على مدار أكثر من نصف قرن اتسم المجتمع العمانى بالسماحة والاعتدال، ولم يعرف أى مظهر من مظاهر التشدد والغلو، فالشخصية العمانية بطبيعة نشأتها شخصية متزنة معتدلة، وتمكن خلال مسيرة البناء والتنمية أن يبنى نموذجاً متميزاً أطلق عليها الخبراء والمحللون سويسرا الشرق.

ورغم المتغيرات الموجودة فى المجتمعات العربية والعالمية، ظل المجتمع العمانى ينعم بالأمن والاستقرار ولم يعرف العنف يوماً له طريقاً، ولكن ما تعرض له مؤخراً تعد أول ظاهرة فى تاريخه.

ويمكن القول إن المجتمع العمانى مر باختبار صعب جداً، ندر أن يتعرّض لمثله عبر التاريخ، تجاوز مجرد الفحص العملى والميدانى لجاهزية مؤسساته العسكرية والأمنية وقدرتها على الاستجابة للأحداث الحساسة التى تمس أمن الوطن واستقراره وأمن المواطن والمقيم، إلى موضوع أكبر بكثير يتعلق بالتماسك المجتمعى والوحدة الوطنية التى ينظر إليها العمانيون باعتبارها خطًا أحمر لا يمكن المساس به بأى حال من الأحوال.

وأثبت العمانيون، رغم المفاجأة وعدم القدرة لبعض الوقت على استيعاب ما حدث، قوة اللُّحمة الوطنية وصلابة المجتمع فى وجه التحديات، كما أثبت وعيه العالى وحسّه الأمنى الرفيع وتحلّيه بأعلى درجات المسؤولية خلال تعامل الجهات الأمنية والعسكرية مع الحادث الشنيع.

ورغم أن الحادث هزّ المجتمع العمانى فإنه كشف عن معدنه الأصيل وعن مبادئه الراسخة التى لا يتنازل عنها مهما كان الأمر وفى مقدمتها رفض التطرّف بكل أشكاله ونبذ المذهبية والطائفية، وأهمية الالتفاف حول الوطن ومصلحته العليا وقيادته الأبية. وهذه كلها قيم آمَن بها المجتمع العمانى وطوّرها ورسّخها عبر الزمن ونجح فى اجتيازها فى كل مرة وضعه التاريخ فى مواجهتها.

لقد تضافرت جميع الجهود من أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية للتعامل مع الحادث والخروج منه بأقل الخسائر ورغم فاجعة بعض الوفيات التى تسببت فى ألم كبير للجميع فإن ما يخفف من وقع ذلك تلك الروح التضامنية وذلك التكاتف الكبير والتماسك خلال التعامل مع الحادث أو بعده، الأمر الذى يجعل سلطنة عمان تفخر بمجتمعها القوى وأجهزتها الأمنية التى أثبتت خبرتها وكفاءتها.

إن أهم ما يمكن أن تفعله المجتمعات فى مثل هذه اللحظات الصعبة، حتى مع اليقين بتجاوزها، هو التضامن وتعزيز اللحمة الوطنية والتأكيد على التماسك المجتمعى مسيراً ومصيراً وأن المجتمع العمانى محصن أمام النعرات الطائفية والمذهبية وأنه أصلب بكثير من أن ينكسر فى وجه حادث عابر مهما كان الأثر الذى تركه فى نفوس العمانيين وأشقائهم وأصدقائهم فى كل مكان.

إن التضحيات التى قُدمت هى امتداد لكل التضحيات التى قدمها العمانيون من أجل وطنهم عبر التاريخ، وهى تضحيات لا يمكن أن تُنسى أبداً، يحفرها العمانيون على حجارة جبالهم الصلدة، ويتذكرونها كلما شعروا بالأمن والأمان فى وطنهم.

وإذا كان من الممكن تجاوز حادث الوادى الكبير فى سياقه الخبرى فإن على المجتمع العمانى أن يستمد منه العزم والإصرار على المضى قدما فى بناء مجتمع أكثرً تلاحماً وتماسكاً وتحصيناً ضد كل التحولات التى يشهدها الإقليم والعالم، والعمل على تكريس قيم المجتمع الأصيلة وتأكيد اللحمة الوطنية لأنها السبيل الوحيد فى تحقيق المزيد من الاستقرار.

لكن هذا لا يعنى تجاوز المعنى الحقيقى فيما حدث وقراءة دوافعه وأسبابه العميقة والعمل جميعاً فى داخل الوطن ومع الآخرين من أجل أن تتخلص منها البشرية، وهذا الأمر يتطلب مراجعة فكرية كبيرة يتجاوز فيها الجميع، وخاصة النخب، الكثير من السطحيات والشكليات إلى الأعماق، فالبناء العميق والعمل الجاد والحقيقى عبر التاريخ هو الذى يبقى وهو وراء قوة المجتمع العمانى التى شاهدها الجميع فى هذه التجربة أو عبر قراءة المجتمع فى عمقه.

والحاصل أن حادث الوادى الكبير لن يضعِف من عزيمة العمانيين أو يضعضع مبادئهم وقيمهم بل سيزيدهم إصراراً على تعزيز وحدتهم الوطنية والوقوف معًا جميعًا فى وجه كل من يسعى لتفريق الصفوف أو زعزعتها، وسيظل العمانيون يداً واحدة وقلباً واحداً إلى الأبد.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: وﻧﺒﺬ اﻟﻌﻨﻒ واﻟﺘﻄﺮف ﺳــــﻤﺎت ممــــﻴﺰة

إقرأ أيضاً:

توزيع سلل إغاثية على العائلات الأكثر احتياجاً في حي الخالدية بحمص

حمص-سانا

وزعت مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع فرع منظمة الهلال الأحمر في محافظة حمص اليوم، 403 سلل إغاثية على العائلات الأكثر احتياجاً في حي الخالدية بحمص، ضمن حملة “رمضان الخير والنصر”.

وأوضح مدير دائرة الرقابة والتقييم في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل عبد العزيز العكش في تصريح لمراسل سانا، أنه تم توزيع 403 سلل إغاثية، تحتوي على مواد غذائية “سكر، رز، برغل، طحين”، بهدف تقديم الدعم للمحتاجين وتعزيز روح التكافل الاجتماعي.

وأكد العكش أنه يتم توزيع السلل الإغاثية على العائلات التي أحد أفرادها من ذوي الإعاقة، وعلى الأسر المهجرة العائدة إلى منازلها، مشيراً إلى أن الحملة مستمرة حتى نهاية شهر رمضان المبارك.

مقالات مشابهة

  • الإسماعيلي يواصل استعدادته لمواجهة الاتحاد السكندري بالدوري
  • اليمن ينصع التاريخ
  • برلماني: كلمة السيسي في احتفالية ليلة القدر تؤكد اهتمامه بترسيخ مبادئ الوطنية والتسامح
  • قمصان وسمير وحتاتة.. نوابا لرئيس الأمانة الفنية بحزب الجبهة الوطنية
  • المغرب يعود إلى التوقيت الصيفي في هذا التاريخ
  • أحمد المسلماني يستقبل المفتي للاحتفال بذكرى تأسيس الهيئة الوطنية للإعلام
  • نهيان بن مبارك: الهوية الوطنية الإماراتية مصدر قوتنا ووحدتنا
  • "التضامن": تسليم 46,602 مشروع تمكين اقتصادى دعما للأسر الأولى بالرعاية بمحافظات الجمهورية
  • توزيع سلل إغاثية على العائلات الأكثر احتياجاً في حي الخالدية بحمص
  • «الخلوة الشبابية» و«قوافل الهوية الوطنية» تنطلق في مصفوت الثلاثاء المقبل