خطبتا الجمعة بالحرمين: الإيمان بالله ورسوله أصل السعادة.. ولا يجتمع الإيمان والحسد في قلب واحد
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
ألقى الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: إن سعادة القلب، وسرور النفس، وطيب العيش، وصفاء الحياة.. غاية يسعى إليها الناس جميعًا، وهدفٌ ينشده الخلق كافة، وأملٌ يرجو بلوغه العقلاء عامَّةً، فتراهم يعملون كلَّ وسيلة، ويتَّخذون كلَّ سبب، ويركَبُون كلَّ مركَب، يبلغون به هذه الغاية، ويصلون به إلى هذا المراد.
وأشار فضيلته إلى أن آياتِ الكتابِ الحكيم لتُذكِّر أن الاستِمساك بدينِ الله، وطاعته جل في علاه، والاستِقامة على منهَجِه، واتِّباع رِضوانِه وترك معصيته، تضمَنُ التمتُّعَ بالحياة الطيبة في الدنيا، بطمأنينة القلبِ وسُكُون النفسِ، كما قال عز اسمه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أو أنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّه حَيَاة طَيِّبَة وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن من الإحسانِ إلى الخلقِ نفعهم بكل ما يُمكِنُ نفعُهم به، من مالٍ وجاهٍ، وتعليمِ علمٍ نافعٍ، وأمرٍ بمعروفٍ ونهي عن مُنكَرٍ، وصلة وصدقةٍ، وغيرها.. ففي ذلك تأثيرٌ عجيبٌ في شرحِ الصدرِ وسرورِ النفسِ. مشيرًا إلى أن من أعظم ما يدرك به المرء حظَّه من السعادة، وينال به نصيبه من النجاح، التنزُّه عن ذَميم الصفات، ومقبوح الأخلاق، وسلامة الصدر من الأحقاد، وبراءته من الضغائن، وصيانته من الشحناء.
وأوضح الشيخ عبدالله خياط أن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده من المبادئ والمسالك ما يدفع عنهم عوادي الفرقة وبواعث الشحناء، وينشر بينهم السعادة والمحبة والصفاء، ومن ذلك النهي عن التحاسد والتدابر.. فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “لا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، ولا تَدابَروا، وكونوا عِبادَ الله إخوانًا، ولا يَحِلُّ لمُسلِمٍ أنْ يَهجُرَ أخاه فوقَ ثَلاثة أيَّامٍ”. ومن ذلك أيضًا تحريم الغِيبة لكونها ذريعة إلى تكدير صفو النفوس وتغيير القلوب، والنميمة، فقد قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم-: “لا يَدْخُلُ الجَنَّة نَمَّامٌ”، والنمام هو الذي ينقل الحديث بين الناس بقصد إفساد وقطع حبل الود بينهم.
وأكد الشيخ أسامة خياط على الحرص على سلامة الصدور أن تفسدها الأحقاد، وتعكِّرَ صفوَها الضغائن، التي يتنغَّص بها العيش، وتتكدَّر بها الحياة. وإنَّ تحقيق السعادة في الدنيا يبعث العبد على سلامة نفسه من الأحقاد، ويحثه على الفصل بين حظوظه التي نالها من الحياة، وبين مشاعره تجاه إخوانه، فلا يجعل فشله فيمَا نجح فيه غيره سببًا لتمني الفشل والخسران للناس جميعًا، إذ هو أزكى نفسًا من أن ينظر إلى الأمور نظرة شخصية خاصة، لكنَّه ينظر إلى الصالح العام، مهما فاته من حظوظ الدنيا، لأنه يعلم أنَّ الحَسد داءٌ عُضال، وخصمٌ لا يجتمع مع الإيمان في قلب مؤمن. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم-: “لا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ الإيمانُ والحَسَدُ”. والحسد من أقبح الطباع، وأفسد الأخلاق، ذووه من التراكيب الخبيثة، يُبغِضُون لشدة الحسد كلَّ من أحسن إليهم، إذا رأوه في أعلى من أحوالهم، وهم في حزن وهمّ، لا يذوقون في حياتهم طعمًا للسعادة، ولا يهنأ لهم عيشٌ، ولا تطيب لهم حال، وأنه لا سبيلَ إلى سُرورِ النفسِ وتنعُّمِ القلبِ إلا بالإقبال على الله؛ فإنه لا حُزنَ مع الله أبدًا، فمن كان الله معه فما لَه والحُزن، وإنما الحُزنُ كلُّ الحُزنِ لمن أعرضَ عن الله، فوُكِلَ إلى نفسه وهواه.
* وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان المسلمين بتقوى الله تعالى. قال جل من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحدة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كثيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِه وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
وقال فضيلته: الإمامة أصل عليه استقرت قواعد الملة، وانتظمت به مصالح الأمة، وترتبت عليه أحكام الشرع. وقد شرع الله لكل أمة إماماً أناط به تدبير الدولة، وفوض إليه السياسة، وأوجب عليه العدل، وجعل له على الرعية حق السمع والطاعة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوه إلى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلًا}. وعَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَة رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَة بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِه مَوْعِظَة مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَإِنَّه مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّة الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأمور، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَة بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَة ضَلَالَةٌ» رواه أحمد والترمذي.
وبين أن الله تعالى أمر ولاة أمور المسلمين بأن يؤدوا ما عليهم من الأمانة للرعية، وأن يحكموا بالعدل، وأمر الرعية بأن يسمعوا لهم ويطيعوهم فيما أمروهم أو نهوهم عنه ما لم تكن فيه معصية الخالق، ففي طاعتهم مصلحة الدين والدنيا، وفي مخالفتهم فساد الدين والدنيا، فعَنْ عَبْدِ اللَّه بن عمر رَضِي اللَّه عَنْهُما أن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ، قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَة عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ» رواه البخاري.
ومضى فضيلته قائلاً: ألا وإن لولي الأمر عهداً وبيعة في ذمة الرعية، قد حرم الله نكثه ونبذه، وخيانته وغدره، فأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً. فعن عَبْدالله بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِي الله يَوْمَ الْقِيَامَة لَا حُجَّة لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِه بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَة جَاهليَّةً» رواه مسلم.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي خطبته مشيرًا إلى أن من أعظم الحروب والفتن التي يكيد بها الأعداء زرع الفتنة والاختلاف في الأمة، ألا وإن مساندتهم غدر وخيانة، وضياع للأمانة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أن النَّبِي -صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ- أَنَّه قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَة فَمَاتَ مَاتَ مِيتَة جَاهليَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَة عِمِّيَّة يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ، أو يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَة جَاهليَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ» رواه مسلم.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية ى الله ع ل ی ه و س ل رضی الله عنه ى الله علیه ن الله
إقرأ أيضاً:
من جامع زوجته في نهار رمضان.. لا كفارة عليه في هذه الحالة
لاشك أن من جامع زوجته في نهار رمضان ينبغي أن يتساءل عن مصيره، حيث إن العقوبة وخيمة توجب الانتباه والحذر جيدًا من هذا الفعل، كما ينبغي الوقوف على حكم وكفارة من جامع زوجته في نهار رمضان حتى لا يصل الحال إلى أصعب مآل.
قالت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، إن هناك حالة واحدة لا يفسد فيها صيام من جامع زوجته في نهار رمضان ، ولا تجب عليه الكفارة ولا القضاء.
وأوضحت «البحوث الإسلامية» في إجابتها عن سؤال: «ما حُكم صيام من جامع زوجته ناسيًا في نهار رمضان؟»، أن مجامعة الزوجة في نهار رمضان بواقعة السؤال حيث يوجد حالة النسيان، فإنه لا يُفطر، ولا قضاء عليه ولا كفارة على قول الجمهور.
وأضافت أن ذلك قياسًا على الأكل والشرب ناسيًا، مستشهدة بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
وتابعت: فمن جامع زوجته في نهار رمضان ناسيًا صومه فصومه صحيح على الصحيح من قولي العلماء قياسا على الأكل والشرب حال الصوم نسيانا وقد عفى الشارع عن ذلك واعتبره عذرا لا إثم فيه ولا كفارة، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، والجماع في معنى ذلك.
حكم جماع الصائم لزوجته في نهار رمضانوقالت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، في إجابتها عن سؤال: « ما حكم الشرع في جماع الصائم لزوجته في نهار رمضان؟»، إنه إذا قام المسلم الصائم بمعاشرة زوجته معاشرة جنسية متعمدًا في نهار رمضان بطل صومه ووجب عليه القضاء والكفارة.
واستشهدت بما ورد أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ بِهِ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِكْيَالٌ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا»، قَالَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا -طَرَفَيْهَا- أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَضَحِكَ النَّبَيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».
وأضافت أن كثير من الفقهاء يرون أن هذه الكفارة واجبة على الزوج وحده إذا لم يكن ناسيًا، وتكون الكفارة على الترتيب الذي ذكره الحديث السابق: فيلزمه عتق الرقبة إن استطاع إلى ذلك سبيلًا، فإن لم يستطع فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينًا من أوسط ما يطعم أهله.
كفارة الجماعقال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، إن الجماع عمدًا في نهار رمضان من مبطلات الصوم، بإجماع العلماء، مشيرًا إلى أن من يفعل ذلك فعليه القضاء والكفارة في جميع المذاهب.
وأوضح «جمعة» في فتوى له، أن من يتعمد الجماع في نهار رمضان يبطل صيامه، ويتوجب عليه القضاء والكفارة بإجماع المذاهب الفقهية، منوهًا بأن بعض المذاهب ترى أن الكفارة تكون على الزوج والزوجة معًا، وبعضها يرى الكفارة على الزوج، أما الزوجة فعليها القضاء فقط، وإن كان الاثنان شريكين في الإثم والمعصية.
وذكر أن كفارة الجماع في نهار رمضان هي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أي ستين يومًا متتابعة أو إطعام ستين مسكينًا.
خطأ في كفارة الجماع في رمضانقال الدكتور مجدي عاشور، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن من جامع زوجته في نهار رمضان يجب عليه صيام شهرين متتابعين، منوهًا بأن البعض يستسهل ويخرج الكفارة إطعام 60 مسيكنًا، مشددًا على أنه يجب الصيام شهرين متتابعين، فإذا لم يستطع الصيام لسبب مرضي، وبأمر طبيب، فلك أن تطعم 60 مسكينًا.
وأضاف «عاشور» خلال إجابته عن سؤال: «جامعت زوجتي في نهار رمضان وسألت شيخا فقال لي أطعم 60 مسكينا ..فهل هذا يكفي؟»، قائلًا: «عليك بصيام شهرين متتابعين أنت وزوجتك ولا يجوز لكما الفطر ولو يوم واحد فإذا حدث عليك بإعادة الصيام من البداية».