بوابة الوفد:
2024-09-03@23:55:14 GMT

خلف خطوط الذاكرة

تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT

كان صلاح عبدالصبور يقول إن الموت لا يقهره إلا الحجر والكلمة، وأن الكلمة أطول عمراً من الحجر وأصلب على الزمن، وأقدر على مغالبته. وقد يأكل الزمن المتطاول من الأهرامات حجراً فحجراً، ولكنه لن يسقط من كتاب الموتى كلمة واحدة. أما الدكتور خالد منتصر فيقول لنا إن الكتابة والكلمة هى أمضى سلاح لمواجهة الذاكرة المراوغة والتصدى لبخلها، والإمساك بتفاصيلها، قبل أن تذوى فى سراديب النسيان.

وفى كتابه «خلف خطوط الذاكرة» الصادر مؤخراً عن دار نشر ريشة، يركض خالد منتصر خلف ذاكرته ليسرد جانباً من سيرته الذاتية كواحد ممن يسميه «جيل الآمال المؤجلة» تيمناً بعنوان أول مقال صحفى ينشر له فى مجلة صباح الخير.
عاش خالد، سمى خالد بن الوليد، وخالد جمال عبدالناصر كما أخبره والده، طفولته وصباه فى قرية الشعراء فى دمياط. محافظة أسطوات صناع الأثاث المهرة الموهببين على امتداد تاريخها، قبل أن تضربها فى مقتل هزيمة يونيو، وتشيعها إلى مثواها الأخير سياسات الانفتاح وتلقى بتفردها وبحرفييها وسمعتها الدولية الناصعة، فى براثن محتكرى الاستيراد.
مأساتان كبيرتان شكلتا طفولته وطبعتا روحه بحزن مقيم، موت أخته الصغيرة الوحيدة غرقاً فى الترعة، وموت أمه الشابة بمرض القلب، ليصبح يتيماً وحيداً وهو لم يتجاوز التاسعة من عمره، لاسيما بعد الزواج الثانى لأبيه الموظف الكبير فى أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى بوزارة العدل، وسفره للعمل كخبير فى مجاله إلى ليبيا. وفى رعاية عمه وخاله فى قرية الشعراء، التى عشق كل تفاصيلها ونجح فى التعامل مع مناخها الاجتماعى المحافظ، صارت القراءة ملاذاً للونس ورفيقاً لوحدته وساحة لتفوقه الدراسى. وأنقذته صدفة عابرة من الإصابة بمرض البهارسيا عندما فشل فى تعلم السباحة. وساعدته الوحدة على اكتساب فضيلة التأمل فى الأمراض الاجتماعية التى أسفرت عن ظواهر التدين الشكلى التى أشاعها التيار الدينى، وتم ربطها بسيل من الخرافات، بينما هدفها النهائى هو السعى للهيمنة، للمتاجرة وجنى الثروات.
يقدم الكتاب تجربة المؤلف الفريدة بكل ما رافقها من شقاء وألم ومحبة وصدق، وهو بجانب ذلك يروى سيرة للأماكن التى عاش فيها وارتادها وهو يحاور بعين الدهشة ماضيه، ويتساءل بقلقل حاضره، وعينه شاخصة نحو المستقبل. من القرية إلى الجامعة التى سيطرت عليها الجماعة الإسلامية, إلى كلية الطب التى غرقت فى التقييمات العبثية للترقى الوظيفى، وباتت تقييمات تحفل بالأمزجة والمجاملات والفساد. وتدنت نحو المشاعر الطائفية، حين حظرت على الطلاب المسيحيين الالتحاق ببعض أقسامها.
يكشف الكتاب عن مفاتيح شخصية مؤلفه العنيدة، التى تؤكد أن الإنسان يستطيع أن يصل إلى ما يريد بقوة إرادته. ففى طفولته يتمسك بالبقاء فى مصر وعدم السفر مع والده إلى ليبيا وينجح فى مسعاه. وفى شبابه يلتحق بكلية الطب، ربما تعويضاً لفشل والده فى الالتحق بها، رغم عشقه للكتابة وللعمل الصحفى، لكنه بالمثابرة والتراكم الثقافى والمعرفى ينجح فى الجمع بين الحسنيين: المهنة والهواية. وإذ ينهى خالد منتصر كتابه، يعمد إلى استثارة وحب استطلاعنا بالإيحاء إلينا بجزء آخر لتلك السيرة، ليدخلنا فى شغف الانتظار.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: على فكرة خلف خطوط الذاكرة أمينة النقاش الأهرامات مجلة صباح الخير

إقرأ أيضاً:

د. مزمل أبو القاسم: الوِلَيد الضال (1)

* في لقاءٍ له مع (قناة الجزيرة مباشر) ادعى الدكتور الوليد مادبو أن الجيش السوداني حاله كحال الدعم السريع، وأنه يمثل مليشيا غير مسئولة، ظلت تقتل السودانيين وتشعل الحروب منذ خمسينات القرن الماضي!

* وعندما فاجأه الأستاذ أحمد طه (مذيع قناة الجزيرة) بسؤالٍ مباغتٍ عن انتماء والده لتلك المؤسسة بتقلده منصب وزير الدفاع وإشرافه على تلك المؤسسة في عهد سابق (كأصغر وزير للدفاع في تاريخ السودان عام 1967) لحس صاحبنا كلامه وتراجع عنه من فوره، وقال إن الجيش يمثل (مؤسسةً وطنيةً ذات نكهة قومية، ضمت قيادات عسكرية بارزة، وكان فيها قادة محترفون يخضعون لإرادة وطنية، وفيها الخيرون وأنها تتأثر سلباً أو إيجاباً بالمناخ السياسي، وأن الجيش ما زال يضم ضباطاً وطنيين لديهم قدر كبير من النزاهة الأخلاقية)، فانظر ماذا قال عن الجيش بدءاً، وكيف استدار ونكص على عقبيه ليلحس كلامه عندما دخل (حوشه) ومسّ حوضه!!

* وبسذاجةٍ لا يحسد عليها لخص الوليد مشكلة الجيش في وجود ثلاثة ضباط فقط في قيادته، قاصداً البرهان والكباشي وياسر العطا، وطالب بتنحيهم ووصفهم (بالثلاثي المرح) بصفاقةٍ لا نستغربها فيه، فأي تناقض ذاك وأي منطق سقيم، يجعل هذا الوليد يقول الشيء ونقيضه عن أعرق مؤسسة وطنية في الدولة السودانية؟

* وصف الوليد الجيش بأنه (مجرد مليشيا تشعل الحروب وتقتل السودانيين) ساعياً إلى ذمه فذمَّ والده وأساء إليه من دون أن يدري، فأصبح حاله كحال من أصاب قدمه بسلاحه، ثم حاول أن يتدارك سقطته المريعة بسحب ما قال فوقع في حبال تناقض مضحك نسف حجته، وأبان هزال منطقه، وأوضح حقيقة منطلقاته الموغلة في الجهوية والعنصرية.

* تمنيت لو أن الزميل أحمد طه (دبّل ليهو) وسأله عن تولي والده الكريم منصب وزير الطاقة والتعدين في حكومة (الجلابة) برئاسة الإمام الصادق المهدي (رحمة الله عليه) في ثمانينات القرن الماضي، وعن ابتعاث والده الكريم إلى أمريكا لنيل درجة الدكتوراه، لنرى هل كان سيكرر (اليوتيرن) ثانيةً، ليلحس حديثه عن دولة الجلابة مثلما لحس حديثه المنكر عن الجيش، أم يستمر في نقده لها ويتمادى في تهديده الآثم لأهل الشمال بغزو أجنبي بجيشٍ قوامه أكثر من مائة ألف مرتزق أجنبي، يأتون من ليبيا لغزو الشمالية ونهر النيل والتنكيل بأهلها عن طريق مدينة الدبة!!

* كشف الدكتور الوليد مادبو (خبير الحوكمة المثقف المتعلم حامل درجة الدكتوراه) عن وجهٍ عنصري قبيح ونزعة دموية غير مسبوقة، لم نر لها مثيلاً حتى عند كبير القتلة حميدتي وشقيقه عبد الرحيم دقلو وعبد الرحمن جمعة (الملقب بسفاح الجنينة) وقجة وشيريا وجلحة ويأجوج ومأجوج وكرشوم وبعشوم وغيرهم من قادة المليشيات المجرمة، عندما نادى (باستئصال شأفة) واحدة من أكبر وأشهر قبائل السودان، بدعوة جاهلية لم يسبقه عليها أي متمرد في تاريخ السودان الحديث والقديم!

* خلال الحلقة ردّ الدكتور الوليد آدم مادبو على انتقادي له باتهامي بأنني (مَكْرِي)، أي مُرتشي، لمجرد أنني دافعت عن وطني وأهلي وانتقدت وقوفه ضد جيش بلاده وطعنه فيه وتهديده لأهله، علماً أن صاحبنا شدَّ الرحال إلى المنامة عاصمة البحرين ليجتمع مع المتمرد يوسف عزت من دون إعلان أثناء الحرب الحالية، وقد لاحظنا جميعاً كيف تغيرت لهجته، وكيف تبدل نهجه واعوجّ خطه ليصبح من غلاة الداعمين للمليشيات بقلمه ولسانه، وكيف انطلق لتهديد أهل الشمال بالموت الزؤام وكيف تفنن في ذم دولة الجلابة والنخب النيلية، وكيف انحطّ بنفسه عندما نادى باستئصال قبيلة كاملة لمجرد أنها تنتمي إلى الشمال، ليثبت صحة مقولة (القلم ما بزيد بلم).. فأينا الضال والمكري يا تُرى؟

* لو كان هذا الوليد منصفاً لما سمح لنفسه بالاستفراغ في الإناء الذي أكل فيه، لأن دولة 56 لم تقصر معه في شخصه، إذ وفرت له تعليماً نوعياً في أرقى المدارس الخاصة بالسودان، سيما وأنه لم ينتظم في أي مدرسةٍ حكوميةٍ داخل بلاده طيلة عمره، خلافاً لنا نحن أبناء الغبش الذين لم يتمرغوا في تراب الميري مثله، حيث درسنا كل مراحل التعليم الأساسي (الابتدائي والمتوسط والثانوي) في مدارس حكومية رثّة يغني حالها عن سؤالها، مع أنها كانت داخل مدينة شندي المتهمة عند العنصريين من أمثال الوليد مادبو ومن لف لفه وتعنصّر مثله بالهيمنة على خيرات دولة الجلابة والسيطرة على غالب الثروة والسلطة في السودان!
* درست أنا الصف الأول الابتدائي في مدرسة شندي الغربية، وكنا نجلس على الأرض ونفترش التراب لعدم توافر مقاعد ولا (كنَب) في المدرسة المذكورة وقتها، أما بقية المدارس فلم يكن بها مبرد ماء ولا حتى مروحة سقف ولا حمامات نظيفة، فأينا رتع من خيرات دولة 56 وأيَّنا تمرغ في نعيمها وذاق خيراتها؟

* لو كانت لدولة 56 عورةً ومنقصة فتتمثل في أنها وفرت لغالب قادة الإدارات الأهلية وأسرهم مكاسب جمة، وحياةً رغِدة، ومنحتهم فرصةً لتوفير تعليم نوعي لأبنائهم، فابتعثوهم للدراسة في أوروبا وأمريكا، تاركين بقية أبناء قبائلهم يرزحون في جهلٍ مطبق وفقر مدقع، كحال من يعيثون في بلادنا فساداً لأكثر من عام!

* من توعد أهل الشمالية بجيش من المرتزقة الليبين سار على الدرب الزلِق نفسه وتوعد أهل الفاشر قبل شهور من الآن بسقوط مدينتهم خلال عشرة أيام، وزعم أن القوات المسلحة مصنفةً في الفاشر (كمستوطِنة)، ولو صحَّ زعمه الأخرق فسيعني أن والده الكريم كان وزيراً لدفاع (الاستيطان)!!

* على الصعيد الشخصي لا أستغرب إمعان الوليد في الإساءة لي، بعد أن تورط سابقاً في الإساءة إلى الإمام الصادق المهدي رحمة الله عليه، واصفاً إياه بالكهنوت والطاغوت، كما خاض في سلوكه وأخلاقه، وأساء لأبنائه وعموم أسرته حتى اضطرّ البشرى للرد عليه بما يلزم!
* سبق للوليد مادبو أن كتب ما يلي: (عهدي بالرزيقات أن نساءهم لم يزل يمتن في الولادة من جراء الإهمال وأن 90% من أبنائهم لا يستطيعون مواصلة تعليمهم بعد الأساس تأثراً بالفقر)؛ فهلَّا خبرنا كيف تميز هو عنهم، وكيف حظي بتعليم نوعي في أوروبا وأمريكا بينما بقي أقرانه من أبناء عامة الرزيقات بلا تعليم ويرزحون تحت وطأة الفقر والعوز بشهادة شاهد من أهلهم، تمرّغ في نعيم دولة الجلابة دونهم؟

* ومن (الجليطات) المشهورة لخبير الحوكمة المزعوم قوله (إن قبيلة الرزيقات انتصرت على قبيلة الجعليين قبلاً، وأنهم -أي الرزيقات- قادرون على تكرار ذلك الانتصار الآن)، ناسياً أن الجيش الذي غزا المتمة على أيام (الكتلة) كان جيشاً للسلطة الحاكمة وليس جيشاً للرزيقات، وأنا وكما ذكر الأخ الصديق حسام عامر جمال الدين أستنكر أن ينسب الوليد تلك السقطة المنكرة إلى قبيلته، سيما وأن السلطة التي قتلت المدنيين بدم بارد وسبت النساء في المتمة وقتها قامت بإعدام ناظر قبيلة الرزيقات (مادبو علي) جهاراً نهاراً، وقطعت رأسه وعلقته في مدخل جامع الخليفة ليصبح عبرةً لكل من تسول له نفسه معارضتها.. فعن أي قبيلة وأي نصرٍ يتحدث هذا الوليد الضال؟
نواصل

د. مزمل أبو القاسم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «القاهرة» تتلقى طلبات تشغيل السيارات في موقف المرج
  • بين لبنان وسوريا.. هكذا يتحرّك سلاح حزب الله!
  • استشهاد طفل برصاص قناصة الاحتلال في الرأس وإصابة والده
  • بعد عرض الحلقة 11.. "عمر أفندي" يتصدر منصة أكس
  • د. مزمل أبو القاسم: الوِلَيد الضال (1)
  • قطوف من الإبداعات الشبابية (3): حديث العطر لخالد العلوي بين دلالات اللقاء وآهات الفراق
  • عشبة سحرية في مطبخك تقوي الذاكرة وتحمي من أمراض القلب.. احرص على تناولها
  • قتل والده بسبب رفضه تزويجه من يحب .. صورة
  • مد خطوط سكك حديثة ذات سرعات عالية
  • لو داير تعرف المليشيا انتهت شوف زول زي منتصر دا قلب كيف؟