سلامٌ على أبي بكر في الخالدين
بقلم سيد أحمد حسن بتيك
عشنا زمنا طويلا نبكي على أمجاد الماضي الذي تولى... وبرحيل العم والسفير والوزير أبوبكر عثمان وأنداده سنبكي على حاضر مفجوع برحيل قامات أفنت عمرها في خدمة الوطن بحب وتجرد ورحلت بصمت بعيدا عن وطن يتنافس أبناؤه في تدميره.
كان المرحوم من الرعيل الذي حيثما وضع نفع أو كما يقول الفرنجة
Wherever you put him he fits
ظل يحمل هم الوطن ورقيه منذ أن كان طالبا في جامعة الخرطوم ثم طوال مسيرته الحافلة بالعطاء حيث بدأ حياته العملية بعد التخرج من الجامعة معلما في مدرسة خور طقت الثانوية لفترة قصيرة لكنها طويلة في عمر طلابه الاوفياء الذين وجدوا منه العلم والأخلاق والدعم المادي والمعنوي فضلا عن غرس قيم الوطنية فصار منهم بعد ذلك قامات يشار لها بالبنان يحفظون لأستاذهم الجميل ويبادلونه وفاءا بوفاء حتى رحيله.
ثم انتقل من خور طقت للخارجية بعد اختبارات ومعاينات مكثفة أجراها علماء وإداريون أفذاذ رفدوا الوزارة الناشئة بثلة من أبناء الوطن الذين تركوا بصمات لا تخطئها العين يوم كان للسودان صولاته وجولاته في عالم السياسة الخارجية. وتمعن يا رعاك الله في تعليق الوزير القامة محمد أحمد المحجوب عندما كان في سدة الخارجية حين تلقى أول تقرير يرسله له السفير الجديد أبو بكر عثمان من سفارة السودان بالجزائر فوجه بتعميم التقرير لكافة سفارات السودان للاقتداء.
ومن الخارجية اختاره الرئيس نميري ليكون وزيرا لرئاسة شئون الوزراء فى فترة عصيبة شهدت موجات من الشد والجذب بين قدامى المايويين والقادمين الجدد كلما تقلب النظام من أقصى اليسار لاقصى اليمين حينا ومن الحداثة للطائفية حينا آخر وما نجم عن تلكم التحولات من تكتلات اضعفت النظام وكادت تعصف بالتنسيق بين الوزارات لولا حنكة الوزير الجديد وتفانيه. لقد كان يعمل لساعات طوال من الصباح الباكر وحتى بعد منتصف الليل دون كلل أو ملل وبلغ به الاعياء أن سقط في مكتبه مغشيا عليه في منتصف ليل حافل بالعطاء.
وعلاقته بالرئيس نميري امتدت منذ أن كانوا طلابا في حنتوب الثانوية وظل وفيا للنظام ورأسه حتى الانتفاضة التي أطاحت بالنميري. تلك فترة طويلة عرف فيها خبايا النظام ورئيسه ورغم الظلم الذي لحقه في بعض الفترات خاصة بعد انخراط الترابي في النظام مبايعا النميري إماما مجددا بيد وحاملا لمعول هدم النظام بيد أخرى خفية ضمن مساعي الاطاحة بمايو كما صرح بتلك المساعي لقناة الجزيرة إلا أن وطنية وأخلاق وزيرنا حالتا دون نشر الأسرار أو السعي للتامر والانتقام ممن كادوا له... فلا عجب أن جاء الترابي بعد مايو بسنوات معزيا في شقيق صاحبنا عندما كان الترابي في قيادة الانقاذ، وهو إذ يقوم بواجب العزاء في ظاهر الأمر فلعله أراد أن يرسل رسالة اعتذار مبطنه في واقع الأمر.
ودعونا نضرب مثلا واحدا لاخلاقيات المهنة في عهد الوزير ابوبكر من خلال حادثة صغيرة في أصلها كبيرة في مضمونها وقعت عندما كان الوزير أبوبكر في مكتبه إذ تلقى مكالمة من مدير عام مصرف يفيده بـأن الشيك الصادر من الحساب الخاص بالرئيس جعفر نميري بمبلغ 30 جنيها سيرتد لان الحساب فيه مبلغ 27 جنيه فقط. حفاظا على سمعة الرئيس طلب أبو بكر من المدير الاحتفاظ بالشيك حتى يقوم بسداد العجز. وبالفعل قام بتفريغ ما في جيبه والاستعانة بزملائه في المكتب لتكملة المبلغ. حدث كل ذلك دون علم النميري وتم تمرير الشيك ولم يسمع النميري بتلك الحادثة حتى وفاته. ليس هذا فحسب بل طلب أبو بكر من سكرتيرة الرئيس الا ترسل شيكات الرئيس للبنك إلا بعد التاكد من وجود رصيد كافي في الحساب لأن الأمر يتجاوز شخص الرئيس لسمعة الدولة فتأمل.
وفي الظل التقارب بين مصر والسودان في عهد السادات اختار النميري أبا بكر ليكون أمينا عاما للتكامل بين السودان ومصر بدرجة رئيس وزراء. ومن خلال مكتب متواضع وبامكانيات متواضعة استطاع الأمين العام للتكامل أن يحدث اختراقا كبيرا في العلاقة التكاملية بين الدولتين ويكفى أننا كنا نملك حق الدخول لمصر بالبطاقة الشخصية ولو سارت الأمور بذات المنوال لما عاني الشعب السوداني الأمرين في مساعيه للحصول على تأشيرة دخول لمصر بحثا عن علاج أو ملاذ آمن من أتون حرب أخرجت أسوأ ما فينا.
وبُعيد الاطاحة بنظام مايو وجد العم أبوبكر فسحة من الوقت للراحة لكنه سخرها لفائدة الشعب السوداني عندما شرع في كتابة مذكراته القيمة والتي صدرت في كتاب بعنوان في بلاط الدبلوماسية والسلطة. وذاك جهد نبيل ومقدر في وطن ضعيف الذاكرة بفضل ساسة ومشاهير رحلوا دون ان يوثقوا للأجيال القادمة تجربتهم. حدثني من أثق في حديثه بأن القيادي الانقاذي على عثمان محمد طه كان في رحلة خارجية وطوال ساعات الطيران ظل يقرأ ذلك الكتاب دون أن يتحدث كعادته مع مرافقيه. ولما فرغ من قراءة الكتاب بالكامل قدمه لمن معه وقال لهم من أراد أن يصبح دبلوماسيا بحق فليقرأ هذا الكتاب.
هذا ما كان من الشأن العام، أما على المستوى الشخصي فمن النادر في زماننا هذا أن تجد شخصا مثله يطرب أيما طرب للقاء زائريه وفي كل الأوقات بل ويمضي الساعات الطويلة في القيام بواجب التواصل مع أقاربه ومعارفه بينما يحدثك حديث المتعة والتجربة ويحترم رأيك ولو عد قولك في سقط الكلام.
لقد تضاعف حزننا برحيله المفاجئ بعيدا عن الوطن... فكم وكم طلب مني أن أبيت معه ليلة بعد أن أقعده المرض وتقدم به العمر.... وكم وكم وعدته بان نتسامر لساعات طوال... وكم وكم رغبت في أن أشاركه في مناصرة فريق المريخ وقد كان من أكبر مشجعيه....
رحم الله عمنا وكبيرنا أبوبكر عثمان محمد صالح رحمة تغشى قبره صباح مساء وترفع درجته في عليين وتنزله في مقامات أولياء الله الصالحين وفي معية الأنبياء والصديقين.... إنا لله وإنا اليه راجعون والحمد لله الذي لا يحمد على مصيبة الموت سواه.
sbeteik@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
زيلينسكي يدعو موسكو إلى «سلام عادل»
بروكسل (وكالات)
أخبار ذات صلة واشنطن تعلن استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا الاتحاد الأوروبي: لا كلمات تُعبِّر عن مأساة غزةقام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس، بإحياء ذكرى مرور ألف يوم على بدء الأزمة الروسية الأوكرانية، داعياً إلى دفع موسكو نحو «سلام عادل».
ودعا زيلينسكي، في خطاب عبرالفيديو أمام البرلمان الأوروبي، لتوجيه الشكر لمؤيدي أوكرانيا، الرئيس الروسي فلاديمير للدخول في مفاوضات سلام حقيقية.
كما انتقد زيلينسكي، في رسالة موجهة بشكل خاص للمستشار الألماني أولاف شولتس، القادة الأوروبيين بسبب تركيزهم على الفوز بالانتخابات على حساب أوكرانيا. وقال: «ألف يوم من الحرب تشكل تحدياً ضخماً»، مشيداً بإنجاز الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا في الدفاع عن القيم التي يتحلون بها. واختتم زيلينسكي كلمته، وسط تصفيق من نواب البرلمان الأوروبي المجتمعين في الجلسة الخاصة، قائلاً: «تستحق أوكرانيا أن تجعل العام المقبل عام السلام».
في الأثناء، تعهدت الولايات المتحدة بمواصلة تقديم مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا، حيث أكدت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، هذا الالتزام أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك أمس. وقالت توماس جرينفيلد إنه بتوجيه من الرئيس جو بايدن، ستستمر الولايات المتحدة في تزويد أوكرانيا بالمدفعية والدفاع الجوي والمركبات المدرعة، وغيرها من القدرات والذخائر اللازمة.