مستقبل المسلمين الفرنسيين بعد انتخابات 2024
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
لقد أسفرت الانتخابات البرلمانية الفرنسية لعام 2024 عن نتيجة مفاجئة، مع تداعيات كبيرة على الجالية المسلمة في البلاد. وعلى النقيض من التوقعات السابقة، برز التحالف اليساري المعروف باسم الجبهة الشعبية الجديدة (NFP) باعتباره القوة الرائدة، متفوقا على كل من تحالف الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان.
بحسب النتائج النهائية، حصل تحالف الجبهة الشعبية على 188 مقعدا في الجمعية الوطنية التي تتألف من 577 مقعدا، ما يجعله أكبر تجمع. لقد أحدثت هذه النتيجة غير المتوقعة موجة من الصدمة في المشهد السياسي الفرنسي، وتقدم بصيص أمل للمسلمين الذين يقدر عددهم بنحو ستة ملايين نسمة في البلاد، والذين كانوا يستعدون لانتصار محتمل لليمين المتطرف.
مع ذلك، لا يزال المشهد السياسي محفوفا بالتحديات التي يواجهها المسلمون الفرنسيون، فقد نجح التجمع الوطني في تأمين 142 مقعدا، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بالانتخابات السابقة. وهذا يشير إلى أن المشاعر المعادية للمسلمين لا تزال تتردد بين شريحة كبيرة من الناخبين الفرنسيين.
لا يزال المشهد السياسي محفوفا بالتحديات التي يواجهها المسلمون الفرنسيون، فقد نجح التجمع الوطني في تأمين 142 مقعدا، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بالانتخابات السابقة. وهذا يشير إلى أن المشاعر المعادية للمسلمين لا تزال تتردد بين شريحة كبيرة من الناخبين الفرنسيين
في أعقاب الانتخابات، رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقالة رئيس الوزراء غابرييل أتال، وهو عضو من تحالف ماكرون الوسطي، وطلب منه البقاء في منصبه مؤقتا لضمان استقرار البلاد. وينظر إلى هذه الخطوة على أنها تنازل للواقع السياسي الجديد، حيث يحاول ماكرون التعامل مع تعقيدات البرلمان المعلق.
وصرح الرئيس بأنه لن يشكل ائتلافا مع حزب "فرنسا الأبية" اليساري، وهو عنصر أساسي في تحالف "الجبهة الشعبية". وبدلا من ذلك، من المتوقع أن يسعى ماكرون إلى تحالف أكثر اعتدالا، ربما مع الاشتراكيين والخضر داخل الكتلة اليسارية.
وقد قوبل هذا القرار بردود فعل متباينة من الجالية المسلمة، ففي حين يعبر البعض عن تفاؤل حذر بشأن الأداء القوي لليسار، لا يزال آخرون حذرين من العملية السياسية تماما. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "IFOP" الفرنسي أن 59 في المئة من الناخبين المسلمين امتنعوا عن التصويت في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، مما يشير إلى مستوى عال من الانفصال عن النظام السياسي.
ويسلط رايان فريشي، الخبير القانوني والناشط في مجال حقوق الإنسان، الضوء على المعضلة التي يواجهها العديد من المسلمين الفرنسيين: "التصويت لليسار ليس في الواقع خيارا قلبيا". ويعكس هذا شعورا أوسع بين المسلمين بأنهم لا يمثلهم حقا أي حزب سياسي، حتى أولئك الموجودون في اليسار.
كما أثارت نتائج الانتخابات تساؤلات حول الاتجاه المستقبلي للسياسة الفرنسية وتأثيرها على الجالية المسلمة. ورغم أن فوز حزب الجبهة الوطنية قد يؤدي إلى إبطاء زخم سياسات اليمين المتطرف، فإنه يتعين علينا أن نرى مدى فعالية اليسار في الحكم في برلمان مجزّأ. وإن التحدي المتمثل في تشكيل حكومة مستقرة واحتمال حدوث جمود سياسي قد يحد من القدرة على إجراء تغييرات ذات مغزى لتحسين وضع المسلمين الفرنسيين.
علاوة على ذلك، يشير الأداء القوي للتجمع الوطني، حتى في المركز الثالث، إلى أن كراهية الإسلام والمشاعر المعادية للمهاجرين تظل قوى كبيرة في المجتمع الفرنسي. ووصف زعيم حزب التجمع جوردان بارديلا، الانتخابات بأنها انتصار "مؤجل فقط"، مشيرا إلى أن اليمين المتطرف سيواصل ممارسة الضغوط بشأن القضايا المتعلقة بالهجرة والهوية الوطنية.
إن الصعوبات التي يواجهها المسلمون الفرنسيون تمتد إلى ما هو أبعد من المجال السياسي، لقد عانوا منذ فترة طويلة من التمييز المنهجي، والجمود الاجتماعي، ومعدلات البطالة المرتفعة.
التمييز والتهميش
غالبا ما يواجه المسلمون الفرنسيون، وخاصة أولئك المنحدرون من أصول شمال أفريقية وغرب أفريقية، التمييز في سوق العمل. وقد أظهرت الدراسات أنه عندما ينظر إلى المسلم على أنه يمارس عقيدته علانية، فمن غير المرجح أن يتم استدعاؤه لإجراء مقابلات عمل مقارنة بنظرائه العلمانيين. وقد ساهم ذلك في ارتفاع معدلات البطالة داخل الجالية المسلمة.
وعلاوة على ذلك، يواجه المسلمون الفرنسيون الذين يعيشون في الضواحي الفقيرة مستويات متزايدة من عنف الشرطة والتمييز العنصري. وقد أدى فصل هذه المجتمعات إلى ترسيخ تهميشها بشكل أكبر، مما جعل من الصعب عليها الوصول إلى الفرص الاقتصادية والاجتماعية.
التحديات التي تواجه الحريات الدينية
لقد استُخدم مبدأ العلمانية الفرنسي، أو "اللائكية"، في كثير من الأحيان لتقييد الحريات الدينية للمسلمين. ولقي مقترحات حظر الحجاب في الأماكن العامة والحد من بناء المساجد معارضة شرسة من جانب المجتمع المسلم، الذي ينظر إلى هذه التدابير على أنها تستهدف إيمانهم.
وكان النقاش حول دور الدين في المجال العام مثيرا للجدل، حيث دعا بعض الساسة الفرنسيين إلى "نسخة فرنسية من الإسلام" تتماشى مع القيم العلمانية للبلاد، وقد أدى هذا إلى مزيد من عزلة العديد من المسلمين الذين يشعرون بأن هويتهم الدينية غير مقبولة بشكل كامل داخل المجتمع الفرنسي.
الإحباط من العملية السياسية
أظهرت انتخابات عام 2024 تقلب السياسة الفرنسية والمناقشات الجارية حول الهوية الوطنية والعلمانية ومكانة الأقليات الدينية في الجمهورية. وبالنسبة للمسلمين الفرنسيين، فإن الطريق إلى الأمام سوف يتطلب إيجاد توازن دقيق بين تأكيد حقوقهم وهويتهم، وفي الوقت نفسه العمل على سد الانقسامات التي نشأت في المجتمع الفرنسي
إن ارتفاع معدل الامتناع عن التصويت بين الناخبين المسلمين في الانتخابات الأخيرة يشير إلى خيبة أمل عميقة الجذور في العملية السياسية، ويشعر العديد من المسلمين الفرنسيين بأنهم لا يحظون بتمثيل حقيقي من قبل أي حزب سياسي، حتى تلك التي على اليسار.
المعضلة التي تواجه المجتمع هي ما إذا كان ينبغي التصويت بشكل استراتيجي لمنع اليمين المتطرف أو الامتناع عن التصويت تماما. ويعكس هذا الاختيار نقاشا أوسع نطاقا حول الطريقة الأكثر فعالية لحماية حقوقهم ومصالحهم في بيئة سياسية معادية على نحو متزايد.
استشراف المستقبل
أظهرت انتخابات عام 2024 تقلب السياسة الفرنسية والمناقشات الجارية حول الهوية الوطنية والعلمانية ومكانة الأقليات الدينية في الجمهورية. وبالنسبة للمسلمين الفرنسيين، فإن الطريق إلى الأمام سوف يتطلب إيجاد توازن دقيق بين تأكيد حقوقهم وهويتهم، وفي الوقت نفسه العمل على سد الانقسامات التي نشأت في المجتمع الفرنسي.
وستكون السنوات القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كانت فرنسا قادرة على التحرك نحو مجتمع أكثر شمولا وإنصافا لجميع مواطنيها، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية. إن التحديات التي تواجه الجالية المسلمة عميقة الجذور، وستتطلب جهدا مستمرا لمعالجة التمييز والتهميش المنهجيين اللذين عانوا منهما منذ فترة طويلة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانتخابات فرنسا المسلمين الهوية فرنسا انتخابات المسلمين أحزاب هوية مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجالیة المسلمة المجتمع الفرنسی التی یواجهها یشیر إلى إلى أن
إقرأ أيضاً:
بعد 6 عقود.. مقديشو تجري أول عملية تسجيل في الانتخابات البلدية
مقديشو- أطلقت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود، اليوم الثلاثاء، إجراءات تسجيل الناخبين في انتخابات البلديات لأول مرة منذ 60 عاما، وبحسب اللجنة فإن المرحلة الأولى من انتخابات مجلس البلديات ستجرى في العاصمة مقديشو، لتشمل بعدها الولايات الفدرالية في البلاد.
ووفقا لجدول الانتخابات، يتوقع أن تستمر عملية التسجيل في انتخابات مجالس البلديات لمدة 30 يوما، في 4 ولايات فدرالية من أصل 6 تتكون منها البلاد، حيث لن تشارك ولايتا صومالي لاند وبونت لاند باعتبار أنهما قد أجرتا انتخابات البلديات مؤخرا.
وتعد انتخابات المجالس المحلية في الصومال أول انتخابات ديمقراطية بعد عقود من الصراعات، حيث كان نظام تقاسم السلطة في البلاد قائما على نظام تقاسم قبلي للسلطة، لكن هذه المرة -ومن خلال هذه الانتخابات- تسعى الصومال لبناء مؤسسات سياسية، تستند إلى شرعية شعبية حقيقية بعيدة عن الأنظمة القبلية.
حظيت عملية تسجيل الناخبين التي بدأت في حي شنغاني شرق العاصمة مقديشو، والذي اختارته اللجنة ليكون المركز الأول للتسجيل، بإقبال كبير من المواطنين الذين توافدوا للمشاركة في عملية انتخابية يتوقع الكثير منهم أن تطوي صفحة نظام الانتخابات القائم على المحاصصة القبلية، التي تنظم على أساسها انتخابات تقليدية منذ عام 2004.
وقال رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود، عبد الكريم أحمد حسن للجزيرة نت "إن إقبال المواطنين على مراكز التسجيل فاق توقعاتنا، وهذا يعكس مدى رغبة المواطنين بالمساهمة في التحول الديمقراطي، بعد عقود كانت (فيها) الانتخابات غير المباشرة تمثل المشهد السائد في البلاد".
وأوضح أن اللجنة الوطنية للانتخابات المستقلة استكملت جميع الإجراءات المطلوبة لجعل عملية التسجيل عملية سلسة، مما يتيح إمكانية تسجيل أكبر عدد ممكن من المواطنين في انتخابات المجالس البلدية.
إعلانوكجزء من جهودها لتعزيز الشفافية والنزاهة في الانتخابات، اعتمدت اللجنة الوطنية آلية تسجيل الناخبين على النظام "البيومتري"، الذي يستخدم تقنيات القياس الحيوي مثل بصمات الأصابع وصور الوجه لتحديد هوية الناخبين ومنع التزوير.
ويمر الناخبون بعدد من الإجراءات خلال عملية التسجيل، حيث يطلَب منهم تقديم معلوماتهم الشخصية، بالإضافة إلى بصمات الأصابع والتقاط صورهم، كما يتم التحقق من هوية الناخبين والتأكد من عدم تسجيلهم أكثر من مرة، ثم تصدر بطاقة الناخب التي تشمل البيانات البيومترية، ما يسهل عملية التصويت ويمنع التزوير أيضا.
وشهد إطلاق عملية تسجيل الناخبين في انتخابات مجالس البلديات ترحيبا شعبيا ورسميا واسعا، كونها أول عملية تسجيل للناخبين.
تقول صفية أحمد نور، وهي أم لـ4 أطفال، للجزيرة نت، إنها سعيدة جدا بوقوفها في طوابير طويلة لتسجيلها في انتخابات البلديات، مشيرة إلى أنها تشعر بالفخر، كونها تشارك في "أول عملية انتخابية ديمقراطية حقيقية لانتخاب مجالس البلديات".
من جهته، قال عمدة بلدية مقديشو محمد أحمد -في تصريح للإعلاميين- إنها "لحظة تاريخية تشهدها العاصمة مقديشو بعد نحو 6 عقود، وهي لحظة طال انتظارها من قبل الشعب للحصول على حقه في انتخاب من يدير مدينته".
ودعا عمدة البلدة المواطنين للتوجه إلى مراكز التسجيل، "لضمان مشاركة واسعة ديمقراطية في البلاد، واختيار ممثلين محليين يعكسون إرادة الشعب".
وبحسب اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود، فان عدد المواطنين المتوقع مشاركتهم في عمليات تسجيل الناخبين التي ستجرى في 16 محافظة من أصل 18 في الصومال، يقدر بنحو 1.5 مليون مواطن، مع ترجيحات بأن ترتفع المشاركة إلى مليوني مواطن.