مفتي الجمهورية: لا يوجد تضاد ولا تصادم بين العلم والدين
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم إن دلالات النصوص الشرعية تدعو إلى إعمال العقل في العلوم المختلفة، حتى أننا وجدنا كثيرًا من علماء الإسلام لم يقتصروا في علمهم على العلوم الشرعية فحسب، ولكنهم تبحروا كذلك في العلوم الكونية كالطب والفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها من العلوم بحيث أصبح هناك تكامل عقلي لدى الفقيه.
وأشار المفتي في لقائه الأسبوعي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" الذي يذاع على فضائية "صدى البلد" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم امتدح العلماء فقال: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، موضحًا أن هذا الحديث الشريف يؤيد أن الدين كلفنا بضرورة البحث العلمي في كافة ميادين الحياة، ومسلك العلماء أنهم ارتقوا بدرجة التكليف إلى فرض الكفاية.
وأضاف أنه لو كان هناك صراع حاصل بين الدين والعلم لابتعد العلماء عن العلوم الكونية، ولكننا وجدنا من الفقهاء من كانوا في نفس الوقت أطباء أو كيميائيين أو أصحاب نظريات في التاريخ العلمي.
وأكد المفتي أننا لا بدَّ أن ننطلق في البحث العلمي ولا نظل فقط في المساجد نتعبَّد، موضحًا أن العلماء ورثوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العلم، وهذه هي تَرِكتهم التي يجب أن يعظموها بالتوسع في العلم والتعلم.
وشدد مفتي الجمهورية على أنه لا يوجد تضاد ولا تنافر ولا تصادم بين العلم والدين، وأنه لا يوجد كذلك محظور في السؤال ولا البحث في أدق تفاصيل العلوم، مستشهدًا بما قام به الإمام الشاطبي الذي قال إنه استقرأ تكاليف الشريعة، وبحث في تعليل الأحكام ووضع علامات استفهام كبيرة وكثيرة، فخلص إلى أن الأحكام معللة بصورة كلية ومعللة في جزئياتها في الأعمِّ الأغلب وإن كانت في بعض الجزئيات من الأمور التعبدية.
ولفت المفتي الانتباه إلى أنَّ الاستقراء مبني على طرح العديد من الأسئلة التي نحتاج إلى الإجابة عنها، وهذا يدلنا على أن المسلمين لم يجدوا حرجًا في طرح الأسئلة والبحث عن إجابة عنها، فلا حياء أو حرج في طرح الأسئلة التي يثيرها العقل، وقد أجاد العقاد في عنوان كتابه "التفكير فريضة إسلامية".
وأوضح مفتي الجمهورية أن إعمال العقل يحتاج إلى طرح الأسئلة وإثارة العقل وإشكالات البحث التي تحتاج إلى جواب، فلا حدود أمام العقل في طرح ما يراه من إشكالات وأسئلة، فإن أدى إلى اكتشاف أو صناعة شيء فإننا نؤيده ونشجعه.
وأكد أننا مع التوسع في العلم والمعرفة، فإننا في حاجة إلى وضع إجراءات لضبط حركة التعامل مع المصادر الجديدة للعلم، مثل الذكاء الاصطناعي، وأنه لا يوجد سقف للبحث العلمي ما دام لا يتعارض الأمر مع الشرع الشريف، فالدين ينطلق من عقل منضبط.
وحول إقحام النص الشرعي والسنة النبوية المشرفة في النظريات العلمية فيما يسمى بـ "الإعجاز العلمي"، شدَّد فضيلة المفتي على أنه يجب أن يبقى القرآن الكريم في قدسيته والسنة النبوية كذلك بعيدًا عن النظريات العلمية، لأن النظريات لا تزال في مرحلة البحث، ولم تصل بعدُ إلى درجة الحقيقة العلمية.
معرفة نوع الجنين في فترة الحمل مما لا يتعارض مع قدرة الله تعالى
وحول معرفة الإنسان لنوع الجنين عن طريق الأجهزة الحديثة، أوضح فضيلة المفتي أنَّ ذلك لا يدخل في إطار معرفة الغيب ولا يوجد فيها تعارض مع قدرة الله سبحانه في قوله تعالى عن نفسه: {ويَعلَمُ ما فِي الأرْحامِ}، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أعطانا مُكنة أن يعرف الإنسان نوع الجنين في بطن أمه، ومع ذلك لا تزال هناك أمور خفية لا يعلمها إلا الله، مثل الرزق ودور هذا الجنين في الحياة، وهل يكون شقيًّا أم سعيدًا... إلخ.
وعن جلوس المرأة أمام والد الزوج بدون حجاب، قال فضيلة المفتي: إن ذلك جائز؛ لأن والد الزوج أصبح من المحارم بمجرد عقد الزواج حتى لو لم يدخل بها الزوج، وحينها تصبح زوجة الابن محرمة تحريمًا أبديًّا.
لا يجوز شرعًا الدخول على شبكات الإنترنت اللاسلكية الخاصة بالجيران دون إذن صاحبهاوقال مفتي الجمهورية إنه لا يجوز شرعًا الدخول على شبكات الإنترنت اللاسلكية الخاصة بالجيران بدون إذن صاحبها، لأن المنافع كالأعيان لا بدَّ من الاستئذان فيها، ويُعدُّ الدخول عليها بغير إذنه تعدِّيًا على ماله، وهو محرمٌ شرعًا.
أما عن الوصية لأحد الورثة، فأوضح فضيلة المفتي أنَّ الوصية لوارث لا حرج فيها عند بعض الفقهاء، وبهذا أخذ القانون المصري، وهذا القدر من الوصية يجب ألا يزيد عن ثُلُث التَّرِكة، ويخرج من التركة قبل توزيعها مع الديون، ثم يتم توزيع التركة وَفق الأنصبة الشرعية، ويدخل الوارث الموصى له بعدها في التركة بنصيب مفروض.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية شوقي علام النصوص الشرعية المفتي الدين العلم مفتی الجمهوریة فضیلة المفتی لا یوجد
إقرأ أيضاً:
العلوم والتقانة والقناعات الراسخة
أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **
من الفوائد المُهمة التي يُمكن للإنسان أن يجنيها من خلال دراسته لتاريخ العلوم والتقانة، الثقة في النفس والأمل في مواجهة التحديات، التي يظن أنه لن يستطيع مواجهتها، كما إن مطالعة تاريخ هذه العلوم، يجعله يراجع قناعاته الراسخة ليتحقق من صحة رسوخها، وهل هي قائمة على أسس متينة؟ أم إنها أمور اعتاد عليها فحسب؟!
تاريخ هذه العلوم يشير وبوضوح أن هذه العلوم كسرت عمليًا كثيرًا من المُسلَّمات التي كان يؤمن بها الإنسان أشد الإيمان ويعتقد بها أيما اعتقاد، فمنذ القدم كنَّا نعتقد مثلًا أن تسلُّق السماء والوصول إلى القمر حلمٌ مستحيلٌ، ونجد ذلك واضحًا وجليًا في عبارة وردت في ملحمة جلجامش وهي من أقدم المخطوطات التي وصلت إلينا (الألفية الثالثة قبل الميلاد).
(من يا صديقي يمكنه تسلق السماء؟!)
لكن العلم حول هذا المستحيل إلى أمر ممكن؛ فاليوم نشاهد الطائرات تتسلق السماء وتقطع المسافات في غضون ساعات لتصل إلى أقاصي الأرض بكل سهولة ويسر، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي العشرين من يوليو عام 1969 استطاع الإنسان أن يتسلق السماء وينفذ من سطوة الجاذبية الأرضية، وحطت أول سفينة فضاء تحمل بشرًا على سطح القمر، وأرسلت أول رسالة من القمر إلى كوكبنا؛ وذلك عندما تواصل أرمسترونج قائد الرحلة الفضائية مع المحطة الأرضية قائلا "لقد هبط النسر على القمر" (النسر هو اسم سفينة الفضاء).
استطاع العلم بعد 5 آلاف سنة من الإنجازات العظيمة التي سطرها علماء الطبيعة والمهندسون ليغيروا العالم بأسره وليتسلقوا السماء ويضعوا أقدامهم لا على الأرض؛ بل على القمر!
واليوم تشير آخر التقارير العلمية إلى أنَّ العلماء استطاعوا أن يقتربوا من الشمس، اقترابًا لم يسبق أن قاموا به، وذلك من خلال المسبار المقاوم للحرارة والذي يستطيع أن يتحمل 1400 درجة مئوية دون أن يتأثر، وسوف يقوم العلماء برصد المعلومات التي سيتم التقاطها بواسطة هذا المسبار للتعرف والاطلاع على تفاصيل أكثر عن الشمس.
كما إن الكثيرين من مفسري القرآن الكريم كان يعتقدون باستحالة معرفة جنس الجنين، وذلك لما فهموه من قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ"، يقول الطبري (ت 310 هـ، 923م) في تفسيره "(وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ) فلا يعلم أحد ما فِي الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟".
ونجد ابن كثير المتوفى في القرن الثامن الهجري يذهب إلى نفس الرأي، فيقول "هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها... وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه [الله] تعالى سواه...".
ويورد الطباطبائي (ت 1402هـ، 1981م) في تفسير الميزان "وقد عد سبحانه أموراً ثلاثة مما تعلق به علمه وهي العلم بالساعة وهو مما استأثر الله علمه لنفسه لا يعلمه إلا هو ويدل على القصر قوله: (إن الله عنده علم الساعة) وتنزيل الغيث وعلم ما في الأرحام ويختصان به تعالى إلاّ أن يعلمه غيره".
لكن العلم أثبت لنا اليوم أن قناعتنا لم تكن في محلها، وأن علينا أن نعيد النظر في فهمنا لهذه الآية المباركة، فنحن اليوم نستطيع أن نعلم لا جنس الجنين فحسب؛ بل نستطيع أن نعلم بعض صفاته وبعض الأمراض الوراثية التي قد يُصاب بها، وهكذا تغيرت قناعتنا، وتغيرت كتب التفسير عندنا، لتوافق ما توصل اليه العلم، فلقد غدا المستحيل ممكنًا.
وكنا نعتقد أن التكاثر في عالم الحيوان وعند البشر لا بُد وأن يتم من خلال لقاء الذكر مع الأنثى، فلا يمكن أن يتم التكاثر بطريقة أخرى، ومرة أخرى أسقط العلم هذه القناعة، وأوضح أن هناك تكاثر لا جنسي لا يحتاج إلى ذكر وأنثى؛ بل ولم يكتف العلم بذلك، فلقد استطاع أن يصل إلى كشف أسرار عملية التكاثر، وقام بإجراء عمليات التكاثر في المختبرات دون الحاجة إلى أنثى، فلقد تم وبنجاح انتاج فئران من ذكرين من الفئران ودون الحاجة إلى بويضة أنثى، وذلك بتحويل الخلايا الجذعية من أحد الفئران الذكور إلى بويضة وتلقيح تلك البويضة بالحيوان المنوي، وقد أشار الباحث بأن تطبيق التقنية على البشر لازال يواجه الكثير من التحديات والصعوبات، ولكن بعد هذا النجاح، هل مازلنا نعتقد باستحالة ذلك؟!
ولا شك أن نجاح التجربة على الفئران حفرت عميقًا في قناعتنا وهزتها هزًا عنيفًا.
إنَّ المعرفة العلمية معرفة قلقة تسعى إلى كسر المُستحيلات المتعارف عليها، وتحويلها إلى ممكنات، فهذا ديدن هذه العلوم وتلك طبيعتها ولا تكتفي بذلك؛ بل تقوم بنقل حالة القلق هذه عند بعضنا، فيتوجس منها ويعدها شرًا لا بُد منه!
وتاريخ العلوم والتقانة يوضح لنا أن قناعات الإنسان التي لا تقوم على أدلة راسخة، هي أحد أهم الأسباب التي تقف في وجه تطور الإنسان؛ بل والمجتمعات البشرية، فقناعتك تؤثر في توقعاتك، وتلك تؤثر بدورها في أفعالك، وقد تجعلك تفترض واهماً بأنّ الأبواب موصده بوجهك؛ فعندما تعتقد باستحالة الوصول إلى القمر، كيف ستسعى للقيام بذلك؟ وعندما تعتقد باستحالة معرفة جنس الجنين، هل ستبذل جهدا علميا للتعرف على جنس الجنين؟ بالطبع لن تسعى، فمن لا يؤمن بقدراته يغدوا كالمشلول لا يمكنه التحرك من مكانه.
لهذا ليست المشكلة في امكاناتنا؛ بل علينا أن نُراجع قناعاتنا فقد تكون هي سبب تراجعنا وعجزنا!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر