هذا هو جوابي لمن يسألني لماذا لا أعود إلى لبنان
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
استباقًا لكل ما سيرد من ردود الفعل على ما سأورده ردًّا على من يلحّ عليّ بالعودة إلى ربوع الوطن، وأغلب نوايا هؤلاء بريئة وعفوية، أعود فأوكد ما سبق أن أشرت إليه أكثر من مرّة، سواء عبر هذه الزاوية اليومية في الموقع، الذي انتمي إليه مهنيًا منذ عشر سنوات من دون انقطاع، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أن الذين اضطّروا إلى الهجرية القسرية ويعيشون رغمًا عنهم خارج حدود الوطن لا يقّلون وطنية عن إخوانهم، الذين يعيشون ضمن جغرافية الـ 10452 كيلومترًا مربعًا، سواء أولئك الذين يؤمنون بأنهم يدافعون عن كل الوطن انطلاقًا من الجنوب، أو أولئك الذين يناضلون بطرق أخرى قد لا تقّل أهمية عن حاملي السلاح، الذي يُفترض ألا يكون إلا في أيدي القوى الشرعية وحدها دون سواها.
يكفي هؤلاء اللبنانيين أنهم يعانون كل يوم مرارة الغربة عن وطن الأباء والأجداد، وعن وطن يحنّون إليه في كل لحظة من لحظات غربتهم وهجرتهم. صحيح أنهم موجودون بعيدًا عن وطنهم الأم الآف الأميال، ولكنهم في الحقيقة يعيشون فيه مثلهم مثل أي لبناني، سواء الذين لم تُتح لهم فرصة المغادرة أو أولئك الرافضين تركه أيًّا تكن الظروف الصعبة التي يعيشونها، وهي كثيرة ولا عدّ لها. هم يتابعون ما يجري فيه لحظة بلحظة؛ يعيشون همومه ربما أكثر من كثير من لبنانيي الانتماء بالهوية فقط؛ يتابعون أخباره؛ يتقصّون الحقائق من مصادرها الصحيحة، وهم غير خاضعين للانتقائية في الخيارات الوجدانية.
لي صديق يعيش في لبنان، وهو بمثابة أخ لي، وقد أفنى عمره سعيًا وراء لقمة عيش شريفة، وأدّخر ما سعت إليه يداه من تحويشة هذا العمر في أحد المصارف عملًا بمقولة "خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود"، فطار "الأبيض" ولم يبق له سوى سواد الليالي و"المرمطة" و"الشحشطة". ولأنه تقدّم في السن، ولأن أيامه لم تكن مريحة بما يكفي كثرت عليه الأمراض الجسدية والنفسية، وهو بالكاد يستطيع أن يؤّمن ثمن الدواء. هو وحيد ويكاد يكون مقطوعًا من شجرة، أي أن لا سند له في آخرته ومرضه.
أصيب مؤخرًا بأزمة قلبية فلجأ إلى طبيب أشار عليه بضرورة إجرائه قسطلة لشرايين قلبه التعبة. ولولا المحبين، وهم كثر، لما استطاع أن يجري هذه العملية، التي استلزمت إدخال "راسور" لتوسعة الشريان الرئيسي للقلب. وكانت الكلفة بما يقارب الثلاثة الآف دولار، وقد استطاع تأمين المبلغ من أصدقاء ومحبي خير كثر، ولله الحمد.
ولكن، وبعد ثلاثة أشهر من إجرائه عملية القسطلة قصد الطبيب للمراجعة فتبين له بعد الفحص أن شريانيين رئيسيين يصلان القلب بالرأس "مسطمين"، وعليه إجراء عملية مستعجلة لاستبدالهما وإلا فإنه مهدّد في كل لحظة بـ جلطة دماغية".، وهذه العملية لا يمكن إجراؤها إلا على مرحلتين، وكلفة كل عملية ستة الآف دولار أميركي نقدًّا وعدًّا، أي ما مجموعه أثنتا عشرة الآف دولار، وهو لا يملك من هذا المبلغ إلى ما ندر. وبالطبع لم يلجأ إلى أصدقائه لأنه يعرف مسبقًا أن ليس في مقدورهم تأمين هذا المبلغ. لجأ إلى الضمان الصحي فتبيّن له أن التغطية لا تشمل سوى ما تعترف به إدارة الضمان، أي أن تسعيرة الدولار لا تزال ثمانية الآف ليرة لكل دولار، أي من "الجمل دينتو".
هذه هي حال صديقي المتروك لقدره ولرحمة ربه في بلد لا قيمة فيه للإنسان؛ وهذه هي حال كثيرين من اللبنانيين الذين يعيشون في بلد الصدفة، وفي بلد كل مريض فيه مشروع مقبرة.
وتسألوني بعد كل هذا لماذا لا أعود إلى وطن جعلوه مزرعة.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الديون الأميركية أكبر خطر على الاستقرار المالي.. هذا ما توصل إليه الفدرالي
الاقتصاد نيوز - متابعة
فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب أسهم في حملة قوية ضد التضخم المرتفع، ولكن بعد الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تجاهل الخبراء الماليون والاقتصاديون ارتفاع الأسعار وبدأ القلق يسري بشأن ارتفاع الديون الأميركية، والركود المحتمل، والمخاطر التي تهدد التجارة العالمية.
عبء الديون قد يكون من أهم التهديدات لاستقرار القطاع المالي، وفقاً لمسح جديد أجراه الفدرالي الأميركي ونشر في وقت متأخر من ليل الجمعة بتوقيت الولايات المتحدة.
وخلص مسح الفدرالي الأميركي إلى أن "المخاوف بشأن القدرة على تحمل الديون المالية الأميركية كانت من بين المخاطر الأكثر ذكراً. ولوحظ أن زيادة إصدارات سندات الخزانة يمكن أن تبدأ في مزاحمة الاستثمار الخاص أو تقييد استجابات السياسات في حالة الانكماش الاقتصادي"، في حين أن الضعف المحتمل في الدين العام الأميركي قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.
وبتلك التوجهات، ارتفع همّ الاقتصاد الكلي واحتمال نشوب حرب تجارية عالمية إلى أعلى قائمة المخاوف.
ارتفعت أعباء تكاليف الفائدة على الديون الأميركية إلى أعلى مستوياتها منذ تسعينيات القرن العشرين في السنة المالية المنتهية في سبتمبر، مما أدى إلى تصعيد خطر أن تحد المخاوف المالية من خيارات السياسة للإدارة المقبلة في واشنطن.
وانعكست هذه المخاوف أيضاً في سلوك سوق السندات في الآونة الأخيرة، مع ارتفاع العائدات على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات، على سبيل المثال، بشكل حاد خلال الشهرين الماضيين على الرغم من قيام الفدرالي الأميركيبتخفيض سعر الإقراض القياسي مرتين بما مجموعه 75 نقطة أساس.
وإلى جانب ذلك، كان تقدير علاوات سندات الخزانة، وهو مقياس التعويض الذي يحتاجه المستثمرون للاحتفاظ بأوراق مالية الخزانة الأطول أجلاً بدلاً من الأوراق المالية القصيرة الأجل، قريباً من أعلى نطاقه منذ عام 2010.
وعلاوة على ذلك، كانت مقاييس تقلب أسعار الفائدة فوق المعايير التاريخية، ويرجع ذلك جزئياً إلى "ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية والمسار المرتبط بالسياسة النقدية بالإضافة إلى الحساسية المتزايدة للأخبار المتعلقة بنمو الإنتاج والتضخم والمعروض من سندات الخزانة".
مخاطر الحروب التجارية
وفي الوقت نفسه، ارتفع الضعف المحتمل في الاقتصاد واحتمال نشوب حرب تجارية عالمية على قائمة المخاوف.
ووجد الاستطلاع أن "المخاطر التي تتعرض لها التجارة العالمية تم ذكرها على وجه التحديد في هذا الاستطلاع، حيث أشار بعض المشاركين إلى احتمال أن تؤدي الحواجز الجمركية إلى سياسات حمائية انتقامية من شأنها أن تؤثر سلباً على تدفقات التجارة العالمية وتفرض ضغوطاً تصاعدية متجددة على التضخم". وأشار آخرون إلى أن تدهور التجارة العالمية يمكن أن يؤدي إلى ركود النشاط الاقتصادي وزيادة خطر الانكماش.
اقرأ أيضاً: راي داليو: الديون الأميركية وقرارات الفيدرالي في مقدمة القوى المحركة للاقتصاد العالمي
وكان "التضخم المستمر" إلى جانب السياسة النقدية المتشددة للفدرالي الأميركي قد تم الاستشهاد به على أنه الخطر الأكبر في استطلاع سابق صدر في الربيع، لكنه انخفض إلى المركز السادس، إلى جانب التجارة العالمية، في الاستطلاع الحالي.
سياسات ترامب
ورغم أن هذا التضخم سبق فوز ترامب في الانتخابات، إلا أن الاستطلاع يسلط الضوء على القضايا التي من المرجح أن تكون محورية في المناقشات المقبلة بشأن الضرائب والرسوم الجمركية والقضايا الاقتصادية الأخرى.
ويرى بعض الاقتصاديين أن حزمة الإجراءات التي يخطط لها ترامب من التخفيضات الضريبية والرسوم الجمركية على الواردات من المحتمل أن يؤدي إلى زيادة التضخم والعجز الفيدرالي الكبير بالفعل في وقت تحافظ فيه أسواق السندات على ارتفاع العائدات على سندات الخزانة الأميركية.
وتستشهد قائمة المخاطر على المدى القريب التي تهدد الاستقرار والتي نُشرت يوم الجمعة بتقريري الاستقرار المالي لعام 2019، عندما كانت "الاحتكاكات التجارية" هي مصدر القلق الأكبر بعد أن أطلق ترامب حرباً تجارية مع الصين وأجبر المكسيك وكندا على إعادة التفاوض بشأن كوريا الشمالية والجدل حول اتفاقية التجارة الحرة الأميركية.
وتظهر الوثيقة أيضاً أن ترامب يرث نظاماً مالياً يبدو متيناً إلى حد كبير من وجهات نظر عديدة، ولكن مع ظهور بعض الضغوط الملحوظة.
وخلص التقرير إلى أن قيم الأصول "ظلت مرتفعة"، وهو ما يشكل مصدر قلق لأن التسعير المرتفع يمكن أن يعني انعكاسات أكثر حدة إذا تغيرت المشاعر أو الظروف، مع انخفاض السيولة وتعرض أسعار العقارات التجارية للضغوط.
وكان اقتراض الأسر "متواضعاً"، لكن التأخر في السداد كان في ارتفاع بالنسبة لبعض أنواع القروض، واقترضت الشركات بكثافة.
وظلت البنوك، التي يخضع الكثير منها لإشراف الفدرالي الأميركي مع مراقبة مستويات رأس المال عن كثب، سليمة ومرنة.
تم وصف إحدى فئات الأصول المحددة، وهي "العملات المستقرة" المستخدمة كجزء من نظام العملة المشفرة، بأنها متنامية.