إن كل الانبياء والرسل كانت معجزاتهم لقومهم فقط ولا تلزم غيرهم بأن يؤمنوا بها دون أن يروها وبأن يفهموها إلا النبي الخاتم الذي يتميز بمعجزة خالدة قائمة حية بعده تخاطب كل العقول في كل العصور.. وكلما تقدم الإنسان في علمه وجد القرآن أمامه مثل ظله وكأن الرسول الخاتم جالس معه بلحمه ودمه، ومن ثم كان الإسلام جامعا ومانعا وصالحا لكل زمان ومكان ويبقى القرآن مهيمنا على كل الأديان لأنه يخاطب كل إنسان في كل زمان ومكان كما سنحاول أن نبين ذلك بأمثلة واضحة في هذه السطور إن شاء الله !وأن من جنود الله الذين يخدمون دينه الحق دون أن يشعروا بذلك، بل ربما هم يقصدون عكس ذلك !! وينطبق عليهم قوله تعالى: "وما يعلم جنود ربك إلا هو" (النجم /31)

فقد أفادنا علماء الغرب في مراكز الأبحاث العلمية المتقدمة بتقليص المسافات الزمنية والمكانية وتوفير الملايين بالعملة الصعبة والسهلة على الباحثين المسلمين ليتفرغوا لتعقب تلك الاكتشافات والاختراعات المعلن عنها في كل حين من مصادرها الأصلية الموثوقة والموثقة.

.. ثم البحث في المقابل عن الآيات القرآنية المبعرة  التي تنطبق عليها بشكل معجز، لا يدع مجالاً للشك بأن القرآن كلام الله المنزل على قلب نبيه الأمي محمد ﷺ وأن الإسلام هو دين الحق كما ورد في كتابه العزيز: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" (التوبة (33).. وأن الادعاء الساذج لهؤلاء "الدنيويين" الجاحدين لنزول الوحي واتهام الرسول الأعظم ﷺ بانتحال كتابة القرآن الكريم مع إقرارهم بأميته الشريفة، فإنهم بهذا الادعاء الغبي الذي يهدفون من ورائه إلى إنكار النبوة عليه، فيرفعونه من حيث لا يدرون إلى درجة الألوهية التي يتبرأ هو نفسه منها بنص ما ورد على لسانه من تبليغ حكيم بأنه لا يعلم الغيب "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير"، (الأعراف / 188) و"قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولا"(الإسراء /93) !!

وذلك لكون التنزيل الحكيم والمعجز المثبت بين دفتي المصحف لا يصدر إلا عن خالق هذا الكون الخبير العليم بخبايا كل شيء. ولابد أن نشير هنا إلى أن ما نسميه بالمعجزة الخالدة يعني بالضرورة أن القرآن يظل معجزا بنصه لكل العقول البشرية في كل عصر حتى قيام الساعة، وهو الخليفة الأبدي لخاتم النبيين محمد ﷺ بصفته آخر الأنبياء من جهة، ولكون القرآن الكريم هو معجزته الوحيدة المقصودة بذاتها في دعوته وتبليغ رسالته إلى العالمين، كما هو معلوم من جهة أخرى "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" (النساء / (165)، وقوله تعالى أيضا: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (الإسراء/15) وحتى يكون القرآن هو الرسول الحي الناطق بكل اللغات الناقلة عن لغة الوحي المعصوم والمحفوظ من كل تحريف وتزييف، مصداقا لقوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر / (9)، كما أن القول بالإعجاز العلمي في القرآن لا يعني إطلاقا أنه كتاب فيزياء أو كيمياء أو علوم طبيعية أو تاريخ أو جغرافيا أو جيولوجيا أو فلك أو ما شابه ذلك، ولكننا في الوقت ذاته ندعو أي عالم في هذه التخصصات العلمية والمدرسية وغيرها إلى أن يجد تناقضا ولو صغيرا بين ما هو منصوص عليه في القرآن صراحة وما ثبتت صحته بالتجربة في مجال العلوم الدقيقة المذكورة وغير المذكورة..

القرآن بهذا المعنى ليس كتابا علميا مدرسيا أو جامعيا كما يتوهم بعض السذج المجادلين بغير علم، وإنما هو كتاب محكم فيه إشارات إلى هذه المجالات وغيرها مما هو معروف وما لم يعرف بعد مصداقا لقوله تعالى العليم الخبير "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" !!وهذه الحقيقة هي نفسها التي أكدها أيضا العالم والطبيب الفرنسي الدكتور "موريس بوكاي في كتابه الموضوعي المقارن وهو الباحث النصراني (بين العلم والتوراة والإنجيل والقرآن) الذي أثبت فيه التناقض الصارخ مع الحقائق العلمية والتاريخية بالنسبة للكتابين الأولين "المحرفين" إلا القرآن الكريم الذي يعترف بكل موضوعية وتجرد وشجاعة وهو الطبيب الكاثوليكي أنه لم يجد فيه أي تناقض كما قلنا، ومن ذلك ـ مثلا ـ تأكيده ما ورد فيه عن فرعون موسى الذي مات غرقا كما أثبت ذلك من تحليل موميائه المعروضة في المتحف المصري، وهذا مصداقا لقوله تعالى: "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية" (يونس (92)، وهو ما دعاه إلى إعلان إسلامه في أخريات حياته كما يقال وانا اعرفه شخصيا في ملتقيات الفكر الإسلامي في الجزائر وسألته مرارا عن اعتناقه للإسلام ولكني لم اجد منه جوابا صريحا مقنعا لي بصحة ذلك (وهذه شهادة أقولها للتاريخ ومن عنده قول آخر موثق فليفدنا به والرجل الآن عند ربه !!) وهو عكس الدكتور رجاء جارودي رحمه الله الذي كان يصلي معنا في كل ايام الملتقى !؟

إذن فالقرآن بهذا المعنى ليس كتابا علميا مدرسيا أو جامعيا كما يتوهم بعض السذج المجادلين بغير علم، وإنما هو كتاب محكم فيه إشارات إلى هذه المجالات وغيرها مما هو معروف وما لم يعرف بعد مصداقا لقوله تعالى العليم الخبير "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" !!

وقد حدث ذلك حقا وصدقا على امتداد العصور المتتالية لنزول القرآن والأمثلة بالعشرات حتى الآن كما هي مثبتة وموثقة من باحثين وعلماء (مسلمين وغير مسلمين) في المؤتمرات العالمية للإعجاز العلمي المنعقدة تباعا في النصف الأخير من القرن الماضي وحتى الآن.. في أن ما فيه من إشارات عامة إلى حقائق الكون وأصل الوجود والخلق  كـ "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت" (الغاشية /2017) و"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة، إن الله على كل شيء قدير"، العنكبوت / (20).. إلى غير ذلك من مئات الأمثلة لم يحدث أن تناقضت هذه الآيات في أية جزئية من جزئياتها مع ما اكتشفه العلم التجريبي في أي مجال من مجالات الحياة المعرفية القطعية الصحة والثابتة حتى الآن، مما
يجعلها معجزة للعلماء بصفة خاصة، وهم ورثة الأنبياء المكلفون بتبليغها للناس وكأنها وقعت في اليوم الذي اكتشفت فيه مهما يكن عصر ومصر هذا الاكتشاف حاضرا أو مستقبلا !!

وهو ما يعطي صفة الديمومة والتجدد لهذه المعجزة عبر كل العصور، لأن القرآن لا تنتهي عجائبه كما هو معلوم في إظهار حقائقه مع التطور البشري تمشيا مع كل الاكتشافات التي يعترف أهلها دائما وبكل تواضع أنهم ما يزالون يسبحون على ضفاف بحر العلم لمعرفة ما في هذا الكون من قوانين وعجائب المخلوقات، وأن ما يعرفونه منه لا يتجاوز النزر اليسير مما يجهلونه !!

ومن آيات هذا القرآن العجيبة حقا والتي تؤكد هذا القول، أنها تأتي في لفظها الواحد جامعة للعديد من المعاني التي تصلح لمخاطبة العقل البشري حسب تطوره في الزمان، مثل الإشارة الضمنية إلى كروية الأرض: " والأرض بعد ذلك دحاها" (النازعات (30) و"الأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج" (ق 7) والتي تعني بكل تأكيد عند التمعن فيها أن الأرض كروية الشكل، لأنها في كل مكان ممدودة أمام البصر، وهو ما يعني بالضرورة انتفاء وجود حواف لها، ولا شك أن امتداد الشيء مع خلوه من الحواف لا يكون إلا في الشكل الكروي، وبهذا خاطب القرآن كما هو واضح كل العقول في كل العصور بالحقيقة كما هي دون تناقض، وأننا نجزم أنه لو صرّح القرآن في أول وهلة للبدوي العربي الأمي في الثلث الخالي أن الأرض مستديرة (كالبطيخة) لما دخل أحد من هؤلاء في الإسلام وقتها لأن مثل هذا القول الصريح قبل اختراع التليسكوب في القرن السادس عشر يتناقض مع المشاهدة الحسية المباشرة تناقضا صارخا !!

كل إنسان مهما يؤت من العلم والمعرفة باللغة العربية يجد في القرآن ما يثبت له بالملاحظة والتجربة أن ما أخبر به النبي الأمي ﷺ حق وكأنه نزل اليوم على العالم المكتشف لأية حقيقة من حقائقه التي لا حصر لهاومثلها أيضا آية الحديد المبهرة حقا و"أنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز"، الحديد (25) التي تعني الخلق والإنزال في الوقت نفسه، ولقد ظل المفسرون منذ 14 قرنا يشرحونها بالخلق إلى الثمانينيات من القرن العشرين، عندما أثبت العلماء من غير المسلمين أن كل ذرة من ذرات الحديد الموجود في جسم الإنسان (داخل الكريات الحمراء) وفي باطن الأرض وكل طبقاتها، هو منزل من مسافة تقدر بملايير السنوات الضوئية، حيث تكون في حرارة تقاس بمئات الملايين من الدرجات، وبهذا يأتي العلم التجريبي ليؤكد المعنى الحرفي الثاني للآية، دون أن يتناقض مع المعنى الأول، السائد منذ قرون في لسان العرب، وفي التفاسير المختلفة (...).

ولهذا الغرض نجد القرآن يزخر بهذه الآيات الحمالة الأوجه والمعاني دون تناقض، والتي يمكن أن تكتب عشرات المجلدات حولها في ضوء ما أثبته التطور العلمي لبعض معانيها في الوقت الحاضر، وهو ما نحن بصدد الإشارة إليه هنا .(للتذكير فقط وليس للحصر لأن المجال لايقبل الحصر ابدا وان القران لا تنتهي عجايبه ولا يخلق عن كثرة الرد الى قيام الساعة !!؟)

وبهذا يكون كل إنسان مهما يؤت من العلم والمعرفة باللغة العربية يجد في القرآن ما يثبت له بالملاحظة والتجربة أن ما أخبر به النبي الأمي ﷺ حق وكأنه نزل اليوم على العالم المكتشف لأية حقيقة من حقائقه التي لا حصر لها كما قال تعالى: "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا" (الكهف/109) .

وهكذا فتح القرآن الكريم عهدا جديدا في تاريخ الإنسان عن طريق العلم الذي تعد "القراءة" أولى خطواته ثم تليها الخطوة الثانية وهي الكتابة وأداتها القلم، وليس هناك وسيلة أو أداة في مستوى أهمية القراءة والكتابة لتحصيل العلم وتحصينه ونقله إلى الأجيال، ومن ثم وقع التنبيه عليهما من أول نزول الرسالة كعنوان عليها .

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير القرآن العالمين علاقة العالم القرآن تفسيرات سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القرآن الکریم فی القرآن وهو ما

إقرأ أيضاً:

من أشد الكبائر.. دار الإفتاء تحذر من قراءة القرآن بهذه الطريقة

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم الشرع في القيام بعمل مقاطع لآيات من القرآن الكريم مصحوبة بموسيقى الروك آند رول، البوب، الفانك، التكنو؟، بدعوى جذب الأجيال الجديدة المنغمسة في حب هذا اللون من الموسيقى لسماع القرآن، وتحسين قدرة الشباب على تذكر آيات القرآن الكريم، وتحفيز مشاعر الخشوع والروحانية، والتنويع في أساليب التلاوة". 

لترد دار الإفتاء موضحة: أن القيام بعمل مقاطع لآيات من القرآن الكريم مصحوبة بأي نوع من أنواع الموسيقى أو الاستماع إليها أو الترويج لها أو الإسهام في نشرها من أشد الكبائر المقطوع بحرمتها شرعًا.

وتواتر فقهاء الإسلام عبر القرون على الإنكار الشديد على هذا الصنيع الذي يخلط فيه قراءة القرآن بالآلات الموسيقية؛ لكون ذلك مشعِرًا بالاستخفاف بالقرآن العظيم الذي هو أرفع من أن تشتمل القراءة على شيء من الإيقاعات أو الآلات.

القرآن الكريم هدايةٌ ونورٌ ورحمةٌ للناس
أنزل الله تعالى القرآن الكريم هدايةً ونورًا ورحمة للناس؛ لينالوا به أكمل السعادات في الأولى والآخرة، وأمرهم بتدبر آياته، والانتفاع بها، وإقامة حدودها، وأراد لهم أن يكون حظهم منها شغاف القلوب، لا مقارع الأسماع.

وأنزله الله تعالى معجزًا في أوجه مختلفة من الإعجاز: في نظمه وكتابته، ومن أبرز أوجه إعجازه اللفظية: إعجاز جرسه و"موسيقاه"، وكل هذا مقرون به، نُقِل إلينا جيلًا بعد جيل.

قال الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2/ 422، ط. دار ابن كثير): [كيفية قراءة القرآن قد بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلا إلى العصر الكريم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] اهـ، والمحافظة على هذه الكيفية من غير تحريف من جملة أمانة الحفاظ على القرآن، والإخلال بها ضرب من خيانة الأمانة.

حكم قراءة القرآن مصحوبا بالآلات الموسيقية ونصوص الفقهاء الواردة في ذلك
لا شك أن إدخال ألوان الآلات وأنواع الموسيقى المختلفة هو لون من ألوان الإخلال بالكيفية والهيئة المتواترة لنقل كتاب الله، يخرج الاستماع إلى آيات القرآن الكريم من مقصوده -وهو الاهتداء- إلى مقاصد أُخَر من اللهو أو الجنون الذي لا تقره الشريعة.

وتواتر فقهاء الإسلام عبر القرون على الإنكار الشديد على هذا الصنيع الذي يخلط فيه قراءة القرآن بالآلات الموسيقية؛ لكون ذلك مشعِرًا بالاستخفاف بالقرآن العظيم الذي هو أرفع من أن تعضد موسيقاه الذاتية بشيء من الإيقاعات أو الآلات، ولما في ذلك من تعريضه لابتذال الغناء واللهو، قال الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/ 300، ط. دار المعرفة): [الألحان الموزونة تعضَّدُ وتؤكَّد بإيقاعات وأصوات أُخَر موزونة خارج الحلق كالضرب بالقضيب والدف وغيره؛ لأن الوجد الضعيف لا يستثار إلا بسبب قوي. وإنما يقوى بمجموع هذه الأسباب ولكل واحد منها حظ في التأثير.

وواجب أن يصان القرآن عن مثل هذه القرائن؛ لأَنَّ صورتها عند عامة الخلق صورة اللهو واللعب، والقرآن جِدُّ كله عند كافة الخلق، فلا يجوز أن يمزج بالحق المحض ما هو لهوٌ عند العامة وصورته صورة اللهو عند الخاصة، وإن كانوا لا ينظرون إليها من حيث إنَّها لهو بل ينبغي أَنْ يوقر القرآنُ.. ولا يقدر على الوفاء بحق حرمة القرآن في كل حال إلا المراقبون لأحوالهم.. ولذلك لا يجوز الضرب بالدف مع قراءة القرآن ليلة العرس] اهـ.

بل عدُّوا ذلك الأمر من عظائم الكبائر، قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (5/ 131، ط. دار الكتاب الإسلامي) -وهو يَعُدُّ ما قد يخرج المرء من الدين بالكلية-: [وبقراءة القرآن على ضرب الدف أو القضيب] اهـ.

وقال الإمام الإسنوي في "المهمات في شرح الروضة والرافعي" (8/ 293، ط. مركز التراث الثقافي المغربي): [وفي كتب أصحاب أبي حنيفة اعتناء تام بتفصيل الأقوال والأفعال المقتضية للكفر، وأكثرها مما يقتضي إطلاق أصحابنا الموافقة عليه، فمنها: إذا قال: لو أعطاني الله تعالى الجنة ما دخلتها كفر، وكذا إذا قرأ القرآن على ضرب الدّف أو القضيب] اهـ.

هل خلط قراءة القرآن بالآلات من التغني المحمود الوارد في الحديث؟
خلط قراءة القرآن بالآلات ليس من التغني المحمود الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» رواه البخاري، قال الإمام علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/ 1498، ط. دار الفكر): [أي لم يحسِّن صوته به أو لم يجهر أو لم يستغن به عن غيره أو لم يترنم أو لم يتحزن] اهـ.

والتغني المحمود المسنون: خدمة المعنى القرآني، بتجليته بما يناسبه من تصوير نغمي صوتي، يتوافق مع مواهب الإنسان الصوتية، وهو المعبر عنه بفن المقامات الصوتية، وهو بخلاف إحداث التلاوة على آلات الموسيقى وألحانها، فإنها خروج عن هذا النسق الشريف، ومؤداه إلى الزيادة والنقص في القرآن الكريم؛ لأن القارئ بهذه الكيفية والهيئة غالبًا سيمد في غير موضع المد، ويقصر في غير موضع القصر؛ مراعاة للحن.

قال الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/ 300): [التصرف -يعني في المدود- جائز في الشعر ولا يجوز في القرآن إلا التلاوة كما أنزل، فقصره ومده والوقف والوصل والقطع فيه على خلاف ما تقضيه التلاوة حرام أو مكروه، وإذا رتل القرآن كما أنزل سقط عنه الأثر الذي سببه وزن الألحان وهو سبب مستقل بالتأثير وإن لم يكن مفهومًا كما في الأوتار والمزمار والشاهين وسائر الأصوات التي لا تفهم] اهـ.

من المحاذير الشرعية التي تشتمل عليها قراءة القرآن مصحوبا بالآلات الموسيقية
الآلات الموسيقية تأخذ المستمع من الاستماع إلى القرآن الكريم إلى الاستماع إلى شيء آخر وهو الآلة وهو ما يعرف بـ"التشويش على القراءة".

ويتحصل من ذلك أنه يترتب على مصاحبة الموسيقى للقرآن عدة محظورات:

منها: أنَّ الموسيقى -ومع التسليم أن حسنها حسن وقبيحها قبيح- تعَدُّ من اللهو؛ حيث روي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّها زفَّت امرأة من الأنصار، فقال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة ما كان معكم لَهْو؟ فإنَّ الأنصار يعجبهم اللهو»، رواه البخاري، وقد نفى الله الهزل عن القرآن ونزهه عنه بقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ۝ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [الطارق: 13-14]، واللهو مرادف الهزل، فيجب تنزيه القرآن عنه.

ومنها: أن إدخال الآلات الموسيقية عند قراءة القرآن ملحق باللغو؛ لكونه يصرف عن تدبر معاني القرآن، وإن كان بعض اللغو مباحًا، لكن تعمده مع القرآن غير جائز كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: 26]، ولم يكن فعلهم إلا تشويشًا وتخليطًا، بحيث يصرف الناس عن فهم معاني القرآن والتدبر فيه. ينظر: "تفسير الزمخشري" (4/ 197، دار الكتاب العربي- بيروت)، و"البحر المحيط" لأبي حيان (9/ 301، دار الفكر- بيروت)، و"الكشف والبيان عن تفسير القرآن" للثعالبي (8/ 292، دار إحياء التراث العربي، بيروت).

التحذير من تتبع مقاطع قراءة القرآن الكريم المصحوبة بالموسيقى و الترويج لها
تتبع مقاطع قراءة القرآن الكريم المصحوبة بالموسيقى أو الترويج لها -فيه اطلاع على المنكر وتهوينٌ لشأنِ القرآن في القلوب، والأصل إماتة المنكر بالإعراض عنه، والبعد عن الانشغال باللغو الممنوع، وقد طلب الحق من عموم عباده المؤمنين الإعراض عن اللغو في نحو قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3]، روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (8 / 2736، ط. مكتبة نزار مصطفى) عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: [لَا يُسَاعِدُونَ أَهْلَ الْبَاطِلِ عَلَى بَاطِلِهِمْ] وكقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72]، وقوله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: 55]، كما أنَّ في متابعة تلك المقاطع المسيئة إعانةً على إذاعة الباطل والمنكر ومساعدةً له في الانتشار بكثرة عدد مشاهداته.

الرد على بعض المزاعم والادعاءات حول هذا الأمر
إذ تقرر ما تقدم من كون القرآن الكريم كتاب هداية، وأنَّه توقيفي في حروفه وطرق أدائه فإنه لا يُلْتَفَت إلى ما ورد في السؤال من أهداف وقصود من عمل مقاطع لآيات من القرآن الكريم مصحوبة بموسيقى؛ إذ إنها لا تعدو كونها أهدافًا وقصودًا ملغاة في الميزان الشرعي لا تسوِّغ -بحال من الأحوال- جوازه شرعًا، كالدعوى بأنَّ ذلك يجذب الأجيال الجديدة المنغمسة في حب هذا اللون لسماع القرآن؛ لأن ذلك لا يكون إلا بالكيفية التي نقلت إلينا من التغني المحمود المسنون.

وكادِّعاء تحسين قدرة الشباب على تذكر آيات القرآن الكريم؛ فالقرآن -بما هو عليه- ميسر للذكر والحفظ، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]، ويشهد لذلك هذا الكمُّ الهائل من الحفظة من العالمين بلغة العرب وغيرهم ممن لا ينطق من العربية سوى آيات القرآن الكريم.

كما أنه لا يلتفت إلى ادِّعاء أن ذلك يحفز مشاعر الخشوع والروحانية؛ فالخشوع إنما ينبع من الفهم والتدبر، والقرآن فيه قوة روحية تعلو على أي مؤثر خارجي، ولا إلى أن ذلك من التنويع في أساليب التلاوة للتجديد الذي يفتح آفاقًا جديدة للإبداع الديني؛ فتلاوة القرآن مبناها على التوقيف والاتباع، والتجديد إنما يكون بما يحافظ على الموروث الثابت دون ما يكر عليه بالبطلان بتجاوز الضوابط الشرعية.

الخلاصة
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن القيام بعمل مقاطع لآيات من القرآن الكريم مصحوبة بأي نوع من أنواع الموسيقى أو الاستماع إليها أو الترويج لها أو الإسهام في نشرها من أشد الكبائر المقطوع بحرمتها شرعًا.

مقالات مشابهة

  • عاجل.. حان وقتها.. صحيح أذكار الصباح من الكتاب والسنة
  • مدير الجامع الأزهر يتفقد سير الدراسة برواق القرآن الكريم بالغربية ويوصي بانتهاج طريقة المصحف المعلم
  • مدير الجامع الأزهر يتفقد سير الدراسة برواق القرآن الكريم بالغربية
  • انطلاق الملتقى الأول للتفسير القرآني بالجامع الأزهر الأحد
  • أمة النحل بين الإعجاز البلاغي والعلمي.. الملتقى الأول للتفسير القرآني بالجامع الأزهر الأحد
  • انطلاق الملتقى الأول للتفسير القرآني بالجامع الأزهر.. الأحد المقبل
  • من الذي يعذب يوم القيامة الروح أم النفس.. الإفتاء تجيب
  • حكم تلحين القرآن وتصويره تصويرًا فنيًا
  • من أشد الكبائر.. دار الإفتاء تحذر من قراءة القرآن بهذه الطريقة
  • طلب البعثة الاممية التي قدمه حمدوك كانت تصاغ وتُكتب من داخل منزل السفير الانجليزي في الخرطوم!!!