ألقى الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: إن سعادة القلب، وسرور النفس، وطيب العيش، وصفاء الحياة.. غاية يسعى إليها الناس جميعًا، وهدفٌ ينشده الخلق كافة، وأملٌ يرجو بلوغه العقلاء عامَّةً، فتراهم يعملون كلَّ وسيلة، ويتَّخذون كلَّ سبب، ويركَبُون كلَّ مركَب، يبلغون به هذه الغاية، ويصلون به إلى هذا المراد.

مبيناً أنَّ مَن أنار الله بصيرته، وألهمه رشده، يعلم أن غاية سعادة العبد، واللذة التامة والفرح والسرور وطيب العيش، إنما هو في معرفة الله تعالى وتوحيده، والأُنس به والشوق إلى لقائه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم هو جماع السعادة وأصلها”.
وأشار فضيلته إلى أن آياتِ الكتابِ الحكيم لتُذكِّر أن الاستِمساك بدينِ الله، وطاعته جل في علاه، والاستِقامة على منهَجِه، واتِّباع رِضوانِه وترك معصيته، تضمَنُ التمتُّعَ بالحياة الطيبة في الدنيا، بطمأنينة القلبِ وسُكُون النفسِ، كما قال عز اسمه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أو أنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّه حَيَاة طَيِّبَة وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن من الإحسانِ إلى الخلقِ نفعهم بكل ما يُمكِنُ نفعُهم به، من مالٍ وجاهٍ، وتعليمِ علمٍ نافعٍ، وأمرٍ بمعروفٍ ونهي عن مُنكَرٍ، وصلة وصدقةٍ، وغيرها.. ففي ذلك تأثيرٌ عجيبٌ في شرحِ الصدرِ وسرورِ النفسِ. مشيرًا إلى أن من أعظم ما يدرك به المرء حظَّه من السعادة، وينال به نصيبه من النجاح، التنزُّه عن ذَميم الصفات، ومقبوح الأخلاق، وسلامة الصدر من الأحقاد، وبراءته من الضغائن، وصيانته من الشحناء.
وأوضح الشيخ عبدالله خياط أن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده من المبادئ والمسالك ما يدفع عنهم عوادي الفرقة وبواعث الشحناء، وينشر بينهم السعادة والمحبة والصفاء، ومن ذلك النهي عن التحاسد والتدابر.. فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “لا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، ولا تَدابَروا، وكونوا عِبادَ الله إخوانًا، ولا يَحِلُّ لمُسلِمٍ أنْ يَهجُرَ أخاه فوقَ ثَلاثة أيَّامٍ”. ومن ذلك أيضًا تحريم الغِيبة لكونها ذريعة إلى تكدير صفو النفوس وتغيير القلوب، والنميمة، فقد قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم-: “لا يَدْخُلُ الجَنَّة نَمَّامٌ”، والنمام هو الذي ينقل الحديث بين الناس بقصد إفساد وقطع حبل الود بينهم.
وأكد الشيخ أسامة خياط على الحرص على سلامة الصدور أن تفسدها الأحقاد، وتعكِّرَ صفوَها الضغائن، التي يتنغَّص بها العيش، وتتكدَّر بها الحياة. وإنَّ تحقيق السعادة في الدنيا يبعث العبد على سلامة نفسه من الأحقاد، ويحثه على الفصل بين حظوظه التي نالها من الحياة، وبين مشاعره تجاه إخوانه، فلا يجعل فشله فيمَا نجح فيه غيره سببًا لتمني الفشل والخسران للناس جميعًا، إذ هو أزكى نفسًا من أن ينظر إلى الأمور نظرة شخصية خاصة، لكنَّه ينظر إلى الصالح العام، مهما فاته من حظوظ الدنيا، لأنه يعلم أنَّ الحَسد داءٌ عُضال، وخصمٌ لا يجتمع مع الإيمان في قلب مؤمن. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم-: “لا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ الإيمانُ والحَسَدُ”. والحسد من أقبح الطباع، وأفسد الأخلاق، ذووه من التراكيب الخبيثة، يُبغِضُون لشدة الحسد كلَّ من أحسن إليهم، إذا رأوه في أعلى من أحوالهم، وهم في حزن وهمّ، لا يذوقون في حياتهم طعمًا للسعادة، ولا يهنأ لهم عيشٌ، ولا تطيب لهم حال، وأنه لا سبيلَ إلى سُرورِ النفسِ وتنعُّمِ القلبِ إلا بالإقبال على الله؛ فإنه لا حُزنَ مع الله أبدًا، فمن كان الله معه فما لَه والحُزن، وإنما الحُزنُ كلُّ الحُزنِ لمن أعرضَ عن الله، فوُكِلَ إلى نفسه وهواه.
* وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان المسلمين بتقوى الله تعالى. قال جل من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحدة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كثيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِه وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
وقال فضيلته: الإمامة أصل عليه استقرت قواعد الملة، وانتظمت به مصالح الأمة، وترتبت عليه أحكام الشرع. وقد شرع الله لكل أمة إماماً أناط به تدبير الدولة، وفوض إليه السياسة، وأوجب عليه العدل، وجعل له على الرعية حق السمع والطاعة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوه إلى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلًا}. وعَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَة رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَة بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِه مَوْعِظَة مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَإِنَّه مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّة الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأمور، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَة بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَة ضَلَالَةٌ» رواه أحمد والترمذي.
وبين أن الله تعالى أمر ولاة أمور المسلمين بأن يؤدوا ما عليهم من الأمانة للرعية، وأن يحكموا بالعدل، وأمر الرعية بأن يسمعوا لهم ويطيعوهم فيما أمروهم أو نهوهم عنه ما لم تكن فيه معصية الخالق، ففي طاعتهم مصلحة الدين والدنيا، وفي مخالفتهم فساد الدين والدنيا، فعَنْ عَبْدِ اللَّه بن عمر رَضِي اللَّه عَنْهُما أن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ، قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَة عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ» رواه البخاري.
ومضى فضيلته قائلاً: ألا وإن لولي الأمر عهداً وبيعة في ذمة الرعية، قد حرم الله نكثه ونبذه، وخيانته وغدره، فأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً. فعن عَبْدالله بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِي الله يَوْمَ الْقِيَامَة لَا حُجَّة لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِه بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَة جَاهليَّةً» رواه مسلم.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي خطبته مشيرًا إلى أن من أعظم الحروب والفتن التي يكيد بها الأعداء زرع الفتنة والاختلاف في الأمة، ألا وإن مساندتهم غدر وخيانة، وضياع للأمانة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أن النَّبِي -صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ- أَنَّه قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَة فَمَاتَ مَاتَ مِيتَة جَاهليَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَة عِمِّيَّة يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ، أو يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَة جَاهليَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ» رواه مسلم.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية ى الله ع ل ی ه و س ل رضی الله عنه ى الله علیه ن الله

إقرأ أيضاً:

حديث النبي عن القطط.. ما قصة الصحابي أبو هريرة؟

مسألة تربية القطط واقتنائها في المنزل من الأمور التي باتت محل جدل عقب انتشار مقطع فيديو لأحد الدعاة حول تحريم تربيتها أو الإنفاق عليها، إلاّ أنّ العديد من العلماء في الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، كانوا قد أصدروا فتاوى بجواز تربية القطة، وذلك استناداً لحديث حديث النبي عن القطط، وهو الأمر الذي اتفقت عليه المذاهب الفقهية الأربعة.

حديث النبي عن القطط

وحول حديث النبي عن القطط، فقد أوضحت دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمي، أنَّ القطط تختلف عن الكلاب كونها ليس نجسة، ولم ترد أي أحاديث نبوية عن تحريمها، بل حثت النصوص الشريفة على رعايتها والاهتمام بها، وهي كالتالي:

- عن أبو هريرة رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دخَلَتِ امرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ، ربَطَتْها، فلَمْ تُطْعِمْها، ولَـمْ تَسْقِها، ولَـمْ تُرْسِلْها فتَأْكُلَ مِن خَشَاشِ الأَرْضِ».

وأشارت الإفتاء إلى أنّ الصحابي الجليل عبدالرحمن بن صخر الدوسي، عرف بأبو هريرة، وهو من أكثر الصحابة الذين رووا الأحاديث عن النبي، وكان مرافقا له، وسمي بأبو هريرة، وفقا لما ورد في صحيح البخاري، عن عبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ قال: «قلتُ لأبي هريرةَ لم كُنِّيتَ بأبي هريرةَ ؟ قال: كنتُ أرعى غنمَ أهلي وكانت لي هِرَّةٌ صغيرةٌ فكنتُ أضعُها بالليلِ في شجرةٍ وإذا كان النهارُ ذهبتُ بها معي فلعبتُ بها فكنُّوني أبا هريرةَ»، ولم ينكر عليه النبي رعايته أو تربيته لقطته التي كني بهذا الاسم نسبة لها.

وأوضحت الدار أنَّ القطط طاهرة وذلك باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، والدليل كالتالي:

مِن السُّنَّةِ عن كَبشةَ بنتِ كعب بن مالكٍ: «أنَّ أبا قتادةَ دخل عليها، فسكَبَتْ له وَضوءًا، قالت: فجاءتْ هِرَّةٌ، فأصْغَى لها الإناءَ حتى شرِبتْ، قالت كبشةُ: فرآني أنظُرُ إليه، قال: أَتعجبينَ يا ابنةَ أخي؟ فقلت: نعَمْ، فقال: إنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إنَّها ليست بنَجَسٍ؛ إنَّها مِنَ الطَّوَّافينَ عليكم والطَّوَّافات».

حكم تعقيم القطط

وحول حكم تعقيم القطط، أوضح الأزهر الشريف، أنّ إجراء عملية التعقيم للقطط أو للكائنات الحية الأخرى بغرض منعها من التكاثر هو أمر محرم شرعًا، ويعد اعتداء عليهم وانتهاك لهم، إلاّ في حالة واحدة، وهي أنّه عند انعدام الحلول، وبالتالي فيجوز عند الضرورة القصوى تعقيمها حفاظا عليها من الأذى، في حال تم تركها في الشارع دون رعاية.

مقالات مشابهة

  • ليطمئن قلبك
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • حديث النبي عن القطط.. ما قصة الصحابي أبو هريرة؟
  • افتتاح الأسبوع الثقافي بـ «أوقاف القليوبية» بعنوان «الحياء شعبة من الإيمان»
  • إسناد غزة صفحة ناصعة ليمن الإيمان والوفاء .. “ليس كمثله شعب” …
  • تفسير حلم رؤيا النبي في المنام وفقا لابن سيرين.. بشائر ودرجات الإيمان
  • تفاصيل خطبة الجمعة المقبلة لوزارة الأوقاف.. «وأَخَذْنَ منكم مِيثاقا غليظا»
  • نقيب القراء عن تقبيل مُستمع لقدم الشيخ حجاج الهنداوي: القارئ ليس عليه مساءلة
  • كيف يرد الله روح الرسول عند السلام عليه؟
  • حزب الله يقصف قيادة لواء ومرابض مدفعية وانتشارا لجنود العدو بصواريخ فلق والكاتيوشا