يُعنى الإسلام بالطعام عناية فائقة. وهو كعادته في تناول شهوات الجسد؛ لا ينظُر إليه بوصفه شهوة مُجرَّدة، ولا يهمشه أو يزدريه كما تفعل "الأديان المجرَّدة"؛ بل يُعالجه معالجة مُركَّبَة تليقُ بمعالجته شأن الإنسان نفسه، بوصفه مُركَّبا إلهيّا مُعجزا؛ وهو كذلك في مُعالجته شأن الإنسان كله وما رُكِّب فيه من شهوات.
وقد وَرَدَ المصدر "طعام"، واشتقاقاته (طَعِمَ، يُطْعِمُ، استَطْعَمَ.. إلخ) في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرَّة؛ في مواطن مثل: بيان القدرة الإلهيَّة المعجزة لمن يُطعِم ولا يُطعَم جل شأنه، وفي الاعتراف بنعمة الله وفضله على خلقه إذ يُطعمهم بحوله، وفي سياق الدلالة على بشريَّة أكرم الخلق على الله من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم إذ يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وفي سياق حض جميع المؤمنين على إطعام الطعام، وفي الأمر بالإطعام بوصفه فدية وكفَّارة، وفي الأمر بالصيام والإمساك عما أُحِلَّ من نعم الله -المبذولة بحوله- طاعة له وقُربى، وفي بيان المباح من الخُلطة والاجتماع على الطعام وآداب ذلك خصوصا في حضرة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الإخبار بأحوال الأمم السابقة وما قُدِّر عليها -خصوصا بني إسرائيل- وفي الأمر بالأخذ المعتَدل مما أحلَّ الله من الطيبات والنأي التام عمَّا حرَّم من القبائح والخبائث -في الأطعمة والأنكحة- وفي بيان ما أبيح لنا مما تناوَلَهُ من كان قبلنا، وفي ذكر القرآن لما كان المشركون يحجبونه أو يُبيحونه من أطعمة -من عند أنفسهم- افتراء على الله وتكريسا لأديان الشرك وطقوسها الباطلة، وفي ذكر طعام أهل الجنة بلَّغنا الله إياها، وبيان طعام أهل النار أعاذنا الله منه ومنها، وفي ذكر ما حُرِّم على هذه الأمة المحمَّدية المرحومة من الأطعمة.
المعالجة الربانيَّة-الإنسانيَّة، ترفع قدر الطعام وقيمته من تصوره كأنه مُجرَّد شهوة دنيَّة عمياء، يلهث وراءها البشري بلا كرامة؛ إلى مرتبة الأداة الرفيعة والوسيلة الطاهرة، التي يُتقرَّب بها إلى الله؛ في النفس والأهل والمجتمع
هذه المعالجة الربانيَّة-الإنسانيَّة، ترفع قدر الطعام وقيمته من تصوره كأنه مُجرَّد شهوة دنيَّة عمياء، يلهث وراءها البشري بلا كرامة؛ إلى مرتبة الأداة الرفيعة والوسيلة الطاهرة، التي يُتقرَّب بها إلى الله؛ في النفس والأهل والمجتمع. وهو تكريمٌ رباني لحق بألوان ما أحِلَّ من الطعام جرَّاء ارتباطها بالخليفة الرباني المكرَّم: الإنسان، وبوظيفته وتكليفه.
* * *
يبدأ الإسلام مُعالجته لأمر الطعام ببيان حرامه على وجه التعيين، تاركا ما يَجِدُّ في أمر مُركَّباته لاجتهاد المجتهدين؛ اعتمادا على أن الأصل في الأشياء الإباحة. بيد أن الشرع لا يقف عند بيان المحرَّمات، فإنه بعد فتحه باب ما أُحلَّ من الطيبات؛ يدمج الطعام في نظام عرفاني كلي، يكشف علاقة البراني بالجواني، إذ يُولي أشد العناية بما يُدخله الإنسان في جوفه؛ بوصفه شطرا من منظومة عباديَّة مُتكاملة (تُقررها اﻵية رقم 162 من سورة الأنعام): "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". فيصير كل فعلٍ إنساني، بما في ذلك قضاء الشهوات؛ عبادة لله، وقُربى، وطريقا يُسلَك منه إليه؛ فهو المنعِم والمتفضِّل وهو المُعين.
إنَّ كل فعلٍ إنسانيٍّ خطوة على طريق مسلوك إلى وجهة مُحددة، وفي حياة كلها عبادة ونُسُك؛ يصيرُ الطعام صلاة يلزمه ما يلزمها من الأدب والانضباط النفسي(1). فالأكل والنوم والنكاح، والتريُّض والراحة والترويح؛ كلها نعمٌ تنزَّلَت لتيسير مهمة الإنسان في الخلافة، فهي عبادات إن انضبطت بحسب مراد الله، وهي معاصي إن جاوزت الحد الذي عيَّنه لها جلَّ شأنه. إن "طريق" عودة الإنسان إلى الله تعالى، والذي يتعيَّن عليه سلوكه آيبا من الدُّنيا إلى مرقده/ آخرته/ مبعثه؛ مبناهُ "الفرائض" التي افترضها الله سبحانه عليه، ووقوده "النِّعَم" والألطاف والطيبات التي أنزلها رحمة منه؛ لتُيسر علينا الاضطلاع بالفرائض. وفي هذه الباقة مجتمعة ينحصر التكليف.
وقد كان أهل الجاهليَّة الأولى يَدَعون الطعام أو يُقبِلون عليه استجابة محضة لشهواتهم ودورانا معها، وكل أهل الجاهليَّة كذلك، في كل زمان ومكان؛ بيد أن الله قد بيَّن لخلقه -على لسان رُسله وفي صحائف كُتبه- الحلال والحرام، بل وجعل للحلال أثرا طيبا على الباطن ينعكس على الظاهر؛ فلم تَعُد الحل والحرمة أحكاما "قانونيَّة" مُجرَّدة، مُنفصلة عن الواقع بإغراقها في التنظير، وإنما صار للحلال ضياءٌ ونور وللحرام ظُلمة ونَتَن؛ يُميزهما المؤمن سليم البصيرة في نفسه وفي غيره، حتى كان بعض كبار التابعين تختلج عروقه إذا أُطعِمَ حراما فربما تقيأه، وكان بعضهم اﻵخر يُصاب بُحرقة في صدره؛ إذ اعتادت أجسادهم الحلال وسكنَت إليه أرواحهم، وصار ما عداهُ مدعاة لاضطراب الروح واختلال الجسد. والدراسات السيكولوجيَّة والفيزيولوجية الحديثة عن آثار ألوان الطعام وتأثير الباطن على النفس وعلى الظاهر؛ أكثر من أن تُحصى.
الصوفي الحقيقي -السالك صاحب الرياضة- أشد الناس عناية بالحلال والحرام؛ إذ يعلم أثر كل واحد منهما على نفسه. ويعلم أن التقوى قبل أن تكون حجّا للبيت وجهادا بالسيف، فهي تخيُّر لما يدخل الجوف مما أحلَّهُ الله؛ فاختيار الأتقياء يكون من ألوان الحلال فحسب، لا من الأرزاق عامَّة
والصوفي الحقيقي -السالك صاحب الرياضة- أشد الناس عناية بالحلال والحرام؛ إذ يعلم أثر كل واحد منهما على نفسه. ويعلم أن التقوى قبل أن تكون حجّا للبيت وجهادا بالسيف، فهي تخيُّر لما يدخل الجوف مما أحلَّهُ الله؛ فاختيار الأتقياء يكون من ألوان الحلال فحسب، لا من الأرزاق عامَّة. وكُتب آداب القوم حافلة بالتوجيهات في هذا الصدد، غالبا بغير إحالة على الدليل الشرعي؛ إذ أن المسلَّم به أن خطاب الشيخ للمريد لا يحتاج إلى استدلال مع كل عبارة، بما أن احتذاء المثال النبوي -واتباع حضرته صلى الله عليه وآله وسلم- هو أساس العهد الذي اتَّبع عليه المريد شيخه، وسار على طريقه اتباعا لحضرة سيد السالكين.
ومن هذه اﻵداب المسلَّم بها أنه يُسَنَّ الوضوء قبل الطعام لأنه ينفي الفقر وبعده لأنه ينفي اللَّمم(2)، وقد يكتفي بعضهم بغسل اليدين. والمسلم لا يأكل حتى يجوع؛ لأنه يأكل في معي واحد فطعامه وسيلة لا غاية(3)، وألا يضع الصحفة فوق خُبزه، وأن يبدأ باسم الله تعالى ويختم بحمده جلَّ شأنه، وأن يأكل بيمينه، ومما يليه(4)، وألا يخلف شيئا في صحنه، وأن يتناول طعامه في لقيمات صغيرة مُفرَدَة خصوصا إن كان يأكل في جماعة والطعام قليل(5)، ويُحسن المضغ، وألا يُدخل اللقمة على أختها حتى يفرغ من مضغ الأولى.
وقد كان حضرة الأسوة الحسنة يصف أكله بأنه "أكل العبد"؛ لشدَّة تواضعه لله تعالى. روى ابن سعد في طبقاته، عن أم المؤمنين عائشة؛ أن حضرته صلى الله عليه وآله وسلم قال: "آكلُ كما يأكلُ العبدُ، وأجْلِسُ كما يجلسُ العبدُ". وكان من أدبه صلى الله عليه وآله وسلم كذلك (مما رواه البخاري عن أنس بن مالك)؛ أن حضرته لم يأكل على خوان قط، أي على مائدة مرتفعة لا يحتاج المرء معها للانحناء على الطعام، وإنما كان يأكل على السُّفَرِ التي تُمَدُّ على الأرض. وكذلك كان مما انفرد به البخاري قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا آكُلُ مُتَّكِئا"، وقيل الاتكاء المقصود هو التمكُّن من الجلوس للأكل على أي وجه كان، وقيل الميل على أحد الجانبين. وما ذلك إلا لأن الاتكاء على الفراش والوسائد، وراحة الجلسة عند الأكل؛ تُفضي إلى الاستكثار من الطعام، وقد كان حضرته لا يستكثرُ من شيء.
السلوك النبوي الشريف، في التعاطي مع نعمة تناول الطعام؛ يُكرِّس التصور الرباني له بوصفه شعيرة عباديَّة، مثله في ذلك مثل الصوم. فقد كان حضرته يأكل عبادة وشُكرا ليتقوَّى، ويُمسك ويصوم شكرا وزهدا في متاع الدنيا رغبة فيما عند ربه
وقد أخرج أحمد والنسائي والترمذي (واللفظ له) وابن ماجه، ما رسَّخ به حضرته صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى: "ما ملأَ آدميٌّ وعاء شرّا مِن بطنٍ. بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ. فإن كانَ لا محالةَ؛ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ"، كما ترسَّخ نبذه للاتكاء وسَنُّهُ الأكل مما يليك برواية أبي داود عن عبد الله بن بسر؛ قال: كان للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّمَ قصعةٌ يقال لها الغَرَّاءُ يَحمِلُها أربعةُ رجال، فلمَّا أضحَوا وسَجَدوا الضُّحى؛ أُتيَ بتلك القَصعةِ -يعني وقد ثُرِدَ فيها- فالتفُّوا عليها؛ فلمَّا كَثُروا جَثا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ؛ فقال أعرابيٌّ: ما هذه الجِلسةُ؟ قال حضرته صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ جَعلَني عبدا كريما، ولم يجعَلْني جبَّارا عَنيدا". ثمَّ قالَ: "كُلوا من حوالَيها، ودعوا ذِروتَها؛ يُبارَكْ فيها".
هذا السلوك النبوي الشريف، في التعاطي مع نعمة تناول الطعام؛ يُكرِّس التصور الرباني له بوصفه شعيرة عباديَّة، مثله في ذلك مثل الصوم. فقد كان حضرته يأكل عبادة وشُكرا ليتقوَّى، ويُمسك ويصوم شكرا وزهدا في متاع الدنيا رغبة فيما عند ربه. وقد روى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك؛ أن حضرة سيدنا الأسوة الحسنة صلى الله عليه وآله وسلم كان يعصُب بطنه بعصابة (وقيل بحجر) من الجوع. ومع ذلك؛ لم يستأثر بطعامٍ عن صحبه حين حضر الرزق، وهذا من أدبه وحُسن عشرته صلى الله عليه وآله وسلم، وبركته التي جعلها الله بركة لهذا الطعام -القليل البسيط- حتى أشبع بحول الله تعالى ما يزيد على السبعين صحابيّا!
__________
الهوامش:
(1) لهذا يتشدَّد الإنسان في انتقاء ما يدخل جوفه تقوى لله، وصيانة لنفسه كذلك من التردي في جهنم والعياذ بالله. وقد روى ابن حبان والترمذي (واللفظ له)، من حديث كعب بن عجرة؛ أن حضرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم قال له: "الصَّلاةُ برهانٌ، والصَّومُ جنَّةٌ حصينةٌ، والصَّدَقةُ تطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ. يا كعبُ بنَ عُجرةَ؛ إنَّهُ لا يربو لحمٌ نبتَ من سحت إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ". ولاحظ أن حضرته قرن هذه العبادات المركزيَّة الكُبرى بطهارة ما يدخل جوف الإنسان، وتحري حلاله؛ فكأنها تبطُل بغير هذا الشرط.
(2) روى معناهُ نفرٌ من مُحدثي السنَّة والشيعة بألفاظ مختلفة، ومنهم من ضعَّفهُ؛ إلا أن المأثور كونها سُنَّة من سنن المرسلين.
(3) اشتهرت رواية أثر ماتع في هذا الباب، ورفعه بعضهم إلى حضرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم: "نحن قومٌ لا نأكلُ حتَّى نجوعَ وإذا أكلنا لا نشبعُ". وقد روى البخاري ومسلم في الصحيح ما يشمله معنى، وذلك من حديث عبد الله بن عمر، أنه سمع حضرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "المُؤْمِنُ يَأْكُلُ في مِعى واحِدٍ، والكَافِرُ يَأْكُلُ في سَبْعَةِ أمْعَاءٍ"؛ كناية عن أن إفراط الكافر في الأكل لافتقاده الغاية من وراء الأخذ من هذه النعمة، وعدها غاية بذاتها. أما المؤمن فيأكل في معي واحد لأن الطعام الحلال ليس غاية، وإنما وسيلة شريفة يُتقوى بها على بلوغ غاية أسمى.
(4) روى البخاري عن عمر بن أبي سلمة، أنه قال: كُنْتُ غُلَاما في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ؛ فَقالَ لي حضرته: "يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ"؛ فَما زَالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ.
(5) أخرج البخاري ومسلم باختلاف يسير، ما حكاه جَبَلَةُ بنُ سُحَيمٍ؛ قال: كُنَّا بالمَدِينَةِ في بَعْضِ أهْلِ العِرَاقِ، فأصَابَنَا سَنَةٌ [أي جدب]، فَكانَ ابنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، فَكانَ ابنُ عُمَرَ يَمُرُّ بنَا [وهم يأكلون التمر]؛ فيَقولُ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ نَهَى عَنِ الإقْرَانِ، إلَّا أنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنكُم أخَاهُ. أي نهى عن أن يضع المرء التمرتين مُقترنتين في فمه معا؛ فيتغلَّب على الطعام ويفوق الآكلين فيما يناله ويُجحف بهم، إلا أن يستأذن منهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه شهوات الطعام طاعة الاسلام الطعام طاعة السنن شهوات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه وآله وسلم ما یدخل
إقرأ أيضاً:
حكم دفن الميت ليلا .. احذر 3 أوقات لا تدفن فيها المتوفى
هل يجوز دفن الميت ليلا؟ يبحث الكثير عن حكم الدفن ليلا والأوقات التي لا يجوز فيها دفن الميت ، وأوقات نهى الإسلام فيها عن دفن الميت وردت في عقبة بن عامر الجهني رضى الله عنه قال: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّى فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ -أى تميل- الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» رواه مسلم.
أوقات الدفن المنهي عنهاأوقات الدفن المنهي عنها ثلاث ساعات وردت في عقبة بن عامر، وهي: عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها قبيل الظهر حتى تزول قبل الظهر بقليل، وعند غروبها عند انحدارها للغروب، وتضيفها للغروب واصفرارها.
دفن الميت قبل المغربأكدت دار الإفتاء أن صلاة الجنازة ودفن الميت قبل المغرب جائز شرعًا، مشددة على أن يكره تعمد تأخير الدفن إلى هذا الوقت، منوهة بأن عقبة بن عامر الجهنى رضى الله عنه قال: "ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّى فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ -أى تميل- الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ" رواه مسلم.
وعرضت قول الإمام النووى قال فى "شرح صحيح مسلم: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا"، وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْرِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِى هَذَا الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ بِمَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الدَّفْنِ إِلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، ويُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ بِلَا عُذْرٍ، وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الدَّفْنُ فِى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِلَا تَعَمُّدٍ، فَلَا يُكْرَهُ".
حكم بناء القبر دورينوقال الشيخ علي فخر، مدير إدارة الحساب الشرعي وأمين بدار الإفتاء المصرية، إنه يجوز بناء مقبرة ثانية فوق المقبرة الأولى في حال الضيق بشرط وضع الكثير من التراب، لامتصاص الرطوبة، ولكن هذا الأمر لا يجوز في حالة السعة والاختيار وجود الكثير من الأراضي.
وأوضح «فخر» في إجابته عن سؤال: «ما حكم بناء دور ثاني في المقابر؟ وهل يجوز بناء دور ثاني بمقبرة لتجميع العظام بها؟»، أنه من الأفضل في هذه المسألة قول يجوز ولا يجوز، فكلاهما صحيح بين حالتي السعة والضيق، بمعنى أنه إذا كانت الحالة فيها سعة واختيار، فلا ينبغي بناء دور ثاني للمقبرة.
ولفت إلى أنه في حال امتِلاء القبور يجب الدفن في قبور أخرى؛ لأنه لا يجوز الجمع بين أكثر من ميتٍ في القبر الواحد إلَّا للضرورة، ويجب الفصل بين الأموات بحاجِزٍ حتى ولو كانوا مِن جِنْسٍ واحد.
دعاء للميت مستجاب.. ردده في جوف الليل وكن على يقين برحمة اللهدعاء للميت يوم الجمعة .. يفرح به المتوفى ويجعل قبره من رياض الجنة
حكم بناء دور ثان للمقبرةونبه على أنه إذا حصلت الضرورة فيُمكِن عملُ أدوارٍ داخل القبر الواحد إن أمكن، أو تغطيةُ الميت القديم بقَبْوٍ مِن طوبٍ أو حجارةٍ لا تَمَسُّ جسمه ثم يوضع على القَبْو الترابُ ويُدفَن فوقَه الميتُ الجديد, وكذلك العظَّاماتُ، لا يُلجأ إليها إلَّا عند الضرورة التي لا تَندَفِع بغيرها، وذلك كلُّه بشرط التعامل بإكرامٍ واحترامٍ مع الموتى أو ما تَبقَّى مِنهم؛ لأن "حُرمة المسلم ميتًا كحُرمته حيًّا".
حكم دفن الرجال مع النساء في مقبرة واحدة عند الضرورةأكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أنه يجب أن يُفرَد كلُّ ميت بقبر لا يشترك معه فيه غيره، إلا إذا ضاقت بهم المقابر؛ فقد صح أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يجمع بين الرجلين والثلاثة من شهداء أُحد في قبر واحد، وكذلك يجب أن يكون للرجال مقابرهم وللنساء مقابرهن، فإذا لم يتيسر ذلك واقتضت الظروف أن يدفن الرجال مع النساء في مقبرة واحدة فيجب أن يكون هناك حاجز من الطوب أو ساتر من التراب بين الرجال والنساء.
كيفية دفن الميتأفادت دار الإفتاء المصرية، بأنه مِن المُقَرَّرِ شرعًا أنَّ دَفنَ الميت فيه تكريمٌ للإنسان؛ لقول الله تعالى في مَعرِض الِامتِنان: «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» (المرسلات: 25-26)، وقد حَثَّ الإسلامُ عليه، وأَجمَعَ المسلمون على أنَّ دَفن الميت ومُوَارَاةَ بَدَنِهِ فرضُ كِفَايَةٍ؛ إذا قام به بَعضٌ مِنهم أو مِن غيرهم سَقَط عن الباقين.
وأضافت الإفتاء فى فتوى لها، أن المأثور في كيفية دَفن الميت أنه بعد دخوله القبرَ يُوضَع على شِقِّهِ الأيمن استِحبابًا، ويجب أن يُوَجَّه وَجهُهُ إلى القِبلة، وهذا باتِّفاق الأئمة الأربعة، ويَحرُمُ تَوجيهُ الوَجهِ لغير القِبلة؛ كما هو حاصلٌ مِن بعض مَن يدفن في هذا الزمان.
وتابعت: «ويُدخَل بالميت مِن فتحة القبر؛ بحيث يُدفَن تِجاه القِبلة مُباشَرةً مِن غير حاجَةٍ إلى الدَّوَران به داخل القبر، وذلك حسب فتحة القبر؛ إذ المطلوب شرعًا هو وضعُ الميت في قبره على شِقِّه الأيمن وتوجيهُ وَجهِهِ لِلقِبلة كما سَبَق، ولا يَضُرُّ أن يكون الدَّفن على الرَّمل أو التُّراب، فكُلُّ ذلك جائز».
خطأ شائع أثناء غسل الميتكشف الشيخ محمد أبو بكر، الداعية الإسلامي، عن خطأ شائع منتشر بين الناس أثناء غسل الميت، قائلًا: «إن بعض الغرباء هم من يتولون أمر الغُسل، وهذا مُخالف للأصل، فلابد أن يعلم الأب أبناءه الغسل لأنه هم الأحق بذلك.
وأفاد «أبوبكر» بأن أولى الناس بغسل الميت الرجل: الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم ابن العم؛ لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه.
حكم غسل لزوجته لزوجها المتوفىألمح إلى أنه يجوز للزوجة أن تغسل زوجها؛ لما روت عائشة رضي الله عنها: «أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أسماء بنت عميسٍ زوجته أن تغسله».
حكم غسل الميتوشدد على أن غُسل الميت فرض على الكفاية -إذا فعله البعض سقط عن الباقين؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحاج الذي سقط من بعيره ومات: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا» رواه مسلم.
كيفية غسل الميتوذكر أنه يغسل الميت أولًا بماء مطلق، فيعمم جميع جسده بالماء بعد عصر بطنه لإخراج ما فيها، وإزالة ما علق بجسمه من نجاسات، ينوي المغسل عند غسله غسل الميت، ويستحب أن يوضع الميت على مكان مرتفع ليسهل غسله، وأن تستر عورته إن لم يكن صبيًّا صغيرًا، وينبغي أن يغسله أمينٌ كاتمٌ للسر حتى لا يفضح أمره إن رأى فيه ما يعاب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ليغسل موتاكم المأمونون» رواه ابن ماجه.
وواصل: ثم يغسله ثلاثًا بالماء والصابون، أو بالماء المطيب، مبتدئًا باليمين، وله أن يغسله أكثر من الثلاثة، بحيث تكون الغسلات وترًا: خمسًا أو سبعًا، وذلك إن رأى ما يدعو إلى الزيادة؛ ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للنسوة اللاتي جئن يغسلن زينب ابنته رضي الله عنها: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن» رواه البخاري، وبعد الغسل يُطَيِّبُ جسمه بشيء من الطيب مثل الكافور أو ما يقوم مقامه.
كيفية صلاة الجنازة
قال الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن صلاة الجنازة فرض كفاية إذا فعلها البعض سقطت عن الباقين الذين لم يصلوها على الميت، وتكون عبارة عن أربع تكبيرات.
وأوضح «شلبي»، في إجابته عن سؤال: «ما كيفية الصلاة على الجنازة»، أن يكبر المصلي التكبيرة الأولى ويستفتح ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية التي نقرؤها في الصلاة التشهد، ثم يكبر الثالثة ويجتهد في الدعاء للميت بالمغفرة ورفع الدرجات وأن يبدله الله خيرًا من أهله وأن يخلفه في أهله بخير، ثم يكبر الرابعة ويدعو لجميع المسلمين أحياء وأمواتًا.