع الالكتروني: [https://dubaiaicampus.com/dubai-ai-academy].

أخبار ذات صلة حمدان بن محمد يوجّه بتنظيم مؤتمر "AI@70" ضمن "أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي 2026" «برد أبوظبي 2025».. فعاليات ترفيهية وحفلات استثنائية المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • مختص يوضح الأسباب التي تدفع الأفراد إلى اللجوء للذكاء الاصطناعي .. فيديو
  • كيف أصبحت غزة ساحة لتطوير الاحتلال قدرات الذكاء الاصطناعي وتجريبه؟
  • عمر العلماء: مؤتمر «AI@70» يعزز مكانة دبي مركزاً للذكاء الاصطناعي
  • حمدان بن محمد يطلق أكاديمية دبي للذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي وحساسية الأكل.. أبرز محاور مؤتمر طب الأطفال بالخبر
  • حمدان بن محمد يزور «مهرجان دبي للذكاء الاصطناعي»
  • حمدان بن محمد يشهد مهرجان دبي للذكاء الاصطناعي
  • إنفيديا: الإمارات مركز إقليمي وعالمي للذكاء الاصطناعي
  • حمدان بن محمد يكرم الفائزين في التحدي الدولي للذكاء الاصطناعي (فيديو)
  • حمدان بن محمد يكرم الفائزين في التحدي الدولي للذكاء الاصطناعي