وصل أكثر من ثلاثة آلاف بحار أميركي إلى الشرق الأوسط، الأحد، في إطار خطة لتعزيز الوجود العسكري للولايات المتحدة في المنطقة.

ودخلت السفينة الهجومية "يو أس أس باتان" وسفينة الإنزال "يو أس أس كارتر هول"، البحر الأحمر، في 6 أغسطس، بعد عبورهما البحر الأبيض المتوسط، عبر قناة السويس.

وتجلب الوحدتان أصولا جوية وبحرية إضافية إلى المنطقة، بالإضافة إلى مزيد من مشاة البحرية والبحارة الأميركيين، مما يوفر قدرا أكبر من المرونة والقدرة البحرية للأسطول الخامس الأميركي، وفق بيان للبحرية الأميركية.

وتقع العمليات البحرية للأسطول الخامس في منطقة القيادة المركزية (CENTCOM)، وتشمل ما يقرب من 2.5 مليون ميل مربع من المساحة المائية، في الخليج وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي وثلاث نقاط حرجة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب.

ويمتد نطاق عمله إلى أكثر من 25 دولة تشمل البحرين والسعودية والإمارات وإيران والعراق وباكستان، وفق موقع غلوبال سيكورتي.

ويجسد الأسطول الخامس القدرة على الاستجابة الفورية لأي أزمة ناشئة في النزاعات الإقليمية.

ويعود تاريخ القوات الأميركية في الشرق الأوسط إلى عقود طويلة. وتأسس الأسطول الخامس في 26 أبريل 1944 من قوة وسط المحيط الهادئ، وتم حله بعد الحرب. وبحلول يوليو 1995، أُعيد تشغيله بعد توقف دام 48 عاما.

وتقول البحيرة الأميركية إنها أسست في عام 1949، قوة الشرق الأوسط (MEF)، إيذانا بانتقال وجود البحرية في الخليج من دوري إلى وجود أكثر ديمومة بهدف دعم الشركاء في المنطقة.

وعلى مدى العقدين التاليين، عززت البحرية الأميركية وجودها البحري في الخليج وبحر العرب، مع تنامي المخاطر في المنطقة.

وفي عام 1971، أنشأت القوة البحرية الأميركية قاعدة في البحرين، وفي حقبة حرب الخليج الأولى، كانت المنطقة تحرسها سفن، ولكن لم يكن هناك أسطول محدد، وفي عام 1983، تم تشكيل القوات البحرية الأميركية في القيادة المركزية (NAVCENT) لتعزيز التزام الولايات المتحدة بالأمن الإقليمي.

وبعد 12 عاما، تم إنشاء الأسطول الخامس وكُلف بالعمليات التشغيلية للقوات البحرية التي يتم نشرها بالتناوب من أساطيل المحيط الهادئ والأطلسي إلى المنطقة.

ويشارك الأسطول الخامس نفس قيادة ومقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية (NAVCENT) في البحرين وكلاهما يرفع تقاريره إلى (CENTCOM).

في عام 2002، تم تكليف قائد القوات البحرية الأميركية في القيادة المركزية والأسطول الخامس الأميركي بقيادة القوات البحرية المشتركة (CMF) وهو تحالف من شركاء إقليميين ودوليين يتكون الآن من 34 دولة تدعم ثلاث فرق عمل تركز على مكافحة الإرهاب ومكافحة القرصنة والأمن البحري.

ويتولى الأسطول الخامس الأميركي الحفاظ على استقرار وأمن البيئة البحرية للمنطقة، وتعزيز القدرات البحرية للدول الشريكة من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة عملياته. ويتكون من قوات مدربة ومؤهلة وذات خبرة عالية.

More than 3,000 ???????? Sailors & Marines of the Bataan Amphibious Ready Group & 26th Marine Expeditionary Unit arrived in the Middle East, Aug. 6, as part of a pre-announced Department of Defense deployment.

Read more ⬇️https://t.co/H3fokPX1e0 pic.twitter.com/DC7Hpkju9h

— U.S. Naval Forces Central Command/U.S. 5th Fleet (@US5thFleet) August 7, 2023

وقال المتحدث باسم الأسطول الخامس، تيم هوكينز، لوكالة فرانس برس، الاثنين، إن عملية الانتشار الحديثة تؤكد "التزامنا القوي والثابت بالأمن البحري الإقليمي".

وتابع: "تضيف هذه الوحدات مرونة وقدرات تشغيلية كبيرة حيث نعمل جنبا إلى جنب مع الشركاء الدوليين، لردع النشاط المزعزع للاستقرار وتخفيف التوترات الإقليمية الناجمة عن مضايقات إيران ومصادرة السفن التجارية".

ونشرت قناة "الحرة" صورا حصرية لانتشار قطع أميركية في منطقة الشرق الأوسط، حيث واكبت عملية عسكرية أميركية بمضيق هرمز تهدف إلى حماية الممرات المائية الدولية.

وقال المتحدث باسم الأسطول الأميركي الخامس، تيم هوكينز لـ"الحرة" : "زدنا التواجد العسكري في تلك المنطقة الحرجة.. الولايات المتحدة ملتزمة تماما بأمن المنطقة".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: البحریة الأمیرکیة القیادة المرکزیة الأسطول الخامس الشرق الأوسط فی عام

إقرأ أيضاً:

هكذا سيفاجئهم الشرق الأوسط دائماً

شهد سبتمبر/ أيلول، 2021، حدثين هامين على صعيد السياسة العربية، إذ أقدم الرئيس التونسي قيس سعيّد على إلغاء الدستور وحل البرلمان، مسدلًا الستار على أنضج تجربة ديمقراطية عربية أسهم الإسلام السياسي/ الإسلاموية الجديدة (Neo-Islamismـ) في تأسيسها.

غير بعيد عن تونس، في العام نفسه، حصد حزب العدالة والتنمية المغربي – إسلام سياسي- هزيمة تاريخية مع إعلان نتيجة الانتخابات، إذ هبطت حصّته البرلمانية من 125 مقعدًا تحصّل عليها في انتخابات 2016 إلى 13 مقعدًا وحسب.

أعاد الحدثان إلى الواجهة ذلك النقاش القديم حول زوال الإسلام السياسي من المنطقة العربية، النبوءة التي تجترها منصات النقاش منذ خمسينيات القرن الماضي، كما يلاحظ محمد الدعداوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوكلاهوما.

تتمتع التيارات الإسلامية بمتانة بنيوية تجعلها مقاومة للفناء، قادرة على إعادة إنتاج نفسها حتى قبل أن تنضج الظروف. كتب الكثير عن التيارات الإسلامية، وغالبًا ما كانت الكتابة تخدم دوافع الانتقام، أو لصالح أنظمة الحكم، لا البحث العلمي. في نهاية المطاف بقيت التيارات الإسلامية، من الجهادية إلى السياسية، خارج حقل الدراسة الأكاديمية، وتركت المسألة المركّبة للمكايدة الإعلامية والدعائية المؤدلجة.

إعلان

في الشرق الأوسط الغامض والمعقد لا يستقرّ شيء على حاله، لا السلام ولا السياسة ولا النبوءات. كما لو أن ديناميكا الاجتماع والسياسة فيه تدفع الأمور لتمضي في شكل دائرة لا على هيئة شلّال.

ولعلّ أصدق لوحة كتبت عن انتصار الثورة السورية، هي تلك الجملة القائلة: "سقط الأبد". لا مكان للأبدية في الشرق الأوسط، حتى إن أشهر جملة يرددها الساسة الغربيون حول المنطقة هي "حق إسرائيل في الوجود". الطبيعة الهيولية للشرق الأوسط تجعل كل شيء غير مستقر، بما فيها المدينة العبرية المحمية بكل آلات الموت والنجاة.

ما من شيء مستقرّ في الشرق الأوسط. فكل محاولة لإعادة هندسته ليبدو جديدًا ومقبولًا تصطدم بحقيقة أنه لا بد من إصلاح ماضيه أولًا. تقع مسألة الصراع العربي – الإسرائيلي في أعلى كشف الحساب، ثم تليها مسألة الوحدة العربية، ومن خلفهما شبكة من القضايا الاجتماعية والسياسية بالغة التعقيد، وكل ذلك من الماضي المفتوح.

المشاريع الأيديولوجية التي ظهرت في الشرق الأوسط خلال القرن الماضي كانت كلها، من أقصى اليمين إلى اليسار، عابرة للحدود، وحدوية، ترفض مشروع الدولة القُطرية التي جاءت على حساب "وحدة الأمة". ماضي الشرق الأوسط ثقيل ومركّب، وهي حقيقة تجعل من "الاستقرار" حدثًا غير مستقر.

يترابط الشرق الأوسط على نحو مثير، ويحدث أن يثير بردٌ في القاهرة حمّى في صنعاء. الأمة الواسعة ذات اللغة الواحدة، والدين الواحد، والتاريخ المشترك، تعرضت لتقسيم انتحاري قبل قرن من الزمن.

ترك ذلك التشظي جرحًا كبيرًا في نرجسية المجتمع العربي المعتد بتاريخه الحضاري وبنظامه الأخلاقي. ما إن لاحت بوادر انهيار الإمبراطورية العثمانية حتى نهضت القوى الاستعمارية الكبرى آنذاك لتتدبر سؤالًا خطرًا: كيف سيبدو شكل السلم والسياسة في العالم إن نجح العرب، ذوو اللغة الواحدة، في تشكيل دولة مركزية تمتد من لبنان على طول البحر المتوسط حتى المغرب المشرف على المحيط الأطلسي؟

إعلان

المراهق المضطرب نفسيًا مارك سايكس، وكان في الثلاثينيات من عمره، وقف أمام القادة البريطانيين، ورسم خطًا من كركوك إلى عكا، قائلًا إنها بلاد شبه فارغة فلنقسمها على هذا النحو.

لم يستقر شيء منذ ذلك الحين، فالحقيقة الشرق أوسطية التي نشأت كنتيجة للحرب العالمية الأولى لا تزال حقيقة فارغة وغير مستقرة.

بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، 2001، تبنى الأميركان الفكرة القائلة إن الدكتاتورية هي المولد الرئيس لظواهر العنف والإرهاب الطالعة من الشرق الأوسط. وكتبت توماس فريدمان مقالة شهيرة جادل فيها قائلًا إنه ما من معتقل هندي واحد داخل غوانتانامو، حيث 35 ألف معتقل، برغم أن الهند تحوي أكبر تجمع للمسلمين في العالم.

في تقديره، وكانت تلك الفكرة قد صارت إلى تيار عام، أن الديمقراطية الهندية أتاحت منصّات مفتوحة للتعبير السياسي والثقافي، فاستغنى الناس عن التنظيمات السرية والأنشطة العنيفة.

فتح الربيع العربي، 2011، فرصة لشرق أوسط قابل للاستقرار وبقي العالم الغربي متوجّسًا. لم يعلق أوباما على الحدث التونسي إلا قبل رحيل بن علي بيوم واحد. استقبلت إسرائيل الربيع العربي على نحو مختلف، إذ نقلت واشنطن بوست (فبراير/ شباط 2102) عن مسؤول إسرائيلي قوله "بعض الناس في الغرب يقارن ما يحدث في مصر بما جرى في أوروبا سنة 1989. أما نحن فنراه مشهدًا شبيهًا بطهران 1979".

ثمة دلائل كثيرة تشير إلى أن الرؤية الإسرائيلية للديمقراطية في الشرق الأوسط، وجدت مكانها داخل الرؤية الغربية، وهي رؤية ستتجلى في مقالة مهمة لتوماس فريدمان (نيويورك تايمز، 27 نوفمبر/ شباط، 2011) حول إسرائيل والربيع العربي، تذهب المقالة إلى اعتبار إسرائيل "أكبر الخاسرين" من تلك الصحوة العربية.

إسرائيليًا اتخذت الاستخبارات العسكرية اسمًا غامضًا للربيع العربي "Taltala"، وهي كلمة عبرية تعني "الهزة"، وأشير إليه على مستويات أخرى مختلفة بـ "الطاعون المصري"، في سياق توراتي غريب بعض الشيء. حين يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، فإن الخيال الإسرائيلي، السياسي والأمني، يصبح مخيالًا غربيًّا.

إعلان

هل الديمقراطية حلٌّ لمعضلة الشرق الأوسط أم هي الدكتاتورية؟ يقدم الكاتب الإسرائيلي لازار بيرمان، في مقال له على تايمز أوف إسرائيل (أبريل/ نيسان،2021) إجابة صادمة: "تقوم إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي على التفاهمات الضمنية والاتفاقات المكتوبة مع المستبدين العرب، وليس مع الجماهير التي لا تقبل بالوجود الإسرائيلي بشكل كامل".

الاستبداد معضلة تخلق الإرهابيين المهددين للغرب، والديمقراطية تصدّر الإسلاميين والقوميين المعادين لإسرائيل. أخذت الخفّة "الإستراتيجية" هذا الشكل المأساوي في مقاربة الشرق الأوسط، بل وردت التناقضات على لسان المفكر نفسه – فريدمان- في مناسبتين مختلفتين.

في مقالة له على هآرتس، ديسمبر/ كانون الأول 2020، يقرر الكاتب الإسرائيلي آشيل فيفر: "بعد عشر سنوات من الربيع العربي لم يعد أحد يرى في الديمقراطية علاجًا شافيًا للشرق الأوسط". أين نذهب بهذا الشرق الأوسط، وكيف نعالجه؟

في عمله المهم "مائة وهمٍ حول الشرق الأوسط"، صدر سنة 2005، عالج الكاتب الأيرلندي فريدي هاليدي أشهر الخرافات، المفاهيم الناجزة، المتعلقة بالشرق الأوسط، سواء تلك الاستيهامات التي تعيش في خيال المنطقة، أو ما يتخيله الآخر الغربي عن حقيقة الشرق الأوسط وطبيعة سكّانه.

مائة عقيدة حول الشرق الأوسط لا تفيد شيئًا، لا في فهم ماضيه ولا من أجل التنبؤ بمستقبله. تشكل الخرافات، أو المفاهيم، التي ناقشها فريدي النواة الأساسية للخيال الغربي حول الشرق الأوسط. وإن كان الكولونيالي القديم يعتقد أن خير مقاربة للشرق الأوسط، هي تلك القائلة "اطعم العرب وجوّع الفرس"، فإن الرؤى الغربية الحديثة، بما فيها "برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية، 2002" لا تزال مقيمة في الحقل الاستيهامي نفسه، حيث القيم التقليدية – أي الثقافة – هي المعضلة، كما يلمح التقرير الأممي المشار إليه.

إعلان

تجاهل التقرير الأممي السياق التاريخي والدولي الذي تشكلت في ظله مجتمعات الشرق الأوسط خلال قرنين من الزمن، كما يجادل هاليدي. التبعية للغرب، خلق الدولة السلطوية، والاقتصادات الريعية، كل ذلك قولب مجتمعات الشرق الأوسط داخل كيانات تابعة وغير مستقرة.

من قبيل السخرية يرى هاليدي أن الدولة الوحيدة بين كل دول الشرق الأوسط التي اتخذت لها اسمًا دينيًا هي إسرائيل، وهي التي يشار إليها بحسبانها الكيان الديمقراطي الحداثي الأوحد. رفضت إسرائيل، الحداثية، تصنيف نفسها كجمهورية أو ملكية، محتفظة بحالتها المائعة في شكل "مدينة عبرية"، الميوعة التي يتطلبها ظهور "المسيح اليهودي" في آخر الزمان، بحسب هاليدي. يبدو كل شيء في الشرق الأوسط مائعًا، هيوليًا، مركبًا غير مستقر.

لنلقِ نظرة على صورة الشرق الأوسط قبل أسبوع واحد من السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. جلس جيك سوليفان- مستشار بايدن لشؤون الأمن القومي- على خشبة مسرح في واشنطن يقابله غولدبيرغ، رئيس تحرير مجلة ذي أتلانتيك، وتحدثا عن الشرق الأوسط. قال سوليفان إن "منطقة الشرق الأوسط باتت اليوم أكثر هدوءًا مما كانت عليه منذ عقدين من الزمن".

ولكي يبدو واقعيًا قال سوليفان إنه "لا تزال هناك تحديات، كمثل التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين". لكن، يستدرك سوليفان "مقدار الوقت الذي يتعين علي أن أقضيه في الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط اليوم، مقارنة بأيّ من أسلافي، قد انخفض بشكل كبير". التوترات البسيطة، كما تخيلها العقل الإستراتيجي الأميركي، زعزعت الكوكب بأسره فجأة. ضربت فراشة بجناحيها في اللامكان، في بقعة هي أبعد ما تكون عن التأثير حول ما يجري في العالم.

يفترض المفهوم الفيزيائي "أثر الفراشة" أن حركة طفيفة للغاية بمقدورها أن تحدث تغييرًا هائلًا في النتائج. وإن كان ذلك ممكنًا في سياق من الاستثناء الطبيعي في العالم، ففي الشرق الأوسط يبدو أثر الفراشة قانونًا مركزيًا. ما إن تستريح القوى الكبيرة، المحلية والدولية، لترتيبٍ ما جارٍ في المنطقة حتى ينهار البناء بالكامل؛ بسبب حدث صغير في مكان غير متوقع.

إعلان

لم يكن الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، 2001، استثناء، فالتاريخ يخبرنا أن الانتفاضة الأولى حدثت بسبب حادث سير في العام 1987. تضرب فراشة صغيرة بجناحيها، أحيانًا على شكل مزحة عابرة، فتصعد الأمواج وتضرب أبعد الأماكن.

قبل ذلك برزت طالبان من المجهول لتبسط نفوذها على كل البلاد خلال وقت قصير. ومع نهاية السنة الأخيرة من عقد السبعينيات، 1979، حدثت الثورة الإسلامية من خارج حزام التوقّعات، من اللحظة التي اعتقد فيها شاه إيران أن حكمه صار أبديًّا.

كما انطلق الربيع العربي بعد أن أشعل شاب في تونس النارَ في جسده. وعندما اعتقد الأسد أن بقاء نظامه مصلحة حاسمة بالنسبة لعدد كبير من اللاعبين الأقوياء، وأن "سوريا المفيدة" هي سوريا المخلصة والخاضعة في آن، خرجت ثورة على عجل لم تمهله سوى بضعة أيام. لا يمكن لأحد أن يتنبأ بحركة الرياح في الشرق الأوسط، حتى بالنسبة لأولئك الذين جعلوا منه حقل تجارب وادعوا فهمًا عميقًا بأحواله.

لأن السياسة لم تستقر بعد، والمدينة العربية لا تزال واحة صغيرة محاطة بالبداوة والريف، لأن كل شيء لا يزال جنينيًا، السياسة والثقافة والبحث العلمي، ولأن الظواهر المعقدة كالديمقراطية والإسلاموية والتنوّع الديني والمذهبي لم تجد طريقها إلى الدراسة الأكاديمية الحرّة، بل يجري دفنها كما لو أنه لا وجود لها، فإن الشرق الأوسط سيحافظ على سمته الجوهرية، وهي أنه مركّب غير مستقر، لا يمكن التنبؤ بمآلاته. ومن أبرز ملامح عدم استقراره، هو وقوعه تحت ظاهرة "أثر الفراشة".

لا يمكن الاستخفاف بتعقيدات الشرق الأوسط ولا تسطيحها. فعل ترامب ذلك من خلال مشروع "صفقة القرن". ترامب، الذي لم يكن يعلم أن أوكرانيا مجاورة لروسيا، كما اعترف مساعدوه، عهد بعقدة الشرق الأوسط، المسألة الفلسطينية، إلى مقاول مراهق.

أعد المراهق الشاب، جاريد كوشنر، مشروع الصفقة في حوالي 180 صفحة، تجاهل مفهوم الدولة المستقلة، القدس، اللاجئين، وسلسلة من التعقيدات الديمغرافية. بدلًا عن ذلك قدم عرضًا استثماريًا في مناطق السلطة الفلسطينية مقداره 50 مليار دولار. من نافلة القول الحديث عن مآل ذلك المشروع.

إعلان

يُراد من سكّان هذا الشرق غير المستقر الاعتراف بدولة تصرّ على القول إنها بيولوجيًا وثقافيًا كيانٌ أوروبي، وترفض تعيين حدودها الجغرافية. كل الترتيبات الغربية حيال الشرق الإسلامي، منذ وعد بلفور وحتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كانت فقيرة إلى الخيال والمعرفة في آن واحد.

الاعتقاد بأن وضع الشرق الأوسط في خانة "الاستثناء الأكبر" – ما يعني تعطيل الأعراف والقوانين الدولية حين يتعلق الأمر بوقائعه السياسية كالمعضلة الإسرائيلية – أسهم في جعل الاستثناء قاعدة.

ولا أدري ما إذا كانت الفكرة قد خطرت في ذهن بن لادن، وهو يمنح تنظيمه اسم "القاعدة". ففي رسالته إلى أميركا، نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، تحدث بن لادن عن الأسباب التي دفعته لإعلان الحرب على أميركا، في صلب تلك الأسباب استثناء إسرائيل من نظام العدالة الدولية.

في العام الماضي، 2023، اضطرت صحيفة ذا غارديان إلى حذف رسالة بن لادن من موقعها بعد أن تُدولت على نحو واسع في السوشيال ميديا. فالعقل الغربي لا يقبل القول إن هنالك أسبابًا خارجية لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وأن "القيم التقليدية" لا تصلح تفسيرًا لكل شيء.

لا يزال الشرق الأوسط في الخيال الغربي – السياسي والثقافي- هو تلك الأرض الموبوءة من داخلها، جينيًّا وثقافيًّا. وهي مكان سيقطع سكّانه رأسك إن لم يعجبهم شكل وجهك، كما قالت أغنية التتر في النسخة الأولى من فيلم علاء الدين – ديزني 1993- قبل الاضطرار لتغييرها.

لم يذهب التقرير الأممي، 2002، بعيدًا عن تلك الأغنية. فإشارته إلى "القيم التقليدية" المعرقلة للحداثة هي إشارة تصف، على نحو غير مباشر، شعوبًا على هامش الحضارة، برابرة أو همجيين، من الممكن أن يقطعوا رأس الرجل حين لا تعجبهم ملامح وجهه.

أما صفقة القرن، الترامبية، فلا يوجد في صفحاتها المائة والثمانين ما يشير إلى أن واضعيها قد أخذوا الشرق الأوسط، بشرًا وتاريخًا وثقافةً، على محمل الجِد.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الشرق الأوسط الجديد والفوضى اللاخلَّاقة
  • هكذا سيفاجئهم الشرق الأوسط دائماً
  • روسيا تتحدث عن مخطط أميركي-بريطاني يستخدم داعش لإجلاء قواتها من سوريا 
  • اطمئنان أمريكي لطريقة حكم هيئة تحرير الشام.. تقول أشياء صحيحة
  • رونالدو يتوج بجائزة أفضل لاعب في الشرق الأوسط
  • رونالدو يحصد جائزة أفضل لاعب في الشرق الأوسط 2024
  • كيف تشارك إيران في محورين بارزين وما هي المخاوف الغربية تجاه ذلك؟
  • الأمم المتحدة: "جوتيريش" يشعر بقلق عميق إزاء احتمالات حدوث مزيد من التصعيد في الشرق الأوسط
  • تحديات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. المشكلات الموضوعية
  • تحديات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. المشكلات الموضوعية