المعرفة القوة الحقيقية في المستقبل
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
المعرفة هي القدرة والقوة التي نستطيع أن نقود بها المجتمع إلى الخير أو إلى الشر , ونقص المعرفة لا يعني الهزيمة النفسية والاخلاقية والثقافية بل يعني قصورنا في التفكير وعدم قدرتنا على استغلال المعرفة التي تحيط بنا من كل صوب واتجاه بما يلبي حاجتنا في حياة كريمة ويوفر لنا الأمن والاستقرار , وبالأمن والاستقرار نستطيع أن نصوغ رسالتنا إلى العالم وهي رساله قوامها العزة ومضمونها المحبة والسلام والخير العميم لكل بني البشر الذين تجمعنا بهم إخوة الدين , أو رابط الإنسانية كما عبر عن ذلك كتاب الله في خطابه لسيد المرسلين عليه وعلى آله الصلاة والسلام حين قال: « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» وقال الإمام علي كرم الله وجهه (الناس صنفان :إما أخ لك في الدين، أو مساو لك في الخلق).
لقد كان قدر المسيرة القرآنية كمشروع حامل للخيرية والعدل والعزة, وللكرامة والسلام , ومشروع ناهض ,أن يحتك بالواقع, ويصطدم بالفراغ الذي تركه غياب السلطة بعد (ثورة 21سبتمبر2014م) فكبر الفراغ على شاغليه , وترك ذلك الفراغ مساحات اشتهت الامتلاء, فكان ذلك الامتلاء من الغث ومن السمين وتراكمت الأخطاء إلى درجة التيه وضبابية الرؤية , وتقديم النموذج الغير صحيح في غالب الأحيان, وشيئاً فشيئاً بدأت حركة المجتمع تتحدث عن تناقضات وتشوهات حدثت وتحدث بفعل غياب التفكير المنظم الخاضع لعمليات الانضباط والتوجيه , والسلطة في كل الأحوال والحقب هي عامل ضعف وهزيمة لأي مشروع ثقافي وفي السياق هي محك اختبار لذلك المشروع إذا اكتملت مقوماته واتضحت رؤيته وقاده المؤمنون به , لا الذين تفرضهم الضرورة الزمنية عليه .
في تجربة (حزب الله) في لبنان مصادر قوة جعلته عصياً على الذين يستهدفونه من القوى العالمية أو العربية تلك المصادر يمكن اختزالها في مفردة (المعرفة) فهو يدير المعرفة بما يلبي حياة كريمة , وقيمه مثلى , ولم ينفرد بالسلطة يوماً ولا يراها إلا عبئاً يقود إلى فقدان القدرة والفاعلية , ونحن لا نقول هنا بالعزوف عن السلطة بل نقول بالحفاظ على القوة من خلال السلوك القويم وتحقيق مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقي والواضح, والتفكير الجاد في الوصول إلى صيغه توافقية تضمن او تكفل ممارسة الكل لنشاطه دون قيد أو انتقاص وفق ضوابط واضحة متفق عليها .
إن فقدان أدوات الحرب من معدات وأليات لا يعني تجرد الجماعات والكيانات – كما يدل التأريخ – من مقومات وجودها , ولكن فقدان المعرفة ,بما تمثله من قوة, هي التجرد الحقيقي من مصادر القوة , ولذلك نرى أن بقاء المشروع الثقافي رهن بحيوية المعرفة, واستغلال المعرفة التي تحيط بنا ,هي الضمان الحقيقي من الفشل الذي يسعى العالم كله للوصول بنا إليه.
فالحرب ليست غاية في ذاتها أو هدفاً , ولكننا قد نجبر عليها , وخيار السلام هو المعنى الحقيقي ولو جاء بشروط مجحفة كما في صلح الحديبية .
قدرتنا على الحفاظ على بوصلة التوازن النفسي والسياسي والثقافي هو الخيار الأمثل , أما السلطة فهي قضية نسبية , وليست معياراً يجب الحفاظ علية , ولذلك فتحليل الظواهر , وتنظيم الأشياء والكيانات وتجنيب الناس تبعات الأحداث في المستقبل والحفاظ على مفردات القوة, والتأثير في المسارات المختلفة , وتفعيل القدرات الذهنية في التفكير والانضباط والتوجيه , هي المسارات الحقيقية التي تضمن السيطرة على مقاليد المستقبل والتأثير في تفاعلاتها .
وثمة أمر يجب الوقوف عليه بقدر من الحيطة والحذر , وهو الزهو والغرور وهما من الصفات الأخلاقية المذمومة وقد يشكلان مقدمة لعوامل التحلل وفقدان التأثير ويمهدان للوصول إلى حالة العمه والطغيان وفقدان روح التوازن في التكوين العام , وما هو مقروء في الواقع يبعث إشاراته ورموزه , وعلينا أن ندرك تلك الاشارات والرموز والقيام بعمليات تصحيح دائمة ومستمرة , فالحوار وتنشيط الذهن تصحيح مستمر لكل التصورات الخاطئة وعلينا الاهتمام بمثل ذلك وعدم التقليل من قيمته وأهميته فالتسلح بالأسباب من قواعد بلوغ الغايات.
ولعل في تعزيز التحالفات الوطنية , وتمتين أواصرها بالاتفاقات والتفاهمات وإبداء صدق النوايا ما يقلل من اثر الاستراتيجيات التي تسعى إلى الوصول بحركة أنصار الله إلى حالة فقدان القدرة والتأثير في حركة الأحداث وتفاعلاتها وفق كل المؤشرات التي يبعثها الواقع .
كما أن الاشتغال على مأسسة الحركة لاستيعاب الطاقات وتأطيرها واستثمار قدراتها الذهنية والإبداعية والابتكارية من الضرورات التي يجب التفكير فيها مليا , فالتنظيم والتأطير قد يساهم في الحد من الظواهر الانفعالية التي تظهر في شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها وتعمل على تفكيك منظومة القانون الطبيعي وتعزز الانقسامات في المجتمع .
فالتفكير هو الذي يهب المعلومات معنى , ويجعل للمعرفة مغزى , فالمعرفة دائماً تكشف لنا عن مغزاها من خلال التفكير ويبرز معنى المعلومات بما يقوم به التفكير من عمليات التحليل , التنظيم, والتجنيب ,والتعليم, وقد قيل أنه يمكن للمرء أن يعيش حياة افضل تلبي رغباته , وتحقق ذاته , إذا ما نجح في تنظيم تفكيره, وإخضاعه لقدر من الانضباط والتوجيه , ولنا في السيرة النبوية عبرة وعظة وفي صلح الحديبية لنا كتاب مفتوح نقرأ فيه تنظيم التفكير وكيفية إخضاعه لقدر من الانضباط والتوجيه, فالقوة أو الحرب قد تكون خياراً لا بد منه كما في غزوة أحد وبدر وحنين, ولكنها ليست خياراً كما في صلح الحديبية رغم القدرة وتوفر الإمكانات.
نحن اليوم على مشارف مرحلة جديدة يفترض بنا الوقوف أمامها بقدر من الحكمة والاتزان والاعتراف بالواقع والتفكير في صناعة غيره بما يتسق مع جوهر الدين ويلامس أهم مقوماته وكلياته أو أصوله التي يقول بها فقهاء الدين وأبرز المؤثرات في مساقاته عبر التاريخ .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
تقرير أممي: إسرائيل دمرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة
خلص تحقيق للأمم المتحدة اليوم الخميس إلى أن إسرائيل ارتكبت أعمال إبادة في قطاع غزة عبر التدمير الممنهج لمنشآت الرعاية الصحية الإنجابية.
وأفادت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بأن إسرائيل هاجمت ودمّرت عمدا مركز الخصوبة الرئيسي في القطاع الفلسطيني وفرضت حصارا بشكل متزامن ومنعت المساعدات بما في ذلك الأدوية اللازمة لضمان سلامة الحمل والإنجاب ورعاية المواليد.
ردّت بعثة إسرائيل في جنيف بالقول إن الدولة العبرية "ترفض بشكل قاطع الاتهامات التي لا أساس لها".
وخلصت اللجنة إلى أن السلطات الإسرائيلية "دمّرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة كمجموعة عبر التدمير الممنهج لقطاع الصحة الإنجابية".
وأضافت أن ذلك يرقى إلى "فئتين من أعمال الإبادة" المرتكبة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تعرّف اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية هذه الجريمة بأنها أفعال ارتُكبت بنيّة تدمير مجموعة وطنية أو عرقية أو دينية بالكامل أو جزئيا.
وأفاد التحقيق بأن إسرائيل تورطت في اثنين من خمسة أفعال تعرفها اتفاقية الأمم المتحدة بأنها "أعمال إبادة"، مشيرا إلى أن الدولة العبرية كانت "تتسبب عمدا في ظروف حياتية للمجموعة (أي الفلسطينيين) محسوبة للتسبب بتدميرها بدنيا" و"تفرض إجراءات تهدف إلى منع حدوث ولادات ضمن المجموعة".
إعلانوقالت رئيسة اللجنة نافي بيلاي في بيان إن "هذه الانتهاكات لم تتسبب بإيذاء بدني ونفسي شديد مباشر للنساء والفتيات فحسب، بل أدت كذلك إلى تداعيات طويلة الأمد لا يمكن إصلاحها على الصحة النفسية والإنجابية وفرص الخصوبة للفلسطينيين كمجموعة".
أسس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة التحقيق الدولية المستقلة المكوّنة من ثلاثة أشخاص في مايو/أيار 2021 للتحقيق في الانتهاكات المفترضة للقانون الدولي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وشغلت بيلاي في الماضي مناصب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وقاضية في المحكمة الجنائية الدولية، ورئيسة المحكمة الجنائية الدولية لرواندا.
من جانبها، اتّهمت إسرائيل اللجنة بتمرير "أجندة سياسية منحازة ومحددة سلفا.. في محاولة وقحة لتجريم قوات الدفاع الإسرائيلية".
تدمير عيادة للإخصاب المخبري
وذكر التقرير أنه تم تدمير أقسام ومستشفيات الولادة بشكل ممنهج في قطاع غزة، إضافة إلى "مركز البسمة للإخصاب وأطفال الأنابيب"، العيادة الرئيسية للخصوبة المخبرية في غزة.
وقال إن مركز البسمة تعرّض للقصف في ديسمبر/كانون الأول 2023، مما ألحق -وفق تقارير- أضرارا بنحو 4 آلاف جنين في عيادة كان يتردد عليها ما بين ألفين و3 آلاف مريض شهريا.
وخلصت اللجنة إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية هاجمت العيادة عمدا ودمرتها، بما في ذلك جميع المواد الإنجابية المخزّنة من أجل الحمل مستقبلا في القطاع.
ولم تعثر اللجنة على أي أدلة موثوقة تشير إلى أن المبنى كان مستخدما لأغراض عسكرية.
وخلصت إلى أن التدمير كان "إجراء يهدف إلى منع الولادات في أوساط الفلسطينيين في غزة، وهو عمل إبادة جماعية".
كما لفت التقرير إلى تزايد إلحاق الضرر بالنساء الحوامل والمرضعات والأمهات الجدد في قطاع غزة على "نطاق غير مسبوق" مع تأثير لا يمكن إصلاحه على فرص الإنجاب في أوساط أهالي غزة.
إعلانوخلصت اللجنة إلى أن هذا النوع من الأعمال "يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية"، وإلى مساع متعمدة لتدمير الفلسطينيين كمجموعة.
إبادة
جاء هذا التقرير بعدما عقدت اللجنة جلسات علنية في جنيف يومي الثلاثاء والأربعاء للاستماع إلى شهادات ضحايا العنف الجنسي والشهود عليه.
وخلص إلى أن إسرائيل استهدفت النساء والفتيات المدنيات مباشرة في "أفعال تمثّل جريمة ضد الإنسانية هي القتل وجريمة الحرب المتمثلة بالقتل العمد".
توفيت نساء وفتيات أيضا نتيجة مضاعفات مرتبطة بالحمل والولادة نظرا إلى الظروف التي فرضتها السلطات الإسرائيلية وتؤثر على الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية، وهي "أعمال ترقى إلى الإبادة وهي جريمة ضد الإنسانية".
وأضافت اللجنة أن تجريد الأشخاص من ملابسهم علنا والتحرش الجنسي، بما في ذلك التهديد بالاغتصاب والاعتداءات الجنسية، تشكّل جميعها جزءا من "إجراءات العمل الموحدة" التي تتبعها قوات الأمن الإسرائيلية حيال الفلسطينيين.