على مدى السنوات العشر الماضية، ظهرت مجموعة واسعة من الكلمات والعبارات من الغموض إلى الاستخدام الشائع في العلوم، وهي كلمات تعكس التغييرات التي يشهدها البحث العلمي والأحداث الأوسع داخل العلم والمجتمع.

تظهر هذه التغييرات التي يحدثها الذكاء الاصطناعي في الأوراق والمراجعات والمقالات التي ينتجها العلماء باستمرار، وهذا يثير سؤالاً مثيرا للاهتمام حول تأثير الذكاء الاصطناعي على العلوم.

تأثير على الأدبيات العلمية

منذ إصدار "شات جي بي تي" رسميا يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أثر على العديد من جوانب حياتنا، ولم تكن الكتابة الأكاديمية والبحوث العلمية محصنة.

وتمكن العلماء منذ ذلك الحين من استخدام نماذج اللغة الكبيرة "إل إل إم إس" (LLMs) -وهي أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على فهم وتوليد لغة بشرية من خلال معالجة كميات هائلة من البيانات النصية- لمراجعة جميع الأوراق العلمية التي ينتجونها وتحريرها وكتابتها أحيانًا من الصفر، ولكن مدى الاستخدام الفعلي لهذا النوع من الذكاء الاصطناعي لا يزال غير معروف.

تؤثر أنظمة الذكاء الاصطناعي على الطريقة التي يتم بها إجراء العلوم (شترستوك)

 

في الواقع، استكشف عدد كبير من الأبحاث بالفعل مزايا وعيوب نماذج اللغات الكبيرة، وحاول العديد من الباحثين رسم خريطة لتطور العلوم من خلال التغييرات في اللغة التي ينتجونها.

آخر هذه المحاولات قام بها عالم الأبحاث ديمتري كوباك وزملاؤه في معهد هيرتي للذكاء الاصطناعي في مجال صحة الدماغ في توبنغن بألمانيا.

وجد كوباك وزملاؤه طريقة لقياس تأثير أنظمة الذكاء الاصطناعي على الأدبيات العلمية أو العلوم المبسطة منذ عام 2022، وقارنوها بتأثير الأحداث الرئيسية الأخرى في العلوم.

بدأ كوباك وزملاؤه بتنزيل الخلاصات من أكثر من 14 مليون ورقة بحثية منشورة على قاعدة بيانات الطب الحيوي "بابميد" (PubMed) منذ عام 2010، ثم أزالوا بعد ذلك الكلمات والعبارات الشائعة التي لا علاقة لها بكتابة المؤلفين من قاعدة البيانات، مثل "حقوق الطبع والنشر" أو "كيفية الاستشهاد بهذه المقالة".

بعد ذلك، حسبوا عدد المرات التي ظهرت فيها كل كلمة أطول من ثلاثة أحرف كل عام. وأخيرًا، نظروا إلى الكلمات الـ800 الأكثر شعبية، وكيف يتغير تواترها كل عام؟ وكيف تؤثر ليس على الطريقة التي يكتب بها العلماء فحسب، بل على الطريقة التي يتم بها إجراء العلوم؟

تغييرات مفاجئة

كشفت النتائج على الفور عن بعض الاتجاهات الواضحة في العلوم. على سبيل المثال، بلغ تكرار كلمة "إيبولا" (مرض يصيب الإنسان بسبب عدوى فيروسية) ذروته في عام 2015، وكلمة "زيكا" (عدوى فيروسية تنتقل عن طريق البعوض) في عام 2017.

حدث أحد أكبر التغييرات في عام 2020 مع زيادة هائلة في استخدام كلمات مثل الإغلاق والوباء والجهاز التنفسي و"ريمديسيفير" (دواء جديد مضاد للفيروسات) أثناء تفشي جائحة كورونا، وهو حدث معروف على نطاق واسع أنه كان له أحد أكبر التأثيرات على النشر العلمي والمنشآت والمؤسسات البحثية في التاريخ.

وللمفاجأة، حدث تغيير أكبر في عام 2024 مع زيادة في كلمات مثل "حاسم ومهم ومحتمل". ومن الغريب أن هذه الكلمات ليست مرتبطة بالمحتوى العلمي للورقة البحثية، بل بأسلوب الكتابة.

في الواقع، يشير الباحثون إلى أن هذه هي بالضبط نوعية الكلمات التي تفضلها نماذج اللغة الكبيرة المدرَّبة مسبقًا على كميات هائلة من البيانات، والتي يقولون إنها "تغير الخطاب العلمي على نطاق غير مسبوق".

ويقول كوباك وزملاؤه إن الزيادة غير المسبوقة في الكلمات النمطية الزائدة في عام 2024 تسمح باستخدامها دلالة على استخدام "شات جي بي تي"، ويشيرون إلى أن وتيرة تكرار مئات الكلمات زادت بشكل مفاجئ بعد أن أصبح "شات جي بي تي" متاحًا ومستخدمًا على نطاق واسع جدًا حيث وصل إلى 100 مليون مستخدم نشط غير مسبوق بعد 3 أشهر من إصداره، ويعتبر أحد المعالم الرئيسية لنماذج اللغة إلى جانب "جي بي تي-4".

أوراق بحثية بالذكاء الاصطناعي

وضع كوباك وزملاؤه حدًا أدنى لعدد الأوراق البحثية التي تأثرت بنماذج اللغة الكبيرة. تشير البيانات إلى أن ما لا يقل عن 10% من الأوراق البحثية المنشورة على موقع "بابميد" الطبي للأبحاث في عام 2024 قد تأثرت بهذه الطريقة.

وخلص الباحثون إلى أنه "مع فهرسة 1.5 مليون ورقة بحثية حاليًا في موقع بابميد سنويًا، فإن هذا يعني أن نماذج اللغة الكبيرة تساعد في كتابة ما لا يقل عن 150 ألف ورقة بحثية سنويًا".

 

تساعد نماذج اللغة الكبيرة في كتابة آلاف الأوراق البحثية سنويا (شترستوك)

لاحظ الفريق أن مساعدة الذكاء الاصطناعي كانت أكثر شيوعًا في الأبحاث المقدمة من البلدان التي لم تكن اللغة الإنجليزية هي لغتها الأولى، والتي غالبًا ما تتم معاقبة باحثيها لأن أوراقهم تبدو أقل احترافية من أقرانهم الذين يكتبون بالإنجليزية.

قد يشير ذلك إلى أن غير المتحدثين بالإنجليزية يستخدمون أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحقيق تكافؤ الفرص في الكتابة العلمية، أو أن المتحدثين باللغة الإنجليزية يستخدمونها بالقدر نفسه لكنهم أكثر مهارة في إزالة تأثيرها من أوراقهم البحثية قبل النشر، وفي كلتا الحالتين، يبدو أن استخدام نماذج اللغة الكبيرة منتشر على نطاق واسع.

وإذا كان النشر العلمي يؤخذ مثالا على تأثير الذكاء الاصطناعي، فمن المحتمل أن تواجه مجالات النشر الأخرى القائمة على العلوم الاجتماعية والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تحديات أيضًا، ويكون لها نتائج مماثلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الذکاء الاصطناعی على نطاق جی بی تی فی عام إلى أن

إقرأ أيضاً:

التعاون في الذكاء الاصطناعي بين الصين وإفريقيا

ترجمة - بدر بن خميس الظفري -

يجتمع القادة الصينيون والأفارقة هذا الشهر للمشاركة في الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، وستكون مجموعة من القضايا، تتراوح من التجارة والاستثمار إلى الأمن والتنمية الاجتماعية، على جدول الأعمال.

ومن بين أهم القضايا التي من المرجح مناقشتها بالتفصيل نظرًا لأهميتها الاستراتيجية التعاون في مجال التكنولوجيا الرقمية، والتي ظهرت في السنوات الخمس عشرة الماضية كمحرك للنمو الاقتصادي والتنمية. وهذه ليست قضية جديدة عندما يتعلق الأمر بالتعاون بين الصين وإفريقيا. فمنذ عام 2006، كان التعاون الرقمي ضمن خطط عمل منتدى التعاون الصيني الإفريقي، لكنه أصبح أكثر بروزًا في خطة عمل عام 2021. وقد اقترحت العديد من المبادرات، وهي مبادرة بناء مجتمع صيني إفريقي مشترك بمستقبل مشترك في الفضاء الإلكتروني، وبرنامج شراكة الابتكار الرقمي بين الصين وإفريقيا، لتعزيز التعاون في هذا المجال. هذا بالإضافة إلى منتدى التعاون الرقمي بين الصين وإفريقيا الذي يسهل المناقشات حول التعاون الرقمي بين قمم منتدى التعاون الصيني الإفريقي.

علاوة على ذلك، تعهدت الصين بتنفيذ 10 مشاريع مساعدة رقمية في إفريقيا للمساعدة في تطوير البنية الأساسية الرقمية في إفريقيا. تعد الصين بالفعل واحدة من أبرز اللاعبين في القطاع الرقمي في إفريقيا، فقد تم التعاقد مع الشركات الصينية لبناء العمود الفقري لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الوطنية في العديد من البلدان في جميع أنحاء القارة بما في ذلك أوغندا وتنزانيا وإثيوبيا والكاميرون ونيجيريا وغيرها. أظهر الكتاب الأبيض لعام 2021 الذي أصدرته الحكومة الصينية أن الشركات الصينية وضعت أكثر من 200000 كيلومتر من الألياف الضوئية التي ربطت ملايين الأشخاص بالإنترنت، ودخلت في شراكة مع 1500 شركة في إفريقيا في استراتيجيات التحول الرقمي الخاصة بها، وعملت مع 29 حكومة إفريقية في تطوير خدمات الحكومة الإلكترونية. علاوة على ذلك، تخوض الصين أيضًا سوق السحابة العامة في إفريقيا حيث تم التعاقد مع شركاتها لبناء مراكز بيانات في دول مثل السنغال وجنوب إفريقيا.

إن إنشاء البنية الأساسية الرقمية من شأنه أن يعزز قدرة إفريقيا على تسخير البيانات الضخمة وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على تحسين الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية مما يؤدي إلى نتائج إيجابية في مجال التنمية. وتوقعت دراسات أجراها معهد ماكينزي العالمي أن الاستخدام الاستراتيجي للبيانات الضخمة من شأنه أن يضيف 13 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.

وعلى هذا النحو، من الضروري لإفريقيا والصين استكشاف السبل لتسخير التكنولوجيا الرقمية من أجل نمو الاقتصاد في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة. وفي حين تمتلك القارة أكبر حصة (حوالي 60 في المائة) من الأراضي الصالحة للزراعة غير المزروعة في العالم، فإنها لا تزال تنفق حوالي 35 مليار دولار من العملات الأجنبية النادرة سنويًّا على واردات الغذاء. وعلاوة على ذلك، على الرغم من أن الزراعة هي أكبر قطاع اقتصادي في إفريقيا حيث تمثل 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وأكبر جهة توظيف، إلا أنها لا تزال لا تنتج ما يكفي من الغذاء لإطعام شعبها. ويرجع هذا الوضع المزري للزراعة إلى حد كبير إلى عوامل عديدة بما في ذلك أنماط الطقس وعدم الاستقرار السياسي وسوء الإدارة واستخدام التكنولوجيا القديمة. إن استخدام البيانات الضخمة في الزراعة التي تُجمعُ من خلال تقنيات مثل أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار وغيرها من الأجهزة يمكن أن يحسن الكفاءة ويساعد المزارعين على اتخاذ قرارات أفضل. تجمع هذه التقنيات البيانات حول جوانب مختلفة من الزراعة بما في ذلك ظروف التربة وأنماط الطقس وصحة المحاصيل والاستخدام الأمثل للمدخلات.

يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه البيانات من أجل مساعدة المزارعين على اتخاذ قرارات مهمة حول موعد الزراعة وكمية المدخلات التي يجب استخدامها، وكذلك التنبؤ بأنماط الطقس. وبالتالي، فإن نشر البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في الزراعة الإفريقية يمكن أن يدفع الإنتاجية ويساعد في تخفيف المخاوف بشأن الأمن الغذائي. وباعتبارها رائدة عالمية في التكنولوجيا الرقمية ومع 24 مركزًا تجريبيًا للتكنولوجيا الزراعية في جميع أنحاء إفريقيا، فإن الصين في وضع جيد لمساعدة البلدان الإفريقية على تحسين الإنتاج الزراعي من خلال استخدام التقنيات الجديدة. يجب أن يخرج منتدى التعاون الصيني الإفريقي القادم باستراتيجيات عملية لكيفية القيام بذلك.

إنّ الإنتاج الصناعي في إفريقيا متأخر عن المناطق الأخرى، مما يعني أن القارة تفقد عملات أجنبية ثمينة، حيث يتعين عليها استيراد معظم المنتجات المصنعة التي تحتاجها. تبلغ حصة قطاع التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا 13% فقط، بينما كانت حصته في التصنيع العالمي 2% فقط من عام 2012 إلى عام 2019. وكما هو الحال في الزراعة، يمكن استخدام تحليلات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لدفع الكفاءة والإنتاجية في قطاع التصنيع الإفريقي. وقد نشرت تقنيات مثل إنترنت الأشياء الصناعي وأنظمة تنفيذ التصنيع وأنظمة التحكم الصناعي في التصنيع لجمع ومعالجة وتحليل المعلومات التي تساعد في اتخاذ القرار وزيادة الإنتاجية. ويمكن للدول الإفريقية أن تعمل مع الصين لتسهيل نقل التقنيات الجديدة إلى قطاعاتها الصناعية.

ويمثل منتدى التعاون الصيني الإفريقي فرصة للطرفين لمناقشة ورسم الطريق للمضي قدمًا في دمج التكنولوجيا في القطاعات الحيوية للزراعة والتصنيع.

ديفيد مونياي أستاذ مشارك في العلاقات الدولية والعلوم السياسية ومدير مركز الدراسات الأفريقية الصينية في جامعة جوهانسبرغ.

عن موقع الصين اليوم

مقالات مشابهة

  • التعاون في الذكاء الاصطناعي بين الصين وإفريقيا
  • أكثر الكلمات استخدامًا في اللغة التركية
  • هل تقودنا ثورة الذكاء الاصطناعي إلى رخاء أعظم ؟
  • بدء التقديم في كلية تكنولوجيا العلوم الصحية ببرج العرب.. اعرف الأوراق المطلوبة
  • باحثون يطورون طريقة لتشخيص مرض التوحد
  • دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم
  • هل يستبدلون «الآلة» بـ«الإلهام»؟
  • استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يحقق نموا متسارعا
  • وداعًا لتعلم اللغة الإنجليزية.. خبير يكشف عن نقلة سيحدثها الذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة ”شاهد”
  • منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي… تنافس ونمو متسارع