يُعنى الإسلام بالطعام عناية فائقة. وهو كعادته في تناول شهوات الجسد؛ لا ينظُر إليه بوصفه شهوة مُجرَّدة، ولا يهمشه أو يزدريه كما تفعل "الأديان المجرَّدة"؛ بل يُعالجه معالجة مُركَّبَة تليقُ بمعالجته شأن الإنسان نفسه، بوصفه مُركَّبا إلهيّا مُعجزا؛ وهو كذلك في مُعالجته شأن الإنسان كله وما رُكِّب فيه من شهوات.
وقد وَرَدَ المصدر "طعام"، واشتقاقاته (طَعِمَ، يُطْعِمُ، استَطْعَمَ.. إلخ) في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرَّة؛ في مواطن مثل: بيان القدرة الإلهيَّة المعجزة لمن يُطعِم ولا يُطعَم جل شأنه، وفي الاعتراف بنعمة الله وفضله على خلقه إذ يُطعمهم بحوله، وفي سياق الدلالة على بشريَّة أكرم الخلق على الله من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم إذ يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وفي سياق حض جميع المؤمنين على إطعام الطعام، وفي الأمر بالإطعام بوصفه فدية وكفَّارة، وفي الأمر بالصيام والإمساك عما أُحِلَّ من نعم الله -المبذولة بحوله- طاعة له وقُربى، وفي بيان المباح من الخُلطة والاجتماع على الطعام وآداب ذلك خصوصا في حضرة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الإخبار بأحوال الأمم السابقة وما قُدِّر عليها -خصوصا بني إسرائيل- وفي الأمر بالأخذ المعتَدل مما أحلَّ الله من الطيبات والنأي التام عمَّا حرَّم من القبائح والخبائث -في الأطعمة والأنكحة- وفي بيان ما أبيح لنا مما تناوَلَهُ من كان قبلنا، وفي ذكر القرآن لما كان المشركون يحجبونه أو يُبيحونه من أطعمة -من عند أنفسهم- افتراء على الله وتكريسا لأديان الشرك وطقوسها الباطلة، وفي ذكر طعام أهل الجنة بلَّغنا الله إياها، وبيان طعام أهل النار أعاذنا الله منه ومنها، وفي ذكر ما حُرِّم على هذه الأمة المحمَّدية المرحومة من الأطعمة.
المعالجة الربانيَّة-الإنسانيَّة، ترفع قدر الطعام وقيمته من تصوره كأنه مُجرَّد شهوة دنيَّة عمياء، يلهث وراءها البشري بلا كرامة؛ إلى مرتبة الأداة الرفيعة والوسيلة الطاهرة، التي يُتقرَّب بها إلى الله؛ في النفس والأهل والمجتمع
هذه المعالجة الربانيَّة-الإنسانيَّة، ترفع قدر الطعام وقيمته من تصوره كأنه مُجرَّد شهوة دنيَّة عمياء، يلهث وراءها البشري بلا كرامة؛ إلى مرتبة الأداة الرفيعة والوسيلة الطاهرة، التي يُتقرَّب بها إلى الله؛ في النفس والأهل والمجتمع. وهو تكريمٌ رباني لحق بألوان ما أحِلَّ من الطعام جرَّاء ارتباطها بالخليفة الرباني المكرَّم: الإنسان، وبوظيفته وتكليفه.
* * *
يبدأ الإسلام مُعالجته لأمر الطعام ببيان حرامه على وجه التعيين، تاركا ما يَجِدُّ في أمر مُركَّباته لاجتهاد المجتهدين؛ اعتمادا على أن الأصل في الأشياء الإباحة. بيد أن الشرع لا يقف عند بيان المحرَّمات، فإنه بعد فتحه باب ما أُحلَّ من الطيبات؛ يدمج الطعام في نظام عرفاني كلي، يكشف علاقة البراني بالجواني، إذ يُولي أشد العناية بما يُدخله الإنسان في جوفه؛ بوصفه شطرا من منظومة عباديَّة مُتكاملة (تُقررها اﻵية رقم 162 من سورة الأنعام): "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". فيصير كل فعلٍ إنساني، بما في ذلك قضاء الشهوات؛ عبادة لله، وقُربى، وطريقا يُسلَك منه إليه؛ فهو المنعِم والمتفضِّل وهو المُعين.
إنَّ كل فعلٍ إنسانيٍّ خطوة على طريق مسلوك إلى وجهة مُحددة، وفي حياة كلها عبادة ونُسُك؛ يصيرُ الطعام صلاة يلزمه ما يلزمها من الأدب والانضباط النفسي(1). فالأكل والنوم والنكاح، والتريُّض والراحة والترويح؛ كلها نعمٌ تنزَّلَت لتيسير مهمة الإنسان في الخلافة، فهي عبادات إن انضبطت بحسب مراد الله، وهي معاصي إن جاوزت الحد الذي عيَّنه لها جلَّ شأنه. إن "طريق" عودة الإنسان إلى الله تعالى، والذي يتعيَّن عليه سلوكه آيبا من الدُّنيا إلى مرقده/ آخرته/ مبعثه؛ مبناهُ "الفرائض" التي افترضها الله سبحانه عليه، ووقوده "النِّعَم" والألطاف والطيبات التي أنزلها رحمة منه؛ لتُيسر علينا الاضطلاع بالفرائض. وفي هذه الباقة مجتمعة ينحصر التكليف.
وقد كان أهل الجاهليَّة الأولى يَدَعون الطعام أو يُقبِلون عليه استجابة محضة لشهواتهم ودورانا معها، وكل أهل الجاهليَّة كذلك، في كل زمان ومكان؛ بيد أن الله قد بيَّن لخلقه -على لسان رُسله وفي صحائف كُتبه- الحلال والحرام، بل وجعل للحلال أثرا طيبا على الباطن ينعكس على الظاهر؛ فلم تَعُد الحل والحرمة أحكاما "قانونيَّة" مُجرَّدة، مُنفصلة عن الواقع بإغراقها في التنظير، وإنما صار للحلال ضياءٌ ونور وللحرام ظُلمة ونَتَن؛ يُميزهما المؤمن سليم البصيرة في نفسه وفي غيره، حتى كان بعض كبار التابعين تختلج عروقه إذا أُطعِمَ حراما فربما تقيأه، وكان بعضهم اﻵخر يُصاب بُحرقة في صدره؛ إذ اعتادت أجسادهم الحلال وسكنَت إليه أرواحهم، وصار ما عداهُ مدعاة لاضطراب الروح واختلال الجسد. والدراسات السيكولوجيَّة والفيزيولوجية الحديثة عن آثار ألوان الطعام وتأثير الباطن على النفس وعلى الظاهر؛ أكثر من أن تُحصى.
الصوفي الحقيقي -السالك صاحب الرياضة- أشد الناس عناية بالحلال والحرام؛ إذ يعلم أثر كل واحد منهما على نفسه. ويعلم أن التقوى قبل أن تكون حجّا للبيت وجهادا بالسيف، فهي تخيُّر لما يدخل الجوف مما أحلَّهُ الله؛ فاختيار الأتقياء يكون من ألوان الحلال فحسب، لا من الأرزاق عامَّة
والصوفي الحقيقي -السالك صاحب الرياضة- أشد الناس عناية بالحلال والحرام؛ إذ يعلم أثر كل واحد منهما على نفسه. ويعلم أن التقوى قبل أن تكون حجّا للبيت وجهادا بالسيف، فهي تخيُّر لما يدخل الجوف مما أحلَّهُ الله؛ فاختيار الأتقياء يكون من ألوان الحلال فحسب، لا من الأرزاق عامَّة. وكُتب آداب القوم حافلة بالتوجيهات في هذا الصدد، غالبا بغير إحالة على الدليل الشرعي؛ إذ أن المسلَّم به أن خطاب الشيخ للمريد لا يحتاج إلى استدلال مع كل عبارة، بما أن احتذاء المثال النبوي -واتباع حضرته صلى الله عليه وآله وسلم- هو أساس العهد الذي اتَّبع عليه المريد شيخه، وسار على طريقه اتباعا لحضرة سيد السالكين.
ومن هذه اﻵداب المسلَّم بها أنه يُسَنَّ الوضوء قبل الطعام لأنه ينفي الفقر وبعده لأنه ينفي اللَّمم(2)، وقد يكتفي بعضهم بغسل اليدين. والمسلم لا يأكل حتى يجوع؛ لأنه يأكل في معي واحد فطعامه وسيلة لا غاية(3)، وألا يضع الصحفة فوق خُبزه، وأن يبدأ باسم الله تعالى ويختم بحمده جلَّ شأنه، وأن يأكل بيمينه، ومما يليه(4)، وألا يخلف شيئا في صحنه، وأن يتناول طعامه في لقيمات صغيرة مُفرَدَة خصوصا إن كان يأكل في جماعة والطعام قليل(5)، ويُحسن المضغ، وألا يُدخل اللقمة على أختها حتى يفرغ من مضغ الأولى.
وقد كان حضرة الأسوة الحسنة يصف أكله بأنه "أكل العبد"؛ لشدَّة تواضعه لله تعالى. روى ابن سعد في طبقاته، عن أم المؤمنين عائشة؛ أن حضرته صلى الله عليه وآله وسلم قال: "آكلُ كما يأكلُ العبدُ، وأجْلِسُ كما يجلسُ العبدُ". وكان من أدبه صلى الله عليه وآله وسلم كذلك (مما رواه البخاري عن أنس بن مالك)؛ أن حضرته لم يأكل على خوان قط، أي على مائدة مرتفعة لا يحتاج المرء معها للانحناء على الطعام، وإنما كان يأكل على السُّفَرِ التي تُمَدُّ على الأرض. وكذلك كان مما انفرد به البخاري قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا آكُلُ مُتَّكِئا"، وقيل الاتكاء المقصود هو التمكُّن من الجلوس للأكل على أي وجه كان، وقيل الميل على أحد الجانبين. وما ذلك إلا لأن الاتكاء على الفراش والوسائد، وراحة الجلسة عند الأكل؛ تُفضي إلى الاستكثار من الطعام، وقد كان حضرته لا يستكثرُ من شيء.
السلوك النبوي الشريف، في التعاطي مع نعمة تناول الطعام؛ يُكرِّس التصور الرباني له بوصفه شعيرة عباديَّة، مثله في ذلك مثل الصوم. فقد كان حضرته يأكل عبادة وشُكرا ليتقوَّى، ويُمسك ويصوم شكرا وزهدا في متاع الدنيا رغبة فيما عند ربه
وقد أخرج أحمد والنسائي والترمذي (واللفظ له) وابن ماجه، ما رسَّخ به حضرته صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى: "ما ملأَ آدميٌّ وعاء شرّا مِن بطنٍ. بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ. فإن كانَ لا محالةَ؛ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ"، كما ترسَّخ نبذه للاتكاء وسَنُّهُ الأكل مما يليك برواية أبي داود عن عبد الله بن بسر؛ قال: كان للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّمَ قصعةٌ يقال لها الغَرَّاءُ يَحمِلُها أربعةُ رجال، فلمَّا أضحَوا وسَجَدوا الضُّحى؛ أُتيَ بتلك القَصعةِ -يعني وقد ثُرِدَ فيها- فالتفُّوا عليها؛ فلمَّا كَثُروا جَثا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ؛ فقال أعرابيٌّ: ما هذه الجِلسةُ؟ قال حضرته صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ جَعلَني عبدا كريما، ولم يجعَلْني جبَّارا عَنيدا". ثمَّ قالَ: "كُلوا من حوالَيها، ودعوا ذِروتَها؛ يُبارَكْ فيها".
هذا السلوك النبوي الشريف، في التعاطي مع نعمة تناول الطعام؛ يُكرِّس التصور الرباني له بوصفه شعيرة عباديَّة، مثله في ذلك مثل الصوم. فقد كان حضرته يأكل عبادة وشُكرا ليتقوَّى، ويُمسك ويصوم شكرا وزهدا في متاع الدنيا رغبة فيما عند ربه. وقد روى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك؛ أن حضرة سيدنا الأسوة الحسنة صلى الله عليه وآله وسلم كان يعصُب بطنه بعصابة (وقيل بحجر) من الجوع. ومع ذلك؛ لم يستأثر بطعامٍ عن صحبه حين حضر الرزق، وهذا من أدبه وحُسن عشرته صلى الله عليه وآله وسلم، وبركته التي جعلها الله بركة لهذا الطعام -القليل البسيط- حتى أشبع بحول الله تعالى ما يزيد على السبعين صحابيّا!
__________
الهوامش:
(1) لهذا يتشدَّد الإنسان في انتقاء ما يدخل جوفه تقوى لله، وصيانة لنفسه كذلك من التردي في جهنم والعياذ بالله. وقد روى ابن حبان والترمذي (واللفظ له)، من حديث كعب بن عجرة؛ أن حضرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم قال له: "الصَّلاةُ برهانٌ، والصَّومُ جنَّةٌ حصينةٌ، والصَّدَقةُ تطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ. يا كعبُ بنَ عُجرةَ؛ إنَّهُ لا يربو لحمٌ نبتَ من سحت إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ". ولاحظ أن حضرته قرن هذه العبادات المركزيَّة الكُبرى بطهارة ما يدخل جوف الإنسان، وتحري حلاله؛ فكأنها تبطُل بغير هذا الشرط.
(2) روى معناهُ نفرٌ من مُحدثي السنَّة والشيعة بألفاظ مختلفة، ومنهم من ضعَّفهُ؛ إلا أن المأثور كونها سُنَّة من سنن المرسلين.
(3) اشتهرت رواية أثر ماتع في هذا الباب، ورفعه بعضهم إلى حضرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم: "نحن قومٌ لا نأكلُ حتَّى نجوعَ وإذا أكلنا لا نشبعُ". وقد روى البخاري ومسلم في الصحيح ما يشمله معنى، وذلك من حديث عبد الله بن عمر، أنه سمع حضرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "المُؤْمِنُ يَأْكُلُ في مِعى واحِدٍ، والكَافِرُ يَأْكُلُ في سَبْعَةِ أمْعَاءٍ"؛ كناية عن أن إفراط الكافر في الأكل لافتقاده الغاية من وراء الأخذ من هذه النعمة، وعدها غاية بذاتها. أما المؤمن فيأكل في معي واحد لأن الطعام الحلال ليس غاية، وإنما وسيلة شريفة يُتقوى بها على بلوغ غاية أسمى.
(4) روى البخاري عن عمر بن أبي سلمة، أنه قال: كُنْتُ غُلَاما في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ؛ فَقالَ لي حضرته: "يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ"؛ فَما زَالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ.
(5) أخرج البخاري ومسلم باختلاف يسير، ما حكاه جَبَلَةُ بنُ سُحَيمٍ؛ قال: كُنَّا بالمَدِينَةِ في بَعْضِ أهْلِ العِرَاقِ، فأصَابَنَا سَنَةٌ [أي جدب]، فَكانَ ابنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، فَكانَ ابنُ عُمَرَ يَمُرُّ بنَا [وهم يأكلون التمر]؛ فيَقولُ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ نَهَى عَنِ الإقْرَانِ، إلَّا أنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنكُم أخَاهُ. أي نهى عن أن يضع المرء التمرتين مُقترنتين في فمه معا؛ فيتغلَّب على الطعام ويفوق الآكلين فيما يناله ويُجحف بهم، إلا أن يستأذن منهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه شهوات الطعام طاعة الاسلام الطعام طاعة السنن شهوات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه وآله وسلم ما یدخل
إقرأ أيضاً:
فضل شهر شعبان .. وهل صامه النبي كاملا ؟ اغتنم النفحات المباركة
فضل شهر شعبان فهو من الأشهر التي كان يكثر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطاعات، وثبت في السنة النبوية الأحاديث التي تدل على فضل شهر شعبان ، وليلة النصف من شعبان ليلة مباركة، وشهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ وتتجلى فيه رحمة الله تعالى بعباده، فيهبهم من خزائن خيراته، ويجزل لهم فيه من عطياته، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في شهر شعبان، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ»، وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ».
فضل شهر شعباناقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل لعباده مواسم للخير يكثر الأجر فيها؛ رحمةً بعباده، ولما كان شهر رمضان هو شهر البركات والنفحات؛ فقد كان شهر شعبان خير مقدمة له، فكان الصوم في شعبان بمنزلة السنة القبلية في صلاة الفريضة؛ فإنها تهيئ النفس وتنشطها لأداء الفرض، ولذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصوم فيه؛ فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» متفق عليه. واللفظ لمسلم.
وفي هذا دليل على أنه كان يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره. وكذا كان السلف الصالح يجتهدون فيه في العبادة؛ استعدادًا لاستقبال شهر رمضان، وفي هذا المعني قول أبي بكر البلخي: «شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع».
وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من كثرة صيامه فيه؛ فعن أسامة بن زيد –رضي الله عنهما-، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال:«ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة.
فضل شهر شعبان1- من فضائل شهر شعبان أن الأعمال ترفع في شعبان إلى الله تعالى، فعن أسامة بن زيد: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ ما تَصُومُ مِنْ شعبان قال: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رواه النسائي.
2- كثرة صيام النبي صلى الله عليه وسلم فيه: قالت عائشة رضي الله عنها: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» رواه البخاري.
3- من فضل شهر شعبان غفران الذنوب في ليلة النصف من شعبان: قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَه تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» رواه ابن ماجه، ومعنى مشاحن: أي مخاصم لمسلم أو مهاجر له.
الحكمة من صيام شعبان
عن أُسَامَة بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ،، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وفي هذا الحديث فوائد عظيمة:
1ـ "أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان" يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولًا عنه وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك
2ـ فيه إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.
3ـ وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة وأن ذلك محبوب لله - عز وجل - ولذلك فُضِلَ القيام في وسط الليل لغفلة أكثر الناس فيه عن الذكر.
4ـ في إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد: منها: أنه يكون أخفى وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه، ومنها: أنه أشق على النفوس: وأفضل الأعمال أشقها على النفوس.
5ـ ومنها إحياء السنن المهجورة خاصة في هذا الزمان وقد قال صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء». وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «العبادة في الهرج كالهجرة إلي» وخرجه الإمام أحمد ولفظه: «العبادة في الفتنة كالهجرة إلي» وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به متبعًا لأوامره مجتنبا لنواهيه ومنها أن المفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس كلهم فكأنه يحميهم ويدافع عنهم.
6 ـ أنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرفع العمل لله -تعالى-والعبد على أفضل حال وأحسنه وأطيبه لما في الصوم من فضائل عظيمة، وليكون ذلك سببًا في تجاوز الله -تعالى-عن ذنوب العبد حال توسله بلسان الحال في هذا المقام.
فضل شهر شعبان وأهم عباداته.. ترفع فيه الأعمالدعاء استقبال شهر شعبان .. ردده الآن مفتاح الفرج الرزق ويقضي جميع الحوائج الصعبةفضل شهر شعبان.. أسرار حرص النبي على الإكثار من صيام أيامهكيف كان النبي يستقبل شهر شعبان؟ أعمال مأثورة ومستحبة
فضل ليلة النصف من شعبان
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يَطَّلِعُ اللَّهُ - عز وجل - إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلا لاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ».
هل يجوز صيام شهر شعبان كلهقالت دار الإفتاء المصرية، إنه يجوز صيام النصف الأول من شهر شعبان بأكمله، حتى إذا انتصف الشهر فلا صوم في تلك الفترة حتى يستريح الشخص استعدادًا لرمضان، منوهة بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان، وأن الصوم بعد نصف شعبان يجوز في حالات معينة ومنها: «العادة، مثل صيام يومي الاثنين والخميس والقضاء والكفارات والنذر».
واستشهدت «الإفتاء » في إجابتها عن سؤال: ( هل يجوز صيام شهر شعبان كله ؟)، بما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا»، رواه أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651)،: فإذا اعتاد أحد صيام الاثنين والخميس فليصم وإذا كان أحد يقضي ما فاته فعليه أن يقضي ولا حرج في النصف الثاني من شهر شعبان.
وأوضحت أن شهر شعبان تهيئة لرمضان فيجب استغلاله جيدًا، داعيًا الجميع إلى المواظبة على التصدق في هذا الشهر مع الصيام، كما أن شهر شعبان يغفل عنه كثير من الناس، وقد نبهنا إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث وقع فيه الخير للمسلمين من تحويل القبلة ففيه عظم الله نبينا واستجاب لدعائه.
وأضافت أن السيدة عائشة رضي الله عنها، ورد عنها أنها كانت تقضي ما عليها من أيام رمضان، بصيامها في شهر شعبان الذي يليه، وصوم النصف الثاني من شعبان فيه خلاف بين أهل العلم على أربعة أقوال، فمن من يقول الجواز مطلقا يوم الشك وما قبله سواء صام جميع النصف أو فصل بينه بفطر يوم أو إفراد يوم الشك بالصوم أو غيره من أيام النصف.
ونوهت بأن ابن عبد البر قال لا بأس بصيام الشك تطوعا وهو الذي عليه أئمة الفتوى كما قاله مالك، ومنهم من قال عدم الجواز سواء يوم الشك وما قبله من النصف الثاني إلا أن يصل صيامه ببعض النصف الأول أو يوافق عادة له وهو الأصح عند الشافعية.
وأفادت بأن القول الرابع: إنه يحرم يوم الشك فقط ولا يحرم عليه غيره من النصف الثاني وعليه كثير من العلماء، والراجح المفتى به: أن من كان له عادة في الصيام أو كان عليه نذر صيام أو كان عليه قضاء من شهر رمضان السابق فلا حرج عليه إن صام أول شعبان أو وسطه أو آخره، أما من لم تكن له عادة صيام ولا شيء مما سبق بيانه فلا يجوز له ابتداء الصيام في النصف الثاني من شعبان لكن لو وصله بصيام بعض النصف الأول جاز له ذلك.
واستندت إلى ما أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا» أخرجه مسلم.
ودللت بحديث الترمذى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا» بقول ابن حجر فى فتح البارى: وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ, وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ، ونقلت قول ابن قدامة فى المغني: «لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ – أى الحديث - وَسَأَلْنَا عَنْهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، فَلَمْ يُصَحِّحْهُ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ، وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَالْعَلاءُ ثِقَةٌ لا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلا هَذَا».
وأشارت إلى أنه يمكن الجمع بينه وبين غيره من الأدلة بما قاله القرطبي رحمه الله تعالى: لا تعارض بين حديث النهي عن صوم نصف شعبان الثاني والنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وبين وصال شعبان برمضان والجمع ممكن بأن يحمل النهي على من ليست له عادة بذلك ويحمل الأمر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع.
استحباب صيام شهر شعبان
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» (صحيح النسائي: 2176). عن عَائِشَةَ رضي الله عنها - قَالَتْ: « لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا»(صحيح النسائي: 2178).
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: « كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلًا» (صحيح ابن ماجه: 1398).
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» (صحيح الترغيب: 1025)، وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ» (صحيح الترغيب: 1024).
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: « أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» (سنن أبي داود:2336).
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ». عن أنس بْنَ مَالِكٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ فَلا يُفْطِرُ، حَتَّى نَقُولَ مَا فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُفْطِرَ الْعَامَ، ثُمَّ يُفْطِرُ فَلا يَصُومُ، حَتَّى نَقُولَ مَا فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ الْعَامَ، وَكَانَ أَحَبُّ الصَّوْمِ إِلَيْهِ فِي شَعْبَانَ».
وليس هناك تعارض بين الأحاديث السابقة وحديث النهي عن الصوم بعد نصف شعبان. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلا تَصُومُوا».
قال الترمذي: وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُفْطِرًا فَإِذَا بَقِيَ مِنْ شَعْبَانَ شَيْءٌ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ لِحَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَا يُشْبِهُ قَوْلَهُمْ حَيْثُ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامٍ إِلا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» (رواه البخاري)، وَقَدْ دَلَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّمَا الْكَرَاهِيَةُ عَلَى مَنْ يَتَعَمَّدُ الصِّيَامَ لِحَالِ رَمَضَانَ.
القرآن الكريموذكر الحافظ: وَلا تَعَارُضَ بَيْن هَذَا وَبَيْن مَا تَقَدَّمَ مِنْ الأَحَادِيث فِي النَّهْي عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم أَوْ يَوْمَيْنِ، وَكَذَا مَا جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ صَوْم نِصْف شَعْبَانَ الثَّانِي، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ تِلْكَ الأَيَّام فِي صِيَامٍ اِعْتَادَهُ، وَفِي الْحَدِيث دَلِيلٌ عَلَى فَضْل الصَّوْم فِي شَعْبَان. وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يُكْثِرْ مِنْ الصَّوْم فِي الْمُحَرَّمِ مَعَ قَوْله إِنَّ أَفْضَلَ الصِّيَام مَا يَقَع فِيهِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون مَا عَلِمَ ذَلِكَ إِلا فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ فِي الْمُحَرَّمِ، أَوْ اِتَّفَقَ لَهُ فِيهِ مِنْ الأَعْذَار بِالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ مَثَلًا مَا مَنَعَهُ مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ فِيهِ.
وعلى هذا فالسنة المقررة هي صيام شهر شعبان أو أكثره من مبتدأه إلى منتهاه، أما من لم يصمه من أوله ثم أراد الصيام بعد منتصفه فإن هذا هو الذي يتناوله النهي، كما أن النهي يتناول من أراد الصيام في آخر شعبان لاستقبال رمضان، والله تعالى أعلم.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصيام لمن فاته الصيام في شعبان: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ». سرر شعبان: أي وسطه.
فضل الصيام في شهر شعبانخصَّ الله عز وجل عبادة الصيام من بين العبادات بفضائل وخصائص عديدة، منها:
أولًا:أن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به، كما ثبت في البخاري (1894)، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».
ثانيًا:إن للصائم فرحتين يفرحهما، كما ثبت في البخاري ( 1904 ) ، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ».
ثالثًا:إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما ثبت في البخاري (1894) ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك».
رابعاً:إن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم، كما ثبت في البخاري (1896)، ومسلم (1152) من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ».
خامسًا:إن من صام يومًا واحدًا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عامًا، كما ثبت في البخاري (2840)؛ ومسلم (1153) من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ عبدٍ يصومُ يوْمًا في سبِيلِ اللَّهِ إلاَّ بَاعَدَ اللَّه بِذلكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سبْعِين خريفًا»
سادسًا:إن الصوم جُنة «أي وقاية» من النار، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنة»، وروى أحمد (4/22) ، والنسائي (2231) من حديث عثمان بن أبي العاص قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الصيام جُنة من النار، كجُنة أحدكم من القتال».
سابعًا:إن الصوم يكفر الخطايا، كما جاء في حديث حذيفة عند البخاري (525)، ومسلم (144) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
ثامنًا:إن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، كما روى الإمام أحمد (6589) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ».
لماذا سمي شهر شعبان بهذا الاسم ؟شهر شعبان كغيره من الشهور القمرية التي سميت أيام الجاهلية، فقد كان العرب يطلقون الأسماء على الشهور معتمدين على بعض الأحداث أو الأمور التي وقعت فيها، و شعبان : هو مصطلح يدل على التشعب والتفرق، وقال اللغوي أبو عباس أحمد بن يحيى ثعلب: "إنما سمي شعبانُ شعبانَ، لأنه شعب" أي ظهر بين شهري رجب ورمضان.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الصيام في شهر شعبان عن سبب تسمية شهر شعبان بهذا الاسم ، فشهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ وتتجلى فيه رحمة الله تعالى بعباده، فيهبهم من خزائن خيراته، ويجزل لهم فيه من عطياته.
تسمية شهر شعبان بهذا الاسموتوجد عدة أسباب لـ تسمية شهر شعبان بهذا الاسم، وهي: هناك من قال إنه سمي بهذا الاسم، لأنه الشهر الذي يفصل بين شهر رجب وشهر رمضان. وبعض الروايات تقول إنه سمي بهذا الاسم لأن القبائل العربية تتفرق فيه للذهاب إلى الملوك لقصدهم والتماس العطية منهم.
وأحد أسباب تسميته بهذا الاسم، هو أن القبائل كانت تتفرق فيه بحثا عن الماء والمرعى، وكذلك لأن العرب كانت تتشعب فيه للقيام بالغزو والغارات، بعد امتناعهم عن القتال في شهر رجب، لأنه من الأشهر الحرم، وكذلك سمي بشعبان لأن الأغصان تتشعب في هذا الشهر.
وقال الإمام ابن حجر في كتابه فتح الباري (4/213): «وسمي شعبان لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد شهر رجب الحرام».