مكة المكرمة

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط ، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته “إن سعادة القلب، وسرور النفس، وطيب العيش، وصفاء الحياة: غايةٌ يسعى إليها الناس جميعًا، وهدفٌ ينشده الخلق كافة، وأملٌ يرجو بلوغه العقلاء عامَّةً، فتراهم يعملون كلَّ وسيلة، ويتَّخذون كلَّ سبب، ويركَبُون كلَّ مركَب، يبلغون به هذه الغاية، ويصلون به إلى هذا المراد، مبيناً إنَّ مَن أنار الله بصيرته وألهمه رشده، يعلم أن غاية سعادة العبد، واللذة التامة والفرح والسرور وطيب العيش، إنما هو في معرفة الله تعالى وتوحيده، والأُنس به والشوق إلى لقائه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم هو جماع السعادة وأصلها”.


وأشار فضيلته إلى أن آياتِ الكتابِ الحكيم لتُذكِّر أن الاستِمساك بدينِ الله، وطاعته جل في علاه، والاستِقامة على منهَجِه، واتِّباع رِضوانِه وترك معصيته، تضمَنُ التمتُّعَ بالحياةِ الطيبة في الدنيا، بطُمأنينة القلبِ وسُكُون النفسِ، كما قال عز اسمه : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن من الإحسانِ إلى الخلقِ نفعهِم بكل ما يُمكِنُ نفعُهم به، من مالٍ وجاهٍ، وتعليمِ علمٍ نافعٍ، وأمرٍ بمعروفٍ ونهي عن مُنكَرٍ، وصلةٍ وصدقةٍ، وغيرها، في ذلك تأثيرٌ عجيبٌ في شرحِ الصدرِ وسرورِ النفسِ،. مشيراً إلى أن من أعظم ما يدرك به المرء حظَّه من السعادة، وينال به نصيبه من النجاح، التنزُّه عن ذَميم الصفات، ومقبوح الأخلاق، وسلامة الصدر من الأحقاد، وبراءته من الضغائن، وصيانته من الشحناء.
واوضح الشيخ عبدالله خياط أن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده من المبادئ والمسالك، ما يدفع عنهم عوادي الفرقة وبواعث الشحناء، وينشر بينهم السعادة والمحبة والصفاء، ومن ذلك النهي عن التحاسد والتدابر، عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “لا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، ولا تَدابَروا، وكونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، ولا يَحِلُّ لمُسلِمٍ أنْ يَهجُرَ أخاه فوقَ ثَلاثةِ أيَّامٍ”، ومن ذلك أيضًا تحريم الغِيبة لكونها ذريعةً إلى تكدير صفو النفوس وتغيير القلوب، والنميمة، فقد قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم-: “لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ”، والنمام هو الذي ينقل الحديث بين الناس بقصد إفساد وقطع حبل الود بينهم.
وأكد الشيخ أسامة خياط على الحرص على سلامة الصدور أن تفسدها الأحقاد، وتعكِّرَ صفوَها الضغائن، التي يتنغَّص بها العيش، وتتكدَّر بها الحياة. وإنَّ تحقيق السعادة في الدنيا، يبعث العبد على سلامة نفسه من الأحقاد، ويحثه على الفصل بين حظوظه التي نالها من الحياة، وبين مشاعره تجاه إخوانه، فلا يجعل فشله فيمَا نجح فيه غيره، سببًا لتمني الفشل والخسران للناس جميعًا، إذ هو أزكى نفسًا من أن ينظر إلى الأمور نظرةً شخصيةً خاصة، لكنَّه ينظر إلى الصالح العام، مهما فاته من حظوظ الدنيا، لأنه يعلم أنَّ الحَسد داء ٌ عُضال، وخصمٌ لا يجتمع مع الإيمان في قلب مؤمن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم-: “لا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ الإيمانُ والحَسَدُ”، والحسد من أقبح الطباع، وأفسد الأخلاق، ذووه من التراكيب الخبيثة، يُبغِضُون لشدة الحسد كلَّ من أحسن إليهم، إذا رأوه في أعلى من أحوالهم، وهم في حزن وهمّ، لا يذوقون في حياتهم طعمًا للسعادة، ولا يهنأ لهم عيشٌ، ولا تطيب لهم حال، وأنه لا سبيلَ إلى سُرورِ النفسِ وتنعُّمِ القلبِ، إلا بالإقبالِ على الله؛ فإنه لا حُزنَ مع الله أبدًا، فمن كان الله معه فما لَه والحُزن، وإنما الحُزنُ كلُّ الحُزنِ: لمن أعرضَ عن الله، فوُكِلَ إلى نفسه وهواه
وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان المسلمين بتقوى الله تعالى قال جل من قائل ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) .
وقال فضيلته : الإمامة أصل عليه استقرت قواعد الملة، وانتظمت به مصالح الأمة، وترتبت عليه أحكام الشرع، وقد شرع الله لكل أمة إماماً أناط به تدبير الدولة، وفوض إليه السياسة، وأوجب عليه العدل، وجعل له على الرعية حق السمع والطاعة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ, فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلًا} ، وعَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رواه أحمد والترمذي.
وبين إن الله تعالى أمر ولاة أمور المسلمين بأن يؤدوا ما عليهم من الأمانة للرعية، وأن يحكموا بالعدل، وأمر الرعية بأن يسمعوا لهم ويطيعوهم فيما أمروهم أو نهوهم عنه مالم تكن فيه معصية الخالق، ففي طاعتهم مصلحة الدين والدنيا، وفي مخالفتهم فساد الدين والدنيا، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ» رواه البخاري
ومضى فضيلته قائلاً : ألا وإن لولي الأمر عهداً وبيعة في ذمة الرعية قد حرم الله نكثه ونبذه، وخيانته وغدره، فأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً، فعن عَبْداللهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي خطبته مشيراً إلى أن من أعظم الحروب والفتن التي يكيد بها الأعداء زرع الفتنة والاختلاف في الأمة، ألا وإن مساندتهم غدر وخيانة، وضياع للأمانة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ»، رواه مسلم.

المصدر: صحيفة صدى

كلمات دلالية: المسجد الحرام المسجد النبوي خطبة الجمعة إمام وخطیب المسجد رضی الله عنه ى الله علیه ى الله ع ن الله

إقرأ أيضاً:

خطبتا الجمعة بالحرمين: من أمارات قبول العمل الصالح المداومة على الطاعة.. وزكاة الفطر طهرة للصائمين

ألقى الشيخ الدكتور ياسر بن راشد الدوسري خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال: إن الله تعالى شرعَ لنا صيامَ شهرِ رمضان، وجعلَهُ موسمًا لنزولِ الرحماتِ والغفران، ويُدعى أهلُ الصيامِ يومَ القيامةِ منْ بابِ الرَّيان. وخيرُ مَنِ اعتكف وقامَ وصامَ – صلى الله وسلم وبارك عليه- وعلى آلهِ وأصحابهِ البررةِ الكرامِ، والتابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ، فإنَّ الدنيا لا يدومُ نعيمُها، ولا تُؤمنُ فجائعُها، غرورٌ حائل، وسِنادٌ مائل، واغتنموا أعماركُم في صالحِ الأعمالِ، فما أسرعَ ما تمضي الليالي والأيامُ، وما أعجلَ ما تتصرمُ الشهورُ والأعوامُ، والفرصُ تفوتُ، والأجلُ موقوتٌ، والإقامةُ محدودةٌ، والأيامُ معدودةٌ، وكلُّ شيءٍ بأجلٍ مسمَّى، وتزودوا فإنَّ خيرَ الزادِ التقوى.
وأبان أن شهر رمضانُ شارف على الارتحالِ، وقَرُبَ منَ الزوالِ، وأذِنَ بساعةِ الانتقالِ؛ فما أسرعَ خُطاه، وما أقصرَ مداه، بالأمسِ استقبلناه بفرحٍ واشتياقٍ، وها نحنُ نودعُه بدموعٍ تملأ المَآقِ، فيا منْ كنتم في سِباقٍ قد دنا موعدُ الفِراقِ، فمنْ كان محسنًا فيما مضى، فليُحسنْ فيما بقي، ومنْ كان مقصّرًا فالتوبةُ بابُها مفتوحٌ، وفضلُ الله على عبادهِ ممنوحٌ، وليُسارعْ إلى الطاعاتِ، وليُسابقْ إلى القُرباتِ، فالأعمالُ بالخواتيم، والعبرةُ بكمالِ النهاياتِ، لا بنقصِ البداياتِ، والسعيدُ مَنْ كتبَهُ اللهُ في عدادِ المقبولين، قبلَ أنْ يُغلقَ البابُ، ويُرفعَ الكتابُ، فتصيبَهُ نفحةٌ منْ تلكَ النفحاتِ، وينجو منَ النارِ وما فيها منَ اللفحات، فيا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، فإن لِلَّهِ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فما أشدَّ الحسرةَ على منْ أدركَ رمضانَ ولم يُغفرْ له، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ”، فراقبُوا قلوبَكُم وتفقدوهَا في ختامِ رمضان، فإنْ وجدْتُم فيها حنينًا للطاعةِ فاحمدوا اللهَ، فإنها علامةُ القَبولِ، وإنْ وجدْتُم فيها فتورًا وغفلةً، فاحزنوا على أنفسِكُم وابكوا عليها، وحاسِبُوا أنفسَكُم قبلَ أنْ تحاسبوا.
وأشار إلى أنه منْ أماراتِ قَبولِ العملِ الصالحِ إيقاعَ الحسنةِ بعد الحسنةِ، والمداومةَ على الطاعةِ، فإنَّ الثباتَ على العبادةِ منْ سماتِ الأوابين، وصفاتِ المُنيبين، فإذا أذنَ الموسمُ بالرحيلِ، وباتَ يَعُدُّ أيامَهُ، ويقوِّضُ خيامَهُ، ثبتوا على العهدِ، ووَفَوا بالوعدِ، وهذا هو حالُ المؤمنِ كلما فرغَ منْ عبادةٍ أعقبَها بأخرى، امتثالًا لأمرِ ربهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}، فالعبدُ ليس له منتَهى منْ صالحِ العمَلِ إلا بحلولِ الأجلِ، فالثباتَ الثباتَ تبلغُوا، والعمرُ قصيرٌ، والموعدُ قريبٌ، والسعيدُ منِ اغتنمَ الحياةَ قبلَ المماتِ، فأحسنوا الخِتامَ، واجعلوا ما بقِيَ منه مطيّةً إلى الرضوان، واستحِثُّوا النفوسَ في المسرَى لتبلُغَ الجِنان.
وأوضح أنَّ منْ توفيقِ اللهِ تعالى للعبدِ أنْ يخرجَ منْ رمضان بحالٍ أفضلَ مما دخلَ فيهِ، فيودعهُ وقد خلصَ توحيدهُ، وزادَ إيمانهُ، وقوي يقينهُ، وزكتْ نفسهُ، واستقامتْ حالهُ، وصلحتْ أعمالهُ، وتهذبتْ أخلاقه، وكان َممنِ اتقى اللهَ حقَّ تقاته، مشيراً أنَّه منْ أجلِ الطاعاتِ، وأعظمِ القُرباتِ في ختامِ شهرِ رمضان؛ الدعاءَ، فهو ديدنُ المؤمنِ في السراءِ والضراءِ، فإنَّ الدعاءَ في ختامِ الأعمالِ سببٌ للقَبولِ، وهو سلاحُ المؤمنِ، وحبلٌ بين العبدِ وربهِ موصولٌ، والله كريمٌ جوادٌ وهو خيرُ مسؤول.
وحث على التوبة، وحسن الظن بالله تعالى، والحمد على بلوغِ الختامِ، وسؤاله تعالى قَبولَ الصيامِ والقيامِ، والعزم على المُحافظةِ على الطاعاتِ ما بَقِيتُم، والبعدِ عنِ المعاصِي ماحييتم.
وأفاد بأنَّ منْ تمامِ التوفيقِ والشكرِ، ومنْ أعظمِ ما يُختم به هذا الشهر، أداءَ زكاةِ الفطرِ، التي جعلَهَا اللهُ طُهرةً للصائمين، وطُعمةً للمساكين، وقُربةً لربِّ العالمين، فعنِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، وهي واجِبةٌ على القادرِ عن نفسِه وعمنْ يعُولُ، ويبدأُ وقتُها منْ غروبِ شمسِ آخِر يومٍ منْ رمضان، وينتهِي بصلاةِ العيدِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما قَالَ: مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَات. كما يجوزُ إخراجُهَا قبلَ ذلكَ بيومٍ أو يومين، ومِقدارُها: صاعٌ من طعامٍ منْ غالبِ قُوتِ البلد؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ”، فطيبوا بها نفسًا، وأخرجوهَا كاملةً غيرَ منقوصةٍ، واختارُوا أطيبَها وأنفَسَها وأنفعَها للفقراءِ.
وأشار إلى إنه يشرعُ التكبيرُ ليلةَ العيدِ وصَبيحَتَهُ، تعظيماً للهِ سبحانهُ وتعالى، وشكرًا لهُ على هدايتهِ وتوفيقهِ، قالَ اللهُ تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، مبينًا أنَّ صلاةَ العيدِ منْ شعائرِ الدِّين، فأدُّوها مع المُسلمين، واخرجوا إليها متطيِّبينَ متجمِّلين، ولأولادِكُم ونسائِكم مُصطحبينَ.
ويُسنُّ الأكلُ يومَ الفطرِ قبلَ الخروجِ لصلاةِ العيدِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. وأتبعوا رمضانَ بصوم ستٍ من شوالٍ، فذلكَ صيامُ الدهرِ، كما أخبرَ سيدُ الأنامِ، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ”.
ودعا إلى الالتزام بطريقَ الاستقامةِ، فلستُمْ بدارِ إقامةٍ، واعلموا أنَّهُ بهذا العمرِ اليسيرِ يُشترَى الخلودُ في الجنانِ، والبقاءُ الذي لا ينقطعُ بوعدِ الرحمن، ومَنْ فرَّطَ في حياتِهِ باءَ بالخسران، فعلى العاقلِ أنْ يعرفَ قدرَ عمرهِ، وأنْ ينظرَ لنفسهِ في أمرهِ، فالسعيدُ مَنْ عمرَ وقتَهُ باستصلاحِ آخرتِهِ.
* وفي المسجد النبوي الشريف ألقى الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي خطبة الجمعة اليوم، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، من تمسك بأسبابها نجا.
وقال: إن شهركم الكريم قد تقلّصتْ بُسُط ظلالِه، ودقّ حاجبُ هلالِه، واحمرّت شمسُ أصيلِه، وآذَنَتْ ساعةُ رحيلِه، ولكن رياض الخيرات فيه لا تزال زاهرة، وموارد الرحمات ثَرَّةٌ زاخرة، ومن استأنف الفضائل حرص على تتميمها، وقد قال نبيكم – صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بخواتيمها)، إن بلوغ أواخر هذا الشهر الكريم وإدراك خواتيمه من عظائم الآلاء، وسوابغ النعماء، كما أشار لذلك ربنا في محكم كتابه بقوله: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فحقيق بمن أدرك هذه الساعات الشريفات والليالي المباركات أن يُكثر اللهج بشكر الله على نعمة الهداية للإسلام، وعلى منّة حسن التمام.
ومضى قائلًا: إن هذا الإسلام دين رباني حكيم، وتشريع متوازن عظيم، شرعت فيه العبادات والطاعات تهذيبًا للمؤمن وإصلاحًا، وقصدًا إلى تزكية النفس وتقويمها، وإن من مقاصد تلكم التشريعات الربانية في العبادات؛ تحقيق معنى العبودية الخالصة للخالق سبحانه، امتثالًا لأمر الله وانقيادًا، وحبًا واتباعًا، فلا يُعجب المؤمن بعمله ولا يُعوّل عليه، ولا يتعاظمه ولا يلتفت إليه، بل يستصغره ويستقله شهودًا لحق الله عليه، وملاحظة لعيب نفسه ورؤية لضعفه ونقصان عمله، ولذلك المعنى العظيم شرع الاستغفار خاتمًا للأعمال الصالحة، وطابعًا عليها، فإن الفضل لله على العبد المؤمن ممتد من حين توفيقه للعمل الصالح وإعانته عليه، ثم كمال المنة عليه بقبوله منه، فإن المؤمن يجتهد في شهر رمضان بأنواع الطاعات وأصناف القربات، حتى إذا وافى أواخره متحرّيًا ليلة القدر يسأل الله العفو كالمسيء المقصر.
ودعا فضيلته إلى الإكثار مع اللهج بشكر الله والثناء عليه على نعمة بلوغ أواخر هذا الشهر باستغفاره وسؤاله العفو، واستحضار معاني توفيق الله لكم ومنته عليكم وتقصيركم في حقه وتفريطكم في جنبه، تحقيقًا لمعنى حقيقة العبودية التي تجمع بين كمال الحب وكمال الانكسار. وبين فضيلته أن من معالم كمال دين الإسلام، ومظاهر إنسانيته ورحمته أن شرع زكاة الفطر في خواتيم هذا الشهر الكريم ترسيخًا للمعاني الإنسانية، وتوثيقًا لعرى الأخوة الإيمانية، تكاملًا وتكافلًا، وتراحمًا وتواصلًا، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي حاثًا المسلمين على المسارعة في إخراج زكاة الفطر بطيبةِ نفسٍ، منشرحة بها صدوركم، عبودية لربكم وسدًّا لحاجة إخوانكم قبل عيدكم، وتهيؤوا لعيد فطركم المجيد شاكرين الله حسن التمام والهداية للإسلام، وانعموا بما أهل الله عليكم في هذه البلاد المباركة من سحائب الرحمات، وأهال من كتائب البركات، وأسبل من ذوائب الخيرات، أمنًا وإيمانًا و اجتماعًا ورخاءً.

مقالات مشابهة

  • لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجائعها.. خطيب المسجد الحرام: اغتنموا أعماركم
  • الحرمين الشريفين يشهدان تدفقًا مليونيًا في الجمعة الرابعة من رمضان
  • خطيب المسجد الحرام: من علامات قبول العمل الصالح وقوع الحسنة تلو الأخرى
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: من أمارات قبول العمل الصالح المداومة على الطاعة.. وزكاة الفطر طهرة للصائمين
  • خدمات خاصة لكبيرات السن وذوات الإعاقة في المسجد النبوي الشريف
  • “الهلال الأحمر” بالمدينة المنورة يعيد النبض لمعتكف بالمسجد النبوي
  • إعادة النبض لمعتكف تعرض لنوبة قلبية في المسجد النبوي الشريف
  • هكذا بدا الحرمان والمسجد الأقصى في ليلة القدر (شاهد)
  • إمام الحرم عبدالرحمن السديس ودعاء للفلسطينيين ليلة 27 رمضان يثير تفاعلا
  • "طيران الأمن" لسلامة المعتمرين والزوار في المسجد النبوي الشريف