غلاء غير مسبوق.. أزمة الإسكان في تورنتو الكندية تثقل كاهل أبنائها
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
كندا- مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار العقارات تواجه تورنتو، أكبر مدن كندا، أزمة إسكان متفاقمة ألقت بتداعياتها الثقيلة على حياة سكانها، وامتدت آثارها لتطال المراكز الحضرية القريبة منها.
تحمل هذه الأزمة وجوها متعددة لعل أبرزها صعود تاريخي في أسعار المنازل وفي قيمة الإيجارات، بجانب نقص حاد في البيوت المنخفضة التكلفة، وهو وضع يكثف الأزمة العقارية التي تمر بها البلاد عموما.
ويهدد هذا الوضع صورة "الحلم الكندي" مع إشارة البيانات الصادرة عن معهد "أنغوس ريد" غير الربحي إلى أن 3 من كل 10 كنديين يفكرون في مغادرة مقاطعاتهم بسبب عدم القدرة على تحمل تكاليف السكن.
ارتفاع صاروخيأورد تقرير منشور بموقع زوكاسا المختص بالعقارات أرقاما تشير إلى النقلة الهائلة في أسعار المنازل في تورنتو خلال السنوات الخمس الماضية -وذلك اعتمادا على بيانات "جمعية العقارات الكندية"- إذ بلغت الزيادة ما نسبته 42.8%، حيث قفز سعر المنزل القياسي من 746500 دولار كندي (نحو 543 ألف دولار أميركي) عام 2019 إلى 1.065.800 دولار كندي (نحو 776 ألف دولار أميركي) عام 2024.
ولم تكن سوق الإيجار أفضل حالا، إذ أورد تقرير الإيجار الوطني الصادر منتصف 2023 عن مؤسستين عقاريتين بارزتين في كندا أنه في مقابل ارتفاع متوسط الإيجارات في البلاد بين 2021 و2023 بما معدله 20% فإن تورنتو شهدت ارتفاعا بنسبة 41%، وهو ثاني أعلى معدل في البلاد في ذلك الحين.
هذا الارتفاع تصفه بعض التقارير بـ"المذهل"، إذ بلغ متوسط سعر الإيجار للشقة المكونة من غرفة نوم واحدة 1600 دولار عام 2013، وقفز إلى 2503 دولارات عام 2022.
وخلال الفترة نفسها ارتفع متوسط سعر الإيجار لجميع أنواع الوحدات (من الشقق الفردية إلى الشقق المكونة من 3 غرف نوم) من 1894 دولارا إلى 2984 دولارا، مما يمثل زيادة قدرها أكثر من 1000 دولار خلال عقد من الزمن.
تشير بعض التقارير المختصة إلى أن أسعار الإسكان ظلت في المتناول نسبيا من عام 1970 إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث تدهورت القدرة على تحمل تكاليف الإسكان بشكل أكبر.
هذا التطور الحاد تقف خلفه مجموعة من العوامل المتشابكة، تأتي على رأسها الزيادة المضطردة في عدد سكان مدينة تورنتو مع تزايد موجات الوافدين الجدد على البلاد، إذ تؤكد معطيات وزارة الهجرة الكندية أن أكثر أفراد هذه الشريحة يميلون إلى الاستقرار في المناطق الحضرية.
وفي هذا السياق استقبلت منطقة تورنتو الكبرى وحدها ما يصل إلى 35% من الوافدين الجدد، حيث زاد عدد سكانها بنحو 880 ألفا بين عامي 2013 و2022 ليصل إلى 7.2 ملايين فيما يتوقع أن تتجاوز 8.3 ملايين عام 2031.
فيروس كورونا يصيب سوق العقارمفارقة أخرى تحملها معضلة تزايد الوافدين الجدد إلى تورنتو تتمثل في ما يصفه الخبراء بالنقص الحاد في العمالة في قطاع البناء، مما يؤثر سلبا على الجهود لتوسيع العمل على توفير قاعدة أكبر من المنازل تسهم في تخفيف حدة الأزمة الحالية في سوق العقار.
حيث يتقاعد العمال بشكل أسرع من القدرة على استبدالهم، وقد تفاقم هذا التحدي مع وباء كورونا، إذ عمد بعض عمال البناء إلى تغيير مسارهم المهني أو تقاعدوا قبل الأوان، في حين تحتاج كندا إلى أكثر من 500 ألف عامل بناء إضافي لبناء كل المساكن الضرورية حتى عام 2030.
من جانبه يشير تقرير "ديمغرافيا القدرة على تحمل تكاليف السكن" الصادر عام 2023 إلى أنه خلال فترة وباء كورونا برز اتجاه مهم نحو العمل عن بعد، وهو ما زاد الطلب على الإيجارات وفاقم تكاليف الإسكان، إذ ارتفع الطلب على المساكن بشكل أسرع مما يمكن للمطورين والبنائين توفيره بسهولة.
كما أدت المرونة التي يوفرها العمل عن بعد إلى لجوء العديد من سكان المدينة للخروج منها إلى المراكز الحضرية القريبة منها فرارا من غلاء المعيشة فيها، مما أدى بدوره إلى زيادة الطلب في تلك المناطق وارتفاع قيم العقارات فيها هي الأخرى.
غول الاستثمار
جانب آخر تشير إليه دراسة صادرة عن جامعة تورنتو ميتروبوليتان الكندية مرتبط بالدور الرئيس الذي يلعبه الاستثمار الأجنبي في زيادة تعقيد الأزمة، حيث يضمن المستثمرون الأجانب من خلال شراء العقارات في تورنتو استثمارا مستقرا بعوائد عالية، ممّا يجذب المزيد من المستثمرين ويزيد من أسعار المساكن نتيجة زيادة الطلب وانخفاض العرض.
في حين أن تصاعد أسعار المساكن دفع الأفراد والشركات الكبيرة إلى الاندفاع نحو سوق العقار وزيادة الأرباح من خلال تأجيج المنافسة ورفع قيمة إيجارات المنازل التي يحتاج إليها الناس، بغض النظر عن الضغوط المتزايدة التي يفرضها ذلك على السكان والآثار السلبية لهذا على حياتهم.
آثار ارتفاع الأسعار
تزايد الأسعار المستمر جعل الحصول على منزل مناسب بسعر معقول حلما يبتعد عن متناول متوسطي ومنخفضي الدخل، وطالت لوائح انتظار المساكن المدعومة حكوميا لتصل إلى 12 سنة للحصول على شقة من غرفة واحدة و14 لغرفتين.
هذا التطور أدى بدوره إلى تصاعد ظاهرة التشرد في المدينة، مما أرهق الملاجئ ورفع عدد ساكني الخيام في الأماكن العامة، حيث شهدت تورنتو في الربيع الماضي ضِعف عدد المخيمات التي كانت في الوقت نفسه من العام الماضي، في حين تم إبعاد 178 شخصا في المتوسط يوميا عن الملاجئ في المدينة نتيجة نقص الشواغر، وفقا لصحيفة تورنتو ستار.
وتشير دراسة صادرة عن "مجلس تورنتو الإقليمي للعقارات" شملت أكثر من 7 ملايين من سكان منطقة تورنتو الكبرى إلى أن المقارنة بين القاطنين في سكن ميسور التكلفة وغيرهم تكشف أن نسبة تبلغ 29% من السكان و23% من المقيمين ينفقون ما بين 30% إلى ما يزيد على 50% من دخلهم على تكاليف السكن، مما يؤثر بشكل ملموس على رفاهيتهم ويسقطهم تحت تأثيرات انعدام الأمن المالي والإجهاد وعدم القدرة على تحمل الاحتياجات الأساسية.
في حين يحذر بعض المراقبين من أن يدفع ارتفاع تكاليف السكن الكثيرين إلى مغادرة المدينة، مما يؤدي إلى فقدان عمال في قطاعات حيوية تمس الحاجة إليها كالمجال الطبي.
وتصاعدت حدة أزمة الإسكان، وتحولت إلى جزء مهيمن ضمن السجال السياسي في البلاد، حيث يوجه حزب المحافظين المعارض أصابع الاتهام للسياسات الحكومة الليبرالية في خلق هذه المعضلة، في حين يشير العديد من المراقبين إلى أن هذه الأزمة عامل أساسي وراء تراجع شعبية الحزب الليبرالي الحاكم.
في مقابل هذا المشهد المعقد اتخذت الحكومة الكندية برئاسة جاستن ترودو وحكومة ولاية أونتاريو العديد من الإجراءات لمواجهة العوامل الرئيسية المسببة للأزمة، إذ وعدت الحكومة بـ:
تخصيص 15 مليار دولار لبرنامج قروض البناء الإيجاري. تعديل القواعد لتسهيل العمل في مشاريع البناء بما قد يفضي إلى زيادة المعروض في السوق. زيادة الإنفاق على التدريب وزيادة المهاجرين من فئة العمالة الماهرة. تشجيع أساليب أكثر تطورا لبناء المنازل سعيا للتغلب على عامل الزمن وزيادة سرعة الإنجاز. إطلاق برنامج للتنمية التعاونية بقيمة 1.5 مليار دولار لتنشيط قطاع السكن التعاوني، كما وعدت بإنشاء صندوق يهدف إلى تقديم مليار دولار من القروض و470 مليون دولار من المنح لمساعدة المنظمات غير الربحية على شراء مساكن والحفاظ على المساكن الحالية منخفضة التكلفة بدلا من بيعها في السوق المفتوحة. تمديد حظر المشترين الأجانب حتى الأول من يناير/كانون الثاني 2027، وإطلاق مشاورات حول احتمال تقييد "مستثمري الشركات الكبيرة جدا" من شراء منازل الأسرة الواحدة الموجودة في جميع أنحاء كندا. إضافة إلى إجراءات أخرى مرتبطة بتسريع الحصول على موافقات البناء وتسهيلات بنكية وائتمانية لإتاحة الفرصة للعائلات الكندية لكي تدخر في سبيل شراء العقار الأول.وبين وصف هذه الإجراءات بأنها محض وعود انتخابية أو كونها خطوات جادة على طريق الحل، تظل أزمة الإسكان في تورنتو قضية بالغة التعقيد ومتعددة الأبعاد، وعلى الرغم من تقديم العديد من المبادرات فإن الفجوة ما تزال كبيرة بين الطلب على الإسكان والعرض المتاح، مما يستلزم جهودا شاملة ومستدامة ليحصل أبناء المدينة على السكن اللائق وبتكلفة معقولة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القدرة على تحمل الوافدین الجدد أزمة الإسکان فی تورنتو العدید من فی البلاد إلى أن فی حین
إقرأ أيضاً:
تقرير أممي: مياه الصرف الصحي والقمامة والأمراض تُثقل كاهل النازحين بالقطاع
الثورة / متابعات
حصار العدو الصهيوني جريمة حرب تضاف إلى رصيده الإجرامي ضد أبناء غزة، حيث تسبب بغياب الخدمات الإنسانية والصحية عن القطاع، مما أدى إلى إعلان معظم المستشفيات و المراكز الصحية هناك بتوقفها في تقديم خدماتها في هذه الظروف القاسية التي يعانيها القطاع وسكانه، وبفرض العدو الصهيوني حصار خانق أنعكس تأثيره أيضًا على انتشارالكثير من الأوبئة والأمراض بين سكان غزة.
وطالبت حركة المقاومة الاسلامية “حماس” أمس الخميس، بموقف دولي وحقوقي عملي وفاعل لوقف العدوان المتواصل على المنظمات الصحيّة في قطاع غزة، والذي أدى لخروج 37 مستشفى عن الخدمة آخرها مستشفى “الدرة” للأطفال.
وقالت “حماس” في بيانٍ لها، “إنّه واستمراراً لسياسة التدمير التي ينتهجها الاحتلال بحق القطاع الصحي في غزة، أقدم خلال الأيام الماضية على استهداف مستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال شرقي مدينة غزة، ما أدى إلى خروجه الكامل عن الخدمة.
وأوضحت أنّ هذه الجريمة التي طالت منشأة طبية مخصصة لعلاج الأطفال، تضاف إلى سجل الاحتلال الحافل بالانتهاكات الصارخة للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية.
وأشارت إلى أنّ هذا الاستهداف يؤكد إصرار الكيان الفاشي على المضي في حرب الإبادة ومخطط التهجير القسري، من خلال تدمير البنية الصحية وتعميق المأساة الإنسانية في غزة.
وأضافت حركة “حماس” في بيانها أن 36 مستشفى ومركزاً طبياً توقّفت عن العمل نتيجة الاستهداف المباشر بالغارات ونيران جيش الاحتلال.
من جهته قال مدير مستشفى أصدقاء المريض المتخصص في علاج الأطفال بمدينة غزة، الطبيب سعيد صلاح إن المستشفى يشهد ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وتتطلب حالاتهم المبيت داخل المستشفى
وحذر صلاح” في تصريحاتٍ صحفية أمس الخميس من التدهور المتسارع في الحالة الصحية للأطفال جراء سوء التغذية الحاد والمتوسط، في ظل استمرار الحصار الصهيوني على القطاع، وصعوبة إدخال المساعدات الغذائية.
فيما أكد رئيس قسم الأطفال في المستشفى الإندونيسي ، أن استمرار الحصار ومنع دخول المساعدات يؤثر بشكّل كبير على خدمات القسم، موضحًا أن معظم الحالات التي تصل المستشفى ناتجة عن سوء التغذية.
وشدد على أن أطفال القطاع يُعانون من نقص المناعة بسبب سوء التغذية وغياب الفواكه والخضروات والطعام الصحي.
وفي وقت سابق، أكد مدير مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي د.أحمد الفرا، أن أطفال قطاع غزة في أشد مراحل سوء التغذية وصعوبة مُتابعتهم طبيا بسبب نقص الأدوية العلاجية وحليب الأطفال.
إلى ذلك حذر تقرير أممي من أن الأسر النازحة في جنوب قطاع غزة تواجه أزمة صحية عامة آخذت في التفاقم، مع استمرار العدو الصهيوني منع دخول المساعدات وتناقص الإمدادات الطبية، وذلك في ظل الحر الشديد، ومياه الصرف الصحي التي لم تتم معالجتها وتدفق القمامة.
وقالت مسؤولة الطوارئ في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” لويز ووتريدج، في تصريحات لمركز أنباء الأمم المتحدة إنه في مخيمات المواصي الساحلية المؤقتة، لا خيار أمام الأسر سوى العيش في ظروف غير صحية تتحول بسرعة إلى كارثة.
ونبهت إلى أن الوضع يزداد سوء، خصوصاً الأطفال والأسر يعانون من سوء التغذية ومنهكين، جراء أشهر من الحرب ويواجهون حرًا شديدا وظروفا غير صحية ونقصا في المياه النظيفة، فضلا عن محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية.
وتابعت: “القمامة خارجة عن السيطرة، ومياه الصرف الصحي والقوارض والآفات والجرذان والفئران – كل هذه الحيوانات تتنقل بين المباني التي يحتمي بها الناس”.
من جانبه أشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “أوتشا” إلى أنه تم تدمِير أكثر من 30 مركبة أساسية لإدارة النفايات وإمدادات المياه وصيانة الصرف الصحي جراء الغارات الجوية الصهيونية بين 21 و22 أبريل.
كما أكد المتحدث باسم بلدية غزة عاصم النبيه، أمس الخميس، أن الاحتلال الإسرائيلي دمّر ما يزيد عن 85% من إجمالي الآليات الثقيلة والمتوسطة التابعة للبلدية بسبب القصف المتكرر على قطاع غزة.
وقال النبيه في تصريحات له: “هذا التدمير أثر بشكل كبير على حجم الخدمات المقدمة للمواطنين، كذلك أثر بشكل بالغ في جمع وترحيل النفايات”.
وأضاف: “”إن هناك تراكماً لأكثر من 175 ألف طن من النفايات المتراكمة، وهناك فتح للشوارع مغلقة بسبب القصف الإسرائيلي”.