ما تداعيات تراجع أو تأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي اليمني؟ (تقرير)
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
تسود حالة جديدة من التوتر والتصعيد في اليمن، بين المجلس الرئاسي وجماعة الحوثي، من جهة والمجلس الرئاسي والانتقالي الجنوبي من جهة أخرى، على خلفية قرارات البنك المركزي في عدن بتجميد عمل بنوك صنعاء، التي لا تقوم بنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن، ما أوجد خلافات مزدوجة بين عدن وصنعاء.
وفي 30 مايو/ أيار المنصرم، أصدر البنك المركزي اليمني في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، قراراً قضى بإيقاف التعامل مع 6 من البنوك والمصارف اليمنية، بعد انتهاء المهلة المحددة بـ60 يوماً لتنفيذ قراره بنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن.
وهددت جماعة الحوثي -على إثر هذه القرارات- باتخاذ عمليات عسكرية ضد المصالح السعودية، وهو ما استدعى تدخلًا مِن قبل مبعوث الأمين العام للأمم المتَّحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، حيث طالب بتأجيل تنفيذ هذه القرارات إلى نهاية شهر أغسطس القادم.
وقال المبعوث الأممي -في مذكرة بعثها للمجلس الرئاسي- إن القرارات الصادرة مؤخراً بشأن البنوك سوف توقع الضرر بالاقتصاد اليمني وستفسد على اليمنيين البسطاء معاشهم في كل أنحاء البلاد، وقد تؤدي إلى خطر التصعيد الذي قد يتسع مداه إلى المجال العسكري.
وأبدى مجلس القيادة الرئاسي، موافقته المبدئية على الانخراط في مفاوضات بشأن الملفِّ الاقتصادي، وفق شروط محدَّدة، غير أنَّ جماعة الحوثي قابلت ذلك بالرفض.
وأكد الرئاسي تمسكه بجدول أعمال واضح للمشاركة في أي حوار مع الحوثيين برعاية أممية، حول الملف الاقتصادي، مشترطا استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، والغاء كافة الاجراءات الحوثية بحق القطاع المصرفي.
وحذر المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيا، الأحد، مما وصفها بـ "التداعيات السلبية" في حال إيقاف أو تعليق قرارات البنك المركزي، الرامية لمنع سيطرة جماعة الحوثي على القطاع المصرفي.
والسبت، قال القيادي الحوثي المقرب من زعيم الجماعة "علي ناصر قرشة" إن جماعته تلقت بلاغا من السفير السعودي لدى اليمن، محمد ال جابر، بإيقاف قرارات البنك المركزي.
وتصاعدت التحذيرات لمجلس القيادة الرئاسي، من التراجع عن قرارات البنك المركزي، منذ رسالة المبعوث الأممي ومطالبته بتأجيل تنفيذ قرارات البنك.
وخلال الأيام الماضية، شهدت العديد من المحافظات المحررة مظاهرات حاشدة تأييدا لقرارات البنك المركزي ورفضا لتأجيلها، كما دشن يمنيون حملات الكترونية على منصات التواصل الاجتماعي، رفضا لأي ضغوط دولية على الشرعية للتراجع عن تلك القرارات.
ولا زالت التفاعلات في هذا الملف مستمرة حتى وقت كتابة التقرير؛ الأمر الذي يُثير التساؤل حول تداعيات تنفيذ أو تأجيل قرارات البنك المركزي وعن السيناريوهات المحتملة حول هذا الملف؟
التراجع يعزز قبضة الحوثيين على القطاع البنكي
الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي، وفيق صالح، يرى أن هناك فرق بين التراجع والتأجيل، فالتراجع كارثة بحق الحكومة والبنك المركزي، والتأجيل قد يتم إعطاء فرصة أخيرة أو مهلة للتعاطي بشكل إيجابي مع هذه القرارات، وسد الذرائع أمام الأمم المتحدة أو أي أطراف أخرى من اللعب على وتر الورقة الإنسانية".
في حديث لـ "الموقع بوست" يقول وفيق إن "ورقة السويفت التي لوح باستخدامها البنك المركزي اليمني في عدن، تعتبر من أهم الأوراق لديه، وتكمن أهميتها في أنها تستخدم مرة واحدة فقط، وبإمكان البنك المركزي في عدن الحصول على الكثير من التنازلات والمكاسب من قبل الطرف الآخر، لأنها الأخطر".
وأضاف "لو تم استخدام ورقة السويفت سيؤدي إلى شلل التعاملات البنكية في مناطق الحوثيين مع العالم الخارجي، وبالتالي أي تراجعت دون الحصول على تنازلات كبيرة ستكون خسارة كبيرة للبنك المركزي، فلن يستطيع التلويح بها مجددا، أضف إلى ذلك أن التراجع سيعزز قبضة الحوثيين على القطاع البنكي، وسيتم ابتزاز البنوك والحكومة بشكل مستمر من قبل الجماعة".
وأكد وفيق أن البنوك من مصلحتها الآن أن يكون هناك توازن وردع باستخدام الأوراق من قبل البنك المركزي في عدن، لأن هذا الأمر سيخفف من الضغط الحوثي والابتزاز المستمر عليها.
وختم الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي حديثه بالقول "إذا كان لابد من تأجيل تنفيذ هذه القرارات، فيجب على الأقل أن تحصل الحكومة على تنازلات من قبل الحوثيين لصالح القطاع المصرفي بشكل عام، وتوحيد العملة، إضافة إلى وقف الانتهاكات المستمرة تجاه القطاع الخاص".
آخر مسمار في نعش الشرعية
المحلل الاقتصادي، ماجد الداعري، اعتبر قرارات البنك المركزي سيادية، فلا سلطة قرار نقدي من أي جهة كانت، على البنك المركزي اليمني، بمن فيها مؤسسة رئاسة الجمهورية والحكومة، وفق قانون انشاء البنك المركزي وتحديد مهامه وصلاحياته.
وقال الداعري "لا يمكن لمجلس القيادة الرئاسي أو الحكومة أن تفرض قراراتها لابطال أي قرارات اتخذها البنك المركزي ودخلت حيز السريان القانوني، مالم يرى فيها محافظ البنك المركزي ومجلس إدارة البنك ما يستدعي إعادة النظر فيها من أجل المصلحة العامة".
وبشأن إعلام مجلس القيادة الرئاسي قال الداعري إن "المجلس لم يتطرق إطلاقا إلى مناقشة أي شيء متعلق بـ (التراجع أو تجميد) قرارات محافظ البنك المركزي السارية وإنما يضغط على المحافظ للتجاوب مع دعوة المبعوث الأممي الداعية للمجلس إلى (تأجيل سريان القرارات) إلى ما بعد أغسطس الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وليس لتجميدها أو تعطيلها، باعتبارها قد صدرت ودخلت حيز التنفيذ ويستحيل التراجع عنها، بعد اليوم تحت أي ضغوط أو ظروف أو ذرائع كانت، إلا بعد قبول استقالة محافظ البنك وتعيين محافظ وصفه بـ "الامعة" يبدأ عمله بقرار تعطيل كارثي لقرار سلفه الذي احتشد الشعب اليمني لتأييده بشكل غير مسبوق في تاريخ البنك المركزي اليمني".
وأكد الداعري أن تعطيل قرارات سيادية حاسمة لبنك مركزي يعتبر انتهاء لصلاحية البنك والشرعية اليمنية برمتها، باعتبار أي تراجع أو تعطيل لتلك القرارات هو فقدان البنك لصلب مهامه النقدية وتعطيل أبرز صلاحيات القانونية وانتفاء أي مشروعية أو أهمية لاستمرار وجوده بعدن.
ويرى أن "تعطيل تلك القرارات ستمكن الحوثيين من فرض قوة بلطجتهم الصاروخية ومسيراتهم بدلا من أي مفاوضات أو تنازلات متبادلة، وهذه لها تبعات كارثية، كما يمثل نجاح لهم في اخضاع الشرعية والمجتمع الدولي لرغبتهم الاستقوائية وتمرير مصالحهم بالقوة النارية على حساب مصلحة الجميع".
وتابع الداعري بالقول "ابطال تلك القرارات يمكن الجماعة من استعادة السويفت كود للبنك المركزي بكله، في أي لحظة بذات الطريقة التي نجحت فيها بتعطيل مهام وصلاحيات البنك وعطلت قراراته السيادية".
واستدرك "تراجع البنك على القرارات، انتهاء أي صلاحية للبنك المركزي اليمني المعترف به دوليا بعدن، في مخاطبة أو معاقبة أي بنك مخالف لإجراءات العمل المصرفي او متلاعب بسعر صرف العملة المحلية، طالما وقد نجحت الضغوط الباليستية في إجهاض أهم قراراته السيادية الإدارية التنظيمية للقطاع المصرفي".
وخلص المحلل الاقتصادي الداعري إلى أن "أي تراجع عن تلك القرارات السيادية، بمثابة إعلان وفاة للبنك المركزي وشرعيته، باعتبار تلك القرارات السارية المفعول القانوني، من أولويات ومهام البنك كسلطة نقدية مستقلة، فأي تراجع عنها تحت مخاوف الصواريخ الباليستية والمجنحة والمسيرات يعني انتهاء الشرعية بكل مشروعيتها وأولها مشروعية الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي ذاته".
الانقسام المصرفي وانعكاساته على معيشة اليمنيين
وكانت جماعة الحوثي قد أصدرت، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، قراراً بمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة من قبل الحكومة اليمنية في الخارج لمواجهة أزمة السيولة التي تعاني منها، بمبرر أنها دون تأمين نقدي، وتنفذ الجماعة منذ ذلك الحين حملات مصادرة لها في مناطق سيطرتها.
وتسبب قرار الحوثيين بمنع التعامل بالأوراق النقدية الجديدة، في إيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية في عدن وصنعاء، وارتفاع عمولات تحويل الأموال من مناطق سيطرة الحكومة المشكلة من المجلس الرئاسي إلى المناطق الخاضعة للجماعة إلى أكثر من 70 % من مبلغ الحوالة المالية، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على معيشة اليمنيين الذين يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة جراء الصراع الذي يدخل عامه العاشر.
ويبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في مناطق سيطرة جماعة الحوثي 530 ريالاً، في حين يبلغ في عدن 1900 ريالاً.
ويشهد اليمن تهدئة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت 6 أشهر.
ويعاني اليمن للعام العاشر توالياً، صراعاً مستمراً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بالأسوأ على مستوى العالم.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن اقتصاد البنك المركزي الحكومة الحوثي قرارات البنک المرکزی البنک المرکزی الیمنی القیادة الرئاسی للبنک المرکزی جماعة الحوثی هذه القرارات تلک القرارات تأجیل تنفیذ أی تراجع من جهة من قبل فی عدن
إقرأ أيضاً:
أبوخزام: تنفيذ “الرئاسي” استفتاءه سيقود ليبيا إلى حرب داخلية
حذر المحلل السياسي سالم أبوخزام من الاستفتاء الذي يتتزم المجلس الرئاسي إجراءه.
وأوضح أبو خزام في تصريح صحفي أن هذا الاستفتاء الذي يعد خارج صلاحيات المجلس ال ئاسي مسألة مقصودة هدفها حل البرلمان وإرباك المشهد الليبي.
ورأى أن هذه الحالة قد تقود البلاد إلى حالة فوضى توتر إلى أعمال محدودة من الحرب وقد تتوسع للأسف، والحل حينها بدعوة المجتمع الدولي للتدخل.
الوسومالاستفتاء ليبيا