ضغوط الشحن العالمية تثير المخاوف من عودة التضخم
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
تواجه تجارة السلع أول صدمة لها بعد جائحة كوفيد – 19، وذلك بفعل هجمات جماعة الحوثيين على سفن في البحر الأحمر. ورغم عدم وجود ارتفاع ملحوظ في التضخم جرّاء الهجمات، فليس مضمونًا أن يستمر الأمر إذا استمرت التعقيدات لفترة طويلة أو بدأت في عرقلة الخدمات اللوجستية البرية.
وكتب اقتصاديون في شركة نومورا المالية، بقيادة جورج موران في لندن في مذكرة بحثية: "نعتقد أن الأسواق تقلل من خطورة ارتفاع أسعار الشحن.
وبالنسبة للبنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم التي بدأت أو تستعد لخفض أسعار الفائدة، فإن أي عودة لتضخم أسعار المستهلك من شأنها أن تشكل تحديا كبيرا، وما يمكن أن يساعد صناع السياسات هو الجهود المكثفة التي تبذلها الصناعة البحرية لمعالجة الاختلالات.
وبدأ الحوثيون في استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل في رد فعل على حربها على قطاع غزة، إلا أن وتيرة الاستهداف اتسعت لتشمل سفن دول شكلت تحالفا لضرب الجماعة وكبح هجماتها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
خطط احتياطيةوقال أسون ستار، نائب رئيس العمليات في شركة غلوب إليكتريك "الشيء الذي تعلمته خلال العامين الماضيين هو عدم توقع الاستقرار، وعندما يكون الوضع هادئًا للغاية، تأكد من أن لديك خططا احتياطية جاهزة للتنفيذ.. عليك أن تكون أكثر تقدما في مجالك".
وسلّطت 6 أشهر من الهجمات على السفن في البحر الأحمر الضوء على هشاشة التجارة العالمية، وقد توقّع عدد قليل من الخبراء استمرارها فترة طويلة.
وعلى الرغم من أن الاضطرابات لم تصل إلى المستويات التي شوهدت خلال الوباء، فإن المستوردين يحذرون من أنه سيتعين عليهم في النهاية تمرير التكاليف إلى المستهلكين، وتعد الاضطرابات الأخيرة حافزًا آخر لتقريب الإنتاج من نقاط البيع، وفق بلومبيرغ.
يقول غريغ ديفيدسون، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة لالو ومقرها نيويورك، وهي شركة لمنتجات الأطفال تشحن مئات الحاويات سنويًّا من آسيا: إن أعلى مبلغ دفعه مقابل شحن حاوية طولها 40 قدمًا كان حوالي 21 ألف دولار في عام 2022، مضيفا أن التوقعات ترجّح ارتفاع الأسعار مجددًا إلى 20 ألف دولار، من مستوى 9 آلاف دولار دفعها مؤخرًا.
وأضاف ديفيدسون "إذا ارتفعت أسعار الحاويات إلى هذا المستوى مرة أخرى، فسيؤدي ذلك إلى حدوث قدر من التضخم على كمية معينة من البضائع".
وظهرت بالفعل بوادر عن الضغوط التسعيرية، إذ ارتفعت أسعار المنتجين في الولايات المتحدة أكثر بقليل من المتوقع في يونيو/حزيران الماضي.
وتأتي الأزمة الأخيرة في الوقت الذي يسارع فيه تجار الجملة وتجار التجزئة في الولايات المتحدة وأوروبا إلى زيادة المخزون قبل مواسم التسوق في عطلة نهاية العام والعودة إلى المدرسة، ومما يزيد الأمر صعوبة التهديد بفرض رسوم جمركية أميركية أعلى على الواردات الصينية.
وقال رئيس الجمعية الأميركية للملابس والأحذية، ستيفن لامار والتي تمثل أكثر من ألف اسم تجاري رائد: "الجانب المشرق الوحيد هنا هو الفهم الأفضل للمشكلة التي لا نزال نواجهها.. هذا لا يعني أن المشكلة أسهل في إدارتها أو التعامل معها".
تحديات أوروباوتشعر الشركات الأوروبية بتأثيرات كبيرة، لقربها من البحر الأحمر.
وأصدرت شركة دي إف إس فرنتشر، وهي شركة بيع أثاث بالتجزئة في المملكة المتحدة، تحذيرًا بشأن الأرباح الشهر الماضي، مشيرة إلى أن الاضطرابات في البحر الأحمر أدت إلى زيادة تكاليف الشحن وتأخر التسليم.
كما قال فريدريك دالبورغ، رئيس شركة "أد لايف إيه بي" ومقرها في ستوكهولم، إنها تعمل مع المورّدين بشأن الأعمال المتراكمة "الكبيرة"، كما تجري مراكمة مخزونات احتياطية في بعض الحالات. مع ذلك، ثمة دلائل تشير إلى أن أزمة الشحن الأخيرة قد تكون قريبة من الذروة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
الحصار في البحر الأحمر.. نقطة ضعف استراتيجية للعدو الإسرائيلي
يمانيون../
يشكل البحر الأحمر مصدر قلق دائم للكيان الصهيوني منذ وجوده على الأراضي الفلسطينية سنة 1948م.
ما يدل على ذلك هي التصريحات للمسؤولين الصهاينة عن أهمية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، حيث تقول غولدا مائير “وزيرة خارجية” الكيان آنذاك في خطاب لها أمام الأمم المتحدة في 1 مارس 1957م: “إن حرية الملاحة البحرية لإسرائيل في البحر الأحمر هي مصلحة قومية حيوية بالنسبة لهم”.
في عام 1949م، تمكن “جيش” العدو الإسرائيلي من احتلال منطقة أم الرشراش، ليصبح للكيان بعد ذلك منفذ على البحر الأحمر، وأعطاه هذا مرونة التحرك التجاري والاقتصادي باتجاه البحر العربي والمحيط الهندي، لا سيما بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر والأردن، والاطمئنان الصهيوني من أن خليج العقبة ومضايق تيران وقناة السويس لم تعد تشكل للكيان أي عوائق.
وخلال تجارب سابقة، مثل إغلاق الملاحة البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر أهم النكبات لاقتصاد العدو، وظل مضيق باب المندب من أهم نقاط الضعف الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي، والتي سببت له الكثير من الخسائر، وظل تعرض الخطوط الملاحية لـ”إسرائيل” في المياه الدولية في البحر الأحمر من أهم الهواجس التي تثير القلق لدى الإسرائيليين.
جاءت الصفعة غير المتوقعة لـ”إسرائيل” من خلال تفعيل مضيق باب المندب، وتم استخدامه لحصار السفن الإسرائيلية في مناسبات استثنائية، لكنها شكلت قلقاً وهاجساً للصهاينة، منها، قيام جبهة التحرير الفلسطينية بتنفيذ عملية فدائية في مضيق باب المندب، عندما ضرب زورق مسلح بمدفع بازوكا تابع لجبهة التحرير الفلسطينية ناقلة النفطة الليبيرية (كورال سي)، والمؤجرة لنقل النفط إلى “إسرائيل”، وأثارت هذه العملية قلق الكيان، لأن نصف احتياجات “إسرائيل” تقريبا من النفط كانت تصله بواسطة سفن قادمة من إيران عبر مضيق باب المندب إلى ميناء “ايلات”، وقد عمد الكيان الصهيوني بعد هذه الحادثة إلى تسليح ناقلات النفط العائدة إليه، وصرح قائد القوات البحرية الإسرائيلية آنذاك قائلاً: “إن سيطرة مصر على قناة السويس لا يضع بين يديها سوى مفتاح واحد فقط في البحر الأحمر، أما المفتاح الثاني (يقصد به مضيق باب المندب) والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية سيكون بين أيدينا” أي في يد “إسرائيل”.
عملية الحصار الثانية على الكيان الصهيوني كانت في حرب أكتوبر سنة 1973م، حيث تم منع وصول النفط إلى ميناء “ايلات” عبر مضيق باب المندب، وتسبب في حرمان “إسرائيل” من الاتصال بشرق أفريقيا وجنوبها وجنوب شرق آسيا، ما سبب لها أضراراً اقتصادية.
وخلال تلك الحرب القصيرة قال ما يسمى وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي دايان) في حديث لصحيفة إسرائيلية: “كنا نتوقع المصريين في خليج العقبة، فإذا بهم يظهرون في باب المندب. بعد انتهاء الحرب سنعمل بكل قوتنا لتدويل هذا الممر أو احتلاله”.
وبالفعل تحرك الكيان الصهيوني، بكل ما يملك، محاولاً أن يكون له نفوذ في البحر الأحمر، والسيطرة على مضيق باب المندب، وحاول السيطرة على بعض الجزر التي تقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر سواء عن طريق الاحتلال أو الشراء أو الاستئجار، والتي من أهمها جزر الساحل الإرتيري (دهلك وحالب وفاطمة وسنشيان ودميرا) وجزر الساحل اليمني (زقر، وحنيش الصغرى والكبرى وبريم الواقعة في مدخل باب المندب).
كما أقام العدو الإسرائيلي نقاط مراقبة بحرية على الجزر التي يراها مناسبة للإشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر على طول الخط الملاحي الممتد من باب المندب إلى ميناء “إيلات”، وحاول كذلك إنشاء قواعد عسكرية جوية وبحرية في جنوب البحر الأحمر، ليستطيع الكيان الصهيوني الانطلاق منها وفرض سيادته على مياه البحر الأحمر وسمائه.
وظلت أطماع الكيان على مدى سنوات مضت في احتلال جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى اليمنية، كما ينوي الكيان الصهيوني احتلال جزيرة زقر الشاهقة الارتفاع (650 متر فوق مستوى سطح البحر) لإقامة قاعدة للرادار عليها.
وظهرت المخاوف الإسرائيلية إلى العلن بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م، إذ عبر الكثير من المسؤولين الصهاينة عن تخوفهم وقلقهم من هذه الثورة على حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، ففي خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي في 4 مارس 2015م قال: “حزب الله والحوثيون يمثلان تهديداً صارخاً لأمن واستقرار إسرائيل”، وقد جاء هذا التصريح قبل الإعلان عن تشكيل تحالف العدوان على اليمن بقيادة السعودية بـ 23 يوماً فقط.
وفي تصريح آخر لنتنياهو يقول: “نحن نشعر بقلق عميق لما يحدث في اليمن من سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من البلاد، واستمرار تقدمهم باتجاه مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الكبرى من حيث التحكم بمرور نفط العالم”.
من خلال ما سبق، تتضح لنا أهمية البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية، وأن إغلاق الملاحة البحرية الصهيونية في هذا الممر المائي المهم، يعني إشعال حرب، فالكيان المؤقت لا يتحمل الحصار، ولديه في هذا الجانب تجربة مريرة مع الحصار اليمني للكيان في معركة “طوفان الأقصى”، والذي كان الحصار الأكبر والأطول والأشد قساوة على الإسرائيليين، وفشلت أمريكا عن طريق “تحالف الازدهار” في رفع الحصار اليمني على العدو الإسرائيلي.
ولهذا، فإن إعلان السيد القائد عبد الملك الحوثي عن مهلة 4 أيام لرفع الحصار عن قطاع غزة، ما لم فسيتم استئناف عملياتنا في البحر الأحمر ضد العدو الإسرائيلي، يأتي من موقع قوة، وليس للاستعراض الإعلامي، أو لكسب المواقف السياسية، فالجميع يعرفون أن تهديدات اليمن واقعية وجادة.
ويأتي التهديد اليمني في الموقع الحساس للعدو الإسرائيلي، فالكيان يدرك جيداً ما معنى فرض حصار عليه في البحر الأحمر، وهو لا يطيق مثل هذا الإجراء، ولذلك من غير المستبعد أن يستجيب العدو لهذا التهديد، ويبادر إلى إدخال المساعدات تحت أي مبرر، لأن اليمن يمتلك ورقة ضغط قوية جداً ذات حساسية لدى العدو الإسرائيلي.
أما إذا فضل العدو الخيار الثاني، فإن التداعيات والعواقب ستكون وخيمة، وهي أيضاً ستمهد لحرب إقليمية ستكون أوسع وأشد ضراوة من ذي قبل، لا سيما وأن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تريد أن تسير الأحداث بهذا الاتجاه، وهي مغامرة ستكون مكلفة كثيراً على الأمريكيين والإسرائيليين.
أحمد داود